مجلة الفنون المسرحية
عن اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة، صدر للدكتورالمسرحي مجيد حميد الجبوري كتاب بعنوان «دراسات في المسرح العراقي المعاصر»، يقع في 160 صفحة من القطع الكبير. الدكتور مجيد من مواليد بابل 1952 ويدرّس في جامعة البصرة منذ للعام 1992 بصفة أستاذ مساعد، وحاصل على جائزة أفضل ممثل للعام 1985، وأفضل ممثل ثان للعام 1988، وأفضل ممثل في مهرجان منتدى المسرح للعام 1995، وأفضل ممثل في مهرجان الموندراما للعام 1998. كما قام بإخراج العديد من المسرحيات لفرق مسرحية مختلفة. ترجمت مسرحيته «الصدى» الى اللغة الكردية، وقدمت في السليمانية في العام 1985 وترجمت، أيضًا، إلى اللغة الإسبانية. وترشحت لنيل جائزة أفضل عرض مسرحي في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته الحادية والعشرين للعام 2009 وكانت من إخراج الفنان حاتم عودة، وقد مثلت شخصيتها الفنانة بشرى إسماعيل.
الكتاب، موضوع هذه القراءة، تضمن مقدمة وثلاثة فصول. حمل الفصل الأول عنوان «كاظم الحجاج بين درامية الشعر وشعرية الدراما» وتضمن الفصل الثاني «دراسة في بنية المسرحية العراقية المعاصرة في البصرة. المؤلف يعرب طلال نموذجا»، في حين تناول الفصل الثالث قضية التجريب في المسرح العراقي المعاصر في عقد الثمانينات.
يقول المؤلف في مقدمة الكتاب إنه تناول الكثير من التجارب المسرحية العراقية في عقد الثمانينات، وأخذ عيّنة لثمانية عروض مهمة تميزت بالتجريب، متناولا اجتهادًا تطبيقيا للبنية الدرامية في المسرحية العراقية المعاصرة.
ويؤكد المؤلف في الفصل الأول أن الشعر والدراما قرينان لا يفترقان، منذ عرفت الإنسانية الأدب، واكتشفت إمكاناته في جعل الحياة أكثر قبولا للعيش. وجميع المظاهر الدرامية التي كانت تشتمل عليها الطقوس الدينية والتقاليد الاجتماعية اقترنت بالشعر. وحتى بعد انفصال المسرح عن الطقوس الدينية، فإنّ الدراما بقيت تكتب شعرًا إلى أن ظهرت الواقعية كمذهب أدبي في القرن الـ 18 إذ لم يكتب الدراما خلال أثر من 17 قرنا غير الشعراء. بل إن مقياس الشاعر المُجيد في أوروبا كان يتوقف على قدرته في كتابة المسرحيات، وعلى ماضي قصائده المشبّع بروح درامية؛ سوفوكليس، يوربيدس، بن جونسون، وشكسبير، وهيغو وغوته وشيللر وغيرهم. وقد كان للواقعية الأثر الكبير في تحول لغة الدراما إلى النثر بحجة تقريبها من لغة الحديث اليومية. وهذا لا يعني خلو المسرح في العصر الحديث من المحاولات الشعرية على يد آخرين، منهم( جان أنوي وإليوت ولوركا ومن العرب عبد الرحمن الشرقاوي، وصلاح عبد الصبور، ومعن بيسيسو، وخالد الشواف.
لعبة الاحتمالات
بدأ المؤلف دراسته النقدية لشعر كاظم الحجاج من خلال ثلاثة مباحث، هي: درامية الشعر في في قصائد كاظم الحجاج، وشعرية الدراما في مسرحيات كاظم الحجاج، وملاحظات حول البنية الدرامية لمسرحيات كاظم الحجاج. تمدد هذا الفصل على ثلاثة مباحث، ليخلص منها إلى أن البنية الدرامية لمسرحيات الحجاج تتميز بالبساطة المتناهية، وهذا لا يعني السطحية أو الضعف، بل الوضوح، وما يعبّر عنه بإسلوب السهل الممتنع. وهذا لايتوفر إلا لمن خبر الكتابة وعرف أسرارها. كما حصلت المسرحيات على حظ وافر لدى النقاد بدليل أنها فازت بجوائز مهمة. كذلك تضمنت المسرحيات العابًا مسلية، كما في مسرحية الساعة التي تضمنت لعبة الاحتمالات بين الرجل والمرأة، وهي لعبة الزمن.
سنّ النضوج الدرامي
تناول الفصل الثاني يعرب طلال نموذجا لدراسة بنية المسرحية العراقية المعاصرة في البصرة. وهي دراسة تختص بالنص المسرحي ومعطياته التفسيرية والتأويلية، من دون التعرض لدراسة العرض، ذلك لأنها تعدّ النص الركيزة الأساسية في عملية النتاج المسرحي وعماده الأول. والكاتب الفنان يعرب طلال من كتاب البصرة المهتمين في المسرح، وأعماله لم يقتصر تقديمها على مسارح البصرة بل قدمت الكثيرمنها في بغداد أيضا.
ويختم المؤلف هذا الفصل بأستنتاجات عن مسرح يعرب طلال، أهمها:
1- تميزت مسرحياته بتنوع موضوعاتها وافكارها التي استوعبت هموم الانسان المعاصر محليًا وعربيًا وربما عالميا.
2- في مسرحياته الطويلة تأثر بأساليب فن الموندراما.
3- تميزت أعمار شخصياته بكونها في سن الأربعين للرجال، والثلاثين للنساء وهو سنّ النضوج.
4- كما ظهرت شخصياته منعزلة عن محيطها الخارجي.
5- وظهر واضحًا ميل الكاتب نحو الحبكات الداخلية.
تركيب الفضاء المسرحي
خصص المؤلف الفصل الثالث للتجريب في المسرح العراقي المعاصر في الثمانينات، وقد اختار ثمانية مسرحيات مهمة في المسرح العراقي، وهي مسرحية «صراخ الصمت الأخرس» من تأليف محي الدين زنكنة وإخراج الدكتور عوني كرومي وتقديم فرقة المسرح الشعبي وقدمت على مسرح الستين كرسيا. وهي مسرحية تحمل استشراقا مستقبليًا، ورؤية متخيلة لحياة إنسان قادم؛ إنسان لا نعرف عنه شيئا في الوقت الحاضر.
ومسرحية «ترنيمة الكرسي الهزاز» من إخراج الدكتور عوني كرومي وتأليف فاروق محمد، وتقديم فرقة المسرح الشعبي، وعرضت في منتدى المسرح. ويدور العرض حول امرأتين تعانيان إحباطا نفسيًا واجتماعيًا وعاطفيا. الأولى مطربة والثانية امرأة عانس. المثير في التجربة يكمن في تزاوج موهبتين: الأولى درامية والأخرى شعرية في إبداع نص مسرحي متكامل صالح للعرض، ما يؤكد أصالة التجربة لأنها أعادت للأذهان الأصول الشعرية للمسرح.
كما اختار «مسرحية الملك لير» للمخرج المبدع الدكتور صلاح القصب صاحب مسرح الصورة لشكسبير، وتقديم الفرقة القومية للتمثيل وعُرضت في مسرح الرشيد. ويمثل الموت القيمة الأساسية للعمل. وهوليس الموت الفسلجي المعروف بل هو الموت بقيمة مطلقة، أي موت الذهن، والمشاريع، والعلاقات الإنسانية، وموت الحب، وموت العقل. كذلك اختار للمخرج صلاح القصب مسرحية «عزلة كريستال» للشاعر الدكتور خزعل الماجدي، وتقديم طلبة كلية الفنون الجميلة، وهي، أيضا، تتناول قضية الموت المرتقب، وهي الموضوعة الأثيرة لدى الدكتور القصب على ما يبدو. واختار للمخرج الراحل هاني هاني الذي اشتغل على فضاء الغابة، مسرحية «الناس والحجارة» للكاتب المغربي عبد الكريم بو رشيد، وتقديم الفرقة القومية للتمثيل، ومثلها الفنان عزيز خيون. وقد توافر العرض على تجربة متفردة في تركيب الفضاء المسرحي لم يشهد لها المسرح العراقي مثيلا من قبل، فبدلا من أن تمتد أرضية خشبة المسرح مسطحة أمام المتفرجين أذابها في هذا العرض كي تستقيم عموديًا مشكّلة جدارًا قائمًا أمام المتفرجين الذين توزعوا إلى قسمين متقابلين يفصل بينهما الجدار القائم في الوسط (وهو عبارة عن قضبان وهياكل حديدية).
كما اختار المؤلف من مسرحيات هاني هاني مسرحية «ألف حلم وحلم» تأليف فلاح شاكر وقدمت على المسرح الوطني، وقد شكل هاني وفلاح ثنائيًا قدّما العديد من العروض المسرحية منها مسرحية «قصة حب معاصرة» التي فازت بجوائز مهمة في مهرجان قرطاج المسرحي في تونس. المسرحية، حسب طريقة فلاح شاكر، يقدمها على شكل سيناريو أولي يتضمن مشاهد وأحداثا رئيسة مختزلة تبين الخطوط الأساسية لمجمل النص، ثم يجلس مع المخرج جلسات عمل مشتركة، ويأخذ توجيهات المخرج ليعيد كتابة النص ثانية بصيغة تفصيلية ويحضر التمارين مع الممثلين لاستكمال ما يلزم استكماله في أثناء التمارين، وقد أثمرت هذه الطريقة نتائج جيدة وهي تجربة جديدة في مسرحنا.
الصمت المسرحي
المخرج الآخر الذي اختار من مسرحياته مسرحيتن، هو الفنان عزيز خيون, الذي يتميز بالمجموعة الفاعلة في العمل المسرحي. حيث يركز على فريق العمل ويخلق بينهما الانسجام والتفاهم والحب ويستفزهم لخلق تفجير أقصى الطاقات لديهم.
والمسرحيتان هما مسرحية «ألف رحلة ورحلة» تأليف فلاح شاكر، وتقديم فرقة نقابة الفنانين وعرضت على مسرح الرشيد. والمسرحية الثانية مسرحية «مطر يمة» تأليف عواطف نعيم وتقديم الفرقة القومية للتمثيل.
خلاصة البحث الذي توصل اليه المؤلف، عبر متابعة تجارب المخرجين الأربعة (عوني وهاني والقصب وخيون) يمكن تلخيصها بالآتي:
- إلغاء تأثير مسرح العلبة التقليدية،
- إعلاء شأن الصورة المرئية على المسرح والاهتمام بالتكوينات المسرحية والتقليل من شأن الكلمة في العرض،
- البحث عن عناصر جديدة في التعبير المسرحي،
- تنشيط دور المجاميع وإعطاؤها فاعلية أكبر،
- اعتماد توصيفات جديدة لتوصيف الجهود الفنية في العرض،
- إسناد دور مهم ومركز إلى الإضاءة في العرض بما يجعلها لغة خاصة،
- إعطاء فترات الصمت دورًا كبيرًا مما يزيد من فرصة التأمل والتفكير بما يجري على المسرح،
- التجريب لم يقتصر على فضاء العرض بل سبقه تجريب في فضاء النص الدرامي.
------------------------------------
المصدر : قحطان جاسم جواد - الأسبوعية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق