مجلة الفنون المسرحية
ميراي معلوف المسرح مسكنها ونساء التراجيديا وشمٌ وجوديّ لبقائها
ميراي معلوف المسرح مسكنها ونساء التراجيديا وشمٌ وجوديّ لبقائها
مي منسى
هذا الدور لم يعد دوراً، بل مخاطبة سريّة بين جوليا دومنا وميراي معلوف، بين امرأة من مدينة حمص السورية، حكمت في القرن الثاني للميلاد إلى جانب زوجها الأمبراطور الروماني سبتيموس سيفيروس، وامرأة بنت من المسرح وجودها، ومن النساء التراجيديات الخالدات أطلقت طاقاتها الدرامية فكانت في كل شخصية هنّ، قدرهنّ، تحيا حياتهنّ وتموت ميتتهن، وتعود لتنتفض على الخشبة، حيّة، مشرقة، لا تمسها أخطاء الحياة.
على مدى فصل الصيف الفائت، جالت مع رفاقها في المناطق اللبنانية كافة، تواصل وإيّاهم ما بدأته معهم خلال "مهرجان البستان" للعام 2016 "شكسبير إن حكى"، لتعود إلى هذا المسرح الذي ناداها هذه السنة لتكون جوليا دومنا، الشخصية التي باتت متغلغلة في دمها وذاكرتها. فالعام 2004 تسنت لنا مشاهدة مسرحية "جوليا دومنا" على "مسرح مونو"، محطّتها الأخيرة، بعدما جال بها مخرجها شريف خازندار في المدن الفرنسية، والعالم العربي، طوال أشهر. في ذلك الصباح، تصدّرت الصفحة الأولى من جريدة "النهار"، صورة ميراي معلوف في زي الأباطرة، مع مقال معطّر بقلم غسّان تويني، حمل عنواناً لافتاً "ميراي معلوف، أمبراطورة المسرح".
في مقهى "المندلون" كان لقائي بها، امرأة يحلو الاستماع إلى صوتها الممشوح بميرون المسرح، تروي تجربتها العميقة، الحارّة، في هذا الدور الذي باتت تحمله كوشم في دمها: "أعود سنوات إلى الوراء، كأنها الآن لم تعتق، فأتذكّر ولادة مشروع مسرحية جوليا دومنا، في دار ثقافة العالم في باريس، بإخراج شريف خازندار وتصميم زوجته فرنسواز غروند. هذا العمل قام باللغتين الفرنسية والعربيّة الفصحى، بترجمة من أرواد إسبر، وتنقيح دقيق من والدها الشاعر ادونيس".
■ هل بين اللغتين من فوارق؟
- بل كان النفس واحداً. على مدى خمس سنوات انتقلنا بالمسرحية على مراحل متتالية، المدن الفرنسية والبرتغال وجرش وتونس والمغرب ودمشق إلى أن وصلنا العام 2004 إلى لبنان. "مسرح مونو" كان لنا، أنا ونينار إسبر الرائعة في دور وصيفة جوليا دومنا. على ساعة ونصف ساعة، كانت هذه الوصيفة الصامتة، تخزّن في نفسها اسرار ملكتها. هذا كان دورها، فتاة بكماء اختارتها طبقة الأشراف لكتمانها، فضيلة خارقة، سمحت لها بمرافقة سيّدتها في مرحلة عصيبة من ايام جوليا دومنا الأخيرة. ترافقها إلى المعبد لأداءة طقوس العبادة للإله عشتار وهي على علم بأنها هنا في هذا المكان ستضع حدّاً لحياتها.
■ نينار إسبر لن تكون وصيفتك في "البستان" في السادس من آذار، لماذا؟
- لأنها الآن تختبر معنى الأمومة مع طفلها الصغير. الدور الصامت ستؤدّيه الصبيّة سيرينا شامي، من معهد المسرح في الجامعة اللبنانية. كنت أتمنى أن تمتد المسرحية على أكثر من ليلة واحدة، حتى تجد مكانها في القالب المطلوب. فالليلة الأولى هي كلعبة البوكر، إما خاسرة وإما رابحة، يبقى رهاني الأساسي على المد والجزر مع الجمهور. فجوليا باتت في دمي، أتكلّم نيابة عنها، للإلهة عشتار حيناً، للجمهور حيناً آخر، تروي حياتها، تزوّجها الأمبراطور الروماني، سبتيموس سيفيروس، بما أوحته إليه الأبراج. منه رزقت ولدين، كركلا وجات. رافقت زوجها في المعارك، أحبّت العائلة وأحاطتها بإخلاص ورعاية، أرست الثقافة والفنون وعبرت سنين حياتها حتى التضحية الأخيرة.
■ كيف سيكون كساء أمبراطورة رومانيّة على مسرح "البستان"؟
- الأزياء التي استوحتها فرنسواز غروند من ملابس أباطرة الرومان، وصمّمتها لهذه الغاية، حافظت عليها في سكنها في بريتان، ما اضطرني للذهاب إلى هناك واسترجاع الغلالات الخمس التي ترفعها جوليا دومنا طاقاً وراء طاق أثناء سردها مراحل حياتها، زوجة، أمبراطورة، أمّاً، فيلسوفة، ومحاربة.
■ ألم يأخذك العجب حين رأيت صورتك في الصفحة الأولى من "النهار" مع مقال بقلم غسان تويني؟
- بالفعل، فغسان تويني أثنى على أدائي، ولا سيما على الطاقة التي أبديتها في مد جسر إلى الجمهور. مقاله شرّفني، لا سيما بوصفه إيّاي "أمبراطورة المسرح".
■ كيف خزّنت ذاكرتك الدور باللغتين، الفرنسية والعربيّة، ألم تتعثّري بين هذه وتلك؟
- التحدي محرّكي. اخذت النصين وبدأت أذاكرهما مدعومةً بما حصّلته من اختصاصي في مادة الحقوق، المذاكرة، قبل البدء بالعمل البحثي. حين بدأت بدور جوليا دومنا أدركت الفرق بين اللغتين، الفرنسية لغة العقل والعربية لغة الحواس والعاطفة، على إيقاعها مشيت، حرّة في التحليق في فضائها، أتذكّر صورة عبرت، أعطي النبرة سلطتها.
■ هل جوليا دومنا الشرقية، المولودة في حمص، أعطتك جناحيها لتحلّقي بهما؟
- بشغف همت في هذه الشخصية. صرت أمشي على رمال متحرّكة بنباهة ورويّة حتى لا أتيه عن هرمونيا الإلقاء. مشرقية أنا مثلها، جسّدت بأدائي شخصيتها وجهاً تاريخياً مرموقاً.
■ هل شريف خازندار سيتولى من البعيد بمهمّة الإخراج؟
- بل بثقته فيّ، رمى عليَّ الحمل بكامله، فالتحدي كما سبق وقلت لك محرّكي. فما إن دعتني ميرنا بستاني لأن أكون جوليا دومنا، في مهرجان موضوعه أمبراطورات وملكات من الشرق، حتى هبّت فيّ نخوة استعادة هذا الدور الذي عشقته. جوليا دومنا قرعت بابي. لبيت النداء. بسرعة ركبت القطار ومضيت إلى فرنسواز غروند في بريتان لأستعير منها ملابس جوليا دومنا. الأكسسوارات، فتّشت عليها هنا في لبنان، من سيوف قديمة وفخاريات، وصنج تيبيتاني. ولم اتعثّر في إيجاد نحّات استوحى من خياله ليصب لي رأس عشتار.
■ هل أنت حاضرة الآن لهذه المغامرة؟
- أمجّ فرح اللقاء بجوليا دومنا في السادس من آذار على "مسرح البستان".
---------------------------------------------------------------------
المصدر : جريدة النهار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق