مجلة الفنون المسرحية
يبزغ اليوم مسرح «المركز الوطني للفنون البصرية» بدمشق كواحد من الأماكن التي يُنتظر أن تعوّض عن غياب متصاعد لأنشطة مسارح العاصمة، وذلك بعد انكفاء العديد من المسرحيين السوريين عن العمل بعد تخفيض أجورهم ثلاثين بالمائة من قبل الحكومة، بالإضافة إلى أعمال الصيانة التي ما زالت خشبة صالة الحمراء تخضع لها هي الأخرى، منتظرةً فض مناقصة لإصلاحها من قِبل «المكتب الهندسي» في وزارة الثقافة منذ نهاية آذار الماضي.
المسرح الجديد تم إطلاقه مؤخراً في عرض موسيقي تشكيلي سينمائي أقرب إلى صيغة الــ «بيرفورمانس»، كان هذه المرة من روح المكان الذي يضم بين جدرانه المحاذية لمبنى «كلية الفنون الجميلة» صالات عرض بمساحة (1300 متر مربع) وقاعة ورشات عمل بمساحة (900 متر مربع) في الطابق السفلي من هذه الصالة؛ ليستضيف هذا المركز اليوم مختلف أنواع المعارض والورشات الفنية من نحت وحفر وتصوير زيتي وفوتوغرافي وفنون البصريات.
الفرقة السيمفونية الوطنية بقيادة المايسترو ميساك باغبودوريان مزج أعضاؤها في هذا العرض المتعدد بين مقطوعات الموسيقار الروسي «موديست بتروفيتش موسورسكي» (1839- 1881) ولوحات مواطنه الفنان «فيكتور هارتمان» (1835ـ 1874) جنباً إلى جنب مع فيلم الرسوم المتحركة «فانتازيا» لمنتجه ومخرجه الأميركي «والت ديزني» (1901- 1966) الذي حققه عام 1940، وذلك في محاولة جريئة لتكوين ما يشبه واحدا من العروض النادرة في البلاد؛ لتقدم الفرقة السيمفونية بدايةً مقطوعة بعنوان «ليلة على جبل أصلع» لمؤلفها «م. موسورسكي» وتوزيع صديقه «نيوكولاي كورساكوف» (1844- 1908) حيث تآلفت هذه المقطوعة التي تعتبر من أعظم مؤلفات المدرسة القومية الروسية مع متتالية «صور من معرض» التي كتبها (موسورسكي) أيضاً للبيانو؛ مستلهماً إياها من الأعمال التشكيلية وليقوم «موريس رافيل» (1875- 1935) بتوزيعها عبر خمس عشرة فقرة عنونها العبقري الروسي نسبةً إلى اللوحات التشكيلية لرفيق عمره؛ مقطّعاً بينها بما أسماه (جولات) موسيقية.
«الأقزام، القلعة القديمة، نزاع الأطفال بعد اللعب، العربة، الدجاج ورقصة الباليه، المرابي والفقير، السوق، المدافن الرومانية، بابا ياغا، الساحرة العجوز، بوابة كييف العظيمة» مقطوعات موسيقية تعانقت مع الفيديو المعروض في علاقة جديدة بين الشاشة واللوحة، ليبدو أن الصراع بين قيم الإطار والكادر أخذت هذه المرة توليفة أكثر معاصرةً على صعيد الشكل الذي زاوج بين قيم عروض الأداء؛ مستفيداً من الثيمة التعبيرية للوحات «هارتمان» مستقياً منها تلك الجزالة الواقعية التي جسدها الفنان الروسي في القرن التاسع عشر من مشاهداتٍ دوّنها في لوحاته عن قبور باريس ومعالم مدينة كييف وبواباتها وقلاعها الأثرية ذات الحضور المعماري اللافت.
من هنا تأتي المجازفة الفنية الجديدة لافتتاح مسرح الفنون البصرية؛ ففي لمحة استعادية لأسماء تشكيليين وموسيقيين من القرن قبل الماضي، تطل مغامرة جديدة تأتي فيها اللوحة كنبع للموسيقى وملهماً لها؛ وذلك وفق تضافر بنيوي مع صيغ أكثر حداثة وقدرة على المداخلة بين فنون الزمان والمكان؛ بعيداً عن تلك النمطية السائدة في طريقة العرض وأصول التلقي الكلاسيكي، وصولاً إلى جدلية لونية موسيقية تقفز فيها الشاشة إلى واجهة فنون التجهيزات البصرية. لكن يبقى السؤال عن صيغ أكثر محلية مطروحاً بقوة؛ فالمحترف السوري ومثله الموسيقى الشعبية للبلاد تبقى أرضاً بوراً لإعداد مثل هذه التجارب، فهي اليوم بحاجة إلى مزيد من العناية والبحث لاستلهام جُمل راهنة منها عن الحرب الدائرة منذ أكثر من خمسة أعوام، بدلاً من التعويض عنها بتقديم أعمال روسية - أميركية «مشتركة»!.
-------------------------------------
المصدر : سامرمحمد سماعيل - السفير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق