مجلة الفنون المسرحية
صدور كتاب ( الجمال من الدلالات الى النقد ) للمؤلفين : ا.د. حبيب ظاهر حبيب & د. كاظم لفتة عن دار الفنون والاداب
تم اصدار كتاب عن دار الفنون والاداب بعنوان ( الجمال من الدلالات الى النقد ) للمؤلفين : ا.د. حبيب ظاهر حبيب & د. كاظم لفتة
وقد جاء في مقدمة الكتاب : إن الشعور بالشيء والأستلذاذ به لا يخضع للموضوع الجمالي فحسب ، بل أنَّ ذائقة الأفراد لها جانب آخر غير ظاهر للعلن. وكامن في اللاوعي بحسب فرويد ، منها المواقف والعقد النفسية ، ومحددات المجتمع والدين والسلطة كما بينها فوكو .
فالإدراك هو المسؤول عن العمليات الحسية ، لكن الارتقاء بتلك العمليات يتم من خلال العقل، الموضوع الجمالي يمكن إنْ يكون موضوعاً حسناً ، أو قبيحاً بحسب ثقافتنا بالأشياء والمواقف التي مرينا بها، فتكمن أهمية الموضوع الجمالي في غايته ومدى الإفادة التي يقدمها للإنسانية والمجتمعات ، وأن أفضل ظهور للجمال يكون من خلال الفن كما يرى أرسطو ، كونه العالم الذي يجسد من خلاله الإنسان جوهر شعوره تجاه نفسه، والآخرين، والعالم .الجميع يتحسس الجمال ، لكن القليل من يفهم ذلك الشعور الذي يحدثهُ في ذاته، فالجمال مفهوم سائل مرة تجده في كلمة، وأخرى في جسد إنسان، ومرة تجده في وردة وأخرى في لوحة فنية ، ومرة تجده في الطبيعة وأخرى في الفن ، ومرة في الصناعة وأخرى في عالم الرقميات ، فمرة يكون سلطة وقوة، ومرة يكون ضعف واستغلال .
فكل شيء دون الجمال يعد ظلاماً من دون نور، وعلى أساسه تتم عملية التفاعل مع الأشياء الأخرى ، فالجمال جزء أساسي من نشاط الإنسان سوى كان بوعي أو بغيره ، فلا يمكن إنْ نتفاعل ونحب أو نختار أو نقتني شيء معين بدون ان ننجذب إليه من خلال ذلك الشعور الغامض الذي يحدثهُ الجمال، سواء كان فرحاً ممزوجاً بحزن ، أو حزناً ممزوجاً براحة وهدوء. ولهذا السبب تجد تعدد النظريات الجمالية عبر العصور ، وهذا الذي جعل كروتشه يقول : " يوجد في الجمال آراء بعدد رؤوس البشر " لذا اختلفت مساعي الفلاسفة وعلماء الجمال في فهم هذا الجمال بدءاً من السؤال الجمالي في الحضارات القديمة واليونان إلى ازدهار المعنى الجمالي في العصور الحديثة والمعاصرة من خلال الفنون .
فمن سؤال سقراط صديقه هيباس عن (ماهية الجمال) الى الفن خبرة عند ديوي ، تشكلت معاني الجمال بين الفكرة كماهية للجمال، وبين الجميل كموجود فعلي له سماته الخاصة، فما بين الموضوع والذات تتحدد المعاني الذوقية والدافع الغريزي لفهم الجميل وكيفية الافادة منه .
فالجمال جزء من قيم وعادات وثقافة وحضارة المجتمع وحياتنا اليومية ، لذلك نجد جون ديوي يربط الفن بالتجربة الحياتية ، وأنَّ وظيفة الفن عملية ونفعية، وجعل للخبرات الحياتية التي يتحصل عليها الإنسان طابعاً جمالياً. و يرى ديوي أن السؤال الفلسفي يبدأ من الدهشة وينتهي بالفهم ، أما الفن فانه يُخلق من خلال فهمنا لما سبق ما مرينا به، لكي ينتهي الأمر إلى توليد الدهشة والاثارة عند المتذوق والمشاهد . فالفن ليس محاكاة وتقليد للواقع كما هو عند ليونارد دافنشي، وليس هو محاكاة المُثل مع افلاطون ، أو محاكاة الجوهر عند أرسطو، بل هو الفعل التجريبي الذي يعالج مشاكل الحياة الواقعية، ويعمل على سد الثغرات بين الفرد والمجتمع ، لذلك كانت دعوة ديوي للاهتمام بالتربية الجمالية كجزء مهم من تقدم المجتمع والارتقاء به .
فما كان حسناً في عصر ما يمكن أنْ يكون قبيحاً في عصر آخر، أو ما كان جميلاً في بلد ما يمكن أنْ منفر ومسيء في بلد آخر، وهذا ليس خللاً في الموضوع الجمالي، بل ذلك يعود إلى ذات الإنسان وتحولاتها ، وتأثرها بالعوامل الخارجية وظروف العصر ومتطلباته ، لذا تكون التربية الجمالية مهمة للمجتمع لغرض إيجاد سبل التفاهم بين الذات الفردية والموضوع الجمالي . فتربية المجتمع جمالياً تنتج مجتمعاً سليم الذوق ، ويقبل الآخر المختلف، ويسعى إلى إيجاد الانسجام والتألف في ظل التعددية ، واضافة اللمسات الجمالية على حياتهم العادية . أما التربية الفنية فإنها تنتج مجتمعاً يقدر الفن ويبدع في إيجاد المعنى لحياة أكثر إنسانية ، فقيمة الجمال والفن قيمة أساسية في أي نشاط يقوم به الانسان، بدءاً من السؤال عن وجوده في هذا الكون إلى تعامله اليومي مع الموضوعات الخارجية. ففي السؤال يكون الجمال مجرداً، أما في الفن فيكون مجسداً، أذ أنَّ انتقال الجمال من فكرة مجردة الى موضوع مجسد يكون من خلال الفن، لذلك يعد الفن النشاط الأساسي الذي يستغلهُ الفنان كمبدع، أو الإنسان العادي كمتذوق ويوفر حاجاته اليومية ,أو رغباته الجمالية . ويرى هيغل "ان الجمال يتدخل في جميع ظروف حياتنا … انه يرتبط منذ القدم بأوثق الروابط بالدين والفلسفة. يتضح لنا بوجه الخصوص أن الإنسان لجأ على الدوام إلى الفن كوسيلة لوعي أسمى أفكار روحه واهتماماته. وقد صبت الشعوب أرفع تصوراتها في نتاجات الفن، وعبرت عنها ووعتها بواسطة الفن. إن الحكمة والدين يتجسدان عينيا في أشكال يخلقها الفن".
يعايش الإنسان منذ ولادته عدة أنواع من الجمال، ويتفاعل الإنسان - بشعور ووعي منه أم بدون شعور ووعي - مع هذه الأنواع التي تحيط به حتى مفارقته الحياة، وبالضرورة الحتمية يتأثر الإنسان ويؤثر في ما يحيط به.
وعلى هذا الأساس أخذنا على عاتقنا بيان مفهوم الجمال من الجانب النظري والعملي ,ففي الفصل الأول كان نظرة عامة عن مفهوم الجمال وعلاقته المتداخلة في الفلسفة والفن والعلوم الأخرى وأهم السمات والخصائص لهذا المفهوم، أما الفصل الثاني فكان عرضاً تاريخياً لبدايات النظرية الجمالية من الحضارات القديمة واليونان، وكان الفصل الثالث مركزاً على عرض النظرية الجمالية بطابعها الديني من خلال الفلاسفة المسلمين والمسيحيين في العصور الوسطى . والفصل الرابع كان يبحث تحولات الخطاب الجمالي في العصر الحديث والمعاصر وارتباطها بالفن والجانب العملي .
فكان الفصل الخامس يناقش تمظهرات الجمال بأنواعه الطبيعي والفني والصناعي وتداخل مجالاته. أما الفصل السادس فكان مخصصاً لآراء الفلاسفة في التربية الجمالية، والفصل السابع بينّا فيه أهمية التربية الفنية للفرد والمجتمع , أما الفصل الثامن فكان عن النقد الفني وبيان أهم المناهج النقدية .
25/3/2024
حبيب ظاهر
كاظم لفته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق