مجلة الفنون المسرحية
ترجع اصول (التفكيك) الى الفيلسوف الفرنسي (جاك دريدا) وخطابه الأكاديمي مع مجموعة من الباحثين والنقاد في مؤتمر جامعة (جون هوبكنز جون هوبكنز ) وكان محوره الرئيس اللغات النقدية وعلوم الإنسان عام 1966 ، إذ يعد هذا التاريخ أول إعلان لميلاد التفكيكية ، ومن ثم طرح (دريدا) أرائه في التفكيك في ثلاثة بحوث نقدية وهي على التوالي (حول علم القواعد) (الكتابة والاختلاف) (حول علم الظواهر).وقد عد (دريدا) التفكيك ليس منهجا كما انه ليس نظرية عن الأدب ، ولكنه إستراتيجية في القراءة : قراءة الخطابات الفلسفية والأدبية والنقدية، وعلى هذا الأساس سمي مشروعه النقدي بـ (استراتيجية) وذلك لان (دريدا) في اجتراحه النقدي يشرح ممارسة التفكيك عن طريق الأمثلة أو الحالات وليس عن طريق نظرية عامة أو بحث حول موضوع والواقع انه يقول صراحة: إن التفكيك ليس منهجا أو نظرية وليس مذهبا تأويليا بالقطع بل يمكن تسميته مؤقتا استراتيجية للنص وحتى نكون أكثر دقة انه ممارسة وليس نظرية انطلق (دريدا) في خطابه ألتفكيكي من محاولة قلب معادلة هيمنة الكلام على الكتابة التي تمسكت بها جميع النظريات الغربية حول اللغة واستعمالاتها ذلك إن جميع النظريات الغربية حول اللغة واستعمالاتها أي الثقافة الغربية كلها ممركزة كلاميا، أي أنها تعطي الأفضلية أو الامتياز للكلام على الكتابة نموذجا لتحليل جميع إشكال الحديث الالسني
وقد عمل (دريدا) على التوجه نحو النص أيا كان جنسه لأنه مرتبط بالكتابة وهي بدورها تزحزح التمركز حول الصوت ، لان الصوت يعمل كوسيط بين العقل والسلطة المتعالية ، في حين انه يريد إن يخلق تمركزا حول الكتابة وهذا ما جعل بعض الخطابات النقدية إن تصف التفكيك بأنه انتقال من التمركز حول العقل إلى التمركز حول الكتابة بيد إن الكتابة لا ترمي إلى ذلك المعنى التقليدي والذي هيمن عليها خلال التاريخ الغربي بمعنى الحرف، والذي غالبا ما نأى الفلاسفة عنها بسبب خوفهم من إمكانيات الحقائق الفلسفية التي يتوخون إثباتها ، تلك الحقائق التي تعتمد على الأفكار المجردة، كالمنطق والفرضيات والتي يرون أنها تلوث عندما تكتب وعلى العكس من ذلك تماما تحتل الكتابة في خطاب التفكيك الصدارة والأولوية ، لأنها تتخلى عن وضعها السابق بوصفها حدثا لاحقا يجيء بعد النطق وليس له من غاية أو هدف إلا إن يشير إلى النطق ويحيل إليه ، ولذا فان الكتابة تأخذ وضع المركز وتتجاوز حالتها القديمة وبالتالي لتهميش النطق وتأخذ محله ، والسبب يرجع إلى تشكك (دريدا) في الفرضية التي تقول بأنه في لحظة التكلم تكون أهمية الكلمات التي ينطق بها المتكلم حاضرة حالا وبصورة كاملة في وعيه، فالكتابة بالنسبة لـ (دريدا) تكون قبلية سابقة على اللغة نفسها ، لأنها ليست ذلك الحدث الثانوي الموجود لاحقا بعد الكلام ، وإنما هي الوسيلة لإنتاج الوحدات الكلامية وابتكارها.وبما إن الأثر ( تتبع ) هو التشكيل الناتج عن الكتابة وكل نص هو كتابة ، فان النص ليس مجموعة دوال ومدلولات ، بل هو اثر فمفهوم الأثر الذي يحتل مكانة مركزية في فلسفة التفكيك يشير إلى امحاء الشيء وبقائه في ألان ذاته محفوظا في الباقي من علاماته ومن تلك الفرضيات يلج (دريدا) إلى مشروعه المركزي (الاختلاف) الذي يحاول إن يحققه ، فاللفظ ( الاختلاف ) هو بمثابة المدخل إلى فلسفة (دريدا) التفكيكية ، وقد عمد إلى إبدال حرف ( a ) بـ ( ه ) إلى اللفظ محاولا زحزحة اللفظ والتلاعب به لإدخاله ضمن الاحتمالات التاويلية ، التي يراد بها التاجيل الى ما بعد ، والا يكون مطابقا ، الا ان (الاختلاف) ليس مجرد لفظ يختلف حوله اصطلاحيا بقدر ما سعى (دريدا) الى بلورته في اعماله وقراءاته فهو في قرائته لـ (افلاطون) يسعى الى تفكيك الفكر الغربي منذ الميتافيزيقيا اليونانية التي تشكل لهذا الفكر اصله واساسه ، حتى اعمال المعاصرين تفكيك يستند الى محاور متنوعة ويستعين انجاز مداميك عديدة اولها التصور الغربي للكتابة وترسيخ حق الاختلاف في التصور الغربي الذي طالما اكد نفسه على انه خطاب سيد انعكاسا لخطاب الاب في الذات ، وللخطاب المتعالي المترسخ في (اللوغوس) (كلام العقل الذي تدبرته ذات اليه) ، ولذلك ياتي (الاختلاف) لتحقيق التمايز.وما يفسر محاولة (دريدا) في التصدي لكل المفاهيم المؤسسة للميتافيزيقيا الغربية ولمفهوم الاصل هو البرهنة على ان في البدء كان الاختلاف ، وهو ما يدعم مقولته في التاخر او الارجاء الاصلي ، لان الاصل يحيل الى لاحقه دائما ، والهوية الى اخرها الذي يؤسسها نفسها كهوية ، أي ان الاصلي لا يكون الا باستناده الى النسخة الثانية التي يسود الزعم انها تاتي لتنسخه وتكرره ضامنة له بذلك تسمية او حيازه الاصلي او الاصل ، فلا يكون الاول اولا الا باستناده الى الثاني الذي يدعم ذلك الاول في اوليته ، وهذا يعني انه ليس ثمة من اصل محض ، وان الاصل يبدا بالتلوث او (الابتعاد) عن مقام الاصلية مجرد ان يتشكل كاصل وهذا ما يعني الاختلاف الذي يكون في حقيقته احالة الى الاخر ، وارجاء لتحقيق الهوية في انغلاقها الذاتي.
-----------------------------------------
المصدر : جريدة المستشار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق