مجلة الفنون المسرحية
كثيراً ماسمعت تلك العبارة هل المسرح مازال يمتلك ذاك الحضور الحي بحياتنا .. أم إن دخل غرفة الإنعاش ؟ ..أم هو ترف فكري خاص فقط بالشعوب المتحضرة ... (هي تسمية مفخخة تنال من شعبنا) وكأننا نعيش خارج التاريخ الإنساني .. إن المسرح سيبقى رافعة إنسانية وفنية بحاجة لها بكل مايحمل من ثراء روحي وفكري وفني.
النص المسرحي بين الأصل والإعداد:
إن التراجيديات اليونانية والشكسبيرية, وصولاً إلى آخر نص دفعت به المطابع , يحمل الحكائية في بنيته الدرامية معتمداً لغة الحوار في بناء النص المسرحي , ولهذا كانت العروض المسرحية تستمر ساعات وساعات في حال كان المخرج أميناً على النص المسرحي , إن هذا الشكل من المسرح لم تعد الحياة تحتمله , مما دفع الكثير من المخرجين إلى مصطلح (الإعداد) فجاءت أكثر العروض المسرحية المعدة عن النص الأصلي مشوهة , وذلك لأن أغلب المخرجين ليسوا على مستوى الحالة الإبداعية للنص الأصلي , وبعضهم ذهب إلى حذف فصول ومشاهد وألصق كلمة (إعداد) على عرضه المسرحي , وإذا أردنا أن نعطي كلمة (إعداد) بعدها الفكري والجمالي والفني فهي تحمل في طياتها
إضافة فكرية وفنية للنص, أي أنها تضيف للنص بعداً فكرياً وجمالياً , طبعاً في حال كان النص يحتمل هذا.
ثمة من تساءل ..هل هو السعي لاختزال النص ومن ثم نسفه..؟ أم هو بحث عن جوهر وشكل جديد..؟ وهناك رأي يحمل بعضاً من التطرف , إن مايقوم به المخرج من إعداد للنص المسرحي هو إلغاء للدور الاجتماعي والأخلاقي الذي يقوم به المسرح ؟ لأن هذه العروض لاتتأسس على نص إنما تحاول الهيمنة والسيطرة على العقل لتدجينه وللحد من طاقاته وقدراته مما يتيح لأيديولوجيا القطب الواحد استباحة وقتل كل الأفكار النقدية التي تحملها هذه الأيديولوجيا التي تسعى دائماً لإخفاء استغلالها وإلى الربح والاحتفاظ بالقوة , إن هذا الخطاب النقدي المسرحي يحمل بعضاً من المبالغة في الدفاع عن قيم وأفكار وفنية النص المسرحي, ونحن في عصر لم يعد يحتمل عرضاً مسرحياً يطول لساعات وساعات وخصوصاً نصوص المسرح الكلاسيكي.
المخرج .. ورؤى مغايرة
هناك تجارب عالمية قدمها عمالقة كبار في الإخراج المسرحي بدأ من ستسلافسكي إلى ميرخولد ومن ثم التجربة العظيمة لبريخيت , إن هؤلاء العباقرة أسسوا وطوروا فلسفة الإخراج وربما أقرب تجربة معاصرة هي لبتر بروك , فقدم دراسات تحمل فكراً ونهجاً يؤسس لمسرح معاصر , مسرح يعتمد التكثيف الفكري والدرامي ليقدم لنا صورة بصرية تشبه المرآة التي تعكس حلمنا وألقنا وانكسارنا , إن هذه الرؤيا ترسل صورها كي تترسخ في أعماقنا وذاكرتنا .
إن الصورة البصرية تبقى متقدة في الذاكرة فترة طويلة , بينما الكلمات والحوار تتسرب بهدوء من الذاكرة والروح .. وربما تجارب المخرجين العرب والسوريين , لم ترتق لمثل هؤلاء العباقرة وهذا لايقلل من شأن بعضهم , فقدمت عروض مسرحية تحمل الدهشة والمتعة والفائدة الفكرية, يجب أن يكون هاجس المخرج المسرحي في تقديم عرضٍ يقلص ويكثف لغة الحوار ويقدم الكثير من لغة بصرية تعكس روحنا وفكرنا ومأزقنا المعاصر , فالمسرح والسينما والدراما التلفزيونية هي فنون بصرية بامتياز.
------------------------------- --------------------
المصدر : محمد أحمد خوجة - الفداء العدد15287
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق