مجلة الفنون المسرحية
1- و2 ص143 مدخل الى منهج النقد المعاصر.
2- ينظر ص149 المدارس النقدية الحديثة مجلة الثقافة الاجنبية عدد 3 – 1987)
3- نفس المصدر ص133
4- نفس المصدرص1120
5- (ص144 بسام فطوس المناهج النقدية).
6- نفس المصدر(ص132)
-----------------------------------------
المصدر : جريدة الزمان
تؤسس التحولات الفكرية والثقافية في العادة لمتغيرات جوهرية في تحول مسارات الفكر، التي نلمس لها أنعكاساً على الفكر الانساني برمته. فهذه المتغيرات تأخذ طريقها الى التحقق الملموس بعد هزات ثورية كبيرة ، وهذا ما حدث فعلاً بعد ثورة الطلاب الفرنسية، اذ كانت تحولا في ابستمولوجيا فلسفتنا المعاصرة، واعادة تقييم فكرية لما انجز الفكر الانساني على كافة المستويات، وهذا الزم البحث عن منافذ فكرية عقلية مغايرة تنسجم ودوافع ومطالب هذه المتغيرات،
كل هذه العوامل سوغت لرسم خارطة نقدية تعاضد ما يحدث من انقلاب فكري على مستوى اشكال التعبير وانساقها الثقافية المتنوعة وتتجاوزه بمنطق له القدرة على تحديد بوصلة مفاهيم فكرية من شانها ان تؤشر ملامح هذا الانقلاب على الفكر بمخرجات توائم هذه المتغيرات، ولاسيما ما حدث من تحول لدى المفكريين الغربيين الذي انعكس على مجمل الفكر الانساني، وتحول بوصلته من التاكيد على مركزية السلطة الى ازاحة مراكزها السلطوية دافعاً لانتاج فكر جديد منطلقاً من بعده السياسي، مؤكداً بأن القاع الاجتماعي هو مركز السلطة وبعدها الغائر بوصفه المحرك والمشكل لمعطياتها السياسية، لذا وجد منظرين النقد
الحديث في هذه الستراتيجيات السياسية مدخلاً نقديا مغايراً لحركة الفكر النقدي وأجرأته في اكتشاف انساق معنى النص وفاعلية التلقي في صياغته، ومنهم منظرو التفكيكية عندما اعلنوا ان الهامش هو النص وسلطته الفاعلة، وليس المركز الذي تلتف حوله انظمة الخطاب بشكل عام، لكون الهامش هو النص الكامن الذي من شانه ان يتشظى الى دالات تغاير مرتسمات المعنى المركزي الذي هيكل مفاهيم الخطاب ظاهرياً. لذا فأن مساحة الاختلاف بين المركز والهامش تنشئ مفاهيم نصية باتجاه عكسي بينهما، وذلك بقلب هرم المثلث الى القاعدة، لهذا كانت مفاهيم التفكيكية النقدية هي تقويض المركز باتجاه الهامش وتشتيته باتجاه فضاءات آخرى انفتحت على الصوت الاخر من مهيكلات الخطاب الانساني القائم اصلاً على فلسفة التعارض والتناقض والعلاقة المتوترة بين اقطابه سواء على المستوى:(السياسي – الاقتصادي – الديني – الشخصي).
اذاً التفكيكية فعل قرائي وستراتيجية بحث في التركيب المعماري للنص بكل تنوعاته الاجناسية فهي (قراءة لمجمل الخطاب -الفلسفية – الادبية – الفنية – النقدية …وغير ذلك) (1)
والتفكيكية كفضاء تطبيقي على وفق طروحات “دريدا” هي اعادة قراءة وبناء النظم والخطابات الفكرية بحسب عناصرها …. بقلب النظام من القاع الى السطح للكشف عن البؤر المختفية في طبقات المستتر تحت المنظور منها في ذات الوقت(2)، التي يؤشرها “فوكو” بطبقات المعنى، او مستويات النص التي تتجه باتجاه العمق، لذلك تستحضر ستراتيجية التفكيك الغائب لازاحة مدلول ذو سياق متسم بالثبات الذي اتخذ له نسقاً مستقراً، فالقراءة التفكيكية تعمل على خلخلخة انظمة الخطاب، ولا سيما المتسيد منها ، لهذا يقول ” بول دي مان ” انها ترى في الخطاب نظام غير منجز الا في مستواه الملفوظ …. المتشكل في دلالاته الظاهرة، لانها اعادة انتاج دائم للدوال بمعنى منزاح عن الاول حتى انه يغاير قيمه النسقية التي اخذت وضعها في الخطاب، وعليه فان التفكيكية اتخذت لها منحا ً نقدياً من خلال الكتابة لا من خلال الكلام لانها ترى ان الكلام حضور والكتابة غياب قائم على الاختلاف والتعدد، لذلك فهي ترفض الثنائيات التي عرفتها المناهج الفلسفية والنقدية ذات المعطيات الميتافيزيقية، في قراءة الخطاب الفكري – الادبي – الفني …وغير ذلك .
لهذا يرى “ميلر” ان فضاء التفكيكية كمنهج نقدي يسعى الى ايجاد ذلك العنصر في النظام المندرس جوهر التناقض، اي ذلك الخيط في النص الذي يساعد على حله كله، او ذلك الحجر غير الثابت الذي سيحطم البناء كله. (3)، اي انها بحسب وجهة “مللير” منهج لايلتزم بمبادئ معمارية النص، فهو يبحث عن النتوء الكامن خلف هذا البناء ليكون هو المركز الذي يتهيكل عليه النص، وهو بهذا يزيح البنية بكليتها لتكون البنية المحدثة اكثر انفتاحاً على بث معنى جديد، والذي عادة يكون مختلف عن بنيته الاولى بوصفها منهج نقدي يبحث في اختلاف العلامات الذي يمتلك خاصية الظهور والظمور في آن واحد
وهذا ما خلص اليه “دريدا” من ان مفاهيم التفكيكية تحقق ذاتها في الاحالة والارجاء والتأجيل المستمر لتحديد شكل او نظام المعنى، اي انها تحيل الى معنى والمعنى المحدث يحيل الى معنى ….. وهكذا، فالتفكيكية تؤجل المعنى باستمرار وهي بهذا لاتمتلك الاستقرار، لان الاختلاف التفكيكي يتخذ من قانون الازاحة فضاءً، بحيث يمنح القراءة النقدية الحرية في قراءة المعنى الذي يخرج من شروط النقد المنهجي، وهذا اللاتقيد الذي تمنحه القراءة التفكيكية للنص يعد اهم مرتكزات انتاج المعنى للقراءة التفكيكية.
لان التفكيكية ترفض الالتفاف على معنى واحد بل تؤكد الانتشار في المعنى وتشتيت البنية بكليتها وجزئيتها (مركزها -هامشها – حاضرها – غائبها )، ولان النص عند القراءة التفكيكية بلا مركز، ولاتقرأ المعنى في مستواه الظاهر من النص، بل استغوار المعنى الباطن له، الذي يغادر النص تماماً والمعنى الباطن لايكون داخل النص، بل خارج النص اي انها قراءة تنتقل من داخل النص الى متخارجات النص شرط ان تكون هذه الانتقالات موضوعية، بحيث تكون جدلية منفتحة على صيغ آخرى حتى يمكن لها ان تخلخل البنية بكاملها، ونفي التفكيكية لسلطة المركز لاتقتصر على النص، بل على المعنى ايضاً، اذ استمرارية ازاحة المركز لديها تعلن عنها بقوة في ازاحة مركز المعنى المنتج، فهي تتعارض مع التأويل في هذا الاجراء، اذ التاويل انفتاح في انتاج المعنى موكدا على مركزيته، بينما تاويل التفكيكية يدمر مركز المعنى باستمرار . وهذا الفضاء النقدي في تفكيكك تراكيب النص يعد احد اهم الاليات التي تعتمدها القراءة المسرحية في خطابها الجمالي، لان الخطاب المسرحي كالتفكيكية لايمتثل الى البؤرة الواحدة ، اذ يبحث في مظاهر التوتر والتناقض والاختلاف في بناء فعله التراجيدي، او الكوميدي الظاهر منه على مستوى اللغة والمستتر منها، لان الخطاب المسرحي تعارض متوتر مع الوجود التي يستعيرها الخطاب المسرحي تقنية جمالية لمتنه الكتابي ، ويقدمها عبر فضاء دلالات اللغة النصية التي تشرع منها القراءة التفكيكية، ، فالنص المسرحي يؤسس بنيته على فلسفة ( التناقض – التوتر ) التي نجدها راسخة في صراع الارادت وتنامي الفعل المسرحي باتجاه الازمة التي تنشئ موقفان متناقضان تجاه هذه الازمة، فهذا الموقف المتوتر – المتناقض يعد فضاءً لخطاب التفكيك النقدي وويحقق ستراتيجيته في الخطاب المسرحي الذي تتشكل بنائيته على التباين والاختلاف مائزته عن الاجناس الادبية المجاورة له .
وبما ان الصراع في النص المسرحي ينشأ من فضاء الاختلاف وهذا تمثلاً للتفكيكية الذي يتمظهر في التوتر القائم بين عناصره فمثلا في نص “مكبث” فالاختلاف قائم في شكل التوتر بين مكبث والليدي مكبث / الساحرات / بانكو، اذ نجد ان لكل واحد منهم خطه المعارض والمختلف مع الاخر، التي يؤ طرها فعل : (الارجاء – التأجيل ) ، فالقراءة النقدية التفكيكة هنا فاعلة بشكل جلي وكما في السياق الظاهر من النص تغادر البؤرة المركزية في خطاب نص مسرحية مكبث ( ليس العبرة ان تكون ملكاً بل العبرة ان تكون امنا)، لانها ترى (( ان الخطاب ينتج بأستمرار))، لذا يعد الخطاب المسرحي فضاءً تطبيقياً لها بوصفهما يشتركان في ستراتيجة قرائية تبحث باستمرار لتؤجل المعنى في متوالية الانفتاح على المعنى، لان الخطاب المسرحي يؤسس نظامه الدرامي على المعنى المؤجل في حديَ المدونة الكتابية، او المدونة المرئية الحية، ففلسفته الانشائية تنتظم قبلا على ترك فجوات بانتظار من يملئها ( المتلقي )، وهذا يمنح الحرية في ملء الفجوة قطعاً بالاختلاف مع المنشئ لها، الذي ينفتح على المعنى الذي بدوره يزيح المعنى المركزي لصورته الاولى، ثم الاختلاف مع هذا المعنى المنتج عنها، وهكذا تنشأ متوالية الخطاب المسرحي من التعارضات والتوترات التي تربطها فجوات تبدو حاضرة في تناقضاتها اي بمعنى ان كل حضور علامي…..هو اختلاف …….. مع علاقة غير حاضرة (الفجوات)(4)
والبنية هنا تنقسم الى فضائي الحضور والغياب لدى القراءة التفكيكية.
وهذا الحضور والغياب تمثلاً جلياً لستراتيجية التفكيك في الخطاب المسرحي لانه فضاء قائم على مضمرات المعنى باستمرار اي البحث عن المغيب من البنية اذ (( تقويم المدلول المقترن بنمط ما من القراءة واستحضار المغيب بحثاً عن تخصيب مستمر للمدلول وفق تعدد قراءات الدال مما يفضي الى متالية لا متناهية من الدلالات )(5)
والتفكيكية لا تعني البحث فقط عن المركزار والبؤر داخل النص حصراً بل هي بحث دائم داخل متن النص وخارج متن النص لخلق نوع من التواتر والتناقض بين الشبكة اللغوية التي تكون غائبة عن هذه الشبكة الظاهرة في خطاب النص )
فالخطاب تمثيل لنظام …… ذو دلالة مرئية (6)
فالخطاب المسرحي يمتلك شكلين من الكتابة الاول ملفوظ لغوي يعلن عنه في مصفوفة نصية، اما الثاني فهو ملفوظ صوتي – مرئي قار في مصفوفة مرئية (العرض المسرحي) ورسالة هذا الخطاب لاتظهر في المعنى الظاهر منها بل في المخفي المستتر كما في مثالنا على خطاب النص المسرحي مكبث اذ يظهر هو بحث عن وسائل للوصول الى السلطة بغض النظر عن الوسيلية سواء كانت اخلاقية ام لا.
فالنص المغيب لهذا الخطاب هو طبيعة العلاقة بين مكبث والليدي في انها علاقة معطلة والدليل على ذلك ان الساحرات والغابة يتعارض مع مجريات بناء الفعل المسرحي في باطنه لهذا حاول القصب ان يقرأ هذا الاختلاف تفكيكيا في انشاء مصفوفته المرئية من خلال مفردات المصفوفة المتعارضة مداليلها بدا ليمنح المتلقي حرية في القراءة اولا، ووضع استنتاجته بحسب نصه الباطن هو اي ان انشاء المعنى التفكيكيكي في راينا يشرع من خارج النص اصلاً ليكون بعد ذلك داخل النص فالخطاب المرئي للقصب كان يتعارض مع ذاته ومع المتلقي فالمقصلة تتعارض مع السيارة والبراميل في ظاهرها لكنها في نصها الباطن كلها ادوات للموت وهذا يدفع باتجاه السؤال التفكيكي الذي يضع المتلقي امام مسؤولية معرفية في الكشف عن الاختلاف المرئي في هذه الهيكلية الذي بدوره يتخارج معها الى خارج منظومة خطابها المسرحي عندها ينتج عنها نصوص متعددة منها ثقافي سياسي ديني …. والاختلاف والتوتر في بنية النص المسرحي “عطيل ” اذ نجد ان هناك تناقضات وتواترات ما بين عطيل / دزدمونة / ياجو / ايليا / كاسيو / رودريكو / التي منحت الصائغ افقا مغايرا ليفكك هذا التناقض ويعيد قراءته بفلسفة مغايرة لما تعارف عليه نوع الصراع في هذا النص الذي ينفتح على القراءة التفكيكية اذ نجد دزدمونة في المصـــفوفة الادبية لشكسبير كانت نصاً هامشياً في حين عند الصائغ كانت المركز فبحث الصائغ عن المعنى الغائب في النص الاول انفتح ليؤسس معنى اخر ، فان الخطاب المسرحي هو خطاب تفكيكي لانه قائم على ارجاء وتاجيل المعنى مما منحه صفة ديناميكية انتاج المعنى منفتح على المتلقي مغادر لمؤلف النص، لهذا نجد الخطاب المسرحي يصيب العديد من القراءات وكما تقول كريستفا بانه خطاب علامي وبما ان التفكيك يرى العلامة غير ناضجة على الدوام فهي منفتحة على القراءة التفكيكية وهيكلة ستــــراتيجيتها القرائية لاي نص ولا سيما النص المسرحي المتفرد بسمة الانفتاح على تدير بنى معنى وانشاء معنى جديد في متوالية غير متناهية من التأســــيس لنسبية الوجود.
الهوامش
2- ينظر ص149 المدارس النقدية الحديثة مجلة الثقافة الاجنبية عدد 3 – 1987)
3- نفس المصدر ص133
4- نفس المصدرص1120
5- (ص144 بسام فطوس المناهج النقدية).
6- نفس المصدر(ص132)
-----------------------------------------
المصدر : جريدة الزمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق