مجلة الفنون المسرحية
--------------------------------------
المصدر : الفوانيس
الحصان الرابح في سباقنا المسرحي
عبد الجبار خُمران
“أيها الغد لن ننتظر قدومك نحن ذاهبون اليك. سنمضي اليك مكحلة عيوننا بالأمل ومطرفة سواعدنا بالعمل” هكذا لخص الامين العام للهيئة العربية للمسرح ذ.اسماعيل عبد الله – في واحدة من كلماته الرصينة دوما والمعبرة دائما بكلمتين عميقتين – هما الأمل والعمل – فلسفة المهرجان وتوجهه العام.
كثيرة ربما هي المهرجانات المسرحية على امتداد رقعة وطننا الكبير من الماء إلى الماء.. لكن ناذرا ما تجد في مشهدنا المسرحي المعاصر مهرجانا حاملا لمشروع يبني تصوراته الفكرية وتوجهاته الجمالية بلبنات حاملة قيم الفن الخالصة و مبادئ المعرفة النبيلة.
لقد جعلت الهيئة العربية للمسرح من أنشطتها بيتا لكل المسرحيين العرب.. بيت حاضن لإبداعاتهم وأفكارهم وتجاربهم النظرية والعملية.. ومهرجان المسرح العربي هو النشاط الاكثر إشعاعا ضمن الفعاليات العديدة التي تنظمها وتؤطرها “الهيئة” طيلة السنة.
تسير فعاليات المهرجان بخطى حثيثة لأجل تكريس ممارسة مسرحية عربية تخول الخروج باتجاه الانخراط مع المهرجانات العالمية في المساهمة بتطوير تقنيات ورؤى الفعل المسرحي في بعده الجمالي والانساني.. لا ينقص فعاليات مهرجان المسرح العربي – الذي “يسكب المبدعون من كل أرجاء الوطن العربي في جراره رحيق إبداعاتهم” – في ان يكون واحدا من الحدائق المعرفية والمسرحية والجمالية العالمية، إلا أن يستمر في مسيرته التصاعدية رابطا تجارب الرواد المؤسسين برؤى شبابية متجددة وأن يشد أطناب الفكر بأوتاد الابداع.
وإننا لننظر بعين الامل إلى التراكم الفكري والجمالي الذي يحققه مهرجان المسرح العربي والذي تدعمه مناشط “الهيئة” ووُرشها الفكرية ومشاتلها العملية والعلمية. هذا التراكم الذي يجعل من دورات المهرجان المتتالية أحصنة رهان حقيقية في “سباقنا” المسرحي والمجتمعي. سباق أعطت إنطلاقته كل تك التجارب الجادة المتعددة في رصيدنا المسرحي والثقافي الذي خلفه رواد عملوا في ظروف صعبة وقاسية أما نقطة وصوله فهي هذا المسير الحثيث الذي لا نهاية له.
مسير باتجاه التحاور مع ما يغلي به الشارع العربي من أفكار وأحداث وذلك من خلال أفق جديد في صياغة الندوات وتحيين مواضيعها ومحاورها الفكرية بما يستجيب ومساءلة التحولات المتعاقبة والجوهرية داخل منظومتنا الاجتماعية والسوسيوثقافية. فعلى سبيل المثال ذلك السؤال العام والضمني المطروح في كل ندوات هذه الدورة عن دور المسرح والتجارب الرائدة والناشئة على حد سواء : “العبور إلى المستقبل بين الريادة والقطيعة المعرفية” .
وما حضور اسمي شهيدي المسرح الجزائري في ندوات المحور الفكري للنسخة التاسعة من عمر المهرجان (عز الدين مجوبي الذي اطلق اسمه على هذه الدورة والمبدع المتفرد عبد القادر علولة) إلا تكريس لفهم عميق ومتجذر للدور الطلائعي للعب المسرحي المحفوف بالمخاطر لجديته وفعّاليته وفاعليته. ذلك ان للمسرحيين منصّتهم التي لا مناص منها بغية بلورة فكر متنور ودورهم الذي لا غنى عنه لأجل بناء مجتمع حداثي. دور يلعبونه على الخشبة حد الجنون وفي الحياة حد الاغتيال.
وواسطة عقد تكريس مسرح حقيقي و الإشادة بدوره “النضالي” الطبيعي داخل مجتمع في امس الحاجة إلى تعميق معرفته بالرواد الحقيقيين في هذه النسخة من عمر المهرجان هو التكريم – الذي لم يأت جزافا – للفرقة المسرحية التي ساهمت في دعم استقلال الجزائر من خلال جبهة التحرير الجزائرية.. تلك الفرقة التي كان لها التأثير الكبير والمساهمة الفاعلة في اسقلال الجزائر.. الفرقة التي أسسها مصطفى كاتب 1958 وجالت العالم مبشرة بثورة الجزائر والمطالبة باستقلالها.
ثم أليس المسرح حصان رابح لا محالة في سباق حداثتنا وبناء مجتمعاتنا المتطلعة إلى ربيع جمالي، ديمقراطي، حقيقي و زاهر؟
المصدر : الفوانيس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق