تصنيفات مسرحية

الجمعة، 17 يونيو 2016

ستراتيجية التفكيك في العرض المسرحي

مجلة الفنون المسرحية

من  الكتب الصادرة عن مهرجان بغداد الدولي للمسرح كتاب بعنوان (عدم / عقل  ستراتيجية التفكيك في العرض المسرحي) تاليف د. جبار حسن صبري اصدار دائرة  السينما والمسرح.

هناك انقلاب واضح  جرى على مستوى الخطاب الفكري، فعملية الانتقال من مرحلة الميتافيزيقا الى الحداثة والى مابعد الحداثة، تبدو عملية لها من الترسبات  التي تؤطر كل مشهد ادبي – فني - اقتصادي – علمي بالكثير من التبعات التي تلتزم  ذلك المشهد وتستدرجه تبعا لمتعاليات ذلك الخطاب وبالكيفية التي  يتماشى  معه بكل  وسيلة. ولما كان العرض المسرحي قد استدل في كشف خطواته من حيث ثيماته  وتصوراته الفكرية عن طريق  معادلة الميتافيزيقيا وما يترتب عليها الفهم، وكذلك معادلة الحداثة وصولا الى معادلة مابعد الحداثة،وعلى نحوالخصوص الاستراتيجية  التفكيكية التي حظيت ببالغ الاهتمام بمشروع المناقلة والترسيمة الجديدة.

وهنا– يقول المؤلف د. جبار- كان العرض المسرحي بدلاُ من ان يقرأ بناتج  الميتافيزيقيا والحداثة التي  تبلورت بالمعادلة (الصوت – العلامة – الكتابة) في  جميع مستلزمات القراءة للعرض المسرحي، فكرا والية، بات العرض المسرحي  يقرأ بمعادلة جديدة مغايرة يمكن الاستدال عليها (الكتابة – الاثر – الاختلاف) وهذا  الناتج يمكن ان يؤثر في القراءة بالنسبة للعرض المسرحي تاثيرا كبيرا ومهما في فهم المشهد المسرحي من خلال تفكيك اجزائه وقلب ظاهرة وباطنها في القراءة  وصولا الى التوترات او التعارضات الموجودة داخل العرض المسرحي لكي يتم تعويضه، وبما يتناسب مع انفتاح وتعدد قراءة العرض عبر التلقي والتأويل قراءة  غير متناهية.
يتناول المؤلف في كتابه عبر الفصول والمباحث العديد من التفاصيل حول هذه الاستراتيجية التفكيكية للعرض المسرحي. منها تاكيد ان القرن العشرين هوقرن  التحليل في حقول الفكر والفلسفة، وبذلك اتجه الوعي الاوربي من عملية التركيب  والبناء، التي عرفها مع انطلاق مشروعه الحداثي، نحو التحليل والتفكيك. لتدخل  في ذلك الى مرحلة فلسلفة التحليل. ويناقش المؤلف ذلك من خلال(اسبقية  الصوت على الكتابة،واسبقية المدلول على الدال،والتقابلات الضدية، والقراءة).
ويهدف البحث الذي يبغيه د. جبار حسن الى كشف مفاهيم واليات التفكيك بوصفها  متعاليات فلسفية انطرحت في اللغة وتمثلت مشاريعها بالنقد وصولا الى العرض المسرحي. وكذلك بدلا من تجميع الاجزاء وصولا الى الكل بغية كشف الخطابات  يكون العمل بتفكيك الكل وتحليله الى  اجزائه وللغاية نفسها. الى جانب ان الحقل المسرحي هو الانموذج  الاختياري الارحب لتحقيق ذلك.
ويقسم المؤلف الحقب التي مرت بها بحوثه بالحقبة  الاولى – الميتافيزيقيا من افلاطون وحتى منتصف القرن الثامن عشر. والحقبة الثانية – الحداثة من  منتصف القرن الثامن عشر، مرحلة التنوير الفكري وحتى اسهامات البنيوية، وصولا الى منتصف القرن العشرين. والحقبة الثالثة مابعد الحداثة وهي  مرحلة  جديدة تشكل منها الخطاب بشكل مغاير ولمزيد من التفصيل يتناول المؤلف كنماذج  في تناول الخطاب بكل متعالياته مباشرة بهدف تعويضه وتفعيل مغايرته. فيتخذ كل من نيتشه وهيدجر وفوكو كأمثلة في هذا المجال.
ثم يخوض المؤلف د. جبار في تأسيسات التفكيك كما جاء بها(جاك دريدا) الذي يركز على معادلة(الكتابة – الاثر – الاختلاف) ففي مجال الكتابة استنطق  دريدا مشروعه الخاص في الكتابة من مشكلة الحضور/ العقل التي تؤدي الى الصوت  عبر محيط التمركز الاني لاثبات الذات بوصفها المتعالي، ومشكلة  الغياب / الاخر المؤدية الى الكتابة على اساس التمثيل والتي  خلفت بعداُ موازياُ مؤداه انحطاط الكتابة المتمثل من انحطاط وثانوية الاخر غير المرئي ذلك الجسد المسكوت عنه. وبخصوص الاثر اوجد دريدا مفهوم الاثر التفكيكي كونه احد حمولات استراتيجية  التفكيك وكونه ايضا يعد بدلا عن مفهوم الخطاب البنيوي.
ثم يبحث المؤلف في التفكيك عناصر العمل حسب ارسطوفيبدأ بالحبكة ثم الشخصية ثم عنصراللغة وبعدها عنصر الفكرة ثم عنصرالموسيقى وكذلك عنصر المرئيات  المسرحية وهما العلامات السمعية والعلامات المرئية.
وفي مبحث اخر يناقش المؤلف جماليات التفكيك فيقول تعد التفكيكية جدلا  اخر في  مواجهة المنهجيات التقليدية، والمنهج البنيوي  خاصة، انها  ستراتيجية تهدف  الى زحزحة الوحدة والتماسك وكل نمط معقلن من خلال التحليل والهدم، لا بما هو  سلبي من حيث تخريب وتهشيم النص، بل من حيث انها مثلما تهدم  ستبني كذلك، اي انها  بنائية.
وقد اخذ المؤلف  مجموعة من الاعمال المسرحية  لتطبيق بحوثه عليها منها  مسرحية (الوردي وغريمه) تاليف واخراج د. عقيل مهدي وبطولة د. حسين علي هارف وخالد احمد مصطفى. ويقول عنه د. صبري ان مشكل ثنائية العنوان  ان قطع العنوان الى نصفين لا يعني بالضرورة الى فرض لعبة المتضادات، على  الرغم من حالة التناقض الحاصلة بين النصف الاول(الوردي) والنصف الثاني (غريمه) انما مبعث ذلك  يتجلى في حال اخذنا ان الثاني هو تأكيد  للاول من حيث الحضور والفاعلية اي ان قيمة ووجود الاول لايمكن ان يتحققا الا من خلال قيمة  ووجود الثاني، لذلك يكون الاول هو ثان في عمليات الحضور، وان اثر الثاني هو توكيد قيمي وحضوري للاول. عليه يكون الاخر(الغريم)هو وجود الاول(الوردي). وهذا ما يدعو الى الغاء او رفع الثنائية عن العنوان حسبما تقتضيه حركة الاثر في منظومة ستراتيجية التفكيك.وبذلك لن يكون ثمة اصل بينهما بل يكون الاختلاف قد ترك اثره بهدف استنطاق المعنى وتوليد انزياحات دافقة.
كما يناقش مسرحية ماكبث للدكتور صلاح القصب وتاليف شكسبير، وكذلك العرض المسرحي (تحت فوق / فوق تحت) فكرة وسينوغرافيا طلعت السماوي وكذلك  مسرحية نساء لوركا للمخرجة د. عواطف نعيم  التي قامت بأعداد  النص ايضا  ومثلته الفنانات فاطمة الربيعي  وسمر محمد وعواطف نعيم واقبال نعيم  وشعاع ضياء. وفيه جمعت المخرجة والمؤلفة النص في ثنائية غير متوازنة توالدت عبر لعبة الانزياح لكن اشتراطات القيم الدرامية  فعلت مبدأ الموازنة لتعطي الى الصراعات دفقا حيويا باتجاه العنف او الفعل المسرحي نفسه. النص وزع نساءه الى جهات متعددة حشرت اربعا منها في قالب وحشرت الخامسة في قالب مغاير.
كما ناقش المؤلف مسرحية خريف الجنرالات اعداد واخراج الفنان ابراهيم حنون  وبطولة صادق  رزوق وميس كمر وصادق عباس وماجد مزيد. ويقول عنها (ان النص يجمع عصابية الحيوات في  انموذجات مادة، انموذجات تتقارب وتتجاوز مع ماهو طبيعي او ناموسي، وهي ايضا تتنافس وتتباعد مع ماهوعبثي او فوضوي في رسائله  او غاياته، مايكون من علامات متناثرة او متقاربة في دخيلة النص يوعز بهذاء مستمر تتواصل فيه لعبة النظر الى الواقعي على انه  ميتاواقعي، وينظر الى ماهو فوضوي او سريالي على انه خارج لعبة الواقع ومهووس بالتناقضات.
ويذكران المؤلف د. جبار حسن صبري دكتوراه فلسفة فن ومؤسس نادي المسرح في اتحاد الادباء واخرج العديد من المسرحيات وألف كتبا عدة منها (قابيل) وهي مسرحية وكتاب قراءة العين وقراءة الاذن، وتفكيك الزمن في الخطاب المسرحي، والبشر الجوف  ممسرحة لقصائد  ت. س. اليوت، وسبب الدائرة مجموعة  قصصية، والطفوف.

-------------------------------------------------------
المصدر : قراءة / قحطان جاسم جواد - ملاحق المدى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق