مجلة الفنون المسرحية
د. رانيا عبد الرؤوف
د.رانيا عبد الرؤوف |
فمنذ بداية العرض و يُحاط المتفرج بالعديد من المشاهد المتلاحقة، والمتناثرة؛ مجموعة اسكتشات مسرحية تضعك أمام حالة من الارتباك، كما أنها تجعلك تختبر العديد من المشاعر.
فبداية ذي بدء يجد المتفرج نفسه وسط مجموعة من الباعة الجائلين الذين يعرضون بضاعتهم، ويقتربون من مقعده، ويهتفون في أذنيه بصوت صاخب؛ فيصبح الجمهور جزءًا من الحدث ويُزج به داخل فضاء اللعب.
أما خشبة المسرح فقد انقسمت إلى عدة مشاهد، وعدة فضاءات؛ مما يحيلنا إلى تقنية المونتاج السينمائي. وقد استطاع المخرج، هاني عفيفي، من خلال اللجوء إلى تلك التقنية، أن يجسد تيمة الأحداث المتلاحقة، والمشاهد المجتزئة، والعدْوّ الذي لا ينتهي!
فذاك المثقف يعتكف داخل غرفته المكتظة بالكتب، يتفوه ببعض الجمل غير المفهومة، ويلقي ببعض الخطابات في صيغة همهمة. تصاحب همهماته موسيقى أم كلثوم، وأحيانًا أخرى ترافق كلماته الأغاني الأوبرالية المخصصة لصفوة المجتمع. لا يُلقي بالًا للجمهور ولا يأبه بعامة الشعب. ينظر داخل الكتب، يقرأ من الصفحات ويوجه حديثه إليها.
وبالوقوف عند شخصية المثقف سنجد أنه يجسد فئة النخبة. وقد اختار له المخرج حيزًا من خشبة المسرح لا يبرحه، ومنبرًا عاليًا يتحدث من خلاله، أعلى من خشبة المسرح ذاتها، ولغة أداء تبروز تقوقع تلك الفئة على ذاتها.
وتكمن المفارقة هنا من خلال خلق عالم مواز لعالم تلك الفئة من المثقفين؛ ذوات الأصوات الرتيبة، والمصطلحات غير المفهومة، والأزياء المهندمة. حيث نجد على الجانب الآخر؛ مجموعة من الممثلين الذين يؤدون دور الباعة الجائلين، بتلوينات أصواتهم المزعجة. ويتحولون في مشهد آخر إلى مغني المهرجانات بموسيقاهم الصاخبة وألوان أزياءهم المبهرجة، ثم نجدهم مرات أخرى في هيئة مجموعة من البلوجرز bloggers الذين يحاولون الاستفادة من البنية الاقتصادية المختلفة التي خلقتها ثقافة السوشيال ميديا لتحقيق الأرباح المادية السريعة.
أما على يسار شخصية الرجل المثقف فنجد شخصية الزوجة والأم التي تجلس في حيز فضائي لا تتحرك خارجه. تلك المرأة التي تجسد نموذج بعض الأمهات اللواتي يجلسن في المنزل يستمعن إلى الأخبار عبر شاشات التليفزيون، يحاولن تكديس المنتجات خوفًا من زيادة الأسعار فيما بعد؛ ومن ثم نجد الصورة المشهدية تتكون من امرأة تجلس على الأريكة طوال الوقت ويزدحم المكان حولها بالصناديق التي ترمز دلاليًا إلى ثقافة الاستهلاك والتكديس.
والجدير بالذكر أنه تم توظيف عنصر الشاشات بشكل جيد لتسليط الضوء على تيمة الحياة المتلاحقة، من خلال عرض العديد من مقاطع التيك توك السريعة بمصاحبة موسيقى صاخبة؛ مما يعمل على زيادة معدلات الكورتيزول ويجعلك تشعر بالتوتر والاختناق. فتوِّد كمتفرج لو كان بمقدورك أن توقف تلك الموسيقى الصاخبة أو أن تغلق شاشة الهاتف القاطنة فوق خشبة المسرح.
ومن ثم يمكننا القول إن عناصر العرض، جميعها، تضافرت لتسليط الضوء على تيمة وتيرة الحياة السريعة، واللحظات غير المكتملة، والتشرذم الذي أصبح سمة العصر الذي نحياه.
ولعلّنا هنا حين نتوقف عند سيميولوجية العنوان نستطيع فهم التناقض بين الأوبرا التي تحمل دلالة الأرستقراطية وتشير إلى فئة النخبة من المجتمع، وبين العتبة التي تعدّ علامة دلالية رمزية لفضاء من الصخب وساحة تجمع الطبقات البسيطة من عامة الشعب. لنخلص إلى أن أوبرا العتبة هي فضاء لغوي دلالي لفئتين مجتمعيتين لن تلتقيا أبدًا!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق