مدونة مجلة الفنون المسرحية
مسرحية المقهى |
الرؤية الإخراجية مع الإشتغال السينوغرافي يخلق ثيمة أكاديمية مثقّفة
مسرحية المقهى التي قدمتها الفرقة الوطنية للتمثيل بدائرة السينما والمسرح للأيام 23 و 24 و 25 / 12 / 2014 على خشبة المسرح التجريبي المجاور لمبنى المسرح الوطني من سيناريو وإخراج تحرير الأسدي وسينوغرافيا علي السوداني وأداء ياس خضير ، مرتضى حبيب ، وسام عدنان ، محمد بدر ، حسين وهام وتحرير الاسدي
تناولت حكايتها سرداً لوقائع يومية يعيشها المجتمع العراقي بأزمان متداخلة ومنفصلة خاضت في تفاصيل أكثر من ثلاثين سنة ، حيث قامت فكرة العرض على تشضية الشخصية التي توافرت في أوقات مختلفة متمثلة في 1/ الحرب 2/ الحصار 3/ القتل على الهوية 4/ مصادرة حرية الرأي .. وهي مسارات واقعية لازال إرتباطها ندياً بالذاكرة الشخصية للمتلقي وكذلك لا يفوت القائمين على العرض أن تتداخل هذه الأزمان بالزمن الحاضر عن طريق الشخصيتين المقيمتين في والمقهى واللتين تمثلان – حسب فلسفة العرض – الشخصية الإنهزامية التي تعشعش في الكثير من مفاصل حياتنا والتي تنظر الى سلبيات الواقع عادة أكثر من إيجابياته وتقوم بتوجيه النقد واللوم لكل شيء ، لا شيء ، إلاّ لأجل النقد ..
تداع حر
وتمثَّلَ طرح مسارات العرض المذكورة آنفاً عن طريق ، مايشبه ، التداعي الحر لشخصياته ، أو السرد الذي تواصل طيلة فترات العرض ، بمعنى أنه لم يكن هنالك من صراع درامي أو حبكة قائمة على مع معطيات تقليدية أو غير تقليدية ، كان هنالك سرد متواصلا لقصص أشخاصٍ عايشوها وتأثروا بها ، الجندي الذي خاض حرباً ليست حربه وقُتِلْ ، والأجير اليومي الذي جثم الحصار على قلبه ومات بلا عناء يذكر ، والعاشق الذي كان كل ذنبه أنه أحبّ إمرأة من الجهة الأخرى وطالته رصاصات الطائفية الرعناء ، والصحفي الذي لم يستطيعوا مصادرة صوته لكنهم صادروا حياته بشكل رخيص في النهاية ..
هذه بإختصار حكاية المقهى ، العرض المسرحي الذي تداخلت فيه الرؤية الإخراجية بتفاعل مع الرؤية السينوغرافية – لأول مرة تقريباً في عروض الشباب – لكن وقبل الخوض في ذلك أود أن أقول أن طريقة تناول الحكاية من النص المكتوب الى فضاء العرض أصابت المخرج بالإنهاك في المعالجات الدرامية لإنتفاء الصراع أولاً وللتشابه في طريقة تمثل الشخصيات شكلاً ومضموناً حيث التكرار المستمر منذ البداية الى النهاية في طريقة عرض الشخوص لمعاناتهم ، وهذا التكرار ولّد تكراراً آخر هو الإرتباط بالمقهى عن طريق مفردة ( القنفة ) التي كانت محوراً رئيسياً في ظهور الأحداث ، وربما يقول القائل ، أن ذلك كان مقصوداً ، وأقول نعم ربما ، لكن القصدية هنا لابد لها من التحليق في الفضاء المسرحي المتنوع لمفهوم التكرار الفني لا التكرار الممل بحد ذاته ، والذي كان متسيداً لفضاءات المشاهد .
اداء تمثيلي
من جهة أخرى فإن رتابة أداء الممثلين سحبت البساط من تحت أقدام الدهشة التي كان من الممكن إثارتها لدى المتفرج لو أنهم إجتهدوا أكثر في نحت الشخصيات بشكل أكاديمي للدرس التمثيلي ، فالعرض إعتمد بإيقاعه على هذا الأداء والذي شاهدناه باهتاً غير منسجم مع الشكل العام المنشود ( رغم التألق الواضح لياس خضير ) ، فالعرض إعتمد خطة إخراجية تمحورت على اللعب بالإيقاع في الشكل والأداء لكن الأخير كان غير ذي قيمة بشكله العام . كذلك فإن اليومي المتداول في المقهى في حياتنا الإعتيادية لابد له أن يختلف تمام الإختلاف عن اليومي المتداول في المقهى الفني المسرحي ، حيث يقول هيغل ” ان الجمال الفني أسمى من جمال الطبيعة لأنه نابع من الروح ” فهل شاهدنا روحاً فنية إرتفعت بأدب المقهى في شكله اليومي الفج والمتداول الى شكل أكثر تأثيراً من ناحية اللغة والحوار ؟ على العكس فقد شاهدنا عرضاً تكدست فيه لغة الشارع اليومية بلا أدنى متعة لغوية تُذكر .
الرؤية الإخراجية والمعالجة البصرية
إعتمد مصمم السينوغرافيا على الفضاء المفتوح واللون الأسود الذي يحيط بذلك الفضاء ، كذلك عمد الى تصنيع ممرات لحركة الآثاث بشكل جانبي مستقيم من اليمين الى اليسار وبالعكس عبارة عن سكك من الحديد تمشي عليها قنفات المقهى في إشارة واضحة لمرور الزمن كقطار لا نستطيع اللحاق به من أجل تحقيق كل أحلامنا ولإرتباط الحركة الدائمة لهذه القنفات بحركة الأحداث التي مرّت طيلة الثلاثين سنة ، وكانت الإستعارة بادية للعيان حيث شُبِّهَ العراق بأكمله بالمقهى الذي تدور في ثناياه وزواياه أحداث كثيرة عديدة جسام ، وتمر فيه شخوص كثيرة مختلفة الأهواء والأمزجة ، وعمد مصمم السينوغرافيا الى إستخدام البؤر الضوئية من جميع فضاءات المسرح وجوانبه ليخلق تناغماً جمالياً في الشكل أفلح في تحقيقه لكن لم تشكّل هذه البؤر الضوئية مفتاحاً رئيسياً للتحكم بإيقاع العرض عن طريق التنفيذ التقني والحسي لها أثناء المشاهدة ، بل ظلت رهن وظيفتها الإعتيادية المتمثلة بالكشف عن الشكل وبتحقيق الجانب الجمالي ، إضافة لإعتماد المصمم على التشابه في تحقيق هذه البؤر الضوئية ليوحي لنا بمعنى واحد للمعاناة وإن إختلفت الشخوص ، وكان بإمكانه التلاعب أكثر بالشكل والمضمون لو أنه لعب على وتر التنوع والإختلاف والمشابهة في آنٍ واحد ، ومايؤخذ على العرض وقوعه في الرتابة والتكرار طيلة الوقت حيث كان من الممكن جداً إدهاش المتفرج باللهب على مفردات أخرى أكثر حيوية من الممكن إطلاقها على هذه السكك ومفاجأتنا بها ، مفردات المقهى الأخرى مثلاً ، أو مفردات الحرب ، أو الحصار ، أو الحبيبة الغائبة ، كل هذا التنوع في المفردات كان من الممكن أن يخلق تناغماً مختلفاً ثرياً يسير بالعرض المسرحي الى فضاءات رحيبة من الحيوية .
ولا يفوتني أن أبدي إعجابي الشخصي بالمشهد الأخير من العرض الذي كان مدروساً بعناية وإرتفع بالعرض الى سماء أخرى غير ماشاهدناه بها طيلة فترة المشاهدة لأن المخرج والسينوغراف إجتهدا بهذا المشهد للخروج بثيمة مثقفة وأكاديمية واعية إختلفت عما سبقها من ثنيات العرض ككل .
ختاماً أقول ..
التجربة والممارسة تثري الكثير من القنوات الإبداعية في المسرح ، وتجربة المقهى خطوة ممتازة على الطريق الصحيح لشبابٍ آلوا على أنفسهم الإجتهاد والتعب وبذل المزيد من الجهود من أجل إنضاج طاقاتهم ورؤاهم حباً بالمسرح العظيم ، ولا ضير في أن نتعلم من كل خطوة نخطوها من أجل ترصين تجاربنا المسرحية المستقبلية .
المصدر : الزمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق