مجلة فنون المسرح
تأخذ الدمية (العروسة) جذورها (أصلها) من واحدة من أكثر أشكال الفن بدائية وأصالة – من اللعبة/المسرحية – ليس من تشخيص المقدس حسبما فُهم في بعض الأحايين، الدمى (العرائس) وُلدت من جنس استعراضي تعبيري موضوعي وتلقائي وشفاف وطبيعي سرعان ما يصبح مركباً لاستخدامه وتبنّيه لأشكال وتعابير مختلفة ومحتوى متنوع.
وبسبب طبيعته المتحولة، فإن فن العرائس كان مهاباً ومعاقباً في آن من قِبل الملوك والأباطرة والأمراء والقياصرة وكل القوى المتسلطة بما أن خاصية الخشب والقماش، وهما محبوبان وجذابان، ولكنهما في نفس الوقت تحملان موهبة وحذقاً للإدانة والنقد باستخدامهما العميق للسخرية والمفارقة والهزل بمهنية وإيقاع وتأثير مفحم.
ربما معرفتنا الأفضل على هذا الفن تعود إلى فترة طراوة الشباب والمراهقة، والتي تحمل نفس الطاقة المشحونة بعاطفة مشبوبة لا تُقاوم، وردة أفعال بنفس الشغف لما نُعجب به أو ننفعل به أو نحكم عليه أو ننتقده. وربما هذا هو ما يفسر لماذا هم أهل اليفاعة من يتصدى ويصوِّب سهامه ضد وسائط الإعلام على مستوى البسيطة والتي تحوّل المهم إلى تافه وتبحث عن مسوغات لعديم الجدوى (لتسويقه).
لعهود عديدة وجّه مسرحنا جزءاً مهماً من جهوده نحو اليافعين والمراهقين وكنا متعاملين مع موضوعات تهمهم وتشجعهم لاستخدام الدمى والعرائس للتعبير عمّا يثير ويحرِّك اهتمامهم، حتى ليتمكنوا هم بأنفسهم من تقديم موضوعات مسكوت عنها مثل العنف والجريمة المنظّمة والإدمان على الكحول والفساد وحمل الأطفال والوحدة وغيرها مما يواجهه المراهقون.
فنون العرائس قادرة، وينبغي أن يكون بمقدورها، أن تلهم صورتها عبر الإطلاع والدراسة والبحث والتجريب على أشكال وتعابير جديدة بحثاً عن الجمال والتناسق والتوافق في عروضها دون أن ننسى علاقتها بمسرح الدمى الذي لابد أن يدخل ضمنها نوع من (المسايرة) أو التسويات.
وعلى ذكر (المسايرة)، وهي كلمة تحتمل الكثير من المعاني والتعريفات، فإنه يرد في خاطري مباشرة مسؤوليتنا نحو فهم وضعنا الحقيقي في هذا العالم وما هي مواقفنا عندما نواجَه بأمثلة متعددة لاستخدام القوة المفرط في تحديات المعاصرة، حيث يتحكم الملوك والأباطرة والشيوخ – إننا لا نجدهم اليوم وهم جلوس على عروش مزركشة بالأحجار الكريمة، فهم يفضلون الأماكن المعتمة التي لا يراهم فيها أحد بوضوح. إنهم يمتلكون وسائط إتصال يمكنها إظهار أو إخفاء ملذاتهم. هذا النوع من الملوك لهو شيء له ألف من الرؤوس، إنه "الليبرالية الجديدة" المفسدة والمتوحشة؛ هؤلاء القياصرة هم فساد "متعدد الجنسيات" يضخِّم من أرباحهم ومن قوة سيطرتهم (تحكمهم)، ولكنهم لا يعيرون بالاً للخراب والدمار الذي يحيق بالكوكب الأرضي وبالتقتيل الذي يقضي على النفوس.
على العرائسيين في العالم كله أن يواجهوا القسوة وعدم المساواة وغياب العدالة مستخدمين التقنيات غير المحدودة والجماليات لنمنح الأشكال أكثر التعابير جلاء ومضاء وشخصية للعروسة الدمية، وأن نسخِّر لها اللغة المتقدة.. بل علينا إدانة الطغاة والإشارة لهم بالأصابع المرفوعة موضحين كيف أن هؤلاء الشباب، الذي يُصورون وكأنهم بلا طموح، هم مجاهدون ويسعون لتأهيل عالم أفضل وأكثر إنسانية.
إدواردو دي مورو
مسرح التمبو / فنزويلا
______________
* تعتبر الرسالة العالمية لليوم العالمي لفنون مسرح الدمى والعرائس مقدمة لاجتماع فناني العرائس في العالم في فراديرو / كوبا في الفترة 22 – 24 إبريل 2014م، إذ يكتبها لأول مرة فنان عرائس من أمريكا اللاتينية نذر حياته لفن الدمى وعبّر به عن إنسان العالم الثالث الذي ينهض إلى حياة جديدة وإنسانية جديدة تواجه "عولمة العالم" وسيطرة سدنة المال على شعوب الكون.
سيرة مختصرة: كتبها ابن إدواردو (دانييل دي مورو)
إدواردو دي مورو
الميلاد: إبريل 1928م في قرطبة / الأرجنتين / مقيم حالياً في فنزويلا.
ارتبطت حياة دي مورو مع شقيقه التوأم غير المطابق شبهاً له (هيكتور دي مورو)؛ فكلاهما شغف بالدمى وعالم العرائس، وطورا مهاراتهما معاً ومع زوجتيهما (لاورا دي روكها) و(راشيل فينوريني) من خلال فرقتهما (لاباريجا) – "الثنائي". لقد أمكن لهما عبر إلهام مبدع أن يتوصلا إلى دراماتورجيا عرائسية خبرها معهما (جافير فيلافاني) و(بدرو راموس) و(سيزار لوبيز أوكون).
لقد أفلح الشقيقان (دي مورو) عبر التنظيم والإرادة والعزيمة والإصرار أن يحوّلا نشاطاً تلقائياً بوهيمياً غير محترف إلى نشاط مهني حرفي له جدواه ونظامه وقوانينه. في المهرجان الدولي للعرائس في بوخارست (رومانيا) في العام 1960م فازا بالجائزة الثالثة من بين عشرات الفرق من أمصار العالم، فنتج عن فوزهما جولة في البلدان الاشتراكية حيث تعرّفا على الفرق المحترفة العريقة وتكوناتها وبرامجها ونهجها الفني وتوجهاتها الفكرية، مما دفع بإدواردو دي مورو إلى تأسيس حيّز للدمى ومسرح العرائس بمرجعيات ومرامي اجتماعية – الأمر الذي مكّنه من الحصول على منحة الدولة لتمويل عروض وأعمال تتوجه إلى المجتمع فأسبغ على التجربة اللاتينية عديد الجوائز والامتيازات، ولكن أظهر قوة وإخلاص عملهما وبخاصة نحو المهنة وتطوير فاعليتها في أوساط الأطفال والمجتمع.
أصبحت فرقة (تيمبو) والمعهد الأمريكي اللاتيني للعرائس والدمى في (جوانير) نموذجاً للدمى وعالم العرائس؛ إذ كتب على واجهة المبنى: "بالنسبة للفنان، فإن الثقافة هي خدمة، وبالنسبة للدولة فإنها التزام، وبالنسبة للناس فإنها حق لا مندوحة عنه." وهذا الفهم هو ما يؤجج شعلة حبنا للدمى وفنون العرائس ويبقيها متقدة.
_____________
نقل الرسالة والسيرة إلى اللغة العربية: يوسف عايدابي (السودان)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق