تصنيفات مسرحية

الثلاثاء، 7 مارس 2017

الاحتجاج في المسرح العراقي المعاصر

مجلة الفنون المسرحية

الاحتجاج في المسرح العراقي المعاصر


بشار عليوي 

إن الرجّات العنيفة التي يتعرض لها أيّ مُجتمع إنساني نتيجة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية, تُوَلِدْ تحولات عاصفة تهزّ مُختَلَف جوانب حياة هذا المُجتمع, مما يؤدي إلى نشوء حالة من الاحتجاج من قبل أفراده على هذهِ الأزمات, اذ يُعتبر الاحتجاج  Protest والذي يُقصد بهِ "الاستعمال الجمعي لأساليب المُشاركة السياسية غير التقليدية بقصد مُحاولة إقناع أو إجبار السلطات على دعم أهداف جماعة تحدي أو رفض مُعينة"  

سمة أساسية تُميّز الفاعلين داخل المُجتمع ممن يتصدون لمهمة التعبير عن آراء جميع الأفراد كَكُل, عبرَ اتخاذهِ لهدف التغيير المُجتمعي, حيثُ غالباً ما يتخذ هذا الاحتجاج أساليبَ وأشكالاً مُعينة, كارتداء الملابس بطريقة مُغايرة أو اللجوء الى مُزاولة مُمارسات شعائرية مُعينة, فضلاً عن استثمار الفنون كالغرافيتا والأغنية الشعبية ورسم البوسترات بالإضافة الى العروض المسرحية الاحتجاجية بكونها أساليب للاحتجاج, الذي اتخذ فعلاً مُعبّراً عن إدانة للظلم والأزمات المُجتمعية الراهنة، فضلاً عن كونهِ وسيلة لجذب الانتباه الى مطالب المُحتجين.
إن مفهوم الاحتجاج الذي ساد كتابة المسرحية هو جزء من ردّة الفعل التي انتابت الثقافة العالمية بشكل عام في الفترة التي تلت الحرب العالمية هو في حقيقته انعكاس لأوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية من جهة, وثورة على واقع المسرحية آنذاك من جهة أخرى, إذ ظهرت بوادر احتجاج وغضب على ما أصاب المجتمع من نكبات وويلات بسبب آثار تلك الحرب الكارثية, فلم يكن النتاج المسرحي ببعيد عن هذه الأوضاع, حيث تبلورَ في انكلترا مثلاً اتجاه مسرحي اتّسم بالاحتجاج بعد أن قامت الطائرات الألمانية خلال الحرب بتدمير أكثر من 20 % من مسارح انكلترا وبعد أن وضعت أوزارها اتضحَ حجم الدمار الذي أصاب تلك المسارح مما أثرَ بشكل كبير في الحراك المسرحي الانكليزي، فأوّل العروض التي قدّمت كانت بداية عام 1946 حتى سُميّت الحركة المسرحية التي تلت الحرب مُباشرة بـ"مسرح 1946", لكن الانعطافة البارزة لتمثلات أساليب الاحتجاج المُتنوعة في المسرح العالمي, تجسدت في ظهور الاتجاه الذي سُميَّ بمسرح "الغضب والاحتجاج" والذي أفرزَ عدّة أسماء مُهمّة على صعيدي التأليف والإخراج، لعلَ أبرزها (جون آردن) الذي كتبَ مسرحيات عدّة منها مسرحية "حمار الشغل" و "الحرية المغلولة" والكاتب (هارولد بنتر)  و(جون اوزبورن) ونصهِ الشهير "انظر الى الوراء بغضب", ويُعرف كاتب السطور أساليب الاحتجاج في المسرح، بأنها (مُجمل الطرق والمُمارسات والوسائل والأدوات المُجتمعية المُتاحة التي تُبرز النشاط الاحتجاجي الفكري والتي تتمثل داخل منظومة العرض المسرحي بوصفهِ أداة اجتماعية فاعلة بيد أفراد المُجتمع ووسيلة سلمية مُعبرة عن رفض الواقع الحياتي لهم ومن أجل تحقيق أهدافهم).   
لقد عرفَ المسرح العالمي ومنهُ العربي, تمثلات عديدة لأساليب الاحتجاج في عروضهِ المسرحية, إذ اتسمت البلدان العربية بتقلص مساحات الحُرية والديمقراطية بفعل ضغوطات الأنظمة الحاكمة التي تُسخّر كُل ما مُتاح أمامها لضمان استمراريتها ونفوذها القائم, مما دفعَ المسرحيين العرب الى تحدي هذهِ الضواغط من خلال استثمار المسرح العربي لأساليب الاحتجاج وتمثلاتها داخل عروضهِ التي واكبت ما باتَ يُعرف بالربيع العربي, والتي تأثرت بحرارة الشارع والأوضاع المُجتمعية المُضطربة التي تعيشها المجتمعات العربية التي سادت فيها روح الاحتجاج على تلك الأوضاع, حيثُ عكست وترجمت تلكَ العروض التوتر والفوضى اللذين يعيشهما أفراد المُجتمع العربي في ظل الحِراك السياسي والاجتماعي والفكري المضطرد، خُصوصاً في دول عربية بارزة كمصر وتونس وسوريا والعراق, إذ تأثر المسرح العراقي هوَ الآخر بمُجمل الانعطافات الاجتماعية والسياسية منذ إسقاط النظام العراقي السابق في 9/4/2003  والى الوقت الحالي, بعدما شهدَ البلد عموماً ترديّاً في الأوضاع الأمنية تفاقم مع دخول قوات الاحتلال الأمريكي الى العراق واتخاذ هذا الاحتلال ذريعة من قبل التنظيمات الارهابية لشن هجمات تكاد تكون شبه يومية على المدنيين العُزّل وارتكاب الجرائم بحقهم، فضلاً عن تفاقم الأوضاع المعيشية الحياتية ونقص الخدمات بسبب التقلبات السياسية وتردي الأوضاع الأمنية خُصوصاً بعد سيطرة تنظيم (داعش) الإرهابي على محافظة نينوى العراقية في 10/6/2014 بالتزامن مع سيطرتهِ على أجزاء واسعة من محافظات كركوك وصلاح الدين والأنبار، ليجد المجتمع العراقي نفسه أمام تحدٍ كبير، لذا برزت الظاهرة الاحتجاجية كإحدى أبرز سمات المسرح العراقي المُعاصر, فأوّل عرض مسرحي عراقي احتجاجي على نتائج الحرب الأخيرة وآثارها التي طالت عدداً من الأبنية الثقافية والمسارح هوَ (مرّوا من هُنا) لـ(جماعة ناجين) الذي قُدّمَ يوم 3/5/2003 على أنقاض مسرح الرشيد الذي تعرض للدمار والتخريب بسبب الحرب, ومن ثُمَ تُطالعنا جُملة من العروض المسرحية العراقية التي أخذت طابع الاحتجاج على جرائم الإرهاب الذي أصبح ظاهرة تضرب مُجمل تمفصلات الحياة العراقية اليومية خلال العقد الأخير نذكر منها عرض(ألف عام على بوابة الطب العدلي) تأليف وإخراج: جبار محيبس والذي قُدم في الشارع المُقابل لكراج باب المعظم ببغداد يوم 14/12/2006  لكن أبرز العروض المسرحية العراقية التي أتخذت من الاحتجاج عنونةَ لها كان العرض الاحتجاجي(ن) تأليف: ماجد درندش إخراج: كاظم النصار والذي عُرض  يوم 21/8/2014 على قاعة المركز الثقافي النفطي في بغداد, وهوَ أول عرض مسرحي عراقي يُقدّم بوصفهِ إدانة لجرائم الإرهاب التي ارتكبها تنظيم (داعش) الإرهابي وصرخة احتجاج ضد ممارساتهِ , وتوالت العروض من بعد ذلك ومنها العرض الاحتجاجي (عزيزة) اخراج: باسم الطيب, والذي قُدّم في مُنتدى المسرح , وعرض (عباءات وألعاب للموتى) تأليف: علي الخياط وإخراج :علي الشجيري الذي قُدّم على مسرح قاعة نقابة فناني بابل, وعرض (يارب) تأليف: علي عبد النبي الزيدي, إخراج: مُصطفى ستار الركابي الذي قُدّم في المسرح الوطني ببغداد وشاركَ في مهرجان المسرح العربي الثامن في الجزائر مطلع العام 2017, وعرض (أبيض وأسود) تأليف وأخراج: كاروخ ابراهيم الذي قُدمَ في الساحة المقابلة لقلعة أربيل وسط مدينة أربيل , لكن تبقى تجربة الكاتب والفنان(ماجد درندش) هي من الأبرز لناحية تجذير وجود الاحتجاج في مسرحنا العراقي عبرَ سلسلة النصوص المسرحية التي كتبها متُخذاً من الاحتجاج عنونة لنصوصهِ, وهي (نون) من إخراج كاظم النصار و(هل تسمعني أجب) أخراج: خالد علوان , (8 شهود من بلادي) من إخراجهِ والذي قُدمَ في ختام مهرجان المسرح العراقي الثاني ضد الارهاب في شهر تشرين الأول 2016 .. وغيرها. 
الإحالات:
• سيد فارس , صناعة الاحتجاج والثورة_ حركة 6 أبريل نموذجاً, (القاهرة : روافد للنشر والتوزيع ,2016).
• عبد الله عبد الرحمن بكير,  مفهوم جون اردن للغضب والاحتجاج , (بغداد : دار الحرية للطباعة ، 1985).
• جورج ولورث , مسرح الاحتجاج والتناقض , تر:عبد المنعم اسماعيل ,(بيروت: المركز العربي للثقافة والعلوم , ب ت).

------------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق