تصنيفات مسرحية

الأحد، 14 يوليو 2024

المسرح كممارسة مُجتمعية: عن مهرجان إيزيس لمسرح المرأة

مجلة الفنون المسرحية


المسرح كممارسة مُجتمعية: عن مهرجان إيزيس لمسرح المرأة

وائل سعيد - الضفة الثالثة 

على مدار سبعة أيام، جرت فعاليات مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة، في دورته الثانية، وذلك في الفترة بين 16 و22 من مايو/ أيار الماضي. حملت الدورة اسم الممثلة المصرية الراحلة عايدة عبد العزيز، وحلت دولة تونس ضيف الشرف لهذا العام.
وبحسب المركز الإعلامي، فقد تقدم للاشتراك أكثر من سبعين عرضًا مسرحيًا، وقع اختيار لجنة المشاهدة والفرز على 13 منها ليمثلوا سبع دول عربية وأجنبية، وهو ما لا يختلف كثيرًا عن عدد عروض الدورة الماضية.
تقوم على تنظيم المهرجان، برعاية وزارة الثقافة المصرية، مؤسسة "جارة القمر"، إحدى مؤسسات المجتمع المدني، ولذلك يعاني المهرجان من عدد من العقبات كان في مقدمتها توقيع واستيفاء الأوراق الرسمية للكيان، ما نتج عنه تأخير انعقاد الدورة الثانية مرة تلو الأخرى. كما تقول المخرجة عبير لطفي، رئيس المهرجان: لم تكن هذه المرة الأولى للمهرجان مع التأجيل، فمنذ البداية وقع اختيار الإدارة على شهر مارس/ آذار ليكون موعد انطلاق المهرجان من كل عام، لأنه شهر المرأة بامتياز، حيث يجمع بين يوم المرأة العالمي، ويوم المرأة المصرية، بالإضافة إلى عيد الأم، إلا أن ذلك لم يحدث مع الدورة التأسيسية، التي انطلقت في سبتمبر/ أيلول 2021 بسبب قرارات مجلس الوزارة وقتها بتجميد الفعاليات. وفي هذا العام، صادف حلول رمضان في شهر المرأة، الأمر الذي أدى إلى تأجيل جديد نأمل في أن يتم تجاوزه في العام المقبل.

فضاءات الجسد والروح
لا تقوم فلسفة المهرجان على التنافس ــ حتى الآن ــ وكونه مهرجانًا نوعيًا، فهو يهتم بالعروض النسوية، أو التي تهتم بقضايا النساء، سواء أكان صانعها رجلًا أو امرأة، لذلك نجد أن برنامج هذا العام يحتوى على ثلاث مسرحيات لمخرجين رجال، إلا أنها تتناول عالم المرأة ببطولات نسائية بالطبع.
من إنتاج فرقة مسرح الطليعة، جاء عرض "فريدة"، من إخراج أكرم مصطفى. ومن خلاله، نتابع مونودراما ناعمة لمعاناة إحدى الممثلات حين داهمها السن، فشعرت أن فنها وهن هو الآخر، كحال الجسد.

                      من العرض المغربي "فاتي أريان"


"فاتي أريان" عرض مونودراما من المغرب، من إخراج مولاي الحسن الإدريسي، ويتناول قصة فتاة قروية رغبت ذات يوم في التحرر من خنقة الجبال المحيطة بقريتها أينما ولت، فتقرر الهجرة إلى المدينة بحثًا عن فضاء أرحب يتسع لتطلعاتها وأحلامها. وكما هو متوقع، سرعان ما تكشر المدينة عن أنيابها، فتجد الفتاة نفسها تنتقل من فك إلى آخر بالوحشية المعتادة نفسها.




يذكرنا ذلك بعوالم رائعة الكاتب المصري يوسف ادريس "النداهة"، التي تم نقلها إلى السينما بالعنوان نفسه عام 1975، من إخراج حسين كمال، وبطولة ماجدة وشكري سرحان. اعتمد العرض على سينوغرافيا متقشفة إلى أقصى حد، لا تحتوي سوى على صندوق خشبي كبير تستخدمه البطلة أثناء العرض، كي تخرج منه بعدد من الأقنعة المتوالية، والتي تمثل الشخصيات المروي عنها، ممن قابلتهم الفتاة في رحلتها من القرية إلى المدينة، وتتكفل الممثلة بتجسيد هذه الشخصيات عقب ارتداء أقنعتها.
وهنا يمكننا طرح سؤال والإجابة عليه: ماذا لو كانت الشخصية في العملين رجلًا، وليس امرأة؟ وهو ما سيطرح فرصًا أكبر للنجاح؛ الدليل على ذلك كم القصص عن رجال هاجروا من قراهم إلى المدينة، ونجحوا لينضموا إلى ركب العصاميين، ذلك الركب الذي لا تجد المرأة فيه مكانًا، خصوصًا في ظل مجتمعات مستبدة ومنغلقة.
عرض آخر من مصر، بعنوان "ثلاثة مقاعد في القطار الأخير"، للمخرج مايكل مجدي، نتابع فيه مأساة نسوية أخرى لثلاث فتيات، أو ثلاث من حالات الانتحار؛ حيث كتب النص عن حوادث حقيقية. من وقت ليس ببعيد، تناولت الصحف بعض حالات الانتحار لفتيات قرويات أنهين حياتهن عن طريق تناول مواد كيماوية زراعية، وذلك بعد أن تفاجأن بصور يتم تداولها على السوشيال ميديا لم يكن في تلك الصور ما يدين الفتيات، إلا أن سطوة الوعي الجمعي التي تربين عليها زرعت في داخلهن الخوف من المجتمع، والاحتراز الذي لا ينتهي، ولا يُفوت حتى أتفه الأشياء.

                           من العرض التونسي" قبيلة"


اشتركت تونس ــ دولة ضيف الشرف ــ بعرضي "شعلة"، و"قبيلة"، يأتي الأول عن مسرحية "الدرس" لـيوجين يونسكو، دراماتورج وإخراج أمينة الدشراوي، ومن إنتاج مركز الفنون الدرامية بتطاوين. ويناقش فكرة استغلال السلطة للتحرش الجنسي في قالب ديودرامي يقوم على المواجهة الثنائية بين الأستاذ وتلميذته التي ذهبت إليه لتراجع مادة رسبت فيها، فساومها بالنجاح على شرفها. فيما تتعرض مسرحية "قبيلة" من إنتاج مسرح تياترو، وإخراج صابرين غنودي، إلى أوجاع الهم النسوي من خلال الكلمة والحركة، حيث يمزج العرض بين الأداء الدرامي والشعر، وتستعيد فيه المخرجة شاعرات من جنسيات وأزمنة مختلفة، مثل أمل خليفة من تونس، وروضة الحاج من السودان، وفروغ فرخزاد من ايران، وغيرهن من الكاتبات، بالإضافة إلى بعض النصوص للفنانة المكسيكية فريدا كالو، حيث يشير العرض إلى أنه وبرغم اختلاف الأسماء والأماكن، تبقى الأزمة النسوية واحدة ومشتركة لدى الجميع، فكلهن ينتمين إلى قبيلة لا تخطئها عين.

النفاذ من حائط شفاف
زخر برنامج العام بعدد من الفعاليات المصاحبة لجدول العروض، من بينها المحور الفكري، الذي خصص تحت عنوان "مبدعات تحت القصف"، واحتوى على عدد من الأبحاث لعدد كبير من المسرحيات من مصر والوطن العربي، بالإضافة إلى الندوة الرئيسية بعنوان "مبدعات تحت القصف"، والتي تناولت مجموعة من التجارب المسرحية تحت الحصار الممتد، بجانب ثماني ورش فنية تنوعت بين بناء الشخصيات وفن إعداد الممثل، السينوغرافيا والغناء، الذكاء الاصطناعي والإدارة الثقافية، والكتابة عن الفنون الأدائية للمبتدئين، فيما تولى الورش مدربون من مصر وتونس وإسبانيا وبولندا.





أما محور الشهادات فأتى بعنوان "كيف نفذن من الحائط الشفاف"، وقدمت فيه مجموعة من المسرحيات حكايتهن مع المسرح والمجتمع، والعيش كأنثى داخل مجتمعات عربية. تقول الكاتبة رشا عبد المنعم، مديرة المهرجان: "استلهمنا عنوان المحور من كتاب لفيلسوف فرنسي ترجمته د. دينا مندور. في كتابه "المرأة الثالثة" يصل عالم الاجتماع جيل ليبوفتسكي إلى نظرية نسوية دعاها بالحائط الشفاف، وفيها يفسر فكرته عن بعض النساء اللاتي استطعن رغم المعاناة الجندرية والمجتمعية أن ينفذن من الأنظمة القمعية للمرأة، التي أقامت ترسانات من المحاذير غير الرسمية قوامها العرف والتقاليد تقف وتحول دون وصولها كإنسان لا يتم التعامل معه بتمييز عنصري.
ولا يقف هذا الحائل الشفاف على المواجع المادية فقط، فهنالك من استطعن النفاذ بالفعل، ولكن بغير خلاص". في مسرحيتها "أنا وجهي"، من تأليف وإخراج العراقية د. عواطف نعيم، وهي من الأسماء المكرمة هذا العام، تبحث نعيم عن الصوت الحر، كما تقول في الندوة المنعقدة عقب المشاهدة، وتطرح من خلالها متاهة نفسية لفنانة شعرت بضياع وجهها بين عدد كبير من الوجوه والشخصيات قامت بتجسيدها طوال مشوارها المسرحي.
أما عرض الافتتاح "يوم وليلة"، من تصميم وإخراج نرمين حبيب، فيقدم في قالب ساخر أزمة منتصف العمر لأربع سيدات.
يتعاون المهرجان ــ في جزء كبير ــ مع عدد من منظمات المجتمع المدني الثقافية والخدمية، وبعض الجهات الدولية كمعهد غوته الداعم بشكل جزئي ــ لوجستي/ تدريبي لحاضنة نهاد صليحة، وهو مشروع يعني بتطوير عدد من العروض المسرحية للهواة من شباب الأقاليم والمحافظات الأخرى، ويأمل المنظمون في المشاريع المقبلة أن يتخطى المسرح موضوعه الفني كي يكون بمثابة ممارسة مجتمعية.

باحثات عن فضاء مغاير
بلغت العروض الأجنبية المشاركة أربعة عروض، من إسبانيا والنمسا واليابان، وتعد هذه العروض هي الأكثر تجريبًا في برنامج هذا العام؛ حيث اعتمدت في بنائها الدرامي على منهجيات مغايرة من أجل اكتشاف الجسد بين حدي المكان والزمان. يقدم لنا العرض النمساوي "ميموري" نموذجًا على ذلك. العرض من إخراج نيكار حسيب، وإنتاج مختبر "لاليش" المسرحي، الذي يهدف إلى استكشافات مختلفة للثقافة الأدائية وتقنيتها. ومن النمسا أيضًا نتابع العرض الصامت "باولا"، لفرقة "إديتا براون"، ومن إخراج وأداء ايريس هيتزنجر. يعتمد العرض على التعبير الحركي مستغنيًا عن الحوار، وهو مأخوذ عن راوية بعنوان "الجدار"، للكاتبة الألمانية مارلين هوشوفر، وفيه تتناول هيتزنجر موضوع أزمات النساء في أزمنة الحروب مستدعية الواقعة التاريخية لسقوط جدار برلين.

                                         من العرض النمساوي " باولا"


استعانت المخرجة في عرضها بخام الألومنيوم لصنع فضاء سينوغرافي لدراما المسرحية، وهي المادة التي تم اختيارها لارتباطها الدائم بحياة النساء؛ حيث كانت تقوم عليها كل صناعة مواد الطهي والطبخ من حلل وطاسات وخلافه، كما تقول المخرجة، والتي أوضحت سبب تخليهم عن الحوار في العرض واللجوء إلى لغة الجسد، وهي اللغة الأشهر عالميًا. على النقيض، يأتي عرض "اليعسوب" لفرقة ميكر أوبرا من إسبانيا، من تأليف وإخراج زيليا لاناسبا، حيث يقوم عالمه الدرامي على ما يمكن وصفه بالمباراة الصوتية بين طبقتي الصوت للمرأة والرجل "السوبرانو والتينور"، وذلك حين تكتشف مساعدة لمغني أوبرالي شهير أنه لا حدود فاصلة بين الجانبين من غير الأعراف والتقاليد المجتمعية.

                                    من العرض الإسباني "اليعسوب"

العروض هي ما تبعث الروح والحياة في الدمى، تقول إيرينا ساجي، المسرحية اليابانية، التي تشارك بعرض من مسرح العرائس بعنوان "ديراياما"، من إنتاج شركتها الخاصة التي تعمل في صناعة مسرح الدمى في اليابان. يحظى مسرح الدمى الياباني، أو "بونراكو"، بأهمية عالمية، باعتبارها إحدى الثقافات التراثية المتفردة، ما حدا بمنظمة اليونسكو إلى إعلانه "أحد أعمدة التراث الإنساني العالمي"، يقوم ثلاثة من الأشخاص على تحريك الدمية، والتي تنقسم حركتها لمستويين "خارجي/ داخلي"، ما يشكل صعوبة كبيرة يواجهها محرك العرائس لإتقان مهنته، والتي قد تتطلب عشر سنوات تدريب فقط لتحريك القدمين، وتشير ساجي إلى أن بعض أنواع الدمى في اليابان لا يتم تحريكها سوى بواسطة ــ رجال ــ وغير مسموح ــ للنساء ــ التعامل معها، وهي حتى الآن لا تعلم سببًا لذلك كما تقول ضاحكة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق