مجلة الفنون المسرحية
يشهد المغرب تجربة فنية نادرة يقوم بها شبان ولعوا بالفن المسرحي ويستخدمونه كوسيلة ناجعة لتغير المظاهر السلبية في المجتمع التي يعتبرونها معيقة لتطوره. مسرح "المقهور" يضع المواطن على الخشبة ليبدأ عملية التغيير.
مسرح"المحكور" أو"المقهور" في المغرب تجربة شبان ولعوا بالفن وآمنوا به كوسيلة راقية وناجع
ة لتغيير المظاهر السلبية في المجتمع التي تعيق تطوره. لكنهم أمنوا أيضا بأنهم ليسوا الوسيلة المباشرة للتغيير لأنهم "لا يحبون أن يمارسوا الوصاية على الشعب". فهذا الأخير هو من يتحمل مسؤوليته في التغيير بنفسه عن طريق إعادة التفكير في إشكاليات يطرحها العرض المسرحي وإنتاج القيم التي يتوق إليها من اجل الانعتاق.
ومسرح "المحكور" في المغرب انبثق من فكرة مؤسسه المسرحي البرازيلي العالمي اوغستوبوال الذي أسس لفن مسرحي حديث يقوم على علاقة جديدة قوامها الشراكة بين الممثلين المسرحيين والجمهور بهدف تغيير الواقع وليس عرضه كما في المسرح الكلاسيكي.
ومن هنا جاءت فكرة تأسيس مسرح "المقهور" أو"المحكور" كما هو شائع في العامية المغربية، من خلال تضافر جهود شبان سبق لبعضهم أن انخرط في حركة 20 فبراير الشبابية التي حملت مشعل الحراك المغربي الذي تأسس أسوة بالحراك العربي المعروف ب"الربيع العربي".
في هذا الشأن قال حسني مخلص وهو احد مؤسسي مسرح المقهور المغربي"هناك اختلاف بسيط بين الحركة والمسرح، نحن في الحركة كان عندنا الكلمة ومكبر الصوت والناس يتفرجون علينا، لكن في المسرح أعطينا مكبر الصوت للناس ليدلوا برأيهم".
وإذا كان المسرحي الألماني الشهير برتولد بريخت يتكلم عن تحطيم الجدار الرابع ليكسر قاعدة "التطهير الأرسطي" الكلاسيكية التي سادت لقرون وتستمد جذورها من المسرح اليوناني القديم، إذ تقوم على أن الممثل يمثل والجمهور يتفرج فان"مسرح المقهور" في المغرب"حطم الرصيف وأعطى الكلمة للجمهور"، كما يقول حسني.
واعتبر حسني الذي تشبع بأفكار مسرح"المقهورين" من خلال دراسته باسبانيا لهذا النوع من الفن المسرحي انه "من بين أسباب فشل الحراك العربي غياب جسور التواصل ما بين عامة الشعب والحكومات التي جاءت كنتيجة لهذا الربيع".
مسرح "المقهور" تدريب على التغيير
وأضاف حسني "هناك جسر مكسور..فشل الحراك لأنه لم يستطع أن يبني جسور التواصل بين عامة الناس والحكام الجدد" ومن هنا "فالعالم العربي بحاجة إلى إسماع صوت الناس بطرق فنية وبديلة ومحفزة".
وقال حسني في مقابلة مع "دويتشه فيله" في البداية تخوفنا من أن هذا النوع من المسرح لن ينجح ولن يتفاعل معه الجمهور لكن تبين أن المغاربة إذا أعطيتهم لغة "خشبية" لا يتكلمون، ولكن عندما تمنحهم فضاء أرحب يعبرون عن مواقفهم".
ويقول حسني انه يظن أننا في عصرنا هذا "تجاوزنا أن نأتي بمادة مسرحية نعرضها على الخشبة ويأتي الجمهور ليصفق ويعود إلى حال سبيله". فهذا عصر الانفتاح والتفاعل مع الآخر، لذ فاعتقد أن اغلب مشاكل العصر كالإرهاب والعنصرية تأتي من الانغلاق وعدم قبول الآخر".
عصر التعايش مع الاختلاف
ومن هنا"يجب النضال من أجل أن تكون قيم التعايش والاختلاف وقبول الآخر هي السائدة ..فهذا مسرح القيم ويدعو إلى تبني القيم". لكن لا يجب أن يفهم بأن هذا المسرح"سيغير الواقع بين عشية وضحاها..هذا المسرح يغير الناس وهؤلاء من يغيرون الواقع". ويختتم حسني حديثه بالقول: "هذا النوع من المسرح تدريب على التغيير".
وتتفق معه خديجة ماء العينين وهي الأخرى من مؤسسي"مسرح المقهور" في أن هذا الأخير" خرج من ديناميكية حراك 20 فبراير، لكن "الإنسان المقهور ممكن أن ينخرط معك في تعبيرات فنية وليس في السياسة لأنه مل من السياسة وفقد الثقة بها".
كما تضيف خديجة أن "التعابير الفنية ربما اقرب إلى نفسه من التعابير السياسية التي تبدو فضفاضة وبعيدة عن مجالات اهتماماته"، والحديث هنا يجري عن الإنسان المقهور.
وتؤكد خديجة انه"ليس نحن من نغير، عندنا إيمان بأن المواطن هو من ينبغي أن يغير لا يجب أن نمارس عليه الوصاية لأننا لا نمتلك الحقيقة".
من جانبها، قالت نورة التي رمزت لاسمها الثاني بحرف ص (36 عاما) على هامش عرض الفرقة لمسرحية"كوبي كولي" أي(نسخ لصق) "هذه ثاني مرة احضر عرض لهذه الفرقة بعد مسرحية "بحال بحال" أي(كلنا سواسية)، في البداية وجدت هذا النوع من المسرح مستفز نوع ما وشعرت بالخجل وتواريت إلى الخلف حتى لا أواجه السؤال عما كنت راضية عن الواقع الذي قدمه أعضاء الفرقة وهل عندي اقتراح لتغييره أن لم أكن راضية.."
لكن نورة تضيف في ختام حديثها "لكنني في هذه المسرحية وجدت نفسي أتدخل تلقائيا واعبر عن رأيي لتغيير بعض المشاهد".
تناول مسرح المقهور مواضيع اجتماعية عديدة، منها قضايا العنصرية في المجتمع المغربي خاصة مع الأفارقة من جنوب الصحراء وقضايا الرشوة والفساد الانتخابي وقضايا العنف في المدارس وحقوق المرأة. ولم يسبق للفرقة أن تعرضت لمضايقات من السلطة آو المنع، إلا مرة واحدة لم يرخص فيها لعرض مسرحية"بحال بحال"، التي تعالج مشكلة العنصرية، في عدة مدن مغربية دون تقديم تبريرات واضحة لأعضاء الفرقة من قبل السلطات المعنية.
بيد أن اللافت في هذه التجربة المسرحية الرائدة ربما في العالم العربي أنها تبتعد عن المواضيع السياسية لتقترب أكثر من مشاكل المواطنين الاجتماعية، رغم أن أنها خرجت من رحم حركة 20 فبراير السياسية.
التغيير بأسلوب الفن أفضل
في هذا السياق تقول خديجة مكتفي (20 عاما) ممثلة في مسرح "المقهور" إنها تؤمن بأن" التغيير الحقيقي والناجع ممكن أن يأتي عن طريق الفن". وتضيف لدويتشه فيله "في مسرح "المحكور" ليس الممثل أو المسرحي من يقدم حلولا، الجمهور هو من يتدخل ويقترح تغييرا لهذه "الحكرة"(أي التهميش).
لكنها تضيف أن هذا النوع من المسرح الذي نشـأ لأول مرة مع مؤسسه البرازيلي "اغوستو بوال" "لم يعد الجمهور مضطرا للذهاب إلى المسرح، بل المسرح هو من يأتي إلى الجمهور".
فيما تقول زميلتها الممثلة ابتسام مرزوقي(28 عاما) إنهم في مسرح "المقهور" يحاولون "مسرحة التهميش لإعادة النظر في هذا الواقع". وتضيف ابتسام"نحاول أن نبحث عن حل آت لكي نتجاوزه ونعلم الناس كي لا يقبلوا بكل ما هو موجود على انه من المسلمات".
ويعتبر محمد أمين آيت حمو (30 عاما) ويعمل "سنوغراف" في الفرقة أن هذا النوع من المسرح "يعبر عن طموحات الشباب، وحبذا لو وجدت فرق من هذا النوع من المسرح تغطي كل أنحاء المغرب". مبررا ذلك بالقول لأنه "الوسيلة الهادئة لتغيير هادئ ورصين..يجعلك تنظر إلى الواقع بعيون أخرى، عين التغيير والبحث عن قيم مثلى.
من جانبه، يقول محمد العلوي أستاذ تاريخ في التعليم الثانوي انه من مؤيدي تجربة "مسرح المقهورين" في المغرب لأنها لغة فنية عصرية تقوم على الانفتاح والشراكة وتقريب وجهات النظر المختلفة بين الناس بدون فرض الأمر الواقع أو التفرج على الواقع وقبوله كما هو دون محاولة تغييره".
وأضاف في حديثه مع "دويتشه فيله" كما لا يجب أن ننسى أن هذا النوع من المسرح يمكن أن ينجح ويلقى الإقبال الواسع في المغرب بسبب اقترابه من فن الحلقة المغربي الشعبي..يعني ممكن أن نقول إن هذا المسرح أحيا فن الحلقة بطريقة عصرية وهادفة".
يذكر أن المسرح المغربي الحديث استمد جذوره من فن "الحلقة" الحكواتي الشعبي، ولعل أشهر رموزه المسرحي المغربي الراحل حديثا الطيب الصديقي.
--------------------------------
المصدر : DW
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق