مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني
مازال مبدعو المسرح العراقي وعلى مدى عقود طويلة يفرضون حضورهم في المشهد المسرحي سواء من خلال ماقدموه من ابداعات مغايرة وفاعلة أم من خلال حصدهم الجوائز والمراكز المتقدمة في جميع المحافل والمهرجانات والمنتديات المختلفة التي ربما يعجز أي باحث مهما بلغ من الدقة والحرص والمهنية عن إحصائها بشكل متكامل لاسيما أن هذه النجاحات والانتصارات الابداعية المسرحية تحققت في مختلف الظروف والازمان ولم تؤثر عليها حتى توجهات السلطات الحاكمة وطنية كانت أم ديكتاتورية أم استبدادية.
ومن هنا جاءت المشاركة الاخيرة الناجحة والفاعلة والمشرفة للفرقة الوطنية للتمثيل في دائرة السينما والمسرح بمهرجان المسرح الاردني بنسخته الثانية والعشرين التي انعقدت في العاصمة الاردنية عمان في الرابع عشر من تشرين الثاني المنصرم بمسرحيتها المهمة والفريدة شكلا ومضمونا وهي مسرحية ( مكاشفات ) التي تعد واحدة من روائع راحلنا الكبير فنان الشعب قاسم محمد وإخراج الفنان المبدع غانم حميد الذي عرف طليعيا وحداثويا وتجريبيا في جميع ماقدمه من أعمال مازالت راسخة في الذهن لما أثارته من جدل فكري وإبداعي مازالت آثاره الى اليوم . وتقاسم دور البطولة فيها الفنانان القديران د. شذى سالم بدور ( عائشة بنت طلحة بن الزبير ) ود.ميمون الخالدي بدور ( الحجاج بن يوسف الثقفي) وبمشاركة الفنان فاضل عباس مع فريق عمل فني وتقني محترف ومتمكن من أدواته الى حد كبير الامر الذي أسهم وفقا لكل هذه المعطيات والمؤشرات والعناصر المكونة لهذا العرض الذي جسد الصراع الازلي بين الديكتاتورية والضحية حيث يحاكم الديكتاتورية ورمزها الحجاج الموجود في كل زمان ومكان - كما تؤكد المسرحية والواقع – في اسقاط واضح على واقعنا العراقي والعربي الراهن في تحقيق نجاح جديد شكل مقدمة وقاعدة لنجاح ونصر مسرحي جديد يلوح في الافق.
فها هي فرقتنا الوطنية للتمثيل التابعة لدائرة السينما والمسرح وعبر هذه المسرحية (مكاشفات) التي ستعرض يومي الاربعاء والخميس السادس والسابع من هذا الشهر(غدا وبعد غد) على المسرح الوطني للمرة الاولى في بغداد تتصدر المشهد المسرحي العربي من جديد في واحد من أهم وابرز مهرجانات المسرح العربي إن لم يكن أهمها ألا وهو مهرجان المسرح العربي بدورته الثامنة الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح الذي سينعقد في دولة الكويت الشقيقة بين العاشر والسادس عشر من شهر كانون الثاني الحالي حيث ستنافس على نيل جائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة لأفضل عمل مسرحي عربي للعام 2015 وذلك بعد ترشيحها من اللجنة العربية المكلفة والتي اجتمعت في مقر الهيئة بالشارقة بحضور الاساتذة : د. بطرس روحانا لبنان، ود. دينا أمين مصر، ود. لخضر منصوري الجزائر، وأ. محمد العوني تونس، وأ. محمود أبو العباس العراق . إذ بلغ مجموع العروض التي نظرت اللجنة في ملفاتها في التصفية النهائية 133 عرضاً من 20 دولة منها ثماني عشرة دولة عربية ودولتان من مهاجر المسرحيين ومن بين 15 مسرحية عراقية سبق أن تقدمت للمشاركة . وستدور رحى المنافسة الابداعية لاقتناص هذه الجائزة والفوز بها مع سبعة عروض مسرحية عربية مهمة هي الاخرى وتتمثل في (صدى الصمت) إخراج فيصل العميري تأليف الكاتب العراقي الراحل قاسم مطرود– الكويت و(التلفة)إخراج نعيمة زيطان تأليف د. رشيد أمحجور– المغرب.و(ك أو)إخراج نعمان حمدة. تأليف جميلة الشيحي– تونس. و(مدينة في ثلاثة فصول)إخراج عروة العربي تأليف مصطفى الحلاج– سوريا. و(سيد الوقت) إخراج ناصر عبد المنعم تأليف فريد أبو سعدة– مصر.و(لا تقصص رؤياك) إخراج محمد العامري.تأليف اسماعيل عبد الله – الإمارات . و(وزيد انزيدلك) إخراج فوزي بن براهيم. تأليف عبد الله البصيري– الجزائر.
ولعل أهمية هذا العرض ( مكاشفات ) تنبع من تأكيد مخرجه المبدع غانم حميد الذي عرف كيف يشتغل على مناطق الدهشة والابتكار وتكريس لغة الصورة التي شكلت معادلا موضوعيا لحوار جزل وبليغ ومتين "هذه التجربة تمثل لي تحدياً كبيراً وأنا عارف وعالم بقدرتي وتطورها وإلا من يجرؤ اليوم على أن يقدم مسرحية شعرية بلغة فخمة ربما تكون قديمة في بعض بناءاتها وموزونة وتتوسل في بعض أماكنها بالقافية برغم ضعف قدرة التلقي العام الباحث عن السهولة والايجاز والكثافة في رسم الموضوعة وتقديمها لكني قادر على أن أقدم تجربة تتجاوز ما قدمت برؤيا معاصرة وبتقنيات اخراجية حصيلة نجاحات عدة مضت".
فهذا "العرض الذي يلامس الواقع مباشرة وهوعراقي عربي وطني يبحث في مفهوم الشعب وسلطته والديكتاتورية ومعارضيها .. " يراهن المخرج فيه على قدرة النص وقدرته كمخرج وقدرة من يعمل معه فجميعهم مبدعون ويضم الجناحين الابداعيين المهمين اللذين يحلق بهما : د.شذى سالم ود.ميمون الخالدي بكل ماينطويان عليه من عمق وقدرة وقابلية على الاداء المميز ناهيك عن الفنان فاضل عباس فضلا عن باقي أعضاء الفريق المبدع المجنون في مهنته والمبتكر فيها السينوغرافي علي السوداني والصوت ومقتضياته والموسيقى لفرض مناطق في العرض لها جمالياتها لايصال رسالة العرض الفكرية والابداعية دون نسيان الفنان احسان هاني مساعد المخرج الدقيق والحريص ومديرة المسرح المخضرمة نهلة داخل المعروفة بحرصها ومتابعتها المحسوبة ومدير الانتاج زياد الهلالي .
وكما تمنى مبدعنا غانم حميد " أن يكون هذا العرض فتحا جديدا لمسرح حيوي وعودة حقيقية للتلقي ورجوع أمثل لقدرة الكلمة التي بني على أساسها المسرح مع الاعتزاز بالصورة فالأذن تعشق قبل العين أحيانا.." فإننا نتمنى أيضا أن يحقق نصرا جديدا للمسرح العراقي الاصيل بحصد هذه الجائزة المهمة التي لم يحظ بها المسرح العراقي من قبل برغم مشاركاته في دورات المهرجان السابقة . فهذا النصر الجديد نراه يلوح في الافق أو هو قاب قوسين أو أدنى بإذنه تعالى.
عبد العليم البناء
المدى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق