تصنيفات مسرحية

الثلاثاء، 5 أبريل 2016

التجريب في مسرح الشباب تحولات الوظيفة وحدود المصطلح / صميم حسب الله

مجلة الفنون المسرحية

ينتمي مصطلح التجريب إلى قائمة المصطلحات التي تتداول في المسرح على نحو واسع، على الرغم من انه أحد المصطلحات الإشكالية التي لم تزل قادرة على إثارة العديد من التساؤلات، ولاسيما مايتعلق بماهية العرض التجريبي، وأين يكمن إختلاف عناصر العرض التجريبي السمعية والبصرية عنها في العرض (التقليدي)
 إذا إعتبرنا ان العرض المسرحي مجموعة من العناصر السمعية والبصرية تعمل على وفق نظام دلالي، فضلا عن إحتكامها على خاصية التحول من السمعي إلى البصري وبالعكس، الامر الذي دفع الباحث إلى إثارة السؤال التاليSadهل ثمة تجريب في العرض المسرحي؟) ، وبمعنى آخر إذا كانت العناصر المسرحية تعتمد خاصية التحول في إشتغالها فإن مفهوم التجريب ينبغي ان يقع خارج حدود إشتغالها التقليدي ، على إعتبار أن مصطلح التجريب إرتبط منذ نشأته الأولى عند الإغريق مع التجديد في العرض المسرحي، أو بوصفه” كسر مدرك والإتيان بمدرك جديد” ولم تزل هذه السمة ملازمة للمصطلح.

وقد أسهمت المناهج النقدية الحديثة في تطوير العرض المسرحي لاسيما المنهج (السيميائي) تكشف عن طريقه توافر العرض المسرحي على نظام علامي متنوع، الأمر الذي تحول معه التجريب من مفهومه العام إلى علاقات تركيبية تسهم في تطوير قدرة العلامة على التحول وإنتاج المعنى على المستوى الفكري والجمالي، الأمر الذي بات فيه التجريب مقتصراً على توظيف عناصر سمعية بصرية تسهم في توليد الدلالة المسرحية ، ويعود ذلك إلى ان العرض المسرحي الحديث بات يتكئ على قدرة المتلقي في إلتقاط العلامات المتوافرة في فضائه والعمل على تحليلها بما ينسجم مع الثقافة المعرفية التي يحتكم عليها المتلقي نفسه.  وعلى وفق ماتقدم فإن الباحث سيعمد إلى تحديد مسار البحث في دراسة (التجريب في مسرح الشباب).  عوداً على بدء فإن الإطلاق المصطلحي وتنوع إشتغاله هيمن على الحقل المسرحي وبات يشكل عبئاً على الدراسات المسرحية، ولاسيما مايرتبط بالمحور البحثي الذي نحن بصدد التعاطي معه والمتمثل في (مسرح الشباب) ، الذي شكل بدوره دليلاً حاضراً على تفشي فوضى المصطلح، وعدم توافر آليات الضبط الإصطلاحي التي تمنحه نسقاً معرفياً محدداً، وبرغم ذلك فإن مصطلح (مسرح الشباب) بات متداولاً في العديد من الدراسات الاكاديمية والمقاربات النقدية، إلا انه ظل بعيداً عن الصياغة العلمية التي يتأسس عليها المصطلح لما يحتويه من إنفتاح فضفاض على عدد من المسميات التي تندرج تحت مسمى (مسرح الشباب). أي مسرح ذلك الذي يمكن نطلق عليه (مسرحاً للشباب)؟ ونحن أمام مجموعة من القرائن التي يمتلك كل منها خصوصية التعامل مع المصطلح.أن (مسرح الشباب) يرتبط إبتداء بتوافره على صفة (الشباب) التي يمكن تحديدها ضمن فئة عمرية… ويدخل ضمن حدودها جميع الشباب المشتغلين في النشاطات المسرحية الموزعة على دوائر الدولة الرسمية منها والمتخصصة بالمسرح مثل (كليات ومعاهد الفنون الجميلة ،و دائرة السينما والمسرح) وغير الرسمية (الفرق الاهلية)، وغير المتخصصة والتي تشمل جميع الانشطة والفعاليات المسرحية التي تقيمها(وزارة الشباب والرياضة،والمنظمات والمراكز الشبابية)، ويرى الباحث ان إجراء دراسة مسحية للتجارب المسرحية التي تقدم ضمن هذين المحورين سيحدد أن مسرح الشباب يرتبط على نحو خاص بالمؤسسات التخصصية (الرسمية وغير الرسمية)،سواء الاكاديمية منها أو المتخصصة في تقديم العروض المسرحية .
وإذا ما إنتقلنا إلى الشطر الآخر من المصطلح ونعني به (المسرح) الذي يمكن من خلاله تحديد طبيعة المشتغلين ضمن (مسرح الشباب) عن طريق التجربة المسرحية التي يمتلكها الشباب والتي نفترض سلفاً انها تعتمد (التجريب) في إشتغالها .. وهنا تكمن المشكلة ،ذلك ان المسرح في العراق قد غادر التصنيفات المرحلية ، على الرغم من توافرها في حقول أدبية ومعرفية اخرى ، إذ يمكن الإشارة إلى أسماء محددة تقع ضمن الجيل الشعري التسعيني ، أو جيل القصة القصيرة في الثمانينات ، وغير ذلك ، اما المسرح فإنه ظل بمعزل عن تلك التصنيفات التي أضفت شيئاً من التنظيم على الأشكال الأبداعية، ذلك أن التصنيف المتحقق في المسرح والذي تشير الدراسات إلى ان تطور التجربة المسرحية عبره، يعود إلى مرحلة الستينات والسبعينات من القرن المنصرم، على الرغم من ان المسرح في العراق يرجع تأسيسه إلى بداية القرن العشرين ، إلا ان إزدهار المسرح يعود إلى المراحل السالفة الذكر ، والتي أسهمت بدورها في إنتاج جيل الثمانينات الذي إرتبط بعودة المخرجين من الدراسة في اوروبا وأمريكا وغيرها من دول العالم، الامر الذي أسفر عن حضور جيل مسرحي يمتلك خصوصية التجربة العالمية، ومن جهة اخرى فقد كان لتأسيس (منتدى المسرح) في عام 1984) ) دور فاعل في تكوين جيل مسرحي أطلق عليه النقاد (جيل المنتدى) والذي إمتلك خصوصيته في تقديم العروض المسرحية داخل فضاء البيت البغدادي ، فضلا عن ذلك فإن الباحث يعتقد ان تجارب منتدى المسرح تعد المرجع الاساس لما يعرف اليوم بـ(مسرح الشباب) على الرغم من تشخيص العديد من الإختلافات المعرفية والجمالية بين الجيلين ، ولاسيما مايتعلق بالتنوع الثقافي وحرية التعبير (إلى حد ما) الذي حصل عليه (المسرحيون الشباب) اليوم ، والذي لم يكن متوافراً (للمسرحيين في المنتدى) إذ كانت الألة العسكرية والامنية تعمل على الإطاحة بهم على مستويات عدة،لاسيما الحروب المستمرة والحصار الإقتصادي القاتم ، فضلا عن الرقابة التي أسهمت من دون علم أو معرفة القائمين عليها في تطوير قدرات (شباب المنتدى) الإخراجية التي كانت أشد إلتصاقاً بالتجارب العالمية على الرغم من عزلة العراق التامة عن العالم الخارجي ، ولاسيما مايتعلق بالإشتغال العلامي في العرض المسرحي،وتوظيف الرموز في العرض من اجل الهروب من سلطة الرقيب القمعية، وعلى الرغم من توافر (المسرحيين الشباب) اليوم على قدر من الحرية فضلا عن الإنفتاح الثقافي والمعرفي على العالم ، إلا ان ذلك لم يسهم في تقديم (مسرح للشباب) يمتلك خصوصيته، وإنما إقتصر الأمر على تقديم تجارب مسرحية تنجح هنا وتخفق هناك، فضلا عن تناسخها في بعض الأحيان على مستوى توظيف الملفوظ الشعبي، بوصفه النص المسرحي الذي يفترض أن تحتكم إليه الرؤية الإخراجية التي غالباً ماكانت تكشف عن قدرات إخراجية متباينة ، تعمل بمعزل عن المقترحات النصية التي لم ترتقي إلى مستوى النص الدرامي.
أولاً:الخطاب الفكري في (مسرح الشباب) :
كشفت التجارب المسرحية التي قدمت تحت مسمى (مسرح الشباب) العديد من المشتركات الفكرية التي أفرزتها المرحلة السياسية بما فيها من تحولات وإنهيارات ومخلفات الماضي وصراعات الحاضر، إذ كان للمسرحيين الشباب وجهات نظر متباينة في التعبير عن الواقع بجميع تمفصلاته ، إلا ان ذلك لم يمنع من وجود أنماط مشتركة في التجارب المسرحية سواء على مستوى المتن النصي أم على مستوى الرؤية الاخراجية ، سلطت بمجملها الضوء على جيل مسرحي جديد يمتلك ادوات التعبير التي يمكن لها في المستقبل أن تكون اكثر فاعلية منها في الوقت الحاضر ، ويعود ذلك إلى أن فن المسرح يعتمد على نمطين في التكوين : أحدهما تراكمي ويتكون بفعل عناصر عدة منها ( تطوير الثقافة العامة والتخصصية ، وتطوير الرؤية الاخراجية .. وغيرها ) أما النمط الآخر: فهو إستراتيجي يعتمد على نتاجات النمط الأول إلا انه يختلف عنه بوصفه مفصلاً مستقبلياً .. ويهدف إلى تنظيم العقل الاخراجي بما ينسجم مع التطور المعرفي الذي تأسس في النمط الاول ، وبذلك نكون في المستقبل أمام تجربة مسرحية ناضجة لاتعتمد الأنفعال اللحظوي في تكوين المنجز المسرحي.
ثانياً: خطاب النص وهشاشة المنطوق اللغوي:
لم تكن الكتابة النصية في (مسرح الشباب) بمعزل عن الإنهيارات التي اطاحت بالمجتمع بقدر ماكانت وليدة للظروف السياسية التي انتجت لغة نصية تقترب إلى حد ما بتلك اللغة الهجينة التي نتجت عن (الحرب العالمية الثانية) والتي سرعان ماتحولت إلى تيارات فكرية بعد ان عمل العديد من المفكرين والفلاسفة إلى تبني طروحاتها ، والعمل على تأطيرها وتصنيفها ضمن إتجاهات جديدة في المسرح العالمي والتي نتجت عنها تيارات (الدادائية، السريالية، اللامعقول، وغيرها). ولم يكن المسرح في العراق بمعزل عن تلك التحولات والنتاجات المسرحية العالمية بل على العكس من ذلك فقد كان تفاعل المسرح حاضراً معها ويعود ذلك للإعتقاد الخاطئ بان تبني المفاهيم الاوروبية يمنحنا القدرة على تغيير الواقع في بلادنا التي تآكلتها الحروب الخارجية والصراعات الداخلية ، متناسين أن تلك المفاهيم والتيارات الفكرية والمسرحية إنما خرجت من رحم المجتمع الأوروبي بما يمتلك من خصوصية في التعبير عن قضاياه ، وكما تعودنا على إستيراد مفاهيم وفلسفات جاهزة من دون ان نهتم بالواقع الاجتماعي ومدى فاعليتها في مجتمعنا ، فضلا عن الدور الفاعل للسلطات المتعاقبة على الحكم في بلادنا في تقديم الخدمات التي أسهمت في إستيراد تلك المفاهيم من اجل ان تغرق البنية الثقافية بالغموض وتزداد الهوة بينها وبين المجمتع ، وبالمقابل فإن السلطة عملت على تطوير منتجات ثقافتها الاستهلاكية التي تمثلت إبتداءاً بإقصاء الفرق المسرحية الاهلية والعمل على تأسيس فرق مسرحية تابعة للمؤسسة الرسمية ، والتي سرعان مابدأت بتقديم نتاجاتها الاستهلاكية متمثلة بـ (المسرح التجاري) الذي رافقته دعوات رسمية وشبه رسمية في أن المجمتع به حاجة إلى هذا النوع الهزيل من المسرح لكي يكون فرصة للخلاص من هموم الحرب بما يمتلك من قدرة على إثارة الضحك والتهريج من خلال إستخدام اللغة الهشة والنكتة الرخيصة ، وبذلك تكون السلطة قد نجحت في خلق فجوة بين الثقافة والمجتمع ، ولم يقف الأمر عند هذه المرحلة ومع إنهيار السلطة ودخول البلاد في دومات جديدة من الاحتلال الامريكي والسلطات المتعاقبة التي أفرزت بدورها منتجات ثقافية هامشية جديدة لتكون بديلاً عن ثقافة التنوير ، فما كان منها إلا ان تعود إلى إنتاج المسرح (الإستهلاكي) الذي بدأ يستشري في المؤسسة الرسمية ويهيمن على المسرح الوطني الذي يعد آخر صرح مسرحي يمكن ان تتكئ عليه الثقافة المسرحية ، فضلا عن ذلك فإن السلطة عملت على تطوير ثقافة الشعر الشعبي الذي بدأ يغزو المنابر الثقافية حتى بدأنا نعتقد أننا في عصور الجاهلية الأولى ، بما نمتلك من شعراء شعبيين يسطرون الكلمات في تشكيلات لغوية مبعثرة ، وبما ان فن المسرح يتفاعل مع المجتمع؛ فقد إختار (شباب المسرح) اللجوء إلى الملفوظ الشعبي الذي لايرتقي إلى لغة المسرح ، ذلك أنه لايتكئ على ثقافة رصينة كما هو الحال مع التجارب المسرحية العراقية التي أفاد المسرحيون فيها من اللهجة المحلية في التواصل مع المتلقي بالتزامن مع مقترحات فكرية وإخراجية لم تزل عالقة في ذاكرة التلقي ، كما هو الحال في تجارب (يوسف العاني ، طه سالم ، إبراهيم جلال ، قاسم محمد .. وآخرين) .ن العمل على إقصاء البنية النصية في تجارب الشباب بات يشكل سابقة خطيرة في المسرح العراقي ، على الرغم من أن بعضهم يحتكم على ثقافة مسرحية تؤهله للمضي في الكتابة الدرامية ، على أن يكون ذلك مرتبطاً بثقافة الخطاب المحلي الذي يمنح بطاقة المرور إلى العالمية ، ولايعني النكوص والتقوقع في دائرة مفرغة والبحث عن المتداول اللغوي الذي يجوب شوارع المدينة، ذلك ان (المسرح الشعبي) يمتلك خصوصية في التجربة المسرحية العالمية، وهو يختلف جذرياً عن مايسمى (المسرحية الشعبية الهادفة) التي حاول المشتغلون في (المسرح الإستهلاكي) إيهام المتلقي بأن هذا النوع من المسرح إنما هو إمتداد لمسميات عالمية لها حضورها ؛ إلا أن ذلك بعيد عن الحقيقة التي يقوم على أسسها (المسرح الشعبي) الذي تبلورت تجاربه على نحو واضح في عروض المخرج الفرنسي (جان فيلار) وبخاصة من خلال كتابه (المسرح الشعبي) وفي تطبيقاته التي أسست مهرجان (أفنيون) المسرحي الذي يعتمد في برنامجه على تقديم الثقافة الشعبية، ويمكن ان يستفيد (المسرحيون الشباب) من تقنيات (المسرح الشعبي) في إنجاز تجارب مسرحية تنسجم مع تطلعاتهم في تقديم عروض مسرحية تحاكي المتلقي وتعالج قضاياه ، عن طريق توظيف تقنيات مسرحية فاعلة على مستوى توظيف الملفوظ الشعبي (المحلي).
ثالثاً: السينوغرافيا في عروض (مسرح الشباب):
إن إهتمام العرض المسرحي الحديث بالشكل البصري الذي يسهم في إنتاج لغة عالمية تختزل العديد من المفاهيم اللفظية التي كانت سائدة في مراحل سابقة من تأريخ المسرح.
وقد كان للإشتغال التقني دور فاعل في تطوير مفهوم جديد عن السينوغرافيا التي باتت تشكل عنصراً حيوياً في تأسيس الرؤية الإخراجية ، وبما أن فن السينوغرافيا بات يشكل تياراً في المسرح المعاصر له خصوصيته في تكوين الصورة البصرية التي تصدى لها عدد من المخرجين مثل (كانتور ، شاينا.. وغيرهما) من المخرجين الذين تحولت إهتماماتهم من الفن التشكيلي إلى فن المسرح، وقد تحول العرض المسرحي في تجاربهم لوحة فنية متحركة .
ولم تكن تجارب السينوغرافيا في المسرح العراقي بعيدة عن مثيلاتها في المسرح العالمي ، على الرغم من أن الإشتغال على المصطلح جاء متأخراً ؛ كذلك هو الحال مع تجارب (المسرحيين الشباب) الذين أفادوا كثيرا من السينوغرافيا في تأسيس فضاءات عروضهم ، مستفيدين من وجود طاقات فنية قادرة على خلق تشكيلات بصرية مثيرة ، إلا انهم تناسوا في كثير من العروض أن فعل السينوغرافيا لايقتصر على الإضاءة فحسب وإنما يرتبط بتكوين عناصر عدة منها (الديكور ، والأزياء ، والمؤثرات الموسيقية ، الإضاءة ) ، فضلا عن وجود الممثل الذي يعد المحرك الأساسي لعناصر السينوغرافيا ، أما ان تختزل جميعها في الإضاءة فذلك يعود إلى قصور في التفاعل مع المصطلحات العلمية ومفاهيمها ، وهذا مابدا حاضراً في العديد من عروض (مسرح الشباب) الذي يتكئ المخرجون فيه على عنصر الإضاءة تاركاً فضاء العرض خالياً من دون الإفادة من العناصر الأخرى التي يمكن ان تضفي معانٍ عدة تسهم في تطوير بنية العرض المسرحي، الأمر الذي يجعل من الاداء التمثيلي متعثراً في فضاء مجهول مما يؤثر على نحو واضح في البناء التمثيلي للشخصية الدرامية التي تعاني من التهميش النصي الذي أشرنا إليه سابقاً ، الأمر الذي تبدو فيه بنية العرض المسرحي مفككة وغير منسجمة ، ويعود ذلك إلى أن توظيف الإضاءة لايستند في كثير من الاحيان على الإفادة من مرجعيات اللون ودلالاته التي يمكن أن تسهم في خلق حالة من الإنسجام اللوني بين مفردات العرض ومقترحاته الفكرية والجمالية .

-------------------------------
المصدر :  جريدة الزمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق