مجلة الفنون المسرحية
يكتسي التساؤل حول طبيعة حضور المسرح في المشهد الثقافي المغربي راهنية متجددة. ولا يسأم الكثير من المسرحيين المغاربة من إعادة طرح السؤال المؤرق عن جماهيرية أب الفنون التي انكمشت بسبب سطوة الصورة، أو لأسباب أخرى دفعت المسرح إلى ذيل أولويات "الاستهلاك الثقافي".
يسأل المهتمون "هل نضب زيت قنديل الإبداع المسرحي حتى صار فنا نخبويا ¿"، ويجد التساؤل مشروعية مفترضة في ظل نزوع العديد من المسرحيين إلى التجريب والتجريد الغامض.
ويبدو أن هذا السؤال يشبه، إلى حد كبير، السؤال الذي طرحه المبدع الروسي أناتولي فاسيليف الذي تكفل بكتابة كلمة اليوم العالمي للمسرح وقراءتها حين بدأ بالتساؤل : "هل نحتاج للمسرح ¿"، بحسب ما لاحظ المسرحي المغربي مصطفى الرمضاني، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء.
وهو سؤال "معقول"، يعلق الرمضاني، لا سيما "في ظل ما صرنا نعيشه من هيمنة الجانب المادي على حساب الجانب المعنوي في مختلف المجالات، بسبب هيمنة سلطة العولمة وآثارها التي لا تخفى على أحد، خصوصا في العالم الثالث الذي نحن جزء منه".
وبعيدا عن سيل الفنون العابر للقارات، ينأى المسرح بجانبه عن صخب الألوان وضجيج الأصوات المنثالة عبر الفضاء، راضيا بركح ضيق في مسرح أو ساحة. ويفقد أب الفنون الحق في حضانة أبنائه، لأنهم "خلقوا لزمان غير زمانه"، وفق التحليل الذي يستحضر السياقات التاريخية والاجتماعية والثقافية في قراءة الظواهر.
ويؤكد مصطفى الرمضاني، الفنان والناقد المسرحي، هذا الطرح، معتبرا أن "جماهيرية المسرح تتقلص يوما بعد يوما بسبب سطوة الصورة وقوة تأثير وسائل الاتصال الحديثة، لاسيما في ظل ما صار يطلق عليه بالفضاء الأزرق، فضلا عن تنوع الفضائيات وما تتيحه من حرية التنقل والاستمتاع بما يرضي فضول المتفرج".
لكن ثمة من يقول إن المسرح لم يرغب يوما في تحقيق جماهيرية "زائفة"، تصنع نجوم الصورة وتدغدغ العواطف، إذ كانت وظيفته، منذ نشأته الإغريقية الأولى، تحريك المشاعر و"تطهير النفس"، بتعبير الفيلسوف الإغريقي أرسطو، وإفشاء القيم الإنسانية الكونية المشتركة.
لم يسع أب الفنون منذ نشأ، إلى "تسول" جماهيريته، ولا ينبغي له أن يفعل. المسرح "كان دائما شأنا عاما"، يؤكد مصطفى الرمضاني، الذي تم تكريمه مؤخرا في مهرجان "مسرح وجدة".
والمسرح، أبعد من ذلك، وجه من أوجه الحضارة، يعكس المستوى الحضاري للأمم، يؤكد الرمضاني متمثلا بمقولة المسرحي الألماني برتلوت بريخت الذي كان يردد : "أعطني مسرحا متقدما أعطيك مجتمعا متقدما".
ويضيف أستاذ المسرح والثقافة الشعبية بجامعة محمد الأول بوجدة أن "المسرح يعكس مدى تطور المجتمع أو تخلفه لأنه مظهر من مظاهر المدنية والتحضر. وغيابه أو تخلفه يعني غياب المدنية أو تخلف المجتمع".
-------------------------------------------------------
المصدر : اخبار المغرب -akhbarona
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق