مجلة الفنون المسرحية
يعتبر فن الايماء المسرحي واحدا من ضروب الاداء الاصيلة في التعبير عن الظواهر التي يتداخل فيها الخارجي بالباطني.. ولعله من الاساليب الفنية التي اسست للمسرح.
غير ان هذا الفن المتفرد والراقي لم يحض باهتمام كاف من قبل النقاد والدارسين والمهتمين به الى جانب افتقار تاريخنا المسرحي قصير العمر لهذا النوع من المسرح واقتصاره على تجارب ومحاولات فردية هنا وهناك لم تؤسس لتجربة مسرحية رصينة ومتكاملة في هذا الميدان وربما كان هذا دافعا لدائرة الشؤون الثقافية لاصدار كتابين في هذا المجال لسد جزء من النقص الحاصل في مكتبتنا فقد اصدرت في العام الماضي كتابا للناقد المسرحي علي مزاحم عباس وقد صدر الكتاب عن الموسوعة الصغيرة التي تعاود الكرة ثانية فتصدر كتابها الثاني في مجال المسرح الايمائي لمؤلفه (اندره مازبراندت ) والمعنون (مسرح توما شفسكي الايمائي).
وقد تصدى لترجمة الكتاب يحيى صاحب) الذي حاول بترجمته ان يضع امام فنانينا ومخرجينا تجربة جديدة في المسرح المسرح الايمائي وان يضع وهذا هو المهم رؤية جديدة في الاخراج من الممكن ان تفيد منها مسارحنا الدرامية حتى قدر ما تستوحيها النصوص المكتوبة.
قسم المؤلف كتابه الى فصول ثلاثة خصص الاول منها الى الحديث عن بدايات المخرج توما شفسكي وخطواته الفنية الاولى في عالم المسرح عامة والمسرح الحركي والايمائي خاصة اما الفصل الثاني فقد خصصه للحديث عن تقنية الاداء الحركي والصامت حسب تنظيرات (توما شفسكي في حين كرس الفصل الثالث للحديث عن اهم اعمال (توما شفسكي) والتي قام باعدادها واخراجها وكتابة سيناريوهاتها.
قدم المسرح البولوني لنا شخصيتين عملاقتين في المسرح فبعد غروتوفسكي ها نحن نتعرف على (توما شفسكي) كمخرج مسرحي بولوني مهم اخر وبعد المسرح الفقير للاول نتعرف على مسرح الحركة للثاني وفي كليهما نتعرف على رؤيتين شخصيتين للمسرح طرفها الاول في كتابة المسرح الفقير اما الثانية فيطرحها هازبراندت مؤلف هذا الكتاب مستقطرة وهي رؤية المخرج توما شفسكي في مسرح انبثق عن المسرح الام، المسرح الدرامي هو المسرح الايمائي لقد هيأت عراقة المسرح البولوني لبنيها تاريخا وبدلا من ان يكتفوا به، فتحوا الابواب على وسعها لرياح المسرح العالمي الجديدة.
فمن مسرح المختبر خرج مسرح غروتوفسكي الفقير، ومن المسرح المنمق الساكن خرج مسرح الحركة الصامت لتوماشفسكي ومن مسرح كريكوت خرج المسرح المستقل والمسرح اللا ممكن ومسرح الموت مسبوقة جميعا ببيانات تاديوش كانتور.
وكلها تدل على الجهود التي بذلت لغلق مسرح بولوني يجسد رؤى ورؤيات مخرجي بولونيا الجدد.
يستعرض الكتاب في فصله الاول التاريخ الفني للمخرج توما شفسكي الذي يرى ان الحركة هي توكيد للحياة يتناولها بوصفها حياة. وهي لهذا كما يقول انعكاس لحياته الخاصة ايضا، انها توسع وجوده وتهبه من الاحساس الشامل المزيد تحلله الى عناصره وتركبه في الوقت نفسه. وهذا هو السبب كما يعترف توما شفسكي الذي جعله يعلق اهمية كبيرة على الحركة ويبني مسرحه من خلالها (في البدء كانت الحركة).
في عام 1945 القى هنريك توما شفسكي نفسه في كراكوف اذ تلمس طريقه الى مشغل مسرح (ايفوكال) فوجد نفسه تحت رعاية مدرس ومخرج ومصمم بارز شغل نفسه بتدمير الاعراف المسرحية السائدة واستبدالها باعراف جديدة.
ظل توما شفسكي خلال المدة 1945 ـــ 1947 على اتصال بمشغل (كال) لاكتساب البداعة في حرفة التمثيل واسرار فن الاخراج وقد راى الاستاذ نفسه في توما شفسكي كسبا لممثل من الممكن ان يدفع به الى المسرح الدرامي بيد ان توما شفسكي سجل بسرية في فرع معرفي اخر رقص البالية تحت اشراف (فيلكس بارنيل) مؤسس فرقة بالية بارنيل البولونية ومبدع فن البالية الامر الذي اثار مع (كال) نزاعا مؤقتا في (كال) اعتبر افتتان توما شفسكي فن البالية خيانة للمسرح تقريبا وقد خمد النزاع امام اصرار توما شفسكي فاظهر الاستاذ اهتماما بعمل تلميذه وطفق يفكر في رسم خطط مشتركة لمسرح الحركة.
وبعد ان استقر توما شفسكي منذ عام 1949 في روكلاف التف حوله رفاقه المتبرمون بفن البالية شرعوا في التجريب ومن ثم شكلوا فرقة مستقلة تماما فكان التمثيل الصامت بالاضافة الى اشكال الرقص الحديث.
وبعد ان حقق توما شفسكي بعض النجاحات الشخصية كممثل صامت في مهرجانات شبابية وطلابية اسس عام 1956 محترفا للتمثيل الصامت وقدم فيه عمله الاول الذي يتألف من اربعة مشاهد في التمثيل الصامت كتبها واخرجها توما شفسكي بنفسه (محكوم بالحياة، احدب نوتدردام ، المعطف لكوكول، ثم حكاية الزنجي الصغير، والاميرة الذهبية.
وقد اعلن توماشفسكي في معرض الحديث عن مسرحه الصامت (ينوي مسرحنا الصامت ان يعرض المضمون الواقعي مستخدما الاسلوب الخيالي. اما موضوعاتنا فتنبع من الادب ومن الحياة ومنهما نحاول ان نستوحي الالهام الانساني.
وقد عمل توما شفسكي لسنوات طويلة بعد ذلك في تدريب مجاميع كاملة من الممثلين الايمائيين مؤسسا مسرحه على البنية الجماعية وعلى العمل الجماعي والاداء الجماعي. وثابر على اجتذاب الممثلين الى مسرحه الجديد من ذوي الاختصاصات الابداعية الاخرى (المصممين ، الموسيقيين ، الملحنين) . ان فن التمثيل الايمائي في مسرح توما شفسكي محكوم بعدد يسير من القواعد الاساسية ذلك ما يشرحه لنا مؤلف الكتاب في الفصل الثاني الذي يتناول الجوانب التقنية في مسرح توما شفسكي الذي يميل مسرحه الى المسرح الدائري لان الحركة التى هي جوهر مسرحي تجري في الابعاد الثلاثة وفي الزمان ولهذا فهي تتطلب مكانا ثلاثي الابعاد ايضا فالانسان هو المركز البؤري لـ(المسرح الدائري) ويوضح لدينا الفصل الثاني مفهوم التدفق كما يراه توماشفسكي(هو امتيازنا التشريعي واستعدادنا الروحي اللذان يجبران الجسد على ان يؤدي فعلا محددا وبالتالي فان (التدفق) هو ضرب من التعبئة الروحية والبدنية يكتشف التعبير في التركيز والتحفز للعقل وللبدن.
ويخلص الفصل الثاني في سطوره الاخيرة الى ان التمثيل الايمائي هو فن الحركة فن الاداء المناسب لكل انسان فالحركة هنا هي تحويل ذو معنى مركب الاغراض محددة ان الممثل الايمائي لن يعثر عليه في الشارع اذ انه نتاج نظام معقد من التدريب الحرفي الذي من خلاله تنمو مهاراته الفنية. اذ لابد من ان يبقى جسده وروحه في حالة من التوازن وليس من التراخي عليهما ان يكونا متكاملين متكايفين ومحددين بعضهم بعضا في عملية نموها لهذا السبب يصور (توما شفسكي الممثل الايمائي بـ(رياضي حساس).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق