مجلة الفنون المسرحية
في حوار مع عميد المخرجين المسرحيين الفنان القدير سامي عبد الحميد:
حاوره ـ عبد العليم البناء:
البدايات مع المسرح
* في عودة الى البدايات.. ما الذي يمكن ان نتوقف عنده في علاقتك مع عالم المسرح والخطوة الاولى في رحلة الالف ميل من مشوارك الابداعي الاصيل..؟
– أتوقف عند كلية الحقوق (القانون حالياً) وذلك عام 1948 حين إتفقت مع زميلي (محمد منير آل ياسين) على أن ننافس زميلنا (يوسف العاني) الذي كان يقدم تمثيلياته مع مجموعة (جبر الخواطر) مع طلبة في تلك الكلية وذلك بأن نشترك معاً في التمثيل في مسرحية شكسبير (تاجر البندقية) وقد اخترنا لإخراجها (الاستاذ ابراهيم جلال) وكان آنذاك مدرساً في معهد الفنون الجميلة. وأتذكر أن المسرحية قدمت في مسرح المعهد (مسرح قسم الفنون الجميلة بكلية الفنون الجميلة حالياً ) وشارك فيها طلبة كلية الحقوق ومنهم من أصبح من القضاة والمحامين المشهورين بعد تخرجهم. وبهذه الخطوة تجاوزت خطوتين سابقتين لم تكونا بأهمية خطوة كلية الحقوق وهما مشاركتي بتمثيل دور رئيسي في مسرحية (أنا الجندي) التي أخرجها مدرس اللغة العربية في المدرسة المتوسطة في سامراء ومشاركتي بتمثيل دورين في مسرحية (في سبيل التاج) لمصطفى لطفي المنفلوطي أخرجها مدرس الرسم في ثانوية الديوانية عام 1946.كانت خطوتي الاولى مهمة لكونها مهدت لدخولي فرع التمثيل بمعهد الفنون الجميلة بتشجيع من (ابراهيم جلال) مشيداً بموهبتي ومحبباً لنفسي الفن المسرحي.
*اذا كان الامر كذلك.. فهل كان سعيك لدراسة فن المسرح نابع من ضرورة صقل الموهبة بالدراسة الاكاديمية والعلمية..؟
– نعم فقد اعتقد (ابراهيم) بأن موهبتي تحتاج الى صقل والصقل لا يتم إلا عن طريق الدراسة وممارسة تطبيق تقنيات التمثيل على يد أستاذنا الأول (حقي الشلبي) وقد تم الصقل فعلاً وليس هذا حسب بل إن الدراسة في المعهد دفعتني للتزود أكثر بالمعرفة الفنية وبالذات ما يخص فنون المسرح ولذلك رحت أبحث عن المراجع الخاصة وأكثر من ذلك فقد قمت بترجمة عدد من الموضوعات ذات الصلة بالفن المسرحي ونشرت منها في مجلة (السينما) لصاحبها (كاميران حسني) والتي كانت تصدر أواسط الخمسينيات من القرن الماضي ومن تلك الموضوعات (طريقة ستانسلافسكي) اعتماداً على ترجمة لكتاب الناقد (ديفيد ماكمارشاك) كما نشرت موضوعاً عن الشاعر والمخرج الألماني (برتولد بريخت) وبذلك كنت سباقاً في تعريف المسرحيين العراقيين بقطبي التنظير لفن المسرح المتعارضين.
* في هذا السياق لم تتوقف عند حدود الدراسة المحلية فاتجهت الى دراسة فن المسرح في لندن (الاكاديمية الملكية لفنون الدراما).. ما الذي يمكن تأشيره في هذه المحطة المهمة..؟
– سبقني عدد من المتخرجين في فرع التمثيل بمعهد الفنون الجميلة بحصولهم على بعثات دراسية في أميركا وفي إنجلترا حيث درس كل من (جاسم العبودي وجعفر السعدي وابراهيم جلال وبدري حسون فريد وبهنام ميخائيل) في معهد غود مان بمدينة شيكاغو وكلهم درسوا فن الإخراج المسرحي وحصلوا على شهادة الماجستير. وكنت اتطلع للحصول على بعثة مماثلة ولكن ليس الى امريكا بل الى انكلترا لأنني كنت عارفاً بأنها مهد من مهاد الفن المسرحي في العالم ذلك الذي ربى أمثال شكسبير وبن جونسون وبرناردشو وبيترهول وبيتر بروك ولورنس أوليفيه وفينيسا ريدغريف وغيرهم من المبدعين المسرحيين وبالفعل فقد أتيحت لي الفرصة وحصلت على بعثة الى إنجلترا والى (الاكاديمية الملكية لفنون الدراما ) والتي تسمى مجازًا (مصنع الممثلين) وتخرج فيها أبرز الممثلين الانجليز. في البداية كانت البعثة مخصصة لدراسة الاخراج ولكن الغريب لم تكن آنذاك في عام 1959 مثل تلك الدراسة لا في المعاهد الفنية الانجليزية ولا في الجامعات واقترحت إدارة الاكاديمية أن أدرس (ادارة المسرح) وعن هذا الطريق أتعلم فن الاخراج المسرحي عبر مرافقتي لعدد من المدرسين المخرجين في الاكاديمية وبالفعل التحقت بدراسة ادارة المسرح وما أن انتهى الفصل الأول من الدراسة حتى وجدت نفسي أفضل دراسة التمثيل في تلك الاكاديمية وكان علي أن اجتاز امتحان القبول وذلك بتقديم مشهدين تمثيليين أحدهما جاد والآخر هازل أمام لجنة الامتحان وخوفاً من أن لا يتم قبولي في الاكاديمية لدراسة التمثيل فقد قدمت طلباً للالتحاق بمعهد آخر وهو المعهد الذي درس فيه الصديق (سعدون العبيدي) ومن حسن حظي أنني اجتزت الامتحان في كلا المعهدين وبالطبع فقد فضلت الأكاديمية على غيرها. تركزت الدراسة في الاكاديمية في النواحي العملية أكثر من النواحي النظرية وكانت المواد النظرية قليلة جداً ومنها مادة تأريخ المسرح التي لم تستغرق دراستها أكثر من فصل واحد في حين استمرت دراسة فن الإلقاء ودراسة تقنيات التمثيل وتربية الجسم فصول الدراسة الاربعة وفي كل فصل منها شاركت بتمثيل دور في مسرحية يخرجها أحد التدريسيين .وفي الفصل الأخير وهو فصل التخرج مثلت دورين رئيسيين أولهما في البانتومايم المعنون (سندريلا) وثانيهما في مسرحية الفرنسي أرمان سالاكرو ( المرأة المجهولة من آراس ) وشاركتني في التمثيل في هذه المسرحية المخرجة والممثلة اللبنانية (نضال الاشقر) حيث كانت زميلتي في الدورة الدراسية نفسها. وللحق أقول خلال دراستي التمثيل في الاكاديمية الملكية بلندن بقيت معلوماتي النظرية عن الفن المسرحي ضئيلة ولكن مشاهداتي الكثيرة للعروض المسرحية المتنوعة في لندن وفي مدن أوربية أخرى كنت أزورها خلال العطل الفصلية قد أضافت الكثير الى معرفتي بفن التمثيل.
لندن الانطلاقة الأولى
*وهل من حصيلة أخرى خرجت بها من دراستك اللندنية تحديداً..؟
– من ثمرات دراستي في لندن تأليفي لكتاب بعنوان (تربية الصوت وفن الإلقاء) وهو كما أعتقد أول كتاب يدخل المكتبة العربية يتعرض لتقنيات فن الإلقاء في المسرح وتربية صوت الممثل وقد اعتمدت فيه على كتاب أستاذ فن الألقاء في الاكاديمية الملكية (كليفورد تيرنوم).صحيح أن هناك عدداً من الكتب صدرت بالعربية تخص الإلقاء لكنها لم تتطرق الى التقنيات بقدر تطرقها الى الأصوات اللغوية كما أنني ترجمت كتاب الأستاذ (الكساندر دين) الذي عنونته (العناصر الاساسية لإخراج المسرحية) ومن لم يطلع على هذا الكتاب ويدرسه بدقة يكون قاصراً في معرفته عن فن الاخراج.
* وكانت لك جولة دراسية أخرى في امريكا (جامعة اوريغون) فما الاضافة التي تحققت هنا قياساً الى دراستك في (الاكاديمية الملكية لفنون الدراما) في بريطانيا ؟
– كانت جولتي الدراسية الثانية في قسم الكلام بجامعة اوريغون في الولايات المتحدة الأميركية عام 1975 حيث حصلت على سنة تفرغ علمي في تلك الجامعة لكوني أحد التدريسيين في اكاديمية الفنون الجميلة في جامعة بغداد وكان الهدف الأول من تلك الجولة أن أعد بحثاً علمياً يخص الفن المسرحي وكان الهدف الثاني أن أحصل على درجة (الماجستير) في الفن المسرحي لشعوري بأهمية تلك الدرجة والأعلى منها (الدكتوراه) لأعضاء هيئة التدريس في إحدى كليات جامعة بغداد. ولم استطع مواصلة دراستي في جامعة اوريغون وذلك بسبب تجاوز عمري الشرط المحدد لدراسة الدكتوراه.
وللعلم فقد كنت أحد التدريسيين الذين نقلت خدماتهم من معهد الفنون الجميلة الى أكاديمية الفنون الجميلة لسد النقص في الملاك التدريسي آنذاك عندما تم تأسيس الاكاديمية كإحدى الكليات الجامعية والتي تستوجب أن يكون عضو التدريس فيها حاملاً لدرجة علمية في حين كنت أنا وعدد من اساتذة الرسم والنحت لا يحملون مثل تلك الدرجة بل يحملون شهادة الدبلوم المهنية ولذلك فقد أصدرت رئاسة جامعة بغداد تعليمات سميت (تعليمات الترقيات الفنية) لتكون معادلة للترقيات العلمية فقد اضيفت كلمة (فن) لكل من الأستاذ والاستاذ المساعد والمدرس والمدرس المساعد ومازالت تلك التعليمات سارية المفعول في الكليات الجامعية الفنية برغم توفر العديد من اعضاء الهيئة التدريسية ممن يتمتعون بالدرجات العلمية (الماجستير) و (الدكتوراه).
عندما التحقت بجامعة اوريغون اكتشفت بأن معلوماتي بل ومعلومات اساتذتي (حقي الشلبي) و (ابراهيم جلال) و (جاسم العبودي) وآخرين، ضئيلة جداً في حقل الفن المسرحي وأن الجانب النظري لدينا ضعيف جداً مقابل الجانب العملي، ولذلك كرست كل جهدي ووقتي لزيادة المعرفة فقد كنت أقضي ساعات طويلة في مكتبة الجامعة أطلع على المصادر والمراجع التي تخص بحثي والتي تخص دراستي للماجستير.
وأضرب مثالاً على ما يتوفر في مكتبة تلك الجامعة من مصادر ومراجع لا تستطيع الاطلاع على معظمها خلال سنة فقد كان من متطلبات الحصول على درجة الماجستير أن أخرج عملاً مسرحياً مع طلبة قسم الكلام وحينها قررت أن اخرج مسرحية الأديب الراحل (جليل القيسي) المسماة (نجنسكي ساعة زواجه بالرب) وهي عن راقص الباليه الروسي الشهير (نجنسكي) وقد قمت بترجمتها الى الإنجليزية وذهبت الى المكتبة لأطلع على ما كتب عن ذلك الراقص المشهور وقد فوجئت بعشرات الكتب تتحدث عن (نجنسكي) ولم أستطع إخراج المسرحية تلك وذلك لعدم توفر عنصر يمثل الدور الرئيسي واستبدلتها بمسرحية جيكوف (الدب).
كانت الإضافة التي تحققت لي اثناء دراستي في جامعة اوريغون هي توسع رقعة معرفتي بالعلوم والفنون المسرحية سواء عن طريق المواد التي درستها أم عن طريق رجوعي الى المصادر. وكانت تلك الإضافة هي التي حفزتني على تأليف كتب منهجية تخص فن التمثيل وفن الإخراج شاركني في تأليفها الصديق (بدري حسون فريد) كما أنها شجعتني على ترجمة كتب فنية أخرى من الانجليزية الى العربية أذكر آخرها (كتابة المسرحية) و(فن الماكياج). ومن الإضافات الأخرى مساهمتي مع آخرين من التدريسيين في (أكاديمية الفنون الجميلة) وفيما بعد (كلية الفنون الجميلة) بإعداد المناهج الدراسية للأقسام العلمية سواء على مستوى الدراسات الأولية أم على مستوى الدراسات العليا. وللعلم فأنني ما زلت أحتفظ بالمناهج الأولى التي وضعت للدراسة في قسمي الفنون المسرحية والفنون التشكيلية.
الاخراج وسيلة للتعبير
* مع تبلور واكتمال ملامح الخطاب المسرحي لديك.. لماذا إخترت الاخراج إذن وسيلة للتعبير عن مكنوناتك الابداعية..؟
– أنا لم أختر الإخراج بل هو الذي إختارني فقد بدأت ممثلاً وكنت أريد أن أبقى كذلك ولكن الحاجة الى مخرج مقتدر هي التي دفعت فرقتي (فرقة المسرح الحديث) الى أن تعهد لي مهمة الإخراج بعد أن تخلى عنها رئيس الفرقة إبراهيم جلال أواسط الخمسينيات وكان أول عمل إخراجي لي مع الفرقة مسرحية أناتول فرانس والتي ترجمها الى العربية المؤلف المسرحي (سليم بطي) وهي (الرجل الذي تزوج إمرأة خرساء).
في ذلك الوقت لم أكن أعرف عن تقنيات الإخراج ونظرياته إلا النزر اليسير وما تعلمته من أساتذتي في المعهد وخلال التمارين على المسرحية كنت التمس من أستاذي إبراهيم جلال أن يحضر في التمارين ويعطي إرشاداته. وبعد تلك المسرحية الصعبة توليت اخراج مسرحية أسهل هي (المقاتلون) للكاتب العراقي (جيان) وهو اسم مستعار طبعاً وكانت هذه المسرحية قد فازت بجائزة مجلة (الآداب) اللبنانية وتتعرض للثورة الجزائرية ضد الإستعمار الفرنسي.. مثلت أنا والمتفانية (ناهدة الرماح) الدورين الرئيسين في المسرحية وذلك عام 1958وأعتقد بأنها أول مسرحية عربية تتعرض لثورة الشعب الجزائري وبطولاته.
*من الملاحظ أنك تجمع بين التمثيل والأخراج طيلة حياتك الفنية ولم يمنعك الاخراج عن الوقوف ممثلاً على خشبة المسرح بين يدي أساتذتك وتلاميذك على حد سواء؟
– لقد واصلت عملي الاخراجي لاعتقادي بأن معرفتي وقدرتي في هذا الفن لا تقل عما يمتلكه المخرجون العراقيون أيام بدأت بالمهمة الإخراجية. ويمكنكم ايضاً ملاحظة أن العديد من الممثلين العراقيين قد تحولوا الى الإخراج وتركوا التمثيل لإعتقادهم بأن التمثيل معيب وأن في الأخراج هيبة وسطوة أما أنا فعلى العكس رأيت في الإخراج مهمة مكملة للتمثيل. ويمكنني القول أنني الوحيد من الممثلين العراقيين ممن عمل مع فئات مختلفة من المخرجين من الشيب والشبان فقد عملت مع (حقي الشلبي) ومع (ابراهيم جلال) ومع (جاسم العبودي) ومع (جعفر السعدي) ومع (بهنام ميخائيل) ومع (محسن العزاوي) ومع (قاسم محمد) ومع (صلاح القصب) ومع (فاضل خليل) ومع (عزيز خيون) ومع (سنان العزاوي). ووجدت أن أولئك وهؤلاء يختلفون في التعامل معي كممثل فمنهم من يعتمد كلياً على مقدرتي ومنهم من يريد أن يثبت أنه أكثر مقدرة مني. ومنهم من يعطيني الحرية الكاملة في الأداء ومنهم من يقيد أدائي على وفق رؤيته وكنت أتجاوب مع الجميع إلا في حالات نادرة حيث كنت أقف معارضاً لتوجيهات هذا المخرج أو ذاك استناداً الى عدم قناعتي التامة بتوجيهاته ومع ذلك فكنت أنفذ ما يريد رغماً عني باعتبار أن المخرج هو سيد الانتاج المسرحي وهو المسؤول الأول والأخير عن نجاح العمل.
تجارب ومعطيات
*في ضوء الحصيلة الاخراجية الكبيرة والمميزة.. كيف تنظر لتجربتك هنا؟ وما أبرز المعطيات والمؤشرات التي يمكن الخروج بها ..؟
– تبلورت تجربتي وخبرتي في مراحل زمنية وعبر مرافقتي لأساتذة ومخرجين يحملون رؤى مختلفة ولهم تجاربهم المختلفة في سعتها وفي عمقها وتبلورت ايضاً من خلال مطالعتي للعديد من المصادر والمراجع باللغتين العربية والانجليزية. وتبلورت ثالثاً من خلال مشاهداتي للكثير من العروض المسرحية سواء في بلادنا العربية أم في بلاد الغرب أوروبا واميركا .. نعم تبلورت التجربة من خلال تراكم الخبرة والمعرفة والمشاهدة.
ما هو مدهش أو غريب أنني وبعد كل هذه السنين من الممارسة الفنية في الأعمال المسرحية والسينمائية والاذاعية والتلفزيونية لم أشعر بأن معالجاتي الإخراجية تطورت كثيراً برغم نجاحي في الخطوات الأولى. نعم لقد كان هاجس التجديد ومازال يراودني وربما أكون من المخرجين القلائل الذين ينتقدون أعمالهم أو أن يتقبلوا نقد الآخرين وعندما أراجع أعمالي السابقة أقول لنفسي لو تسنى لي إعادة إخراجها لكانت معالجتي الإخراجية لها تختلف تماماً عن السابق.
*وما الذي منعك من الإقدام على هذه الخطوة التي ستكون – حتماً – مثيرة للجدل والمقارنة ؟
– نعم لقد تطورت رؤيتي ومعرفتي كثيراً وصارت مديات مخيلتي أوسع وأكثر تعدداً ومع هذا فإن معالجاتي لعدد من المسرحيات ستبقى على حالها وربما لا أستطيع أن أستبدلها بما هو أفضل وأذكر على سبيل المثال إخراجي لمسرحية الأميركي أونيل (القرد الكثيف الشعر) مع طلبة اكاديمية الفنون الجميلة عام 1968ومع المسرح الحديث بمسرحية الاسباني غارسيا لوركا (بيت برناردا البا)عام 1979 أو حتى إخراجي لمسرحية العراقي يوسف العاني (المفتاح) عام 1968 ومسرحية شكسبير (هاملت) عام 1973 ومسرحية الفلسطيني معين بسيسو (ثورة الزنج) عام 1975 مع طلبة معهد الفنون الجميلة فكلها كانت مبتكرة. ثم جاءت بعد ذلك محاولاتي في المسرح التجريبي خلال التسعينيات من القرن الماضي وفي المقدمة المسرحيات القصيرة الثلاث (الى إشعار آخر) (الكفالة) و (شكراً ساعي البريد) والتي تصدت لظلم السلطة وتعسفها بحق المواطنين. وكانت معالجتي لمسرحية شكسبير (عطيل) والتي سميت (عطيل في المطبخ) قد أظهرت التميز في الابتكار والرؤية الجديدة عندما إفترضت أن طباخي أحد المطاعم والندل فيه يمثلون تلك المسرحية المشهورة. وكانت (ثيمة) الأسود والأبيض قد غطت جميع عناصر الإنتاج من لون البصل الأبيض ولون الباذنجان الأسود واللذين راح كل من (ياغو) و (رودريغو) يقطعانها تمهيداً لعمل طبخة ضد القائد المغربي (عطيل) غيرة وحسداً ومازلت اعدّ معالجتي تلك متفردة.
*في ضوء ذلك ما أبرز المعطيات والمؤشرات التي يمكن الخروج بها ويأخذها أي مخرج بنظر الاعتبار ..؟
– أستطيع الخروج بالمؤشرات التالية:
1. يمكن للمخرج المسرحي أن يكون مؤلفاً ثانياً للنص المسرحي ولا يتقيد بمعطيات المؤلف الأصلي عندما يكون غائباً.
2. يمكن للمخرج المسرحي أن يعالج أية مسرحية برؤية جديدة تختلف عن رؤيته السابقة.
3. يمكن للمخرج المسرحي أن يكون انتقائياً في عمله أي أن ينتقي الاسلوب الاخراجي لهذه المسرحية أو تلك بحسب طبيعتها واسلوب كتابتها وزمن عرضها للجمهور وكذلك أن ينتقي المكان المناسب لعرض المسرحية سواء في مسرح العلبة الإيطالي أم في مسرح الحلبة الإغريقي أم في مسرح اللسان الاليزابيثي أم في أماكن أخرى أكثر حميمية مثل بيت منتدى المسرح.
الخبرة والتخيل
4. يمكن للمخرج المسرحي أن يصنف كذلك بعد أن تزداد معرفته وتكتمل خبرته وتتسع مخيلته.
* لقد تنوع وتعدد منهجك الاخراجي فلم تقف عند إسلوب معين أو مدرسة محددة.. فما السر في ذلك؟ ولو خُيرت بينها.. فأيها الأقرب اليك والأصدق تعبيراً عنك..؟
– نعم لقد خضت غمار جميع الأساليب وتصديت لشتى المدارس المسرحية فمن ناحية التأليف المسرحي تصديت للمسرحية الواقعية كما هو الحال مع (الخان) ليوسف العاني وللمسرحية الواقعية كما هو الحال مع (الخرابة) ليوسف العاني أيضا وإلى المسرحية الملحمية مع (المفتاج) ليوسف العاني كذلك والى المسرحية الرمزية التعبيرية مع (القرد الكثيف الشعر) ومع المسرحية السياسية الشعرية مع (ثورة الزنج) والى المسرحية التاريخية مع (تموز يقرع الناقوس) والى تحديث المسرحية الملحمية كما الحال مع (الليالي السومرية) للكاتبة (لطفية الدليمي) تحديثا لملحمة كلكامش وللمسرحيات الشكسبيرية (هاملت) و(ماكبث) و(عطيل) و( حلم ليلة صيف). لقد قدمت ملحمة كلكامش بأكثر من معالجة واحدة كانت أولاها مع طلبة الفنون الجميلة وثانيها مع أعضاء الفرقة القومية للتمثيل وثالثها مع طلبة كلبة الفنون الجميلة ورابعها مع اعضاء الفرقة القومية أيضا وخامسها مع مجموعة من الشباب وقدمتها أولا في مسرح الاكاديمية الصغير ومن ثم المسرح القومي القديم وفي مسرح مدينة بابل الآثارية قبل ترميمه وفي قاعة الشعب وفي مسرح الطليعة.
وقدمت مسرحية (بيكيت) (في انتظار غودو) مرتين الاولى في المسرح الصغير في الجمعية البغدادية والثاني في مسرح بغداد المتواضع. وقدمت عروضا مسرحية في المسرح الوطني وفي منتدى المسرح وفي حدائق كلية الفنون الجميلة ولو خيرت حول أي منهج إخراجي أفضله على غيره لقلت لا أفضل هذا على ذاك فلكل منهج مناسبته وزمنه وهنا أعترف بأنني فشلت في إخراجي لعدد من المسرحيات أما بسبب اختياري غير الصحيح للنص أو بسبب الاستعجال بالمعالجة أو بسبب خطأ ما وقعت فيه أو بسبب سوء اختياري للممثلين.
*وما الذي كنت تراهن عليه وأنت تعرض تجاربك المسرحية هذه داخل وخارج العراق؟ وما الرسالة التي كنت تريد إيصالها..؟
– لم أكن أراهن على شيء سوى أن ارفع المستوى الفني لأعمالي شكلا ومضموناً وأن أسهمفي ترقية ذائقة الجمهور المسرحي وأن أضيف رصيدا لحركة المسرح في العراق. لم أكن أراهن على شيء عندما عرضت بعض مسرحياتي خارج العراق ومع هذا فقد نجحت ونالت استحسان الجمهور كما حدث عندما عرضت (ملحمة كلكامش) في مدينة الحمامات في تونس وعندما عرضت في مدينة المونستير التونسية أيضا. وعندما نجحت مسرحيتي (الكفالة) على مسرح بغداد نجاحا كبيراً وللعلم فأن تلك المسرحية تعرضت لسجين سياسي تنساه السلطة ولا تقدمه للمحاكمة لسنوات وعندما تكتشف أنها اخطأت بحقه تطلب منه أن يأتي بكفيل يكفله لكي يطلق سراحه ولكنه يعتذر حيث لا يدري من هو الذي يجرؤ على كفالته بعد كل السنين التي قضاها في السجن فيذهب أحد الحراس ليبحث له عن كفيل واذا بعائلته تتنكر له وبعد ذلك يقول أفضل أن أبقى رهين السجن طيلة حياتي ولا أخرج الى مجتمع تنكر للقيم النبيلة. وهكذا فالرسالة التي كنت وما زلت أريد إيصالها الى الجمهور هي الدفاع عن إنسانية الانسان وصون حريته والوقوف ضد كل أعمال الظلم والقهر والتعسف فالإنسان ولد حراً ولابد أن يبقى حراً وأردد القول العظيم: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم احرارا».
التجربة العراقية
* لا شك أن المشهد المسرحي العراقي انطوى على تجارب مماثلة لأساتذتك ولنظرائك من المخرجين فكيف تنظر لتجاربهم ؟ وأين تضع تجربتك قياساً لهم؟
– إن تجارب أساتذتي ونظرائي الإخراجية لا تخلوا من التجديد والابتكار وهنا أؤكد اطروحتي بأننا كلنا تجريبيون لم يتسن للبعض منا أن يرسخ أسس التقليد كما هو الحال في مسارح العالم المشهورة كالمسرح الانجليزي والمسرح الفرنسي والمسرح الروسي والمسرح الألماني فقد بدأنا من حيث وصلوا هم ومع أننا اقتبسنا الفن المسرحي عنهم فقد استطعنا أن نضع بصماتنا الى حد ما على البعض من أعمالنا.
كان من بين اساتذتي ونظرائي من يتقن تحليل النصوص المسرحية ويحسن تفسيرها ويحاول أن يكون أميناً على رؤى المؤلفين وكان منهم من يحاول أن يتخذ من نصوص المؤلفين منطلقات لفرض رؤاه الذاتية انطلاقاً من مبدأ التجديد على حد اعتقادهم ومن مبدأ أن النص المسرحي ليس كتاباً مقدساً لا يمكن التلاعب فيه أو تحريفه ومن مبدأ أن المخرج مؤلف جديد للنص المسرحي ومنهم من يدقق في تفاصيل المسرحية ويتعمق في تحليلها وهناك آخرون يهتمون بالشكل أكثر من اهتمامهم بالمضمون. وهناك من يتزمت بمعالجته الإخراجية ولا يسمح للممثلين أن يقدموا مقترحات بشأنها ، وهناك من يعمل العكس فيعطي للممثلين معه الحرية في الإبتكار والارتجال وأنا من بين هؤلاء حيث أعتمد كثيراً على ابداعات الممثلين وإن عجزوا حينها أتدخل وأرشدهم الى ما هو أصلح وفقاً لرؤيتي.
أذكر أنني في المسرحيات الثلاث القصيرة التي أشرت اليها سابقاً قد سمحت للممثلين أن يسهموا في إعادة صياغة النصوص وأن يرتجلوا بعض المواقف في أثناء التمارين وكنت أردد دائماً قولي تعدد الابداعات أفضل من اقتصارها على واحد.
* وكيف تنظر لتجربة المسرحيين الشباب؟ وهل استطاعوا أن يكونوا اوفياء لجيل الرواد ولرسالة المسرح في ظل موجات من المسرح التجاري اجتاحت وتجتاح المشهد المسرحي العراقي والعربي؟
– الشباب هم الدماء الجديدة التي تبقي العمل الفني حياً.. كنا نحن في زمن سابق شباباً وكنا كما هم الشباب هذه الأيام نرفض معالجات الشيوخ أو الرواد ونعارض أساليب عملهم ولكن عند مراجعتنا اليوم لما سبق نقتنع بأنهم كانوا على صواب . أنا نفسي كنت أعارض أستاذي (حقي الشلبي) في تعامله التدريسي والتدريبي مع الطلبة والممثلين وكنت أعتقد أن الكلائش التي كان يستعملها قد عافها الزمن وأصبحت من الماضي ولكن بعد حين وجدت أن ذلك التعامل قد علمنا الكثير من جماليات الفن المسرحي.
شباب المسرح اليوم ليسوا كما كنا حسب اعتقادي فهم أولاً ما عادوا يذكرون جميل من سبقوهم وخبرة الرواد وعطاءاتهم الثرة وهم ليسوا كما كنا نتلهف لزيادة رقعة معرفتنا في الفن المسرحي وهم لا يؤمنون بالتدرج بل تراهم يقفزون ولا يتقيدون بخطوات وئيدة. الكثير منهم يعتمد على مخيلته أكثر من اعتماده على ثقافته ومعرفته العلمية والكثير منهم من يستعجل الوصول الى النجاح والكثير منهم من يعتقد أنهم هم فنانو المسرح وليس غيرهم والكثير منهم من يستسهل العمل المسرحي. والأغرب من هذا أنهم راحوا يقلدون البعض الآخر في أعمالهم المسرحية أو في معالجاتهم حتى أن البعض منهم عدّ عمله يدخل ضمن ما يسمى (مسرح ما بعد الحداثة) أليس هذه قفزة مهلكة ؟!. أغلبهم رفض مسرح الكلمة وفضل مسرح الحركة وهو الأسهل في اعتقادي لأن مسرح الكلمة يحتاج الى تحليل دقيق وزمن أطول للتحضير. مع ذلك فلولا تجارب الشباب وابداعاتهم لتجمدت حركة المسرح عندنا أو لربما ماتت وأنصحهم أن يتواضعوا قليلاً وأن لا يتنكروا لمن سبقهم.
المسرح التجريبي والحداثة
* على ذكر التجريب أو الحداثة هنا لابد من وقفة عند المسرح التجريبي أو الحديث الذي تصدى له الكثيرون فمن منهم قد نجح ومن منهم قد أخفق..؟ ولماذا؟ وبماذا تنصحهم؟
– يدعي البعض بأنهم تجريبيون أو مستحدثون وهم على خطأ وأقول ليس كل ما هو جديد تجريبي ولكن المسرح التجريبي يجب أن يحتوي على ما هو جديد .المسرح التجريبي ليس إرهاصات ونزوات وإنما هو اتجاه يستند الى العلم فلا بد من فرضيات واجراءات ومن نتائج ولا بد من الاستمرار بالتجريبي وإلا لما أشار الدارسون الى عدد محدود من فرق المسرح التجريبي أمثال (المسرح الحي) و (المسرح البيئي) و (المسرح المفتوح) في أمريكا و(مسرح الشمس) في فرنسا و (المسرح الفقير) في بولونيا و (مسرح أودين) لباربا الايطالي في الدانيمارك. ويخطئ من يقيم مهرجاناً تحت عنوان (المسرح التجريبي) إذ حتى مهرجان القاهرة الدولي يسمى خطأ بالتجريبي حيث أن عدداً من عروضه لا تنتمي الى المسرح التجريبي . المسرح التجريبي يستوجب حضور التكريس وحضور المنهج وحضور الاستمرارية وهناك تقنيات معينة يستعملها غير تقنيات المسرح التقليدي ونذكر منها: الارتجال والعمل الجمعي والواقع المتحول واللعب وأن لا يكون هدف الفرقة التجريبية عرض عملها المسرحي الى الجمهور بل يمكن الاكتفاء بالتمارين فقط.
نعم ظهرت بعض الأعمال المسرحية في العراق تتصف بصفات المسرح التجريبي ومنها بعض أعمال صلاح القصب وبعض أعمالي ولكن هناك أعمال تقليدية ظهرت واتصفت بالحداثة وكانت أفضل من الأعمال التجريبية ونذكر على سبيل المثال مسرحية بريخت (البيك والسايق) التي أخرجها ابراهيم جلال ومسرحية (ترنيمة الكرسي الهزاز) التي أخرجها (عوني كرومي) ومسرحية (رحلة السندباد) التي أخرجها عزيز خيون ومسرحيتي (المفتاح) ولم ندع أنها تجريبية بالرغم من وجود عامل الإبتكار فيها. أنصح الذين يدعون التجريب أن يراجعوا أنفسهم وأن لا يطلقوا ذلك المصطلح على أعمالهم وهنا يجب التفريق بين المسرح التجريبي والتجريب في المسرح.
* وما الذي يمكن تأشيره من معالجات في هذا المجال للخروج بالمسرح العراقي من عنق الزجاجة في ظل تباين وعدم وضوح الرؤية وبما يسهم في الارتقاء بهذا المسرح العريق..؟
– استمر المسرح العراقي في تقدمه قياسا الى المسارح العربية الاخرى واحتل الصدارة في تنوعه وفي تعدد أساليبه وفي تحديث طروحاته ابتداءً من ستينيات القرن الماضي وحتى التسعينيات منه ولكن للأسف أخذ ينحدر تدريجياً لأسباب عدة أبرزها الحروب التي مر بها العراق والتحديات التي مورست على الاعمال المسرحية وتصاعد موجة المسرح التجاري ومن ثم ابتعاد المخرجين المعترف بقدراتهم على الساحة المسرحية والأهم من كل هذا هو عدم وضع خطط واضحة للعمل المسرحي لا في فرقة الدولة (الفرقة الوطنية للتمثيل) ولا في الفرق الخاصة (الاهلية) والتي غابت عن الساحة هذه الايام وكانت المنافس الخطر لفرقة الدولة.
معضلات المسرح العراقي
لكي يخرج المسرح العراقي هذه الايام من عنق الزجاجة كما ذكرت أقترح مايلي:
أولاً: أن تضع دائرة السينما والمسرح خطة واضحة لعمل الفرقة الوطنية على أن تحتوي الخطة عددا من المسرحيات العالمية المترجمة والعربية المؤلفة ومسرحيات أخرى باللهجة المحلية في كل موسم مسرحي. وثانياً: أن تضيف الفرقة عدداً من المخرجين الاوائل والرواد ليخرجوا بعضًا من أعمالها. وثالثاً: أن تؤسس فرقة موازية للفرقة الاولى يتكون ملاكها من الشباب ومن خريجي معاهد وكليات الفنون ويترأسها مخرج مخضرم أو خبير أو ناقد مسرحي معروف. ورابعاً: أن تساعد وزارة الثقافة على إحياء عدد من الفرق الخاصة مثل :(فرقة المسرح الفني الحديث ) و(فرقة المسرح الشعبي) و(فرقة المسرح اليوم) و(فرقة اتحاد الفنانين) وأن تشجع عدداً من المسرحيين الذين لم ينتموا لفرق الدولة لان ينتموا لعضوية تلك الفرق. وخامسًا: أن تطبق الوزارة قانون الفرق التمثيلية بعد تعديله بما يناسب المرحلة الحاضرة لكي لا يبقى الحبل على الغارب في تشكيل المجموعات المسرحية. وسادساً: أن تقام دورات تدريبية وتثقيفية للمسرحيين من شتى الأجيال وشتى الفئات فالخلفية الثقافية لفناني المسرح اليوم أصبحت ضرورة ملحة.
* لنعرج على التمثيل.. نجاحك في لعب شتى الادوار على خشبة المسرح كان مكملاً لنجاحك في الاخراج.. ما سر هذا النجاح..؟ وبماذا تنصح الممثلين الآخرين..؟
-أحياناً لا أعد نفسي ممثلاً مقتدراً ومع ذلك فقد أبدعت بتمثيل عدد من الأدوار حسب ظني ومنها (كريون) و(المتنبي) و(الملك لير) و(الملك) في (تفاحة القلب) و(الممثل فاسيلي) في (أغنية التم ) و(المواطن) في المونودراما (غربة) وأعتقد أن الإلهام وإتقان الحرفة كانت سبباً في النجاح. أنصح الآخرين بأن يكملوا حرفياتهم وأن يدربوا صوتهم وجسمهم وأن يوسعوا مخيلاتهم ودائرة ثقافتهم.
* على حد علمي وعلى عكس عدد غير قليل من المخرجين.. لم ألحظ اداءك لدور في مسرحيات من إخراجك إلا ماندر وكيف تنظر لمن يقوم بذلك..؟
– لا لقد مثلت في مسرحية (ليلة من الف ليلة) لفلاح شاكر وقد أخرجتها للفرقة القومية وأعتقد بأنني لم أكن متألقاً بدور (شهريار) لأنني لم أكن أراقب نفسي وأنا أمثل وكذلك الحال عندما مثلت دور (بوزو) في (في انتظار بوزو) لفرقة المسرح الحديث للسبب نفسه . المخرج قد يفشل اذا لم ينظر الى عمله من الخارج وعلى وفق مبدأ المسافة الجمالية حيث أن المخرج عندما يكون هو الممثل أيضا في العمل فسوف لا يلمس الاخطاء أو الضعف في المعالجة الإخراجية.
السينما والدراما التلفزيونية
* على ذكر التمثيل.. لقد خضت غمار التمثيل في السينما.. وكان الوجه الآخر لابداعك في التمثيل المسرحي.. وهكذا هو الحال مع الدراما التلفزيونية.. التي كانت لك فيها أدوار ما زالت راسخة بل ومميزة.. كيف تنظر لتجربتك هنا..؟
– كان دور (الطبيب) في الفيلم العراقي (من المسؤول) لعبد الجبار ولي أول تمثيل سينمائي لي وأعترف بأنني كنت مرتبكاً في ادائي للدور وكنت غير مقتنع بالفيلم ككل لافتقاره للحس السينمائي وتغلب النزعة المسرحية على الإخراج والتمثيل حيث لا تلعب الكاميرا دورها الأصيل في تصوير الاحداث والشخصيات. وكانت المحاولة الثانية قد جاءت في فيلم (نبوخذ نصر) التاريخي والملون والسكوب وكنت ايضا مرتبكا في تمثيلي لدور (الملك) ولم أكن مرة اخرى راضياً عن إخراج الراحل (كامل العزاوي) فقد اعتقدت أن إخراجه خطوة غير مؤهل لها ولكن عندما شاهدت الفيلم على شاشة التلفزيون الملون وبعد سنوات من عرضه على شاشة السينما دهشت للمستوى المقبول لإخراج مثل ذلك الفيلم التأريخي المركب وبالفضاءات الواسعة في تقنياته. وجاءت محاولتي الثالثة مع فيلم (المنعطف) من إخراج جعفر علي وقد لمست بعض التحسن في تمثيلي لأحد الادوار الرئيسة فيه حين إبتعدت قليلا عن الاصطناع واقتربت من التلقائية . وجاءت المحاولة الرابعة مع (الأسوار) من إخراج (محمد شكري جميل) وقد كنت متقدما في أدائي في التمثيل السينمائي. ولا أدري ماذا حصل في المحاولة الاخيرة في (الفارس والجبل) من اخراج (محمد شكري جميل) حيث لم اشاهد الفيلم وسمعت ما لا يسرعنه.
التمثيل في السينما ينبغي أن يكون طبيعياً بلا مبالغة ولا إصطناع وبالتالي يكون الدور مقنعاً لجمهور السينما وكذلك لجمهور التلفزيون في الدراما التلفزيونية وهذا ما تحقق في ادائي لدور (أبو عطية) في المسلسل المشهور (الذئب وعيون المينة) و(النسر وعيون المدينة) من إخراج ابراهيم عبد الجليل) وقبله في مسلسل (فتاة في العشرين) من إخراج (عمانوئيل رسام) .
* في ضوء تجاربك مع الشاشة الفضية والشاشة الصغيرة لنتوقف عند أهم سبل ومستلزمات النهوض بالسينما العراقية أولا .. والدراما التلفزيونية ثانياً..
– لا سبيل للنهوض بالسينما العراقية أو بالدراما التلفزيونية العراقية إلا بالرجوع الى الرواية العراقية التي يكتبها روائيون معروفون مثال (عبد الملك نوري) و(عبد الرحمن الربيعي) والكتاب الجدد. ولا سبيل الى النجاح إلا بوجود مخرجين يتقنون الحرفة ويعرفون كيف يوجهون الممثلين والمصورين والتقنيين الاخرين مخرجون لديهم الحس السينمائي ويعرفون تقنيات التصوير والمونتاج ويعرفون مبدأ الاستمرارية في اللقطات ودور الكاميرا وعدساتها في متابعة أدوار الممثل وتعبيرات وجهه وجسمه وأن لديهم خبرة في الفن التشكيلي ومعرفة بالعناصر الدرامية إضافة الى حسن الادارة والتنظيم والتوجيه. إذا اردنا للسينما والتلفزيون العراقي إن ينهضا وأن ينافسا غيرهما فلابد أن تكون لهما هوية مميزة كما هي الحال مع الفيلم الإيراني. هذه الايام السينما صناعة وفن وتجارة وعندما تتوفر شروط الحقول الثلاثة عندها ينهض الفيلم العراقي فأين هي وسائل الصناعة وأين هو السوق وأين هو الفن وترى من هب ودب يدخل حقله؟!.
التنظير الاكاديمي
* كان التدريس الاكاديمي قد شكل واحداً من أهم معالم عطائك المسرحي .. حدثنا عن هذه المهمة النبيلة وهل ما زلت تمارس دورها في خلق جيل مسرحي يرفد المسرح بالدماء الشابة بالصورة المطلوبة..؟
– منذ عام 1964 وانا أدرس في فرع التمثيل بمعهد الفنون الجميلة وقسم الفنون المسرحية بكلية الفنون الجميلة. درست فن الإلقاء ودرست فن التمثيل والاخراج في الدراسات الاولية ودرست موضوعات أساسية في الدراسات العليا.ألفت كتبا منهجية وأعددت بحوثا علمية وأشرفت على رسائل وأطاريح طلبة الماجستير والدكتوراه وساعدت العديد من طلبة الدراسات العليا بإمدادهم بالمعلومات والمصادر. وتخرجت على يدي وأيادي زملائي الاجيال من الطلبة وأصبح العديد منهم أساتذة ولم أقصر يوماً في واجباتي وكنت حريصاً لأن يتزود طلبتي بالمزيد من العلم وما زلت كذلك حتى اليوم. إني اشعر بالمتعة وأنا أدرس أو أبحث أو أشرف على الطلبة لا تقل عن متعة التمثيل والإخراج وأشعر أيضاً أن علمي يزداد جراء التدريس والبحث والإشراف وما زلت أريد المزيد.
* وما السبيل للارتقاء بهذا المفصل الأكاديمي الذي لا غنى عنه في المشهد الثقافي عامة والمسرحي خاصة؟
– الجواب حول هذا السؤال يستحق بحثاً علمياً ويأخذ ذلك وقتاً طويلا ولكن لنعترف آسفين أن المستوى العلمي الأكاديمي انحدر متراجعاً لا يمكن مقارنته بما كان في بدايات تأسيس الكليات والجامعات فقد حدث الكثير من الاستسهال وحدث الكثير من التغاضي والكثير من المجاملات والعلم يرفض الاستسهال والتغاضي عن الاخطاء والمجاملات.
*وماذا عن النقد.. الذي اجتاحته أسماء كثيرة..؟ وما المطلوب للفرز بين الغث والسمين بما يكرس أو يقدم لنا ناقداً حقيقياً..؟
– نعم هناك الكثيرون ممن يكتبون النقد المسرحي ولكن من بينهم القليل من هو كفوء لهذه المهمة والقليل منهم من هو حيادي في نقده.
*في ضوء كل ما ذكر أين تضع تجربة المسرح العراقي في المشهد المسرحي العربي الراهن؟
– ما زال المسرح العراقي في الصفوف الاولى للمسارح العربية وأخشى أن يتراجع الى الصفوف الخلفية إن بقي على الحال الذي هو فيه الآن ولأقول الحق فإن المسارح العربية عموماً قد تراجعت عما كانت عليه من مستويات عالية في مجال التأليف والإخراج والتمثيل وهناك أسباب كثيرة لذلك التراجع لا مجال لشرحها الآن.
واقع المسرح العربي
*في ضوء مهامك وعضويتك أو ترؤسك لعدد من المراكز والاتحادات والمنظمات المسرحية والفنية والمحلية والعربية والدولية والإقليمية كيف تنظر لواقع المسرح العربي الراهن..؟
– هناك اكذوبة تسمى اتحادات ومنظمات فنية في الدول العربية حيث تسابقت هذه الدول في تأسيسها واحتوائها وما أن تأسست حتى اكتفت بذلك ولم تقم بدورها الفاعل حقيقة لا في تنشيط الحركة الفنية في هذا البلد ولا في رفع مستوى العطاء الفني ولا في توثيق الروابط بين فناني هذا البلد والبلد الآخر لولا المهرجانات لما تعرف هذا الفنان في هذا البلد على ذاك الفنان في البلد الآخر .أين هو الاتحاد العام للفنانين العرب الذي أسسه الراحل (سعد الدين وهبة)؟ وأين هو (اتحاد المسرحيين العرب) الذي تأسس في بغداد وغيره من الاتحادات الفنية؟
واليوم ماذا فعلت (الهيئة العربية للمسرح) ومركزها إمارة الشارقة أكثر من إقامة مهرجان مسرحي سنوي ونشر عددا من الكتب الخاصة بالمسرح؟ هل تفقدت يوماً حال المسرح في هذا البلد أوذاك؟ هل تعرفت فعلا على المسرحيين الحقيقيين في هذا البلد او ذاك؟ وماذا سيكون مصيرها لو تخلى عن الاشراف عليها الشيخ الدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة؟ هل سيبقى لها وجود؟ ولولاه ولولا حبه للمسرح ومساهمته في حركته لما كان للهيئة وجود. وعندما نلتفت الى (المركز العالمي للمسرح) فهل سنراه بالقوة والتأثير الذي كان عليه في بدايات تأسيسه؟ فقد أخذت فاعليته بالتناقص مع مرور السنين ولو تطلعنا الى أعضاء مكتبه التنفيذي وأهميتهم المسرحية مقارنة بالاعضاء السابقين للمسنا مدى الضعف في تأثيرهم.
*مارست التأليف والترجمة لعشرات الكتب.. كيف تنظر لهذا الدور الابداعي..؟ وما الذي يمكن أن يلعبه في إشاعة الثقافة المسرحية خاصة والثقافة عامة؟
– ما زلت أمارس التأليف والترجمة وقد انهيت اخيراً ترجمتي لكتابين ضخمين باللغة الإنجليزية هما (ثلاثمائة سنة على الدراما والمسرح الاميركي) تأليف غارف بي ويلسون و (دليل اكسفورد للمسرح والعرض) إعداد دينيس كينيدي ولا أدري متى سأحظى بدار نشر تنشرهما .. كما ذكرت سابقاً الثقافة أصبحت من ضرورات أهلية الفنان المسرحي.
* لقد تنوعت عطاءاتك وإبداعاتك.. فهل لي أن اسأل عن سر ذلك؟ وبماذا تنصح من يريد أن يسلك هذا السبيل؟
– السر في الإبداع هو الحب والتكرس والموهبة والأصالة واللا زيف.
*مسك الختام ..كلمتك الاخيرة ..
– المسرح هو الواجهة الحضارية للبلد فكلما كان المسرح متقدماً في بلد ما معناه أن ذلك البلد متقدم في جميع نواحي الحياة الأخرى. المسرح هو ثقافة البلد بكاملها حيث يجمع الأدب والشعر والموسيقى والفن التشكيلي والعمارة إضافة الى العلوم الانسانية والعلوم الصرفة التي لها دورها في الانتاج المسرحي.. فأي عالم كبير وعظيم هو عالم المسرح إنه عالم الشرف والفضيلة والقيم النبيلة عالم التقدم نحو الافضل اقصد عالم المسرح الحقيقي وليس مسرح الترهات..
في حوار مع عميد المخرجين المسرحيين الفنان القدير سامي عبد الحميد:
أنا لم أختر الإخراج بل هو الذي اختارني
حاوره ـ عبد العليم البناء:
لا يذكر المسرح العراقي الا ويذكر اسم الفنان القدير الأستاذ الدكتور سامي عبد الحميد شيخ المخرجين المسرحيين العراقيين إن لم يكن العرب بما قدمه من عطاء ابداعي حافل طوال مسيرته التي جاوزت الستة عقود لم يقف فيها عند حدود معينة فهو الممثل والمخرج والكاتب والناقد والاكاديمي والباحث والتدريسي والمترجم والمنظر والمفكر ليس فقط في مجال المسرح بل اتسعت تجاربه المتنوعة والمتعددة لتشمل السينما والدراما التلفزيونية والاذاعية وتتلمذت على يديه أجيال من الفنانين الذي نهلوا من علمه وتجاربه الفنية الكثير الكثير ليصبحوا فنانين يشار لهم بالبنان هذا الفنان الكبير الذي يعد واحداً من ابرز رموز الثقافة والفنون عراقياً وعربياً حمل شعلة الفن الوهاجة بكل جدارة واستحقاق دون أن ينافسه على مكانته أحد فكان ومازال متفردا في عطاءاته الإبداعية التي مازالت جذواتها متقدة برغم تجاوزه الستة والثمانين عاما من عمره المديد حيث قرن فيها الموهبة بالدراسة الاكاديمية الاصيلة داخل العراق وخارجه بعيداً عن الأساليب الكلاسيكية او التقليدية أو المألوفة ساعيا الى اثبات ذاته الإبداعية على أسس علمية ومنهجية صحيحة على عكس كثيرين من مجايليه وأقرانه ليبزهم ويتفوق عليهم بقدراته وامكاناته ونجاحاته التي تكرست في مختلف ميادين الفنون التي ولجها وفي مقدمتها المسرح (أبو الفنون) وتبوأ العديد من المناصب والمهام في المنظمات والاتحادات والنقابات محلياً وعربياً ودولياً محققاً النجاحات المتوالية هنا وهناك ليسهم في رفع اسم العراق عالياً في المحافل والملتقيات والمؤتمرات والمهرجانات والحلقات الدراسية والنقاشية والبحثية المتخصصة محلياً وعربياً ودولياً والتي كان يصول ويجول فيها بدراية وحنكة ومعرفة واسعة وشاملة نتيجة ما اكتنزه من خبرات وتجارب نظرية وتطبيقية متعددة ومتنوعة تبلورت عبر منجزه الإبداعي الرصين الذي جعل الجميع يرفعون لهم قبعاتهم اجلالا وتقديرًا وعرفاناً ووفاء لأصالته وعلمه وفنه وفكره .. هذا العلم العراقي الشامخ والفنان القدير والشيخ المفعم بروح وحيوية الشباب متطلعا الى تقديم المزيد من خبراته وتجاربه لاسيما على صعيد طلبة الدراسات العليا في الماجستير والدكتوراه واستمراره على العطاء في تأليف المزيد من الكتب الرصينة في مضامينها وتقديمها على طبق من ذهب لتكون في متناول كل المعنيين بالثقافة والفنون ومازال في جعبته الكثير من الكتب المؤلفة او المترجمة التي تنتظر الطبع وهو يسير بخطى حثيثة نحو العقد التاسع من عمره المديد ..مع هذا الفارس الإبداعي الذي لم ولن يشق له غبار كان لنا شرف محاورته والوقوف عند محطات مختلفة من مسيرته الطويلة والاصيلة فيها منطلقين من المحطة الأولى:
* في عودة الى البدايات.. ما الذي يمكن ان نتوقف عنده في علاقتك مع عالم المسرح والخطوة الاولى في رحلة الالف ميل من مشوارك الابداعي الاصيل..؟
– أتوقف عند كلية الحقوق (القانون حالياً) وذلك عام 1948 حين إتفقت مع زميلي (محمد منير آل ياسين) على أن ننافس زميلنا (يوسف العاني) الذي كان يقدم تمثيلياته مع مجموعة (جبر الخواطر) مع طلبة في تلك الكلية وذلك بأن نشترك معاً في التمثيل في مسرحية شكسبير (تاجر البندقية) وقد اخترنا لإخراجها (الاستاذ ابراهيم جلال) وكان آنذاك مدرساً في معهد الفنون الجميلة. وأتذكر أن المسرحية قدمت في مسرح المعهد (مسرح قسم الفنون الجميلة بكلية الفنون الجميلة حالياً ) وشارك فيها طلبة كلية الحقوق ومنهم من أصبح من القضاة والمحامين المشهورين بعد تخرجهم. وبهذه الخطوة تجاوزت خطوتين سابقتين لم تكونا بأهمية خطوة كلية الحقوق وهما مشاركتي بتمثيل دور رئيسي في مسرحية (أنا الجندي) التي أخرجها مدرس اللغة العربية في المدرسة المتوسطة في سامراء ومشاركتي بتمثيل دورين في مسرحية (في سبيل التاج) لمصطفى لطفي المنفلوطي أخرجها مدرس الرسم في ثانوية الديوانية عام 1946.كانت خطوتي الاولى مهمة لكونها مهدت لدخولي فرع التمثيل بمعهد الفنون الجميلة بتشجيع من (ابراهيم جلال) مشيداً بموهبتي ومحبباً لنفسي الفن المسرحي.
*اذا كان الامر كذلك.. فهل كان سعيك لدراسة فن المسرح نابع من ضرورة صقل الموهبة بالدراسة الاكاديمية والعلمية..؟
– نعم فقد اعتقد (ابراهيم) بأن موهبتي تحتاج الى صقل والصقل لا يتم إلا عن طريق الدراسة وممارسة تطبيق تقنيات التمثيل على يد أستاذنا الأول (حقي الشلبي) وقد تم الصقل فعلاً وليس هذا حسب بل إن الدراسة في المعهد دفعتني للتزود أكثر بالمعرفة الفنية وبالذات ما يخص فنون المسرح ولذلك رحت أبحث عن المراجع الخاصة وأكثر من ذلك فقد قمت بترجمة عدد من الموضوعات ذات الصلة بالفن المسرحي ونشرت منها في مجلة (السينما) لصاحبها (كاميران حسني) والتي كانت تصدر أواسط الخمسينيات من القرن الماضي ومن تلك الموضوعات (طريقة ستانسلافسكي) اعتماداً على ترجمة لكتاب الناقد (ديفيد ماكمارشاك) كما نشرت موضوعاً عن الشاعر والمخرج الألماني (برتولد بريخت) وبذلك كنت سباقاً في تعريف المسرحيين العراقيين بقطبي التنظير لفن المسرح المتعارضين.
* في هذا السياق لم تتوقف عند حدود الدراسة المحلية فاتجهت الى دراسة فن المسرح في لندن (الاكاديمية الملكية لفنون الدراما).. ما الذي يمكن تأشيره في هذه المحطة المهمة..؟
– سبقني عدد من المتخرجين في فرع التمثيل بمعهد الفنون الجميلة بحصولهم على بعثات دراسية في أميركا وفي إنجلترا حيث درس كل من (جاسم العبودي وجعفر السعدي وابراهيم جلال وبدري حسون فريد وبهنام ميخائيل) في معهد غود مان بمدينة شيكاغو وكلهم درسوا فن الإخراج المسرحي وحصلوا على شهادة الماجستير. وكنت اتطلع للحصول على بعثة مماثلة ولكن ليس الى امريكا بل الى انكلترا لأنني كنت عارفاً بأنها مهد من مهاد الفن المسرحي في العالم ذلك الذي ربى أمثال شكسبير وبن جونسون وبرناردشو وبيترهول وبيتر بروك ولورنس أوليفيه وفينيسا ريدغريف وغيرهم من المبدعين المسرحيين وبالفعل فقد أتيحت لي الفرصة وحصلت على بعثة الى إنجلترا والى (الاكاديمية الملكية لفنون الدراما ) والتي تسمى مجازًا (مصنع الممثلين) وتخرج فيها أبرز الممثلين الانجليز. في البداية كانت البعثة مخصصة لدراسة الاخراج ولكن الغريب لم تكن آنذاك في عام 1959 مثل تلك الدراسة لا في المعاهد الفنية الانجليزية ولا في الجامعات واقترحت إدارة الاكاديمية أن أدرس (ادارة المسرح) وعن هذا الطريق أتعلم فن الاخراج المسرحي عبر مرافقتي لعدد من المدرسين المخرجين في الاكاديمية وبالفعل التحقت بدراسة ادارة المسرح وما أن انتهى الفصل الأول من الدراسة حتى وجدت نفسي أفضل دراسة التمثيل في تلك الاكاديمية وكان علي أن اجتاز امتحان القبول وذلك بتقديم مشهدين تمثيليين أحدهما جاد والآخر هازل أمام لجنة الامتحان وخوفاً من أن لا يتم قبولي في الاكاديمية لدراسة التمثيل فقد قدمت طلباً للالتحاق بمعهد آخر وهو المعهد الذي درس فيه الصديق (سعدون العبيدي) ومن حسن حظي أنني اجتزت الامتحان في كلا المعهدين وبالطبع فقد فضلت الأكاديمية على غيرها. تركزت الدراسة في الاكاديمية في النواحي العملية أكثر من النواحي النظرية وكانت المواد النظرية قليلة جداً ومنها مادة تأريخ المسرح التي لم تستغرق دراستها أكثر من فصل واحد في حين استمرت دراسة فن الإلقاء ودراسة تقنيات التمثيل وتربية الجسم فصول الدراسة الاربعة وفي كل فصل منها شاركت بتمثيل دور في مسرحية يخرجها أحد التدريسيين .وفي الفصل الأخير وهو فصل التخرج مثلت دورين رئيسيين أولهما في البانتومايم المعنون (سندريلا) وثانيهما في مسرحية الفرنسي أرمان سالاكرو ( المرأة المجهولة من آراس ) وشاركتني في التمثيل في هذه المسرحية المخرجة والممثلة اللبنانية (نضال الاشقر) حيث كانت زميلتي في الدورة الدراسية نفسها. وللحق أقول خلال دراستي التمثيل في الاكاديمية الملكية بلندن بقيت معلوماتي النظرية عن الفن المسرحي ضئيلة ولكن مشاهداتي الكثيرة للعروض المسرحية المتنوعة في لندن وفي مدن أوربية أخرى كنت أزورها خلال العطل الفصلية قد أضافت الكثير الى معرفتي بفن التمثيل.
لندن الانطلاقة الأولى
*وهل من حصيلة أخرى خرجت بها من دراستك اللندنية تحديداً..؟
– من ثمرات دراستي في لندن تأليفي لكتاب بعنوان (تربية الصوت وفن الإلقاء) وهو كما أعتقد أول كتاب يدخل المكتبة العربية يتعرض لتقنيات فن الإلقاء في المسرح وتربية صوت الممثل وقد اعتمدت فيه على كتاب أستاذ فن الألقاء في الاكاديمية الملكية (كليفورد تيرنوم).صحيح أن هناك عدداً من الكتب صدرت بالعربية تخص الإلقاء لكنها لم تتطرق الى التقنيات بقدر تطرقها الى الأصوات اللغوية كما أنني ترجمت كتاب الأستاذ (الكساندر دين) الذي عنونته (العناصر الاساسية لإخراج المسرحية) ومن لم يطلع على هذا الكتاب ويدرسه بدقة يكون قاصراً في معرفته عن فن الاخراج.
* وكانت لك جولة دراسية أخرى في امريكا (جامعة اوريغون) فما الاضافة التي تحققت هنا قياساً الى دراستك في (الاكاديمية الملكية لفنون الدراما) في بريطانيا ؟
– كانت جولتي الدراسية الثانية في قسم الكلام بجامعة اوريغون في الولايات المتحدة الأميركية عام 1975 حيث حصلت على سنة تفرغ علمي في تلك الجامعة لكوني أحد التدريسيين في اكاديمية الفنون الجميلة في جامعة بغداد وكان الهدف الأول من تلك الجولة أن أعد بحثاً علمياً يخص الفن المسرحي وكان الهدف الثاني أن أحصل على درجة (الماجستير) في الفن المسرحي لشعوري بأهمية تلك الدرجة والأعلى منها (الدكتوراه) لأعضاء هيئة التدريس في إحدى كليات جامعة بغداد. ولم استطع مواصلة دراستي في جامعة اوريغون وذلك بسبب تجاوز عمري الشرط المحدد لدراسة الدكتوراه.
وللعلم فقد كنت أحد التدريسيين الذين نقلت خدماتهم من معهد الفنون الجميلة الى أكاديمية الفنون الجميلة لسد النقص في الملاك التدريسي آنذاك عندما تم تأسيس الاكاديمية كإحدى الكليات الجامعية والتي تستوجب أن يكون عضو التدريس فيها حاملاً لدرجة علمية في حين كنت أنا وعدد من اساتذة الرسم والنحت لا يحملون مثل تلك الدرجة بل يحملون شهادة الدبلوم المهنية ولذلك فقد أصدرت رئاسة جامعة بغداد تعليمات سميت (تعليمات الترقيات الفنية) لتكون معادلة للترقيات العلمية فقد اضيفت كلمة (فن) لكل من الأستاذ والاستاذ المساعد والمدرس والمدرس المساعد ومازالت تلك التعليمات سارية المفعول في الكليات الجامعية الفنية برغم توفر العديد من اعضاء الهيئة التدريسية ممن يتمتعون بالدرجات العلمية (الماجستير) و (الدكتوراه).
عندما التحقت بجامعة اوريغون اكتشفت بأن معلوماتي بل ومعلومات اساتذتي (حقي الشلبي) و (ابراهيم جلال) و (جاسم العبودي) وآخرين، ضئيلة جداً في حقل الفن المسرحي وأن الجانب النظري لدينا ضعيف جداً مقابل الجانب العملي، ولذلك كرست كل جهدي ووقتي لزيادة المعرفة فقد كنت أقضي ساعات طويلة في مكتبة الجامعة أطلع على المصادر والمراجع التي تخص بحثي والتي تخص دراستي للماجستير.
وأضرب مثالاً على ما يتوفر في مكتبة تلك الجامعة من مصادر ومراجع لا تستطيع الاطلاع على معظمها خلال سنة فقد كان من متطلبات الحصول على درجة الماجستير أن أخرج عملاً مسرحياً مع طلبة قسم الكلام وحينها قررت أن اخرج مسرحية الأديب الراحل (جليل القيسي) المسماة (نجنسكي ساعة زواجه بالرب) وهي عن راقص الباليه الروسي الشهير (نجنسكي) وقد قمت بترجمتها الى الإنجليزية وذهبت الى المكتبة لأطلع على ما كتب عن ذلك الراقص المشهور وقد فوجئت بعشرات الكتب تتحدث عن (نجنسكي) ولم أستطع إخراج المسرحية تلك وذلك لعدم توفر عنصر يمثل الدور الرئيسي واستبدلتها بمسرحية جيكوف (الدب).
كانت الإضافة التي تحققت لي اثناء دراستي في جامعة اوريغون هي توسع رقعة معرفتي بالعلوم والفنون المسرحية سواء عن طريق المواد التي درستها أم عن طريق رجوعي الى المصادر. وكانت تلك الإضافة هي التي حفزتني على تأليف كتب منهجية تخص فن التمثيل وفن الإخراج شاركني في تأليفها الصديق (بدري حسون فريد) كما أنها شجعتني على ترجمة كتب فنية أخرى من الانجليزية الى العربية أذكر آخرها (كتابة المسرحية) و(فن الماكياج). ومن الإضافات الأخرى مساهمتي مع آخرين من التدريسيين في (أكاديمية الفنون الجميلة) وفيما بعد (كلية الفنون الجميلة) بإعداد المناهج الدراسية للأقسام العلمية سواء على مستوى الدراسات الأولية أم على مستوى الدراسات العليا. وللعلم فأنني ما زلت أحتفظ بالمناهج الأولى التي وضعت للدراسة في قسمي الفنون المسرحية والفنون التشكيلية.
الاخراج وسيلة للتعبير
* مع تبلور واكتمال ملامح الخطاب المسرحي لديك.. لماذا إخترت الاخراج إذن وسيلة للتعبير عن مكنوناتك الابداعية..؟
– أنا لم أختر الإخراج بل هو الذي إختارني فقد بدأت ممثلاً وكنت أريد أن أبقى كذلك ولكن الحاجة الى مخرج مقتدر هي التي دفعت فرقتي (فرقة المسرح الحديث) الى أن تعهد لي مهمة الإخراج بعد أن تخلى عنها رئيس الفرقة إبراهيم جلال أواسط الخمسينيات وكان أول عمل إخراجي لي مع الفرقة مسرحية أناتول فرانس والتي ترجمها الى العربية المؤلف المسرحي (سليم بطي) وهي (الرجل الذي تزوج إمرأة خرساء).
في ذلك الوقت لم أكن أعرف عن تقنيات الإخراج ونظرياته إلا النزر اليسير وما تعلمته من أساتذتي في المعهد وخلال التمارين على المسرحية كنت التمس من أستاذي إبراهيم جلال أن يحضر في التمارين ويعطي إرشاداته. وبعد تلك المسرحية الصعبة توليت اخراج مسرحية أسهل هي (المقاتلون) للكاتب العراقي (جيان) وهو اسم مستعار طبعاً وكانت هذه المسرحية قد فازت بجائزة مجلة (الآداب) اللبنانية وتتعرض للثورة الجزائرية ضد الإستعمار الفرنسي.. مثلت أنا والمتفانية (ناهدة الرماح) الدورين الرئيسين في المسرحية وذلك عام 1958وأعتقد بأنها أول مسرحية عربية تتعرض لثورة الشعب الجزائري وبطولاته.
*من الملاحظ أنك تجمع بين التمثيل والأخراج طيلة حياتك الفنية ولم يمنعك الاخراج عن الوقوف ممثلاً على خشبة المسرح بين يدي أساتذتك وتلاميذك على حد سواء؟
– لقد واصلت عملي الاخراجي لاعتقادي بأن معرفتي وقدرتي في هذا الفن لا تقل عما يمتلكه المخرجون العراقيون أيام بدأت بالمهمة الإخراجية. ويمكنكم ايضاً ملاحظة أن العديد من الممثلين العراقيين قد تحولوا الى الإخراج وتركوا التمثيل لإعتقادهم بأن التمثيل معيب وأن في الأخراج هيبة وسطوة أما أنا فعلى العكس رأيت في الإخراج مهمة مكملة للتمثيل. ويمكنني القول أنني الوحيد من الممثلين العراقيين ممن عمل مع فئات مختلفة من المخرجين من الشيب والشبان فقد عملت مع (حقي الشلبي) ومع (ابراهيم جلال) ومع (جاسم العبودي) ومع (جعفر السعدي) ومع (بهنام ميخائيل) ومع (محسن العزاوي) ومع (قاسم محمد) ومع (صلاح القصب) ومع (فاضل خليل) ومع (عزيز خيون) ومع (سنان العزاوي). ووجدت أن أولئك وهؤلاء يختلفون في التعامل معي كممثل فمنهم من يعتمد كلياً على مقدرتي ومنهم من يريد أن يثبت أنه أكثر مقدرة مني. ومنهم من يعطيني الحرية الكاملة في الأداء ومنهم من يقيد أدائي على وفق رؤيته وكنت أتجاوب مع الجميع إلا في حالات نادرة حيث كنت أقف معارضاً لتوجيهات هذا المخرج أو ذاك استناداً الى عدم قناعتي التامة بتوجيهاته ومع ذلك فكنت أنفذ ما يريد رغماً عني باعتبار أن المخرج هو سيد الانتاج المسرحي وهو المسؤول الأول والأخير عن نجاح العمل.
تجارب ومعطيات
*في ضوء الحصيلة الاخراجية الكبيرة والمميزة.. كيف تنظر لتجربتك هنا؟ وما أبرز المعطيات والمؤشرات التي يمكن الخروج بها ..؟
– تبلورت تجربتي وخبرتي في مراحل زمنية وعبر مرافقتي لأساتذة ومخرجين يحملون رؤى مختلفة ولهم تجاربهم المختلفة في سعتها وفي عمقها وتبلورت ايضاً من خلال مطالعتي للعديد من المصادر والمراجع باللغتين العربية والانجليزية. وتبلورت ثالثاً من خلال مشاهداتي للكثير من العروض المسرحية سواء في بلادنا العربية أم في بلاد الغرب أوروبا واميركا .. نعم تبلورت التجربة من خلال تراكم الخبرة والمعرفة والمشاهدة.
ما هو مدهش أو غريب أنني وبعد كل هذه السنين من الممارسة الفنية في الأعمال المسرحية والسينمائية والاذاعية والتلفزيونية لم أشعر بأن معالجاتي الإخراجية تطورت كثيراً برغم نجاحي في الخطوات الأولى. نعم لقد كان هاجس التجديد ومازال يراودني وربما أكون من المخرجين القلائل الذين ينتقدون أعمالهم أو أن يتقبلوا نقد الآخرين وعندما أراجع أعمالي السابقة أقول لنفسي لو تسنى لي إعادة إخراجها لكانت معالجتي الإخراجية لها تختلف تماماً عن السابق.
*وما الذي منعك من الإقدام على هذه الخطوة التي ستكون – حتماً – مثيرة للجدل والمقارنة ؟
– نعم لقد تطورت رؤيتي ومعرفتي كثيراً وصارت مديات مخيلتي أوسع وأكثر تعدداً ومع هذا فإن معالجاتي لعدد من المسرحيات ستبقى على حالها وربما لا أستطيع أن أستبدلها بما هو أفضل وأذكر على سبيل المثال إخراجي لمسرحية الأميركي أونيل (القرد الكثيف الشعر) مع طلبة اكاديمية الفنون الجميلة عام 1968ومع المسرح الحديث بمسرحية الاسباني غارسيا لوركا (بيت برناردا البا)عام 1979 أو حتى إخراجي لمسرحية العراقي يوسف العاني (المفتاح) عام 1968 ومسرحية شكسبير (هاملت) عام 1973 ومسرحية الفلسطيني معين بسيسو (ثورة الزنج) عام 1975 مع طلبة معهد الفنون الجميلة فكلها كانت مبتكرة. ثم جاءت بعد ذلك محاولاتي في المسرح التجريبي خلال التسعينيات من القرن الماضي وفي المقدمة المسرحيات القصيرة الثلاث (الى إشعار آخر) (الكفالة) و (شكراً ساعي البريد) والتي تصدت لظلم السلطة وتعسفها بحق المواطنين. وكانت معالجتي لمسرحية شكسبير (عطيل) والتي سميت (عطيل في المطبخ) قد أظهرت التميز في الابتكار والرؤية الجديدة عندما إفترضت أن طباخي أحد المطاعم والندل فيه يمثلون تلك المسرحية المشهورة. وكانت (ثيمة) الأسود والأبيض قد غطت جميع عناصر الإنتاج من لون البصل الأبيض ولون الباذنجان الأسود واللذين راح كل من (ياغو) و (رودريغو) يقطعانها تمهيداً لعمل طبخة ضد القائد المغربي (عطيل) غيرة وحسداً ومازلت اعدّ معالجتي تلك متفردة.
*في ضوء ذلك ما أبرز المعطيات والمؤشرات التي يمكن الخروج بها ويأخذها أي مخرج بنظر الاعتبار ..؟
– أستطيع الخروج بالمؤشرات التالية:
1. يمكن للمخرج المسرحي أن يكون مؤلفاً ثانياً للنص المسرحي ولا يتقيد بمعطيات المؤلف الأصلي عندما يكون غائباً.
2. يمكن للمخرج المسرحي أن يعالج أية مسرحية برؤية جديدة تختلف عن رؤيته السابقة.
3. يمكن للمخرج المسرحي أن يكون انتقائياً في عمله أي أن ينتقي الاسلوب الاخراجي لهذه المسرحية أو تلك بحسب طبيعتها واسلوب كتابتها وزمن عرضها للجمهور وكذلك أن ينتقي المكان المناسب لعرض المسرحية سواء في مسرح العلبة الإيطالي أم في مسرح الحلبة الإغريقي أم في مسرح اللسان الاليزابيثي أم في أماكن أخرى أكثر حميمية مثل بيت منتدى المسرح.
الخبرة والتخيل
4. يمكن للمخرج المسرحي أن يصنف كذلك بعد أن تزداد معرفته وتكتمل خبرته وتتسع مخيلته.
* لقد تنوع وتعدد منهجك الاخراجي فلم تقف عند إسلوب معين أو مدرسة محددة.. فما السر في ذلك؟ ولو خُيرت بينها.. فأيها الأقرب اليك والأصدق تعبيراً عنك..؟
– نعم لقد خضت غمار جميع الأساليب وتصديت لشتى المدارس المسرحية فمن ناحية التأليف المسرحي تصديت للمسرحية الواقعية كما هو الحال مع (الخان) ليوسف العاني وللمسرحية الواقعية كما هو الحال مع (الخرابة) ليوسف العاني أيضا وإلى المسرحية الملحمية مع (المفتاج) ليوسف العاني كذلك والى المسرحية الرمزية التعبيرية مع (القرد الكثيف الشعر) ومع المسرحية السياسية الشعرية مع (ثورة الزنج) والى المسرحية التاريخية مع (تموز يقرع الناقوس) والى تحديث المسرحية الملحمية كما الحال مع (الليالي السومرية) للكاتبة (لطفية الدليمي) تحديثا لملحمة كلكامش وللمسرحيات الشكسبيرية (هاملت) و(ماكبث) و(عطيل) و( حلم ليلة صيف). لقد قدمت ملحمة كلكامش بأكثر من معالجة واحدة كانت أولاها مع طلبة الفنون الجميلة وثانيها مع أعضاء الفرقة القومية للتمثيل وثالثها مع طلبة كلبة الفنون الجميلة ورابعها مع اعضاء الفرقة القومية أيضا وخامسها مع مجموعة من الشباب وقدمتها أولا في مسرح الاكاديمية الصغير ومن ثم المسرح القومي القديم وفي مسرح مدينة بابل الآثارية قبل ترميمه وفي قاعة الشعب وفي مسرح الطليعة.
وقدمت مسرحية (بيكيت) (في انتظار غودو) مرتين الاولى في المسرح الصغير في الجمعية البغدادية والثاني في مسرح بغداد المتواضع. وقدمت عروضا مسرحية في المسرح الوطني وفي منتدى المسرح وفي حدائق كلية الفنون الجميلة ولو خيرت حول أي منهج إخراجي أفضله على غيره لقلت لا أفضل هذا على ذاك فلكل منهج مناسبته وزمنه وهنا أعترف بأنني فشلت في إخراجي لعدد من المسرحيات أما بسبب اختياري غير الصحيح للنص أو بسبب الاستعجال بالمعالجة أو بسبب خطأ ما وقعت فيه أو بسبب سوء اختياري للممثلين.
*وما الذي كنت تراهن عليه وأنت تعرض تجاربك المسرحية هذه داخل وخارج العراق؟ وما الرسالة التي كنت تريد إيصالها..؟
– لم أكن أراهن على شيء سوى أن ارفع المستوى الفني لأعمالي شكلا ومضموناً وأن أسهمفي ترقية ذائقة الجمهور المسرحي وأن أضيف رصيدا لحركة المسرح في العراق. لم أكن أراهن على شيء عندما عرضت بعض مسرحياتي خارج العراق ومع هذا فقد نجحت ونالت استحسان الجمهور كما حدث عندما عرضت (ملحمة كلكامش) في مدينة الحمامات في تونس وعندما عرضت في مدينة المونستير التونسية أيضا. وعندما نجحت مسرحيتي (الكفالة) على مسرح بغداد نجاحا كبيراً وللعلم فأن تلك المسرحية تعرضت لسجين سياسي تنساه السلطة ولا تقدمه للمحاكمة لسنوات وعندما تكتشف أنها اخطأت بحقه تطلب منه أن يأتي بكفيل يكفله لكي يطلق سراحه ولكنه يعتذر حيث لا يدري من هو الذي يجرؤ على كفالته بعد كل السنين التي قضاها في السجن فيذهب أحد الحراس ليبحث له عن كفيل واذا بعائلته تتنكر له وبعد ذلك يقول أفضل أن أبقى رهين السجن طيلة حياتي ولا أخرج الى مجتمع تنكر للقيم النبيلة. وهكذا فالرسالة التي كنت وما زلت أريد إيصالها الى الجمهور هي الدفاع عن إنسانية الانسان وصون حريته والوقوف ضد كل أعمال الظلم والقهر والتعسف فالإنسان ولد حراً ولابد أن يبقى حراً وأردد القول العظيم: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم احرارا».
التجربة العراقية
* لا شك أن المشهد المسرحي العراقي انطوى على تجارب مماثلة لأساتذتك ولنظرائك من المخرجين فكيف تنظر لتجاربهم ؟ وأين تضع تجربتك قياساً لهم؟
– إن تجارب أساتذتي ونظرائي الإخراجية لا تخلوا من التجديد والابتكار وهنا أؤكد اطروحتي بأننا كلنا تجريبيون لم يتسن للبعض منا أن يرسخ أسس التقليد كما هو الحال في مسارح العالم المشهورة كالمسرح الانجليزي والمسرح الفرنسي والمسرح الروسي والمسرح الألماني فقد بدأنا من حيث وصلوا هم ومع أننا اقتبسنا الفن المسرحي عنهم فقد استطعنا أن نضع بصماتنا الى حد ما على البعض من أعمالنا.
كان من بين اساتذتي ونظرائي من يتقن تحليل النصوص المسرحية ويحسن تفسيرها ويحاول أن يكون أميناً على رؤى المؤلفين وكان منهم من يحاول أن يتخذ من نصوص المؤلفين منطلقات لفرض رؤاه الذاتية انطلاقاً من مبدأ التجديد على حد اعتقادهم ومن مبدأ أن النص المسرحي ليس كتاباً مقدساً لا يمكن التلاعب فيه أو تحريفه ومن مبدأ أن المخرج مؤلف جديد للنص المسرحي ومنهم من يدقق في تفاصيل المسرحية ويتعمق في تحليلها وهناك آخرون يهتمون بالشكل أكثر من اهتمامهم بالمضمون. وهناك من يتزمت بمعالجته الإخراجية ولا يسمح للممثلين أن يقدموا مقترحات بشأنها ، وهناك من يعمل العكس فيعطي للممثلين معه الحرية في الإبتكار والارتجال وأنا من بين هؤلاء حيث أعتمد كثيراً على ابداعات الممثلين وإن عجزوا حينها أتدخل وأرشدهم الى ما هو أصلح وفقاً لرؤيتي.
أذكر أنني في المسرحيات الثلاث القصيرة التي أشرت اليها سابقاً قد سمحت للممثلين أن يسهموا في إعادة صياغة النصوص وأن يرتجلوا بعض المواقف في أثناء التمارين وكنت أردد دائماً قولي تعدد الابداعات أفضل من اقتصارها على واحد.
* وكيف تنظر لتجربة المسرحيين الشباب؟ وهل استطاعوا أن يكونوا اوفياء لجيل الرواد ولرسالة المسرح في ظل موجات من المسرح التجاري اجتاحت وتجتاح المشهد المسرحي العراقي والعربي؟
– الشباب هم الدماء الجديدة التي تبقي العمل الفني حياً.. كنا نحن في زمن سابق شباباً وكنا كما هم الشباب هذه الأيام نرفض معالجات الشيوخ أو الرواد ونعارض أساليب عملهم ولكن عند مراجعتنا اليوم لما سبق نقتنع بأنهم كانوا على صواب . أنا نفسي كنت أعارض أستاذي (حقي الشلبي) في تعامله التدريسي والتدريبي مع الطلبة والممثلين وكنت أعتقد أن الكلائش التي كان يستعملها قد عافها الزمن وأصبحت من الماضي ولكن بعد حين وجدت أن ذلك التعامل قد علمنا الكثير من جماليات الفن المسرحي.
شباب المسرح اليوم ليسوا كما كنا حسب اعتقادي فهم أولاً ما عادوا يذكرون جميل من سبقوهم وخبرة الرواد وعطاءاتهم الثرة وهم ليسوا كما كنا نتلهف لزيادة رقعة معرفتنا في الفن المسرحي وهم لا يؤمنون بالتدرج بل تراهم يقفزون ولا يتقيدون بخطوات وئيدة. الكثير منهم يعتمد على مخيلته أكثر من اعتماده على ثقافته ومعرفته العلمية والكثير منهم من يستعجل الوصول الى النجاح والكثير منهم من يعتقد أنهم هم فنانو المسرح وليس غيرهم والكثير منهم من يستسهل العمل المسرحي. والأغرب من هذا أنهم راحوا يقلدون البعض الآخر في أعمالهم المسرحية أو في معالجاتهم حتى أن البعض منهم عدّ عمله يدخل ضمن ما يسمى (مسرح ما بعد الحداثة) أليس هذه قفزة مهلكة ؟!. أغلبهم رفض مسرح الكلمة وفضل مسرح الحركة وهو الأسهل في اعتقادي لأن مسرح الكلمة يحتاج الى تحليل دقيق وزمن أطول للتحضير. مع ذلك فلولا تجارب الشباب وابداعاتهم لتجمدت حركة المسرح عندنا أو لربما ماتت وأنصحهم أن يتواضعوا قليلاً وأن لا يتنكروا لمن سبقهم.
المسرح التجريبي والحداثة
* على ذكر التجريب أو الحداثة هنا لابد من وقفة عند المسرح التجريبي أو الحديث الذي تصدى له الكثيرون فمن منهم قد نجح ومن منهم قد أخفق..؟ ولماذا؟ وبماذا تنصحهم؟
– يدعي البعض بأنهم تجريبيون أو مستحدثون وهم على خطأ وأقول ليس كل ما هو جديد تجريبي ولكن المسرح التجريبي يجب أن يحتوي على ما هو جديد .المسرح التجريبي ليس إرهاصات ونزوات وإنما هو اتجاه يستند الى العلم فلا بد من فرضيات واجراءات ومن نتائج ولا بد من الاستمرار بالتجريبي وإلا لما أشار الدارسون الى عدد محدود من فرق المسرح التجريبي أمثال (المسرح الحي) و (المسرح البيئي) و (المسرح المفتوح) في أمريكا و(مسرح الشمس) في فرنسا و (المسرح الفقير) في بولونيا و (مسرح أودين) لباربا الايطالي في الدانيمارك. ويخطئ من يقيم مهرجاناً تحت عنوان (المسرح التجريبي) إذ حتى مهرجان القاهرة الدولي يسمى خطأ بالتجريبي حيث أن عدداً من عروضه لا تنتمي الى المسرح التجريبي . المسرح التجريبي يستوجب حضور التكريس وحضور المنهج وحضور الاستمرارية وهناك تقنيات معينة يستعملها غير تقنيات المسرح التقليدي ونذكر منها: الارتجال والعمل الجمعي والواقع المتحول واللعب وأن لا يكون هدف الفرقة التجريبية عرض عملها المسرحي الى الجمهور بل يمكن الاكتفاء بالتمارين فقط.
نعم ظهرت بعض الأعمال المسرحية في العراق تتصف بصفات المسرح التجريبي ومنها بعض أعمال صلاح القصب وبعض أعمالي ولكن هناك أعمال تقليدية ظهرت واتصفت بالحداثة وكانت أفضل من الأعمال التجريبية ونذكر على سبيل المثال مسرحية بريخت (البيك والسايق) التي أخرجها ابراهيم جلال ومسرحية (ترنيمة الكرسي الهزاز) التي أخرجها (عوني كرومي) ومسرحية (رحلة السندباد) التي أخرجها عزيز خيون ومسرحيتي (المفتاح) ولم ندع أنها تجريبية بالرغم من وجود عامل الإبتكار فيها. أنصح الذين يدعون التجريب أن يراجعوا أنفسهم وأن لا يطلقوا ذلك المصطلح على أعمالهم وهنا يجب التفريق بين المسرح التجريبي والتجريب في المسرح.
* وما الذي يمكن تأشيره من معالجات في هذا المجال للخروج بالمسرح العراقي من عنق الزجاجة في ظل تباين وعدم وضوح الرؤية وبما يسهم في الارتقاء بهذا المسرح العريق..؟
– استمر المسرح العراقي في تقدمه قياسا الى المسارح العربية الاخرى واحتل الصدارة في تنوعه وفي تعدد أساليبه وفي تحديث طروحاته ابتداءً من ستينيات القرن الماضي وحتى التسعينيات منه ولكن للأسف أخذ ينحدر تدريجياً لأسباب عدة أبرزها الحروب التي مر بها العراق والتحديات التي مورست على الاعمال المسرحية وتصاعد موجة المسرح التجاري ومن ثم ابتعاد المخرجين المعترف بقدراتهم على الساحة المسرحية والأهم من كل هذا هو عدم وضع خطط واضحة للعمل المسرحي لا في فرقة الدولة (الفرقة الوطنية للتمثيل) ولا في الفرق الخاصة (الاهلية) والتي غابت عن الساحة هذه الايام وكانت المنافس الخطر لفرقة الدولة.
معضلات المسرح العراقي
لكي يخرج المسرح العراقي هذه الايام من عنق الزجاجة كما ذكرت أقترح مايلي:
أولاً: أن تضع دائرة السينما والمسرح خطة واضحة لعمل الفرقة الوطنية على أن تحتوي الخطة عددا من المسرحيات العالمية المترجمة والعربية المؤلفة ومسرحيات أخرى باللهجة المحلية في كل موسم مسرحي. وثانياً: أن تضيف الفرقة عدداً من المخرجين الاوائل والرواد ليخرجوا بعضًا من أعمالها. وثالثاً: أن تؤسس فرقة موازية للفرقة الاولى يتكون ملاكها من الشباب ومن خريجي معاهد وكليات الفنون ويترأسها مخرج مخضرم أو خبير أو ناقد مسرحي معروف. ورابعاً: أن تساعد وزارة الثقافة على إحياء عدد من الفرق الخاصة مثل :(فرقة المسرح الفني الحديث ) و(فرقة المسرح الشعبي) و(فرقة المسرح اليوم) و(فرقة اتحاد الفنانين) وأن تشجع عدداً من المسرحيين الذين لم ينتموا لفرق الدولة لان ينتموا لعضوية تلك الفرق. وخامسًا: أن تطبق الوزارة قانون الفرق التمثيلية بعد تعديله بما يناسب المرحلة الحاضرة لكي لا يبقى الحبل على الغارب في تشكيل المجموعات المسرحية. وسادساً: أن تقام دورات تدريبية وتثقيفية للمسرحيين من شتى الأجيال وشتى الفئات فالخلفية الثقافية لفناني المسرح اليوم أصبحت ضرورة ملحة.
* لنعرج على التمثيل.. نجاحك في لعب شتى الادوار على خشبة المسرح كان مكملاً لنجاحك في الاخراج.. ما سر هذا النجاح..؟ وبماذا تنصح الممثلين الآخرين..؟
-أحياناً لا أعد نفسي ممثلاً مقتدراً ومع ذلك فقد أبدعت بتمثيل عدد من الأدوار حسب ظني ومنها (كريون) و(المتنبي) و(الملك لير) و(الملك) في (تفاحة القلب) و(الممثل فاسيلي) في (أغنية التم ) و(المواطن) في المونودراما (غربة) وأعتقد أن الإلهام وإتقان الحرفة كانت سبباً في النجاح. أنصح الآخرين بأن يكملوا حرفياتهم وأن يدربوا صوتهم وجسمهم وأن يوسعوا مخيلاتهم ودائرة ثقافتهم.
* على حد علمي وعلى عكس عدد غير قليل من المخرجين.. لم ألحظ اداءك لدور في مسرحيات من إخراجك إلا ماندر وكيف تنظر لمن يقوم بذلك..؟
– لا لقد مثلت في مسرحية (ليلة من الف ليلة) لفلاح شاكر وقد أخرجتها للفرقة القومية وأعتقد بأنني لم أكن متألقاً بدور (شهريار) لأنني لم أكن أراقب نفسي وأنا أمثل وكذلك الحال عندما مثلت دور (بوزو) في (في انتظار بوزو) لفرقة المسرح الحديث للسبب نفسه . المخرج قد يفشل اذا لم ينظر الى عمله من الخارج وعلى وفق مبدأ المسافة الجمالية حيث أن المخرج عندما يكون هو الممثل أيضا في العمل فسوف لا يلمس الاخطاء أو الضعف في المعالجة الإخراجية.
السينما والدراما التلفزيونية
* على ذكر التمثيل.. لقد خضت غمار التمثيل في السينما.. وكان الوجه الآخر لابداعك في التمثيل المسرحي.. وهكذا هو الحال مع الدراما التلفزيونية.. التي كانت لك فيها أدوار ما زالت راسخة بل ومميزة.. كيف تنظر لتجربتك هنا..؟
– كان دور (الطبيب) في الفيلم العراقي (من المسؤول) لعبد الجبار ولي أول تمثيل سينمائي لي وأعترف بأنني كنت مرتبكاً في ادائي للدور وكنت غير مقتنع بالفيلم ككل لافتقاره للحس السينمائي وتغلب النزعة المسرحية على الإخراج والتمثيل حيث لا تلعب الكاميرا دورها الأصيل في تصوير الاحداث والشخصيات. وكانت المحاولة الثانية قد جاءت في فيلم (نبوخذ نصر) التاريخي والملون والسكوب وكنت ايضا مرتبكا في تمثيلي لدور (الملك) ولم أكن مرة اخرى راضياً عن إخراج الراحل (كامل العزاوي) فقد اعتقدت أن إخراجه خطوة غير مؤهل لها ولكن عندما شاهدت الفيلم على شاشة التلفزيون الملون وبعد سنوات من عرضه على شاشة السينما دهشت للمستوى المقبول لإخراج مثل ذلك الفيلم التأريخي المركب وبالفضاءات الواسعة في تقنياته. وجاءت محاولتي الثالثة مع فيلم (المنعطف) من إخراج جعفر علي وقد لمست بعض التحسن في تمثيلي لأحد الادوار الرئيسة فيه حين إبتعدت قليلا عن الاصطناع واقتربت من التلقائية . وجاءت المحاولة الرابعة مع (الأسوار) من إخراج (محمد شكري جميل) وقد كنت متقدما في أدائي في التمثيل السينمائي. ولا أدري ماذا حصل في المحاولة الاخيرة في (الفارس والجبل) من اخراج (محمد شكري جميل) حيث لم اشاهد الفيلم وسمعت ما لا يسرعنه.
التمثيل في السينما ينبغي أن يكون طبيعياً بلا مبالغة ولا إصطناع وبالتالي يكون الدور مقنعاً لجمهور السينما وكذلك لجمهور التلفزيون في الدراما التلفزيونية وهذا ما تحقق في ادائي لدور (أبو عطية) في المسلسل المشهور (الذئب وعيون المينة) و(النسر وعيون المدينة) من إخراج ابراهيم عبد الجليل) وقبله في مسلسل (فتاة في العشرين) من إخراج (عمانوئيل رسام) .
* في ضوء تجاربك مع الشاشة الفضية والشاشة الصغيرة لنتوقف عند أهم سبل ومستلزمات النهوض بالسينما العراقية أولا .. والدراما التلفزيونية ثانياً..
– لا سبيل للنهوض بالسينما العراقية أو بالدراما التلفزيونية العراقية إلا بالرجوع الى الرواية العراقية التي يكتبها روائيون معروفون مثال (عبد الملك نوري) و(عبد الرحمن الربيعي) والكتاب الجدد. ولا سبيل الى النجاح إلا بوجود مخرجين يتقنون الحرفة ويعرفون كيف يوجهون الممثلين والمصورين والتقنيين الاخرين مخرجون لديهم الحس السينمائي ويعرفون تقنيات التصوير والمونتاج ويعرفون مبدأ الاستمرارية في اللقطات ودور الكاميرا وعدساتها في متابعة أدوار الممثل وتعبيرات وجهه وجسمه وأن لديهم خبرة في الفن التشكيلي ومعرفة بالعناصر الدرامية إضافة الى حسن الادارة والتنظيم والتوجيه. إذا اردنا للسينما والتلفزيون العراقي إن ينهضا وأن ينافسا غيرهما فلابد أن تكون لهما هوية مميزة كما هي الحال مع الفيلم الإيراني. هذه الايام السينما صناعة وفن وتجارة وعندما تتوفر شروط الحقول الثلاثة عندها ينهض الفيلم العراقي فأين هي وسائل الصناعة وأين هو السوق وأين هو الفن وترى من هب ودب يدخل حقله؟!.
التنظير الاكاديمي
* كان التدريس الاكاديمي قد شكل واحداً من أهم معالم عطائك المسرحي .. حدثنا عن هذه المهمة النبيلة وهل ما زلت تمارس دورها في خلق جيل مسرحي يرفد المسرح بالدماء الشابة بالصورة المطلوبة..؟
– منذ عام 1964 وانا أدرس في فرع التمثيل بمعهد الفنون الجميلة وقسم الفنون المسرحية بكلية الفنون الجميلة. درست فن الإلقاء ودرست فن التمثيل والاخراج في الدراسات الاولية ودرست موضوعات أساسية في الدراسات العليا.ألفت كتبا منهجية وأعددت بحوثا علمية وأشرفت على رسائل وأطاريح طلبة الماجستير والدكتوراه وساعدت العديد من طلبة الدراسات العليا بإمدادهم بالمعلومات والمصادر. وتخرجت على يدي وأيادي زملائي الاجيال من الطلبة وأصبح العديد منهم أساتذة ولم أقصر يوماً في واجباتي وكنت حريصاً لأن يتزود طلبتي بالمزيد من العلم وما زلت كذلك حتى اليوم. إني اشعر بالمتعة وأنا أدرس أو أبحث أو أشرف على الطلبة لا تقل عن متعة التمثيل والإخراج وأشعر أيضاً أن علمي يزداد جراء التدريس والبحث والإشراف وما زلت أريد المزيد.
* وما السبيل للارتقاء بهذا المفصل الأكاديمي الذي لا غنى عنه في المشهد الثقافي عامة والمسرحي خاصة؟
– الجواب حول هذا السؤال يستحق بحثاً علمياً ويأخذ ذلك وقتاً طويلا ولكن لنعترف آسفين أن المستوى العلمي الأكاديمي انحدر متراجعاً لا يمكن مقارنته بما كان في بدايات تأسيس الكليات والجامعات فقد حدث الكثير من الاستسهال وحدث الكثير من التغاضي والكثير من المجاملات والعلم يرفض الاستسهال والتغاضي عن الاخطاء والمجاملات.
*وماذا عن النقد.. الذي اجتاحته أسماء كثيرة..؟ وما المطلوب للفرز بين الغث والسمين بما يكرس أو يقدم لنا ناقداً حقيقياً..؟
– نعم هناك الكثيرون ممن يكتبون النقد المسرحي ولكن من بينهم القليل من هو كفوء لهذه المهمة والقليل منهم من هو حيادي في نقده.
*في ضوء كل ما ذكر أين تضع تجربة المسرح العراقي في المشهد المسرحي العربي الراهن؟
– ما زال المسرح العراقي في الصفوف الاولى للمسارح العربية وأخشى أن يتراجع الى الصفوف الخلفية إن بقي على الحال الذي هو فيه الآن ولأقول الحق فإن المسارح العربية عموماً قد تراجعت عما كانت عليه من مستويات عالية في مجال التأليف والإخراج والتمثيل وهناك أسباب كثيرة لذلك التراجع لا مجال لشرحها الآن.
واقع المسرح العربي
*في ضوء مهامك وعضويتك أو ترؤسك لعدد من المراكز والاتحادات والمنظمات المسرحية والفنية والمحلية والعربية والدولية والإقليمية كيف تنظر لواقع المسرح العربي الراهن..؟
– هناك اكذوبة تسمى اتحادات ومنظمات فنية في الدول العربية حيث تسابقت هذه الدول في تأسيسها واحتوائها وما أن تأسست حتى اكتفت بذلك ولم تقم بدورها الفاعل حقيقة لا في تنشيط الحركة الفنية في هذا البلد ولا في رفع مستوى العطاء الفني ولا في توثيق الروابط بين فناني هذا البلد والبلد الآخر لولا المهرجانات لما تعرف هذا الفنان في هذا البلد على ذاك الفنان في البلد الآخر .أين هو الاتحاد العام للفنانين العرب الذي أسسه الراحل (سعد الدين وهبة)؟ وأين هو (اتحاد المسرحيين العرب) الذي تأسس في بغداد وغيره من الاتحادات الفنية؟
واليوم ماذا فعلت (الهيئة العربية للمسرح) ومركزها إمارة الشارقة أكثر من إقامة مهرجان مسرحي سنوي ونشر عددا من الكتب الخاصة بالمسرح؟ هل تفقدت يوماً حال المسرح في هذا البلد أوذاك؟ هل تعرفت فعلا على المسرحيين الحقيقيين في هذا البلد او ذاك؟ وماذا سيكون مصيرها لو تخلى عن الاشراف عليها الشيخ الدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة؟ هل سيبقى لها وجود؟ ولولاه ولولا حبه للمسرح ومساهمته في حركته لما كان للهيئة وجود. وعندما نلتفت الى (المركز العالمي للمسرح) فهل سنراه بالقوة والتأثير الذي كان عليه في بدايات تأسيسه؟ فقد أخذت فاعليته بالتناقص مع مرور السنين ولو تطلعنا الى أعضاء مكتبه التنفيذي وأهميتهم المسرحية مقارنة بالاعضاء السابقين للمسنا مدى الضعف في تأثيرهم.
*مارست التأليف والترجمة لعشرات الكتب.. كيف تنظر لهذا الدور الابداعي..؟ وما الذي يمكن أن يلعبه في إشاعة الثقافة المسرحية خاصة والثقافة عامة؟
– ما زلت أمارس التأليف والترجمة وقد انهيت اخيراً ترجمتي لكتابين ضخمين باللغة الإنجليزية هما (ثلاثمائة سنة على الدراما والمسرح الاميركي) تأليف غارف بي ويلسون و (دليل اكسفورد للمسرح والعرض) إعداد دينيس كينيدي ولا أدري متى سأحظى بدار نشر تنشرهما .. كما ذكرت سابقاً الثقافة أصبحت من ضرورات أهلية الفنان المسرحي.
* لقد تنوعت عطاءاتك وإبداعاتك.. فهل لي أن اسأل عن سر ذلك؟ وبماذا تنصح من يريد أن يسلك هذا السبيل؟
– السر في الإبداع هو الحب والتكرس والموهبة والأصالة واللا زيف.
*مسك الختام ..كلمتك الاخيرة ..
– المسرح هو الواجهة الحضارية للبلد فكلما كان المسرح متقدماً في بلد ما معناه أن ذلك البلد متقدم في جميع نواحي الحياة الأخرى. المسرح هو ثقافة البلد بكاملها حيث يجمع الأدب والشعر والموسيقى والفن التشكيلي والعمارة إضافة الى العلوم الانسانية والعلوم الصرفة التي لها دورها في الانتاج المسرحي.. فأي عالم كبير وعظيم هو عالم المسرح إنه عالم الشرف والفضيلة والقيم النبيلة عالم التقدم نحو الافضل اقصد عالم المسرح الحقيقي وليس مسرح الترهات..
سامي عبد الحميد.. في سطور
----------------------------
الفنان سامي عبد الحميد الكاتب والممثل والمخرج من مواليد السماوة في العراق عام 1928 أستاذ متمرس في العلوم المسرحية بكلية الفنون الجميلة جامعة بغداد.
حاصل على ليسانس الحقوق ودبلوم من الأكاديمية الملكية لفنون الدراما في لندن وماجستير في العلوم المسرحية من جامعة اورغون الولايات المتحدة. رئيس اتحاد المسرحيين العرب وعضو لجنة المسرح العراقي وعضو المركز العراقي للمسرح ونقيب سابق للفنانين العراقيين والرئيس الحالي للمكتب التنفيذي للمركز العراقي للمسرح
الف كتباً عدة تخص الفن المسرحي منها : فن الإلقاء، فن التمثيل، فن الإخراج. ترجم كتبا عدة تخص الفن المسرحي منها : العناصر الأساسية لإخراج المسرحية الكسندر دين، تصميم الحركة لاوكسنفورد، المكان الخالي لبروك.
كتب عشرات البحوث من أهمها الملامح العربية في مسرح شكسبير، السبيل لإيجاد مسرح عربي متميز، العربية الفصحى والعرض المسرحي، صدى الاتجاهات المعاصرة في المسرح العربي.
شارك في مهرجانات مسرحية عدة ممثلا ومخرجاً أو ضيفاً منها مهرجان قرطاج، مهرجان المسرح الأردني، مهرجان ربيع المسرح في المغرب ومهرجان كونفرسانو في إيطاليا ومهرجان جامعات الخليج العربي وأيام الشارقة المسرحية.
حصل على الكثير من الجوائز والأوسمة منها : جائزة التتويج من مهرجان قرطاج، وسام الثقافة التونسي من رئيس جمهورية تونس، جائزة الإبداع من وزارة الثقافة والإعلام العراقية، جائزة أفضل ممثل في مهرجان بغداد للمسرح العربي الأول. من أشهر أعماله الإخراجية المسرحية : ثورة الزنج، ملحمة كلكامش، بيت برناردا، البا، انتيغوني، المفتاح، في انتظار غودو، عطيل في المطبخ، هاملت عربياً، الزنوج، القرد كثيف الشعر.
افلامه السينمائية
فيلم (من المسؤول؟ – 1956) إخراج : عبد الجبار ولي.
فيلم (نبوخذ نصر 1962) إخراج : كامل العزاوي. (أول فيلم عراقي ملون).
فيلم (المنعطف 1975) إخراج : جعفر علي.
فيلم (الأسوار 1979) إخراج : محمد شكري جميل.
فيلم (المسألة الكبرى1982) إخراج : محمد شكري جميل.
فيلم (الفارس والجبل 1987) إخراج : محمد شكري جميل.
فيلم (كرنتينا) للمخرج : عدي رشيد.
فيلم (بغداد حلم وردي) إخراج فيصل الياسري .
من المسرحيات التي مثلها:
مسرحية (المتنبي) للمخرج المسرحي الراحل إبراهيم جلال .
مسرحية (النخلة والجيران) للمخرج المسرحي الراحل : قاسم محمد.
مسرحية (بغداد الازل بين الجد والهزل) للمخرج المسرحي الراحل : قاسم محمد.
مسرحية (الإنسان الطيب) للمخرج المسرحي الراحل : عوني كرومي.
مسرحية (انسو هيروسترات) لمؤلفها العالمي : غريغوري غورين – إخراج : فاضل خليل.
مسرحية (قمر من دم) إخراج : فاضل خليل.
مسرحية (غربة): اخراج كريم خنجر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق