تصنيفات مسرحية

الجمعة، 29 أغسطس 2014

داخل البحراني: 'فرقة المسرح العربي الكندي' محاولة لتوظيف مواهب الفنانين العرب في كندا

مدونة مجلة الفنون المسرحية 



الفنان العراقي المغترب يؤكد أن الفرقة هي ثمرة جهود لأبناء الجاليات العربية التي تقطن مدينة كتشنر وبعض المدن المجاورة.

عرفته منذ عقود مسكون بهاجس المسرح، حمل حلمه، وتنقل بين محطات حياتية مختلفة تعثرت خطواته بفعل ظروف ذاتية وموضوعية إلا أنه ظل يصارع الظروف مؤمنا ًبضرورة تحقيق الانتصار وقهر المستحيل حتى تمكن الانعتاق نحو أفق الحرية، وبدأ يطلق بلورات مشروعه الفني شيئا ً فشيئا ً إلتقيته في كندا على هامش فعاليات مهرجان الايباك فكان معه هذا الحوار:
• تنوعت تجربتك بين التأليف والتمثيل والإخراج أين تجد نفسك؟
ـ منذ ولوجي عالم المسرح الذي فتنا بكل ما تتضمنه طقسيته من النص وسحره الادبي مرورا ً بعناصر الإخراج وشغل الممثل الذي يطلق العنان الى الفنان الممثل لإطلاق موهبته التمثيلية ليعيش حالة التجلي في الأداء وعلى الرغم من سحر الاجواء المسرحية متجسدة بعناصرها على الخشبة إلا انني أعشق الكتابة وأحب التمثيل بدرجة متباينة، وأجد ُ نفسي في أحيان كثيرة في مجال الإخراج أكثر لا سيما حينما أشعر أن ثمة رؤيا وشكل قد تبلورا في ذهني ويستحقان التجريب لذا أمضي في تقديم مشروعي الإخراجي، وأحاول جاهدا ً إيصال رؤيتي وتصوراتي وفهمي لمفردات النص الذي يستفز مخيلتي كمخرج ويحرّك طاقاتي الاخراجية.
• كيف تصف مسيرتك المسرحية في العراق وكندا وسط جملة الظروف العصيبة التي مرت على حياتك الشخصية؟
ـ لم يكن خافيا ًعلى أحد طبيعة المشهد الذي كان سائدا ًإبان فترة النظام السابق حيث كان فضاء الفرص محصورا ًبثلة من الأسماء المحسوبة على النظام وزبانيته، لذلك كانوا هم من يستفيد من الفرص المتاحة والايفادات والمشاركات الداخلية والخارجية، وفيما يتعلق ببدايات تجربتي مع الفن التي كانت عام 1979 في فيلم "الخوف" المأخوذ عن رواية للكاتب الكبير عبدالرحمن منيف التي تحمل عنوان َ"شرق المتوسط" واشترك في هذه التجربة السينمائية شباب ٌ موهوبون أذكر منهم عماد جاسم، حقي إسماعيل، أحمد شاكر، والفنانة الرائعة زينب علي التي كانت تعمل بجد وتأمل وكان عمرها آنذاك 15 عاما، وهي الآن كاتبة ومخرجة وفنانة تشكيلية مهمة وزوجها أخي وصديقي باسم مهدي الدليمي، ومن خلال هذا اللقاء أوّجه لها تحية حبٍ واحترام حيثما تكون وأغلب الظن أنها تعيش في بريطانيا.
وتعاون معي في تلك التجربة السينمائية جابر الغرباوي الذي تعلمت منه الكثير، بعدها دخلت معهد الفنون الجميلة، وفي نهاية العام الدراسي الأول ألقي القبض على مجموعة من المبدعين في مجال المسرح وأعدم منهم من أعدم مثل الصديق حسين حنيص والد الفنان المبدع مرتضى وآخرين لا أود هنا أن أذكر أسماءهم كي لا أنكأ جروح اندملت، وعلى خلفية هذا الحدث هرعت ُالى منطقة الأهوار هاربا ًوبقيت ُهناك أكثر من ثلاث سنوات والتقيت هناك مناضلين مهمين بقيادة البطل كريم ماهود، بعدها أصدر النظام البائد عفوا ًعاما ًوعدتُ على إثره وأسستُ فرقةَ مسرح العقيدة في مركز شباب الزعفرانية وهنا تعرفت ُعلى وليد العبيدي وقدمتُ مسرحية "الفزاعة" للكاتب العراقي الكبير عباس الحربي بعدها تعرضتُ للملاحقة انا وكادر العمل من قبل جلاوزة النظام السابق.
وأتذكر أني كنت ُأعدُ النص َلغرض تمريره من الرقابة وأعمل بشكل آخر وهذا الاسلوب كنتُ قد اتبعته عندما قدمت ُ مسرحية "بائع الدبس الفقير" للكاتب العربي الكبير سعدالله ونوس. وفي عام 1982 تم سوقي الى الجيش وتم إرسالي تحديدا ً الى منطقة الحدود العراقية السورية التي تدعى (أج 3) وخدمت ُ في القوة الجوية في أبعد نقطة صحراوية في العراق ووقتذاك كنتُ أعدُ مسرحية "المهرج" للكاتب العربي الكبير محمد الماغوط وأجري تمريناتي مع فرقتي المسرحية في أجازتي العسكرية وفي نفس الوقت إنضممت ُلفرقة مسرح اليوم وعملت ُمع الفنان الراحل عادل كوركيس ود. صبحي الخزعلي، والمبدع حسين الحيدري والزميل رضا المحمداوي، وياسين ماهود، وقدمنا مسرحية (جيقو) وهي مسرحية أعدت عن نص للكاتب والفنان الرائد يوسف العاني الذي كان يحمل العنوان "الضربة الموجعة".
وفي هذه الأثناء تمت ملاحقتي مجددا ًوملاحقة كادر المسرحية لأن المسرحية تضمنت إشارات رمزية عن الطاغية وابنائه، وبعدها بفترة وجيزة أعلن مجلس قيادة الثورة البائد قرارا ًمفاده قبول أي عضو عامل في نقابة الفنانين العراقيين بمعهد الفنون الجميلة بغض النظر عن الشهادة، وقد سعدتُ لهذا الخبر كثيرا ًلأنني اعتقدت ُأن بإمكاني العودة لمقاعد الدراسة وإكمال دراستي الأكاديمية في مجال المسرح، ولكن سرعان ما تفاجأت لدى مراجعتي الإدارة بأن القرار لا يشملني كوني من المفصولين لأسباب سياسية علما ًأن أغلب الذين تم قبولهم وليس جمعهم كانوا وكلاء أمن للنظام السابق، ولكوني عسكري تقدمت ُبطلب لفرقة المسرح العسكري للانضمام إليها وتم إختباري من قبل اللجنة والغريب في الأمر أني لم أُقبل كعضو ٍفي فرقة المسرح العسكري، وحاولت معرفة السبب ولم أتمكن من معرفته إلا بعد سنوات عندما إلتقيت بصديقي الفنان المرحوم خضير الساري حيث قال بأن هناك مؤشرات سياسية سلبية حالت دون قبولك وتم إعتبارك عنصرا ً غير سائر في خط الثورة. ولا أنسى ضحكته البريئة عندما أردف قائلا ً (اني هم طردوني من المسرح العسكري) والحديث يطول عن هذه الذكريات المريرة وهذا ما تناولته في العرض المسرحي الأخير الذي قدمته على خشبة مسرح مدينة (كتشنر) الكندية الذي كان بعنوان "إسمي داخل البحراني" حيث كان العمل بمثابة صرخة كل المبدعين المهمشين ومنهم صديقي المرحوم الفنان المرحوم كريم جثير، وصديقي الموسيقي الذي أعدمه النظام البائد في سابع أيامه زواجه حيث كانت عناصر الأمن تقتحم مدينة الثورة كل يوم خميس بعد منتصف الليل لتصفية المناضلين الشرفاء.
• عملت َ في أروقة الإذاعة والتلفزيون والمسرح كيف تقيّم تجربتك الفنية؟
ـ على الرغم من انني ساهمت ُ ببعض الانشطة الفنية في مجال الإذاعة والتلفزيون من خلال بعض التجارب الدرامية، والمعروف أن لكل فن من هذه الفنون خصوصيته التي تكمن في وسيلة التعبير التي يمتلكها كل واحد من وسائل الإعلام هذه، حيث الإذاعة تعتمد الصوت بالدرجة الأولى والمؤثرات الصوتية التي تساعد في إنتاج الصور الذهنية لدى المستمع، وكذلك التلفزيون الذي يعتمد على الجانب البصري الصوري، وبالتأكيد لكل فن متعته الخاصة وآليات عمله وأنا أعتز ببعض ما قدمته من تجارب على صعيد الاذاعة والتلفزيون، إلا أنني أجد ُ نفسي في المسرح لأنه الفضاء الأكثر رحابة بالنسبة لي والذي يمكنني أن أبث َفي رسائلي الفنية المسرحية بشكل مباشر للجمهور الأمر الذي يفتح الباب أمام حالة من التفاعل المباشر حيال ما يطرحه العرض المسرحية من شفرات وعلامات ومضامين فكرية بأسلوبه الجمالي ما يجعل دائرة الجدل تدور لإكتشاف المعاني الكامنة في العرض المسرحي الذي يعتمد خطابه على اساليب تختلف عن اسلوب الاذاعة والتلفزيون حيث خطابهما مباشر وحدود استخدام الاساليب الرمزية محدودة، بينما المسرح لديه القدرة على إنتاج الرمز بأشكال مختلفة ويوجد هامش لاستخدام التورية وغيرها لتمرير تلك الرموز التي تطلق ومن ثم تدخل فضاء َالتأويل والقراءة الجديدة المرتبطة بكيفية تلقي الخطاب.
• تم تشكيل فرقة المسرح العربي الكندي في مدينة (كتشنر) وتعتبر أحد مؤسسي هذه الفرقة ما هو مشروعكم المسرحي الذي تودون تحقيقه عبر هذه الفرقة؟
ـ قبل عام ونيف تقريبا ً إنبثقت فرقة المسرح العربي الكندي في مدينة (كتشنر) الكندية التي نقيم فيها والفرقة المذكورة هي ثمرة جهود لأبناء الجاليات العربية التي تقطن هذه المدينة وبعض المدن المجاورة حيث تم استقطاب عدد من المشتغلين بفن المسرح من ممثلين وفنيين ومؤلفين ومعنيين بالشأن الفني والمسرحي لتتبلور الجهود باتجاه ترسيخ تقاليد مسرحية هنا تخص جاليتنا العراقية والعربية وقد قدمت الفرقة حتى الآن عددا من العروض التي لاقت إستحسان الجمهور الكندي لما تضمنته من طرح إنساني وتعددت طرق المعالجة الاخراجية لهذه العروض بين الكوميدي والتراجيدي والأساليب الحديثة وذلك تبعا ًلطبيعة النصوص المقدمة، وقد وجدنا تفاعلا ً إيجابيا ً مع نشاطات الفرقة ونحن بصدد تقديم المزيد من العروض المسرحية والمشاركة ببعض التظاهرات الثقافية التي تنظم هنا، والغرض من تأسيس هذه الفرقة هو جمع العناصر المشتغلة في مجال المسرح وإتاحة الفرصة لبعض التظاهرات الثقافية التي تنظم هنا والغرض من تأسيس هذه الفرقة هو جمع العناصر المشتغلة في مجال المسرح، وإتاحة الفرصة لها لإطلاق مشروع مسرحي يرتقي بالذائقة الجمالية، ويتصدى لأبرز موضوعات الساعة التي تملأ وسائل الإعلام سواء الوضع في العراق او غيره من بلدان المنطقة، وأود الإشارة ايضا ًإلى أن الفرقة لديها ورشة عمل متكاملة لتكون مواكبة لحركة التطور المسرحي.
• كيف تنظر الى مستقبل المسرح العراقي؟
ـ ما يزال المسرح العراقي بخير ولكن ما يخشى عليه هو الانعكاس السلبي الذي قد يحصل نتيجة الاوضاع السائدة في العراق والمتعلقة بالوضع الامني والصراع السياسي وعدم إكتراث المؤسسات الثقافية والفنية بضرورة تلافي أخطاء الحقبة السابقة وإطلاق العنان للتجارب الشبابية وزج المواهب الشابة في المهرجانات والتظاهرات الثقافية المختلفة وتغيير أساليب العمل القديمة التي تنطوي على بيروقراطية مقيتة فضلا ًعن المحسوبيات وغيرها نتمنى ان يعي القائمون على كيان المسرح العراقي أهمية تشذيب المسرح من بعض الظواهر السلبية والمتمثلة بمحاولة إعادة إنتاج أساليب المسرح التعبوي وتوظيف هذا المفهوم لصالح حزب معين او تيار سياسي، لا بد ان يبقى الخطاب المسرحي خطابا ًإنسانيا ًجماليا ًمتحررا ًمن سطوة الاحزاب والشللية الإدارية وان يعيد المسرح العراقي ألقه عبر تجارب فنية ترتقي بالذوق العام وتسهم في بناء العراق الجديد على أسس صحية.
ولا بد أن ينأى الخطاب الثقافي بنفسه عن دائرة الصراعات السياسية والحزبية وأن يكون للمثقف والفنان العراق موقف أخلاقي يجعل من الوطن والشعب قضيته لا الاحزاب وزعمائها من أجل بضعة دولارات. 


قاسم ماضي – ديترويت (الولايات المتحدة)
ميدل ايست أونلاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق