مجلة الفنون المسرحية
ديناميكية جسد الممثل في العرض المسرحي
جواد الحسب
ديناميكية جسد الممثل في العرض المسرحي
جواد الحسب
في البدء لم يكن الإنسان البدائي يمتلك لغة التخاطب، وإنما كانت لغته الايماءة والإشارة والحركة، وكانت هذه اللغة تعبر عن حاجاته ورغباته، كذلك تعبر عن الفرح والحزن اللذين يختلجانه، فالرقصات والحركات بأنواعها تعبر عن الفرح والحزن لديه. فحين يستخدم الإشارة ، يكون قد أفهم الآخر بما يريد توصيله من غاية أو معنى ، وما تثيره هذه الإشارة أو الإيماءة لدى الجماعات من قراءة الحالة المراد التعبير عنها. وهذا ما كان يحدث قبل آلاف السنين. وقد ظل على إشاراته وحركاته أزمنة طوال حتى استطاع أن يكتشف لغة الكلام. لكن بقيت بعض تلك الإشارات والحركات تلازمه حتى يومنا هذا. ولقد أمست جميع الفنون المعاصرة تحن إلى ما كان الإنسان البدائي يتمتع به من مهارة في التعبير عبر الإشارة، وهي بمجملها حركات تمثل بالنسبة له لغة تواصلية مع الآخرين. فالإنسان يستخدم إشاراته وعلاماته التي ينتجها جسده قديماً وحديثاً مع وجود لغة الكلام التي تمكنه من أن يكون مكتفياً بها، إلا أن إشاراته أكثر بلاغة وأصدق من الكلام، قد يتخلل الكلام بعض الكذب، إلا أن الإشارة لايمكن أن تكون غير صادقة فهي أحساس حركي وشعوري نابع من النفس. فجسد البدائي كان يُقرأ عليه ما يختلج في نفسه من حزن وفرح وغضب وإنكسار وضعف وهذا مايحققه ممثل اليوم لصناعة جسد مطواع قادر على استنباط نفسه جسدياً أو إدخال حركته الجسدية إلى النفس، وبالعكس. فحركة الجسد هي ما تعكسه النفس فطرياً، وهي التعبير عن النفس بكل خلجاتها وانفعالاتها، والحركة قد تسبق الكلام لأنها تمثل المنظومة البصرية أو الاتصال مع الآخر حركياً ومن خلال الإشارة. لإقامة علاقات اجتماعية معتمدة في تواصلها على حركات وإشارات متفق عليها، فالحزن إشارة دون أن يقول الإنسان أنا حزين وأيضاًً الابتسام إشارة، وكذلك التحية، وقد تختلف الإشارات من مجتمع لآخر طبقاً للاعراف التي تمت بينهم.
لقد تراجع دور الكلمة على المسرح، بعد أن كانت الدعامة الأساسية له، ذلك أن المسرح كان يسيّرهُ النص والاعتماد على خطابه الأدبي، دون حذف أو اختزال أو تلاعب، وقد غيب الجسد وحركته، أزمنة طوال، حتى جاء الوقت الذي بدأ فيه الاهتمام بالحركة وانبثقت من هذا عروض البانتومايم والكوريغراف والباليه وغيرها من العروض التي تعتمد الجسد كلغة تعبيرية. فالممثل استطاع من خلال الحركة أن يحقق خطابه البصري. فجسد الممثل لا يتحدد ضمن نسق معين، إنما ينطلق نحو الاكتشاف في جغرافيا الجسد، واللعب في تضاريسها المكتشفة وضمن أنساق جديدة من الحركة، لكن هناك حدوداً مرسومة له، تميزه عن سواه من الممثلين، رغم أن هناك تشابه في الأفعال والسلوكيات بين الممثلين، والممثل يجهد نفسه باحثاً عن شيء يميزه عن الآخرين، ويتم ذلك عبر الجسد. إن مفهوم جسد الممثل على المسرح، ليس ثابتاً في جميع الأنواع المسرحية، إذ إنه يتطور، ويتحول ويتغير، وفق ما يلحق به من تطورات تجري على احداث المسرحية، ومع تطور القوانين الاجتماعية في الحياة. يقول باربا: " الجسم في حالة حياة يمدد حضور الممثل وإدراك المشاهد. إنه لايعني وجود شخص حاضر أمامنا ولكن تغييراً مستمراً وتفتحاً يتم تحت أبصارنا . إنه جسم في حالة حياة . لقد تم تحوير الطاقة المتدفقة أثناء سلوكنا الاعتيادي لتصبح مرئية بصورة غير متوقعة"( ).
فالممثل هو الجسد الحي الحاضر أبداً على الخشبة، وهي المكان الذي يستطيع أن يمارس حياته الفنية عليها، لتجسيد الشخصيات الدرامية. فعبر تاريخ المسرح، منذ زمن الإغريق والمآسي العظيمة، وحتى العصر الحديث، لم يجد المبدعون بديلاً عن الممثل في تحقيق العرض المسرحي. صحيح أننا لانعرف كيف كان الممثل يؤدي دوره ويجسد الشخصيات في زمن الإغريق، "إلا أنه كان يبدو أن القصص التي تحكي الاساطير الإغريقية كان يمثلها بالحركات ممثل واحد، ثم بالحوار بين هذا الممثل وقائد الجوقة وبالأغاني والرقصات الرمزية التي كانت تؤديها الجوقة."( ) وكان المتفرج يستقبل كل هذا ويتفاعل معه، وتتحقق المتعة في ظل تلك البداية للمسرح. لاشك بأن مكانة الممثل بقيت كما هي عليه محافظة على قيمتها الجمالية أداء وتجسيداً. فالممثل المسرحي بشكل خاص هو الذي يحقق أفعاله على الخشبة، ويبدع في رسم الشخصيات وصياغتها، على وفق الأفعال النفسية والجسدية. وبهذا تظهر الشخصيات الدرامية على الخشبة من الحركة والصوت. فالحركات اليومية الاعتيادية التي يكتسبها من المجتمع فهي على الأرجح تكون ثابته، وذلك بفعل أنغماسه ومعايشته لمجتمعه. والمسرح حقيقته تكمن في أنه فعل جماعي وإبداع مشترك، ضمن عملية يتخللها الفكر الخلاق، فكل كلمة، وكل حركة من حركات الممثل يجب أن تتشبع بالفكر والمشاعر والأحاسيس، لتصل إلى المتفرج عبر الحركة والكلمة. فالمسرح يفرض على الممثل أن يكون منبع إبداعه وظهوره من خلال تكاتف إبداعات الآخرين التي تسانده وتدعم حضوره، ومستوى التقنيات والعناصر السينوغرافيا والوسائل الأخرى التي تمارس دورها في بلورة وإبراز دوره، والعمل على إنجاح العرض. فللممثل شيئان لاينفصلان عنه في تأديته للدور هما جسده وصوته، يرافقانه في مجمل مسيرته الإبداعية، فسلوكه، وتصرفاته وكل اتجاه يتخذه يعتمد على جسده وصوته. والحقيقة التي تؤكد أن للجسد خصوصية تميزه بتكرار من شكليات منمطة، وسلوكيات يكتسبها من المجتمع والبيئة التي يعيش فيها. فللمجتمع تأثير واضح لأسلوب التعامل مع جسد الممثل، أوعلى الفن بشكل عام، لكن الاختلاف يحدث إذا دخل هذا الجسد في بودقة الإبداع والتعبيرالفني، ويكون أكثر وضوحاً في أعتلائه الخشبة، وتقمصه للشخصية الدرامية، فالممثل حينما يبغي تجسيد شخصية درامية فلابد أن يقرأها بعمق السلوك والتصرفات والمشاعر والانفعالات، أي بشكل كامل من خلال تحقيق دراسة أبعاد الشخصية، التي قد يجد مثيلتها في الواقع، حيث إن جسد الممثل تتراكم فيه تقنيات فسلجية قد استمدها، سواءٌ كان يعيها أو لايعيها فهي تعبرعن مجمل ثقافته الذاتية، "وان كبارالممثلين في الغرب يحصلون على تكنيكهم من خلال التجربة الشخصية الطويلة في ميدان العمل، وليس من خلال ايجاد اسلوبهم الخاص ضمن التقاليد السابقة لهم"( ).
وعليه فإن الممثل قد استمد التقاليد والتصرفات من التجربة الذاتية ومن المجتمع الذي ينتمي إليه. ويعبر من خلال هذا في أدائه للشخصية الدرامية، إنما هو في الحقيقة يعبرعن ثقافة الجماعة التي ينتمي إليها، وهو ما يعبر عنه أداؤه الطبيعي. إذن لايمكن أن نتعرف على جسد الممثل بمعزل عن مفهوم هذا الجسد وفلسفته ضمن الحضارة التي ينتمي إليها، أو تاريخه الطويل المفعم بالمعتقدات التي تتحكم بسلوكياته وذوقه وأفراد مجتمعه، الذي يشكل نمطاً من العلاقات بين المجتمع الواحد. وهذه العلاقات إنما هي الفعل الحياتي، التي تدفع بالناس لصياغة العلاقات الاجتماعية ضمن زمان ومكان محددين. يقول (ماركس): "إن الأعمال الفنية قد أنتجت تعبيراً عن ( الحالة المادية ) للمجتمع عند نقطة زمنية معينة. "( ) والمقصود بـ(الحالة المادية) هي مجمل العلاقات الاجتماعية التي يحكمها الوضع الاقتصادي ضمن مجال مجتمع ما، فينبثق من هذا المجتمع سلوكيات تتواءم مع وضعها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. فالسلوكيات الصادرة من الشخص ومجمل التصرفات التي يمارسها تتوقف على مدى علاقته بالآخرين الذين هم في تماس معه. وعلى ضوء ذلك يبني الممثل لنفسه قاعدة وتكون أساس إبداعه في تجسيد الشخصيات المسرحية. "يتخذ التجسيد – كعملية إبداعية – صوراً تكاد تكون متعاكسة في الثقافات المختلفة تبعاً لصورة الجسد الثقافية في كل مجتمع على حدة"( ). من هذا الفهم المتقدم لثقافة الجسد التي تحكمنا بالاعتناء على تكوينها، وصولاً إلى جعلها أداة ثقافية شأنها شأن كل اللغات الحية التي نستطيع بواسطتها ان نوصل أفكارنا بها – لغة الجسد – التي أصبحت فيما بعد لغة خاصة تحاكي بقية الثقافات المسرحية كما – عند كروتوفسكي وشاينا وكانتور وباربا وسواهم الكثير في بقاع العالم كافة. "وقد لعب المفهوم الجمالي للجسد في الثقافة الأوروبية، منذ اليونان القديمة، الدور الأساسي في نشأة الحاجة إلى المسرح واستمرارها عبر العصور التالية "( ). لهذا فإن جسد الممثل وهو يتحرك على الخشبة لايتخذ من شكله الخارجي وتحولاته هدفاً خالصاً للتعبير، وإنما عليه أن يوّحد ما بين الشكل الخارجي (فيزياء الجسد) عبر حركاته، والمشاعر الداخلية للشخصية الدرامية من خلال الأفعال ومجمل السلوكيات والتصرفات. فإذا كان الممثل يعتمد بالدرجة الأولى على الشكل الخارجي دون الاعتماد على الجانب النفسي، أعماق الشخصية، فمن المؤكد أن أداءه سوف يصبح ميكانيكياً، وهذا ما عمل عليه (ما يرخولد) وهي الفكرة التي أكدها في إدخال التكنولوجيا في العرض المسرحي، وقد كان ميله منصباً على جعل جسد الممثل آلة ميكانيكية تتدفق من خلالها الدلالات والرموز." كل ذلك يمكن اعتباره مادة لوضع مخطط أشكال تقوم على أساس الحركة الشبيهة بحركة الدمى المنظمة والميكانيكية"( ). والنتيجة أن الممثل يعمل بجسده بالدرجة الأولى وهو الشكل الخارجي، وأحياناً يجعله مقروناً بالحالات الانفعالية للنفس، وأن يوّحد بينهما، ويستطيع أن يعمل بجسده فقط دون الحاجة لحالاته النفسية، وحتى بدون الكلام، ويحقق المتعة الفكرية والجمالية. فالممثل في العالم يلغي بشكل نسبي أو شامل نمط خصوصيته لجسده، وقد أخذ يتطور بشكل كبير، بفضل علم الأنثربولوجيا الذي فتح الخطوط إلى كل بقاع العالم، ومعرفة الإنسان وبكل ما يحيط به وبمعطياته وإبداعه، فالأنثربولوجيا أخذت العالم نحو آفاق رحبة وواسعة. " لقد أكدت البحوث الانثربولوجية على أن هناك في حياة الشعوب ممارسة لتكنيك يومي اعتاد عليه الناس في حياتهم اليومية وهناك تكنيك خارج عن الحياة اليومية في ثقافة كل شعب"( ) من هذا المنطلق تعتبر انثربولوجيا المسرح أو الابحاث التي تدخل تحت هذه التسمية، المجال الأكثر ملاءمة لتداخل والتقاء الممارسات المسرحية. فالممثل اليوم، هو حصيلة تجارب الآخرين الذين سبقوه والذين مهدوا له الطريق بمعرفة أشكال جديدة تمارس في المسرح في بلدان متعددة. والممثل كما هو معروف هو الشخص الذي يخلق شخوصه على الخشبة. ولكن تبقى طبيعة حركته هي التي تميزه وتحقق إبداعه، ويتجلى ذلك من خلال ارتباطها بالتعبير الكلامي، ومن ثم مقارنة حركة الممثل بحركة الآخرين. كنوع من الصراع والارتباط، يستثمره في تجسيده للشخصيات وفي صراعها الدائم، التي تمثل خاصية (الدراما) المسرحية "وتشمل امكانات صراع الشخصية ما يأتي: صراع مع شخصية اخرى، صراع مع مجموعة من الأشخاص، صراع مع النفس، صراع مع البيئة، صراع مع مواد غير حية"( ).
إن التغيرات والتحولات التي جاءت نتيجة الصراع شملت العلاقات بأسرها، سواء الاجتماعية منها أو الاقتصادية أو السياسية أو المهنية، فالجسد وفقاً للتغيرات والتحولات التي باتت معروفة، أخذ يتشابه مع كل التغيرات والتحولات التي تطرأ على الأجساد الأخرى في سائر مجتمعات العالم المختلفة، فليس هناك خصوصية معينة تخص مجتمع دون آخر في مجمل حالات الجسد وحركاته، فالخصوصية انتهت مرتكزاتها في مجتمعات العالم، وأخذ التشابه في أنماط الحياة وسلوكياتها وأفعالها يشمل العالم بأسره. أن وصف حالات الجسد على المسرح كونه جسداً اجتماعياً، لايعني به جسد الممثل فحسب، وإنما تتسع الظاهرة لتشمل الممثل والمتفرج معاً، بوصفهما يكوّنان المعنى الإنساني الذي ينحو نحو الاحتفال والظواهرالأخرى التي تحقق البهجة والفرح والأنغماس في عالم الخيال الذي يبغي الإنسان الهروب إليه، عبر الممارسات الدرامية( ). فجسد الممثل هو إيقونة لجسده الآخر، الذي ينتمي للواقع والحياة الطبيعية. " في المسرح يرتبط كل ممثل بعلاقة أيقونية مع دوره بمعنى أن وجهه يصبح دالاً على وجه الشخصية التي يؤديها. وتلعب المهمات المسرحية أيضاً دور العلاقات الأيقونية فهي تحاكي في مظهرها الأشياء التي تصورها.( ) إن عناصر اللعبة الدرامية المعقدة حاضرة على الخشبة تمارس أنشطتها بنظام محكم، والممثل هو المحرك لخطوط هذه اللعبة التي لم تكن مجانية، وإنما لها أهداف ولغة، ومن دون ذلك تصبح بلا جدوى. "ومثلما في أية لعبة من ألعاب المغامرات، ففي المسرح أيضاً توجد قوانين قاسية. وبالتالي فالمعرفة الحاسمة بقواعد اللعبة وقوانينها، كما في أية لعبة من ألعاب المغامرات، هي تحديداً تلك التي تعمل على تفجير السعادة المتأتية من نكران الذات أثناء الفوز."( ) فالمتفر ج حاضر في أنشوطة اللعبة الدرامية، وله دور فعال في التأثير على الممثل، وكذلك الممثل يؤثر فيه، وبهذا يكون كل واحد منهم يؤثر في الآخر. وهو ما يجعلنا نبحث في مستويات التعبير الجسدي الفني من جهة، ومن جهة أخرى مايثيره هذا الجسد عند المتلقي (المتفرج)، وبات من الضروري أن تنشأ علاقة بين جسدين، جسد الممثل، وجسد المتفرج. كي يتحقق التأويل والتفسيرلأبعاد الفعل الدرامي. فوضعيات الأجساد المختلفة، تحدد وضع جسد الممثل، وجسد المتفرج، فالفرق واضح بينهما، جسد الممثل المشار إليه فوق الخشبة، يمارس فعله الدرامي، يختبئ خلف أقنعة الشخصيات التي يجسدها، ويكشف عن الأسرار المستترة في النفس، والمتفرج يرى الممثل ويسقط كل ما قام به على نفسه( ).
فاللعبة الدرامية تحكمها قوانين خاصة بها، والارتباط الوثيق بقوانينها يتم بين الممثل والمتفرج. وتتميز بأسلوبها التعبيري الذي يمثله جسد الممثل بشكل خاص من خلال ماديته الحيوية الذي "ينفق من الطاقة ما يزيد عن طاقة الإنسان العادي personne quotidienne ينفق تلك الطاقة بالمعنيين الحرفي والمادي"( ). وتتحول هذه الطاقة وتصبح وسيلة تعبير تبعث الحياة في الشخصيات الميتة في النص. لقد امتلك التمثيل طرقاً وخصوصيات متعددة، فكل طريق يمتلك خاصية من التعامل التي يعتمدها الممثل في معرفة حدود جسده وصوته، ومن خلال تواصله، وكيفية أن يصبح أداة مطواعة تمتلك طاقتها التعبيرية جسداً وصوتاً. وهذا ما أجمع عليه كل من ستانسلافسكي ومايرخولد حينما انصب اهتمامهما على الحركة التعبيرية التي تنتج الخطاب البصري فـ(مايرخولد) يؤكد على الظاهر، وهو الجسد (الخارج) ومن ثم يعكس بحركته إلى الداخل، " أي من خلالها يمكن اكتشاف المعنى الداخلي الكامن في حركة الممثل، فهي كنظام عمل يمكن أن تساعد في التوصل إلى (الصورة) والمشاعر الداخلية من خلال التأثير البلاستيكي المعبر.( ) بينما تنطلق هذه الحركة من الداخل إلى الخارج عند ستانسلافسكي، ويصبح مجمل اهتمامه يصب في محاكاة الواقع وانعكاساته على الممثل. ولكنه يؤيد ما ذهب إليه (مايرخولد) حول الحركة فيقول: " أن تنفيذ الفعل الفيزيولوجي تنفيذاً صحيحاً يساعد على خلق حالة صحيحة. انه يحول الفعل الفيزيولوجي إلى فعل سيكولوجي وذلك بتأثير قانون وحدة الحياة السيكو – فيزيولوجية."( ) يتشكل جسد الممثل عبر الممارسة والتعبير، ليكون أداة إيصال بكل محمولاتها من صور وأفكار للمتفرج. فالتمثيل فعل بحث عن الهوية وهو لايجد غايته إلا بأن يفقدها، وقد يكون الممثل مشتركاً في كتابة النص مع المؤلف من خلال أداء دوره، فهو يصيغ نصه من خلال قراءته العميقة مابين السطور لنص المؤلف، وتجسيد الشخصية الدرامية من خلال تغييب أناه المشغولة بالتفاصيل الحياتية اليومية، وحضور ذاته المبدعة المتشكلة من الفن، التي تسعد بوجودها على الخشبة، هروباً ورغبة بامتلاكها ناصية الإبداع وعملها في هذا الاتجاه( )، وبهذا يكون الممثل قد قدم الشخصية التي تركها المؤلف ناقصة ليكملها هو، ويملؤها كياناً وحياة. فالشخصية الدرامية في النص ليس لها كيان وملامح إلا بعد أن يجسدها ممثل وتدب الحياة فيها على الخشبة. إذا كانت الشخصية في النص بمثابة الروح فهي تبحث عن جسد تتحرك من خلاله، والممثل هو الجسد التي استعانت به للتجسيد وفي صياغة شخصيتها التي تكون قريبة دائماً من الواقع ولم تكن غريبة عن الممثل أبداً. قد نجدها بيننا في حياتنا العادية ونجري الحوار معها سواء في المقهى أو في الحافلة أو في أي محفل آخر، فهي تمتلك سلوكها الخاص في الدخول والخروج والمشي والجلوس لتشكل في النهاية مجموع ما سوف نعرفه عنها، وهي تؤدي دورها على خشبة المسرح. " إن كل إنسان هو ممثل بالطبيعة، يتقمص ويلعب الأدوار المختلفة، المقررة في الحياة اليومية، كنوع من المسايرة، أو التحايل، أو التكيف مع الآخر ... إلا أنه من المدهش دائماً الوقوف عند تلك الحالة الفريدة التي تصبح فيها هذه الطبيعة، أو الغريزة الأساسية، نشاطاً فنياً مؤثراً بذاته"( ).
إن النظرة إلى الجسد كظاهرة مسرحية، يمكن دراسة نموها وتطورها من خلال التقاليد المسرحية، وكذلك التأثيرات التي حدثت عبر الزمن، ونعزو ذلك إلى الدوافع المحدثة للتطور والتغيير. ففي القرن العشرين حدث الانفتاح على العالم بكل معطياته ومنها المسرح، وذلك من خلال التبادل الثقافي بين بلدان العالم، مما جعل المسرح الشرقي يتأثر بالمسرح الغربي والتعرف على أحدث عروضه، "إن تأثير المسرح الغربي في الشرق هو أحد المعطيات الثابتة. وصار من المؤكد أن للمسرح الشرقي أهمية كبيرة في التطبيق العملي في المسرح الغربي. ولكن هناك في ذلك إرباك لا يمكن نكرانه : وهو أن هذا النوع من التبادل يدور في حيز السوق الكبير ( سوبر ماركت) للثقافة"( ). فالمسرح الشرقي، صار يجدد في مفاهيمه وبنيته المسرحية، التي كانت متقوقعة لسنوات طويلة، وذات تأثير على التجارب الغربية، وراح يكتشف اتجاهاتها وأشكالها المسرحية، وبالمقابل أخذ الغرب يتعرف على التراث الشرقي متأثرين بمضامينه وأشكاله، وبالفعل قاموا بدراستهِ، والتعامل معه كشكل من أشكال المسرح قائم بذاته، يذكر آرتو "عن مشاهداته في عروض شرقية قد اعجب بها، ان الناس في بالي يحققون فكرة المسرح الخاص بمنتهى الدقة، هذه الوقفات ذات الزوايا التي تتقاطع خطوطها تقاطعاً عنيفاً، وطبقات الصوت الآتية من الجزء الخلفي للحلق، والجمل الموسيقية التي تتوقف فجأة، ورقصات الدمى"( ).
إن حركات جسد الممثل هي التي تشكل جوهر العرض المسرحي، وليس لغة الكلام، حيث "يتحدد النص المكتوب في حاجته الحقيقية لتفعيل السياق المسرحي. ويشير في كل مكان إلى خضوعه لشروط العرض المادية، ولا سيما في جسد الممثل وقدرته على تجسيد الخطاب داخل الفضاء المسرحي."( ) وهذا ما أخذ يهتم به (آرتو) أخيراً حيث كان يقدس النص في بادئ الأمر، لكنه أخذ يبحث عن لغة جديدة تمارس سحرها وتأثيرها في إماطة اللثام عن أعماق النفس المخبوءة، حيث خرج منعتقاً من المدونات إلى حيث الفضاءات البصرية التي تمتلئ بحركات جسد الممثل وصرخاته التي اعتمدها بوصفها وسيلة تعبير أكثر من اللغة المنطوقة. "وحتى هوراس، الذي كان يخاطب الكتاب الناشئين في عصر أغسطس من خلال كتابه فن الشعر Ars poetica قال إن العين وسيط أكثر قيمة من الأذن وبناء على هذا أنصحهم بأن يكونوا على وعي بما يعرضون على خشبة المسرح."( ) ولهذا كان (آرتو) مهتماً بالممثل وبجسده أكثر من اهتمامه بأي شيء آخر، ولقد دعا إلى جسد الممثل وقدرته على التعبير قبل أن يأتي (كروتوفسكي) ويعلن اهتمامه بالجسد وتعبيراته، فالممثل هو الدعامة الرئيسة للعرض المسرحي. وكما هو معروف أن نشأة المسرح بدأت في عصر الإغريق، من خلال الممارسات للطقوس الدينية التي تمجد الآلهة وتحتفل بأعيادهم. فالممثل كحرفة انبثقت من تلك الممارسات الاحتفالية، وقد كان عنصراً فاعلاً فيها، وبعد مرور زمن طويل تحولت هذه التقاليد الدينية، إلى عروض مسرحية تشهدها مسارح العالم، تلك الأشكال التي نعرفها اليوم، ويلعب الجسد الدور الكبير في الممارسة الاحتفالية ويتبوأ موقعاً مهماً، وأهمية هذا الموقع تكمن في مكانة الإنسان بالنسبة للعالم ومن شعورهذا الإنسان بالتوحد مع مكونات عالمه الخاص ومن ثم بينه وبين الكون. "إن الوثنية الاغريقية عرفتنا بوظيفة الممثل التي استقلت عن الطقوس الديونيسيسية الصاخبة. هذه الوظيفة لم تكن منعزلة عن انشاد الجوقة ورقصها التي استمرت بتأثيرها الواضح على الممثل الروماني بهذا الشكل أو ذاك. اما في القرون الوسطى فإن عملية احياء فن الممثل اتبعت بصورة عفوية غير مقصودة فقد كانت الاهداف الدينية المسيحية هي الاساس في كل عملية أو تظاهرة اجتماعية "( ).
ففي بدايات المسرح الأغريقي كانت حركات الممثلين مؤسلبة، لما فيها من رقص نابع من طقوسها الدينية، ومن ثم ابتكر اليونانيون أنماطاً حركية للجسد بشكل عام، ونوع من المسرحيات " المبكرة ذات الممثل الواحد يقترن بها اسم ثسبيس thespis الذي قيل عنه إنه كان يجمع بين التمثيل والكتابة المسرحية"( ) فالتمثيل كحرفة بدأت في زمن أسخيلوس على وجه التحديد، و(ثيسبس) أول مخترع لها، ولقد أزدادت أهميتها حينما بدأ يزداد عدد الممثلين في القرن الخامس قبل الميلاد. " وكان الممثلون الإغريق رجالاً دائماً، ولم تظهر النساء أبداً فوق المسرح،"( ) وبعد مرور زمن بدأ فن التمثيل يبحث عن أشكال مختلفة حتى وصل الينا بالشكل الذي نعرفه اليوم، وهو الفن الذي حافظ على مكانته وأصبح حرفة يستطيع من أمتلك الموهبة أن يمارسها. تكونت لدى الممثل عادات عبر مسيرة عمله الطويل، وهذه العادات قد أعاقت تطور ونمو أدائه، فلابد للممثل " أن يتحرر من كل العادات حتى يستطيع أن يفكر في دوره وهو صافي الذهن حتى يتقن أداء الشخصية التي يجسدها"( ).
الممثل قبل كل شيء يمثل نفسه أولاً ومن ثم الشخصية المسرحية، وكان هذا يجعله متناقضاً أحياناً، وذلك فيما يريد أن يحقق التجانس بشكل كلي بين الشخصية الدرامية وشخصيته من حيث السلوك من الناحية النفسية وحركات جسده فيزيائياً، لينتج من هذا المزج سلوك وأفكارالشخصية الدرامية. وربما لا يحدث مثل هذا، وإن حدث فيتحدد بنسبة معينة، فالممثل يستطيع أن يتبنى مشاعر الشخصية التي يؤديها بشكل مغاير لمشاعره، ولكن ليس بشكل كلي، فحينما يضحك ينقل عدوى الضحك إلى الجمهور فيضحك معه، أو حينما يبكي يبكي معه. فـ "المسرحية تحاكي واقع تقديمها كواقع معاش بين بشر يحملون مخيلة قريبة إلى مخيلة الممثل"( ).
فالأقنعة التي يلبسها الممثل قديماً بأشكالها وقسماتها الجامدة غير الواقعية تؤسلب أدائه ولا تجعله واقعياً، وهذه هي بواكير المسرح الإغريقي، آخذاً بالتدرج من الطقوس الدينية واحتفالاتها إلى العروض المسرحية التي نشهدها اليوم. الممثل في عصر التراجيديات وفي المسرح الإغريقي على وجه التحديد، لايظهر من وجهه شيء، حيث كان يتقنع وقد شكل ذلك عائقاً، بحيث منع القناع تعبيرات وجهه من الظهور، فبقيت مستترة ولايستطيع الممثل أن يعبر عن عواطفه، إلا فيما يظهره شكل القناع ان كان فرحاً أو حزيناً. فشكل القناع الجامد يعيق تعبيرات وجهه، وقد يلبس في المسرحية الواحدة عدة أقنعة، ولم " تكن جميع هذه الأقنعة متشابهة، وإنما كانت مصنوعة بحيث توحي بالتعبيرات التي يتميز بها الفرد. وكان بالإمكان تغييرها عند الضرورة، وكانت هذه الأقنعة تعني، بالطبع، عدم تغيير الممثل لتعبيرات وجهه وهوعلى المسرح."( ) ولكن القناع الذي يلبسه الممثل المعاصر يظهر تعبيرات وجهه، لأنه صمم بطريقة مختلفة عن الطريقة الإغريقية، حيث لم يكن جامداً، وإنما كان مرناً بمرونة عظلات وجهه، أو يصنع من الأصباغ كما في المهرج. إلى جانب القناع هناك الحذاء العالي الذي يلبسه الممثل الإغريقي، ليبدو طويلاً، ولكنه يقلل من حرية حركته، وبهذا التضخيم يبرز الممثل، ويكون واضحاً أمام الجمهور. لأن المسرح الإغريقي مسرح ضخم يشبه تماماً الملعب الرياضي في العصر الحديث، لذا يلجأ الممثل في ذلك العصر إلى القناع الضخم والحذاء العالي لكي يتناسب طردياً مع حجم المسرح. فشكل الممثل مؤسلب كذلك ما يطرحه المسرح من أفكار وقضايا تنتمي إلى التفلسف أكثر من انتمائها إلى حوار واقع الحياة التي يعيشها الممثل، وطرح مشكلاتها التي يعانيها مع المتفرج. والمسرح حينما تم انفصاله عن الطقوس الدينية، فصار مسرح محاكاة، ليس للواقع وإنما لأبطال الأساطير والآلهة وأنصاف الآلهة والملوك والأباطرة. والتجسيد عبر أحداث درامية لا تقترب من الحقيقة والواقع. هناك مسألة مهمة في عمل الممثل ألا وهي عملية الخلق أي التجسيد، وهذه ليست بالعملية السهلة، فهي تحتاج إلى تمارين على مستوى النفس داخلياً، وعلى مستوى الجسد خارجياً. الممثل بهذا الشغل الذي يقع على عاتقه أنه يريد أن يلعب. ولا يصنف عمل الممثل إلى (العمل)، وإنما إلى اللعب كنوع من أنواع اللعب وهي (حرفة) تنطوي على قدركبير من المتعة والغموض. وهي" وظيفة التعبير والاداء الفني سواء بواسطة الحركات او الاشارات او– خطو – الممثل امام المتفرج وتشكيله لخطوط وجهه وصياغته لكلامه المؤدى بلهجة ونبرة خاصة ليرسم من ذلك كله دوره الذي لا يكون بمعزل عن موقف هذا الممثل من قضايا عصره وهذا ما يصبه في سبيكة – طبائع – الشخصيات التي يعالجها فوق الخشبة"( ). عن طريق المحاكاة، وهي كمفهوم يحيلنا إلى منطقة التقليد، ولهذا استبعد الممثل عن جمهورية (أفلاطون) لأنه يقوم بالتقليد، فهو يقلد واقع الحياة، والحياة وفقاً لـ(نظرية الأشكال) تحتل مكانة ثانية بعد الحياة الأصل. لهذا يصبح التمثيل تقليد التقليد، وهنا يكمن خطره من وجهة نظر (أفلاطون) بوصفه فناً أدائياً لا ينتمي للحقيقة في شيء وإنما للوهم وطبيعته الخاصة هي التي تجعله خطراً.( ) ولكن في الحقيقة المحاكاة أعمق من هذا، فالمحاكاة هي محاكاة الأحساس الداخلي، فضلاً عن المظهر الخارجي، وهي عملية إبداعية تكشف عن حقيقة الإنسان، والمحاكاة أصبحت تنطوي على ما نسميه بإعادة تصوير الحياة على المسرح. يقع على الممثل العبء الأكبر، حينما يبدأ بتجسيد الشخصيات، وأيضاً حينما يعتمد على لغة جسده دون لغة الكلام، فالكلام في رأي الباحث: قد يوقف التعبيرالجسدي، والانتماء إلى نمط محدد من التعبير الأدائي. إن أهم ما يميز المسرح في العالم الغربي، هو أداء الممثل. فالممثل معني أكثر من غيره في المسرح على وجه التحديد يريد من جسده أن ينتج لغة بصرية. أن جسد الممثل يعمل على أسلوبين مهمين هما: الأسلوب التعبيري، والأسلوب التشكيلي، فالممثل في هذين الأسلوبين يجسد الكثير من المعاني التي يفصح عنها النص، ورؤية المخرج، والعمل بالأسلوب التشكيلي حينما يتعامل الممثل مع عناصر السينوغرافيا، وإمكانية تحويل الفضاء إلى كيان جمالي .
صار المسرح في العالم يعتمد اعتماداً كلياً على حركة الممثل، فهي اللغة التي يفهمها العالم في كل مكان، وصارت لها قوانين وأنظمة تعمل على أساسها، فجسد الممثل يشكل المساحة الواسعة في الابداع المسرحي، ويصبح هو العالم إذا جاز لنا التعبير. "ان تقاليد مهنة الممثل استندت الى خبرة تاريخية لصياغة هذه اللغة الجسدية واللغة الكلامية منذ فرونيخوس وثبس وحتى روسكيوس الممثل الروماني الكوميدي ونظيره التراجيدي "ايزوبوس" وحتى عصر النهضة "( ). ففي عصر النهضة، كانت الحركة انعكاساً لما يقوله الممثل. فلم يكن الأعتماد على الجسد بوصفه أداة تعبيرية، وإنما أعتمد على حسن الإلقاء وفخامة الصوت بالدرجة الأولى. وقد برز مسرح كان مغاير لما هو سائد في هذه الفترة، اعتمد الحركة بشكل أساس، كما في المسرح الشعبي، الذي اعتمد الرقص والإيماءة والارتجال، متفقاً مع أسلوب عروض كوميديا دي لارتا، وعروض ما يسمى بمسرح الأسواق. حيث "يرتكز فن المسرحية في الكوميديا ديللارت على عملية المونتاج وعلى دمج مختلف أوجه المعرفة والتكنيك المتعلق بالعرض المسرحي"( ). التي اعتمدت جميعها على الحركة الجسدية والأرتجال، لتحقيق لغة العرض المسرحي. فالارتجال في كوميديا دي لارتا يعرفه (فرديناندو تافياني) بانه "فن الخلق في نفس لحظة التنفيذ. هو في الواقع مسألة ذاكرة وكانت الأكاديميات الإيطالية تعمل على تنمية ذلك التكنيك وتقيم مسابقات شعرية وخطباً ارتجالية حول مواضيع غريبة ولا تخطر على بال أحد"( ). الممثل أمام مسؤولية كبيرة حينما يدرك أن عملية التجسيد والتقمص والمحاكاة مهمة في غاية الصعوبة، حينما يتقن دوره أمام المتفرج وأمام الممثل الذي يشاركه في أداء الشخصية الآخرى في العرض، ومن ثم إرضاء لنفسه التواقة للإبداع والخلق. وللممثل فعله الذي يحركه في صياغة الأحداث، حتى نهاية المسرحية. فحركة الممثل على الخشبة هي تخصص قائم بذاته، ينظر إليها بعلمية وما تحتويه من تقنية بلاستيكية حيث "تستند حركات الممثل إلى حركاته ذاته تلك التي يعبر بها عما يعيشه، حيث انه يلمح باشاراته وحركته عما يعتمل في داخله وعند الآخرين ويكتشف تلك الحركات منهم ومن نفسه ويحاول تطبيقها على الدور المكلف به ومن مجموع هذه الحركات يتألف الدور"( ) فالممثل كتلة متحركة بأطرافها وأعضائها ومجمل حركاتها تنتج مدلولات ورموزاً مجردة وغير مجردة يستنطقها العرض المسرحي.
حتى حلول نهاية القرن التاسع عشر، بدأ الاهتمام بالجسد من قبل المسرحيين وشكل لديهم المحور الأساس في مجمل أعمالهم المسرحية، واستحوذ على اهتمامهم حتى يومنا هذا. إن كل فن سواء كان الفن المسرحي، أو التشكيلي، أو الموسيقي، فلابد أن يستقل بخصوصياته ويحضى باستقلاله، طالما تتوفر له وسيلته التعبيرية الخاصة به. لذا فإن الحركة الجسدية في عدد من الفنون حققت فيها طابع الاستقلالية ومنها الباليه والكوريغراف والبانتومايم. وجميعها تعتمد الحركة الجسدية وسيلة تعبيرية.
لقد أصبح الاهتمام بالجسد وتعبيراته وتقنيات أهم مميزات الأداء التمثيلي في العصر الحديث، ولقد توسعت منابع واتجاهات حركة الممثل، "يقوم باستخدام، أشكال، طرق عمليات، سلوك، حيل، خدع وأشياء ظاهرية أخرى نسميها بالتكنيك. إن التكنيك هو ما يميز عمل الممثل وله وجود في كل التقاليد"( ). لهذا بدأ المسرحيون يدرسون تشريح جسد الممثل، والطاقة الكامنة في أدائه، وتكنيكه الحركي والتعبيري، ويّنظرون له حتى يتم توظيفه للعمل المسرحي. فالحركة وتشكيلاتها صنفت كنظام متكامل، وحددت مراكز القوى في الجسد،"والوضعيات التي يأخذها أثناء الأداء وحركته في الفضاء وقربه وبعده عن أجساد بقية الممثلين وعناصر المكان"( ).
فالممثل تسبق وجوده على المسرح مراحل متعددة، أبتداء من البروفات والتدريب للحصول على ضبط مقنع لدوره، ومن ثم وصوله إلى إتقان الدور والصعود على الخشبة أو أي منصة أخرى للعرض، ولقد كيّف نفسه وجعلها مطوّاعة للأداء ، ولقد سيطر على مراكز القوى والتوازن في الجسد، وهو يستثمر طاقته الابداعية التي تحرك جسده. فالأنثروبولوجيا اهتمت بموضوع الجسد بشكل خاص، وأيضاً عَدّته المنطلق الأساسي لإحياء عناصرالطقس واللعب والفرجة التي تعد جوهر المسرح. فالمتفرج جاء للمسرح لكي يرى، لا لكي يسمع، لأن المسرح يعني العرض لمجموعة من الناس، حيث أن كلمة العرض تقترن بالمشاهدة. لقد استمدت مناهج إعداد الممثل علوم الحركة والوضعيات حتى أصبح التدريب الجسدي للممثل من أساسيات الحركة التي لها علاقة بالأنواع المسرحية وأشكالها، فلقد أصبح من الممكن تعلم الوضعيات المختلفة للحركة حتى يتمكن الممثل من أداء أصعب الحركات على الخشبة، وخلق أي صورة من الجسد وحركته التي يتطلبها العرض المسرحي. ولاسيما أن الحركة تمثل العنصر الأكثر وضوحاً بالنسبة للمتفرج ، فهو قادر على مشاهدتها من بعيد ويدرك مغزاها. " كذلك قد ندرك يقينا أن كل حركات المؤدى وإيماءاته قد تم التدرب عليها من قبل وأن نبرات الحزن والفرح في صوته لا تعدو أن تكون تمثيلاً"( ).
ولكننا وبتأثير فعل المشاهدة نعتقد أن ما نراه هو الحقيقة وليس تمثيلاً، كما في تصورنا الدائم عن خاصية المسرح. والصورة المرئية هي جسد الممثل ، كوسيلة تعبير يتمخض من خلالها العرض الصامت ( البانتومايم ) كشكل مسرحي قائم بذاته. إذ لايستخدم "التمثيل الصامت اية مناظر ولا اية متممات ولا وسائل اخرى. والوسيلة الوحيدة التي يستخدمها للتعبيرهي جسم الممثل مسوقاً بأفكاره وعواطفه"( ).
ولقد تم تطويرجسد الممثل ليشكل مع اليسنوغرافيا علاقة مشهدية متجانسة ومتكاملة فالصورة المسرحية المتكاملة هي الفن المركب من تقنية الاخراج وعناصر السينوغرافيا، وللممثل حرية كبيرة لحركته التعبيرية، حينما يطلق العنان لإبداعه الخيالي عندما يصبح شيئا آخر يسمح له بالتعبير عن عواطفه. فمثلاً حينما يجسد شخصية (عطيل)، فهو عطيل، بملامح الممثل نفسه، ويظهر لنا الحالة النفسية المضطربة والغيرة العمياء التي تقوده في النهاية إلى القتل. الممثل هو مبعث الحياة على الخشبة وذلك من خلال خلق شخصيات درامية يرسمها النص على الورق، فيقوم الممثل بانتشالها من الموت ليضعها حية على الخشبة، في العرض والمشاهدة العيانية لتدب في تلك الشخصيات الحياة، فالمادة التي يمتلكها الممثل ليحيل النص إلى عرض هي الفعل فمن خلال الفعل تتجسد الشخصيات، ومن خلال الفعل أيضاً يخاطب المتفرج والممثل وهو العنصر الذي يحرك جميع العناصر الأخرى حال ظهوره على الخشبة وهو الوجود الحي الذي يدعم من قبل العناصر السينوغرافية لتبرز حضوره وأداءه وتعمق من أفعاله، فعمل الممثل ليس بالعمل الهين، بل عمل شاق ينتسب إلى نوع من "الشجاعة الفائقة التي تجعل الممثل يعرض أمام أعين المتفرجين – نفسه وذاته الممتزجة بتلك الروعة والتواضع"( ). هكذا هوصف الممثل عند (كانتور) عندما يؤدي وظيفته على الخشبة دون تردد، أو خوف إلا أن الممثل ظل يحاكي حركة الآخر في الواقع للإيهام بالطبيعية ومن هذا الإيهام تمخض عن ولادة التعبير الجسدي المعاصر، الذي يشغل الفضاء بحركته، لتصبح هذه الحركة رؤيا معبرة تنتج من خلال تعبيراتها صور متعددة تشكلها السينوغرافيا. بدأ جسد الممثل يتحرر، ربما لأنه صار يبتعد عن كل ما كان يقيده، والانفتاح على الرقص التعبيري (الدراما دانس) والتطور في التمثيل الصامت (البانتومايم)، هذا من جانب، ومن جانب آخر، هو الابتعاد عن التقاليد الصارمة التي تسيطرعلى مجمل العلاقات الاجتماعية، والقيم الدينية التي تحد من التحررللجسد، فصار الابتعاد عن هذه القيم يحقق هذا التحرر، فالممثل يتحرر نحو الميل إلى الفعل. "كما يؤكد ستانسلافسكي فإن الشيء الرئيس في فن الممثل لا يكمن في الفعل ذاته، بل في نشأة الميل إلى الفعل نشأة طبيعية. فهذا الميل هو بالضبط نصف الموهبة وهو الجذر الأصلي لما تعارفنا على تسميته بالحضور: أي قدرة الشخص على أن يكون مؤثراً ومحسوساً بين الآخرين عند كلامه أو حركته أو حتى مجرد ظهوره بينهم ولو صامتاً!"( ). الواقع هناك متعة في إدراكنا لوجود الممثل على الخشبة يمارس لعبة التمثيل – التقمص والمحاكاة، تولد هذه المتعة الاحساس بالجمال. "إن احسن دراسة للدور هي التي تتم تدريجياً، وعندما يحاول الممثل تحضير الدور فإن عليه أن ينقل تعرفه للشخصية بأقل قدر ممكن من المشاركة الروحية مكرساً أكثر الأساليب ملاءمة للبحث عن الحركات الفيزيولوجية المعّبرة عن الشخصية، واختيار ملامح الشخصية بشكل تدريجي يساعد الممثل في مهمة التغلغل إلى أعماقها مما يمكن الممثل من كشف علاقة الشخصية بالعالم الخارجي."( ).
فالممثل له طريقتين في أداء عمله: الطريقة الأولى يؤدي الشخصية من الخارج معتمداً على براعته الجسدية، فيجسد الشخصية من خلال الحركة، والطريقة الثانية: هي المحاكاة أي أن يعيش الدور بمشاعره بحالاته النفسية، " فهو يفعل هذا ابتغاء الوصول إلى فهم أعمق لطبيعة النفس البشرية بمعناها الكلي، فنحن في الأغلب نقف أمام المرآة لا من أجل الهروب من أنفسنا، بل من أجل مواجهتها،"( ). يرتدي أقنعة الشخصيات التي يجسدها، والممثل قد عمل بهذين الطريقتين، أن الممثل هو في الأساس جسد وروح، فمن خلال الجسد يخلق الممثل الشخصيات من الخارج، ومن خلال الروح يخلق(الحالات النفسية) ويكون حاضراً فيها وعيه وعقله. وقد يتلاشى الخط الفاصل بين هذين الطريقتين ليصبحا حالة واحدة. كذلك فإن الصدق الفني والصدق الحياتي يتداخلان معاً، فيتمخض السؤال الآتي: أيهما أكثر ثبوتاً وترسيخاً الفني أم الحياتي؟ ويرى الباحث أن الصدق الفني في الحياتي، والصدق الحياتي في الفني. " إن هذه الظنون، أو الظلال السلبية حول الفعل التمثيلي التي تنعكس بصورة واقعية في العقل العاجز عن إدراك الفاصل بين الصدق الفني والصدق الحياتي أي عند استحالة فهم وقبول حقيقة المفارقة التمثيلية تتعلق بما يضمره هذا الفعل التعبيري، بل وما يفصح عنه فعلاً "( ).
لذا فإن جميع شخوص المسرحية ابتداء من الممثل الرئيس وحتى ممثل الكومبارس يشكلون كل في مجال ادائه قوة، فالإيماءة والحركة المنمطة غير كافيين، إذ إن أهم ما في اداء الممثل هو معايشة الدور، وإعطاء التصورات عن الشخصية الدرامية، ولقد أصبح إعداد الممثل للتدريب جسدياً، لكي يستطيع تطويع جسده لكل دور. " فمشكلة الممثل ليست في جسده ذاته بما هو عليه طبيعياً، ولكنها في جسده الثاني : ذلك الجسد العارض المتحول الخارج عن ذاته، الجسد الإيهامي القادرعلى إقناع المتفرجين كافة أنه ليس هو، وأنه أيضا ليس الصورة الوحيدة للشخصية التي كتبها المؤلف"( ).
إن جميع المصممين للعناصر السينوغرافية تبدأ أهدافهم أولاً في نجاح العرض ومن ثم إبراز دور الممثل في العرض، لأنه يمثل هدفهم الأساسي. الممثل على المسرح يصيغ خطابه من خلال الشخصية التي يجسدها. " فيما يتعلق بأداء الممثل فقد كان هنالك وما زال مدرستان: في الأولى منها يجهد بعض الممثلين لأن يظهروا بقناعهم وأسلوب حديثهم مختلفين تماماً من دور لآخر، وفي المدرسة الثانية يحاول الممثلون على العكس أن يتصرفوا بشكل يمكن معه معرفة أصواتهم ووجوههم من تحت القناع ولذلك فإنهم لا يكثرون من المكياج"( ). فالتقنيات الجسدية للممثل، وحركته على المسرح، أهم ما يشغل الممثل في الولوج إلى الشخصية وفعلها الدرامي. فمن خلال المشاعر والأحاسيس التي يمتلكها الممثل ويحياها في الواقع الذي يعيش فيه، هي نفسها الذي يمنحها كأداء داخلي للشخصيات التي يجسدها، رغم أن لكل شخصية من تلك الشخصيات أبعادها الخاصة، ويتميز ممثل عن آخر وذلك من خلال عملية التجسيد والتأكيد على فعل الارتجال الذي يمنح الممثل العفوية والتلقائية " ويحتل الانتباه الداخلي طبعاًَ المقام الأول من الأهمية في عملنا، لأن القسم الأعظم من حياة الفنان على الخشبة وفي عملية الإبداع، إنما يجري في مجال التخيل الابداعي والفكرة المبتدعة والظروف المقترحة المبتكرة، ذلك كله يعيش على نحو غير مرئي في روح الفنان، وهو في متناول انتباهه الداخلي فقط "( ).
إن كل ما يؤكده (ستانسلافسكي) في طبيعة عمل الممثل ينصب بالدرجة الأولى على ما يعتمل داخل الممثل، حتى يصل به إلى إحراز النجاح في كل تجربة يخوضها في مضمار العملية الإبداعية، ولكن ليس من الحق أن نوعز نجاح العرض للممثل فقط وإن كان هو من يتحمل العبء الأكبر من مجمل العملية الإبداعية، إلا أن العملية الإبداعية عملية متكاملة تتمخض عنها القيمة الفنية ومجمل إبداعات الآخرين والمشاركة الحميمية بين المسرح والمتفرج. فالممثل من خلال جسده وصوته يوصل للمتفرج مضمون العرض. ولقد برزت أداءات جمالية وتعبيرية لحركة الجسد، كما في الكوريغراف وتطوراته السريعة. " الخطوات تترتب في حركة واحدة دائرية تحيل الجماعة إلى كيان منسجم لاتفصل بينه أية فروق أو عوائق"( ). وذلك للانفتاح على الحركات الأخرى مثل الرقص التعبيري( الدراما دانس )، والعرض المسرحي، والباليه والبانتومايم، وغيرها من العروض التي تعتمد الجسد كلغة تجريدية أو تعبيرية في المسرح الحديث، إن مركز الأداء عند الممثل هو جسده ونفسه وإذا تعلق بالجسد فقط فيُعدُّ مجرد تقني أو ما يشير إلى إنه مصدرالطاقة عند الممثل، وتركز ذلك من الناحية العملية في حضورالممثل، "فالممثل في اللحظة الاكثر انفعالية من خطابه الذي كان مصحوباً بالحركات، يتوقف عن الحركة ويكتفي بالكلام أو العكس يتوقف عن الكلام ولا يعبر عن انفعاله الا بالحركة. وقد تستخدم هذه الوسائل أحياناً في حالات مختلفة لا يوجد فيها تصاعد في التعبير الانفعالي"( ).
جسد الممثل هو المادة العيانية، بالنسبة للمتفرج، ويحقق حركته في الفضاء، وهو يمتلك لغة، وحامل خطاب للآخر، ومعبر عن الذات وفي حركة متدفقة متجلية عبر تواصلها، ولها الرغبة في تحقيق حضورها المادي لنظرة المتلقي، من خلال الابتعاد والتقرب والنفور في الفضاء المسرحي. " يمكن أن نميز بين اتجاهين ومجالين من العمل مختلفين: من جانب هناك الممثل الذي يعمل ضمن طريقة منهجية لبناء العروض المسرحية التي تعتمد على شفرات ثابتة (codificato) ومن جانب آخر هناك الممثل الذي يعمل على إيجاد (خلق – المترجم) وتثبيت طريقة حضوره في كل عمل منفرد جديد، محاولاً تحاشي الوقوع بتكرار ما قام به العرض السابق"( ).
حركة جسد الممثل هي جوهر التعبير في العرض المسرحي، ولهذا انطلق المسرح لتتبلور نظرة جديدة لجسد الممثل من خلال تأكيد حضوره الإنساني، وشكله وحركته لنظرة المتفرج، لقد حجب جسد الممثل بالأزياء وقد أثقلت من حركته، والباروكات والأصباغ السميكة على وجهه، ولقد استعبدته النمطية، ولم ينل مكانته وممارساته بالفعل العفوي الطبيعي. "وبتأثير من النظرة الأخلاقية والدينية التي تعتبر أن حرية الجسد خطيئة وأن الفنون الجسدية فيها امتهان للكرامة الإنسانية، وبتأثير من النظرة الجمالية التي اعتبرت ان الكلمة والفكر وكل ما يأتي من الراس أبولوني وجدير بالاحترام، في حين ان كل ما يتربط بالجسد والغرائز ديونيزي النزعة ومنحط "( ). لقد حدد الجسد قديماً تبعاً للأعراف الاجتماعية والتابوات الدينية وقد أهمل لمدة ليست بالقصيرة، لكن عصرنا الحالي هو الذي منح الجسد الحرية التي أخرجته من التقوقع ومن كل التبعات التي كانت تكبله. لذا ينبغي على الممثل أن لايعمل بنمط واحد ، أو تبني أسلوب معين محدد، وإنما عليه أن ينفتح على جميع الأساليب والأنماط ، حتى لايكون قاصراً في أدائه بحيث يستطيع أن يحاكي أو يتقمص شخصيات شتى بمختلف المستويات والمزايا هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، تقوم دراسته على استيعاب النص بشكل دقيق، حتى يدرك ما وراء السطور، ورسم معالم الشخصية وملامحها بشكل دقيق، عارفاً بعمق أبعادها والفعل الرئيس للمسرحية والفعل الذي يحركه إلى سلسلة المشاهد. وحركة الممثل "تقوم على أربعة أسس هي الفضاء والجهد والانسجام والحساسية، التي تنشأ عن الأشكال الثابتة والمتحركة"( ).
فالحركة هي أساس التمثيل وما تترجمه هذه الحركة من ديناميكية للشعور النابع من الممثل، والنظر إلى هذه الحركة بكل أبعادها، وبعلاقاتها سواء مع الفضاء المسرحي وبكل ما يحيط بها، وبعلاقتها بحركة أجساد الآخرين. لقد استطاعت الأفكار، ومجمل النظريات سواء التي جاءت عن تجارب، أوكانت نظريات مجردة، فهي تصب باتجاه العمل الفني، والارتقاء به إلى مرامي التعبيرية الدرامية، دون أن تلغي أو تزيح ماهو كلاسيكي بشكل نهائي، فالعروض المتنوعة استطاعت أن تجمع بين أشكال الرقص وحركة الجسد على المسرح، وفي الوقت نفسه استطاعت أن تخلق شكلاً هجيناً، ليس مسرحاً خالصاً، ولا رقصاً خالصاً، وهو نوع من الفنون تخص الحركة الجسدية والرقص التعبيري، ويطلق عليها مسرح الجسد. "وقد تنوعت توجهات مسرح الجسد. بين مسرح يرفض الكلام أو يكون الكلام فيه تعويذة أو رقية سحرية أو نوعاً من الصراخ والأصوات غير المفهومة"( ).
أن التنوّع في جميع أشكال المسرح هو إغناء للمسرح ككل، وهو منظومة تعبيرمؤثرة يتجاوز فيه الكلام مع حركة جسد الممثل، أو نجد في حركة جسد الممثل ما يغني عن الكلام، أو العكس، "إن جسد الممثل وحركته ينبغي أن تأخذ شرعيتها من كل مسطح، ومن كل شكل وصيغة، من كل خط تبنيه خشبة المسرح. فالحركة تتوالد في حركات متتالية، تخرج من شخصية لتدخل في نسيج وداخل حركة الشخصية الأخرى"( ).
فالتمثيل هو تصوير وخلق ومحاكاة للواقع، أي إن الممثل يمتلك القدرة على صياغة الحياة على المسرح، والمتفرج يدرك على وجه الدقة من خلال فعل المشاهدة أن العرض يعنيه ويشكل جزءاً من حياته أو بعبارة أخرى هناك معانٍ من حياته تشكلها الصورة التي يراها. بفاعلية وديمومة الحياة ذاتها التي تحدث بشكل علمي ومحسوس.( ) لهذا فالتمثيل يبنى على أساس الفرجة، وعلاقة الممثل بالمتفرج لن تنفصم أبداً، لأن أساس العلاقة هوالعرض، وهو الذي من خلاله يجتمعا وفي نهايته يفترقا. فالمتفرج هدفه أن يرى العرض، والممثل أن يبدع في العرض. " والحقيقة أن الممثل لا يخدم أحداً، إنما نحن جميعاً نقوم على خدمته. لأنه هو الشخص الوحيد القادر على تجسيد التصورات والمقترحات في بناء المشاهد من خلال موهبته وقابليته وقدرته"( ). فبجسده وصوته وإيماءاته، يخلق صوراً مسرحية حية، يلتقطها الآخر، المتفرج وفي تواصل مستمر حتى اسدال الستار وتحقيق المتعة للطرفين. لقد استمد الجسد حركاته وسكناته من خلال مرحلة تاريخية طويلة قد مر بها وأيضاً مرحلة التجسيد التي يتميز بها لكنها لا تنتسب إلى قانون ضبط لإشكالياته الحركية. لذا فهي تبقى مفتوحة لتأويل واجتهاد وتصورات الآخر المعني بالمشاهدة. " فالخلق الفني ينتمي الى ما وراء العقل أو ما هو فوقه. لحظة اشراقية عليا يتصل فيها بالحقائق ويكون الفنان حالاً فيها ثم تدلهم عليه حواسه ويتسيد عقله من جديد ويرجع الى حالة الإملاق . فالابداع ليس كالجنون حالة دائمة لا رجعة فيها الى التعقل والعقلانية"( ).
وقد تأتي للممثل لحظات يتوهج فيها، فيسمو، ومن ثم يعود إلى حالته الطبيعية. وقد تتسيد عليه تلك اللحظات، فتجعله يبدو غير طبيعياً، ربما هي هذه الحالة التي نصف فيها المبدع بالمجنون، والممثل هو حلقة مهمة من حلقات التجلي للعرض على صعيد الرؤية الاخراجية. فجسد الممثل في مشاركة عناصر السينوغرافيا تنبثق من هذا التمازج لغة بصرية. هي لغة العرض تقيم مرتكزاتها على نظام تعدد الأصوات، وهذه التعددية الخاصة بالفن المسرحي هي التي تميزه عن الفنون الأخرى كما تسمح لمشاهدين من أذواق واهتمامات مختلفة أن يفهموا نفس العرض.( ) والجسد يثري بدلالاته المقروءة بصرياً فالممثل على خشبة المسرح، يتكيف ويتآلف مع جميع مفردات العرض، بوصفه الشخصية المجسده لا أن يكون هو الممثل، وهي لحظة إبداع تحقق له أن يغيب ويخرج من نفسه، ليحضر ويدخل في الشخصية الدرامية، فيقوم بالتقنع والتنكر، ويغير من صوته طبقاً لصوت الشخصية التي يجسدها. ويتخذ أسلوباً وحركة تختلف عن أسلوبه وحركته في الواقع. بالرغم من هذا، والممثل يبقى محتفظاً بشيء من ذاته، ولم يكن ذوبانه في الشخصية التي يؤديها بالكامل، فهو والشخصية التي يجسدها تبقى في ميزان متأرجح، " إذ تبدو حالة العرض كأنها خروج من الشيء الملموس، أي الوجود المادي الحاضر للشخص الممثل، وفي الوقت نفسه دخول قصدي إلى الصورة الخيالية لشخصية أخرى. وكأنها- أيضا- عملية انقطاع عن الذات فيما يشبه الغيبوبة المؤقتة"( ) والمتفرج يدرك ما يحدث للممثل على الخشبة بوضوح، ويقوم بسد الثغرات التي يتركها له، ويحاول جاهداً أن يعززها بتصوراته وتوقعاته، فالمتفرج يبحث دائماً عن علاقة وطيدة تجعله قريباً من شخوص المسرحية التي يشاهدها. وهو بهذا يرى الممثل ويشعر بما يعتريه من مشاعر على الخشبة. فالممثل " لا يمكن له بأي حال من الأحوال أن يتمثل نفسه تماماً في شخصيته المسرحية، واننا لا نستطيع أن نرسم خط مساواة مابين الممثل والشخصية التي يؤديها وأن الملابس والقناع وحركات الممثل ليست الا علامة تدل على الشخص الذي يمثل"( ). فهو ليس أداة مجردة تخلو من الشعور والاحاسيس، وهوالحامل لأفكار المؤلف (النص)، إلا أنه بقي محتفظاً بأفكاره هو وبذاته، ولايمكن أن يكون آلة صماء لاتعي ماتقول، أو دمية تحسن التحرك واللعب." إنه قبل كل شيء نفسه، ممثلاً، وشعوره مرهف بوجوده الأولى، وبمضمون هذا الوجود الإنساني. فليس الممثل نسخة وفية، ولا هو إعادة إنتاج لأدوار قرر أن يمثلها، ودائماً – وبدون انقطاع – هو على وعي بأقدار هذه الأدوار، ومواقفها الذاتية"( ).
فقدرة الممثل على المحاكاة هي أول المفاتيح للدخول للشخصية، سواء بجسده أو بصوته، قد يبدو ذلك صعباً في بادئ الأمر، ولاسيماعندما يلتزم موقفاً إنسانياً، لكن بعد أن ينحت الشخصية بداخله تصبح القضية في منتهى السهولة، فما " أسهل أن نحاكي ونقلد بالصوت، أو بالجسد أنموذجا ما، لكن من الصعوبة بمكان أن نعبر خلال طريقة محاكاتنا هذه عن موقفنا من الحياة والإنسان. إن التمثيل والتقليد ينتمي إلى الحرفة وليس إلى الإبداع"( ). وهي عملية قد تبدو سهلة لكنها منتهى التعقيد عند الممثل، لكنها موجودة عند كل إنسان حينما يقوم بمحاكاة مثال له، تأكيداً على ذلك أنها عملية إبداعية تكشف عن حقيقة الإنسان. بكل ما ينطوي عليه من نوازع وغرائز وسمو، والفن هو الذي يكشف كل هذا أمام الجمهور. قد تكون استجابة الجمهور للممثل هي واحدة من القضايا التي تشغله بالدرجة الأولى. فالعملية التواصلية التي تتم بين الممثل والمتفرج، وهذه واحدة من أساسيات فن المسرح والعمل عليها دائماً، فيقوم الممثل بإيصال ما يمكن إيصاله للمتفرج، الممثل صاحب رسالة، وهو أداة إرسالية تبحث دائماً عن مستقبل لها هو المتفرج الذي جلس في الصالة ليشاهد ما يعرض أمامه. "وللتواصل المسرحي خصوصية يتفرد بها عن سائر النشاطات التراسلية الأخرى وهي استحالة عزل علامة ما وعَدّها وحدة دلالية صغرى، لأن كل مقطع دال مهما كان صغيراً، هو عبارة عن شبكة من العناصر العلامية التي تتخذ في دلالاتها قنوات تواصلية مختلفة (سمعية وبصرية) ترتبط بقوة مع منظومة العرض العلامية (الإضاءة وتشكيل الفضاء، حركة الممثل، المناظر والملحقات)."( ) فجسد الممثل وحركته على المسرح، يشكل مع السينوغرافيا الصورة. فالمتفرج لايرى الممثل أحياناً، وإنما يرى ما رسمه للشخصية التي تقمصها في حدود خياله وإبداعه. وعليه أن يستعمل خياله باستمرار، لكي يبني الشخصية التي يريد تجسيدها، مع بحثه الدؤوب عن كل ما ينطبق عليها أو ما يتعارض معها، ففي أدائه للدورعن طريق خياله وذاكرته الانفعالية، لاكتشاف ملامح الشخصية داخلياً ثم تكوين صورة دقيقة، تتطابق ولو حتى بشكل نسبي، مع عالمها الخارجي. فالممثل على الخشبة يلقي، والإلقاء يعني أن تكون للجمل المعاني الحقيقية، ولكن يأتي هذا بعد الأهمية التي يحوز عليها الجسد وحركته على الخشبة من قيمة، أكثر من قيمة الكلمة، "فالكلمة تأتي في المرحلة الثالثة: الحركة أولاً، ثم الفكرة، وبعد ذلك الكلمة"( ). حينما يهتم الممثل بحركته البلاستيكية، يجعل المتفرج ينصت إلى ماتقوله نفس الممثل فجميع الحركات والأوضاع التي يقوم بها الممثل تؤكد أن المتفرجين يقرأونها رغم الصمت، فالصمت أحياناً يسمو على اللغة الكلامية، وهو لغة قائمة بذاتها ، فالكلام على المسرح لايستطيع أن يقول كل شيء. حركة الممثل وصوته على المسرح يقومان بتحويل الشخصية المتخيلة إلى شخصية مجسدة من لحم ودم، أي أن بهذا التحويل يتم بعث الحياة على المسرح، ولهذا نجد أن " الحوار ليس فعلاً، وبالتالي لا يمكن اعتباره من أدوات التعبير في المسرح، فالكلام لايُلمس ولايُرى وبالتالي ليس فعلاً مرئياً، في حين أن الدراما فعل يشاهد action، وعليه لا مكان للكلمة المجردة – التي تموت حين قولها – في الحياة وعلى المسرح، أما الذي يهمنا فهو الممثل (الفاعل) الذي يقول الكلمة التي تموت ويعزز المعنى بالفعل الذي يبقى أمام النظر كـ (شاهد عيان)"( ).
فالممثل قبل أن يقرأ النص بعمق، حتى يستنبط الأفعال والأنفعالات، لا بد أن يكون على دراية تامة بإمكانية جسده الحركية والتعبيرية، ومن ثم يطلق العنان لخياله، ليعطي التصورات حول الشخصية الدرامية التي يريد تجسيدها . فقراءة النص بالنسبة للممثل بشكل دقيق يجعله يسهم في عملية الإخراج، وقد يغني رؤية المخرج بتصوراته وأفكاره،" ويكتشف عالم ما وراء الحوار، يكتشف اللغة الحقيقية بين الكلمات المكتوبة في النص الأصلي، وهذا هو الأصل في خلق نصه الشخصي"( ). بمعنى أنه يستطيع أن يتخذ من نص المؤلف نصاً آخر، يكتبه بجسده على المسرح. فاللغة هي التي ترسم التصورات التي تقود إلى العرض، من النص ينطلق الممثل نحو العمل على حركته وسبر غور اعماقه، ليكتشف الخبايا والدوافع والاقنعة التي سوف يرتديها في العرض أو يخلعها ليظهر كوامن نفسه المستترة للمتفرجين. لهذا فهو " العنصر الديناميكي المتحرك في التشكيل يتفاعل مع مكونات العرض البصرية بأسلوب الأداء الاندماجي ويتعامل مع كافة هذه العناصر وكأنها جزء لا يتجزأ من الحياة بهدف خلق متلقٍ يعتمد الهدوء والاستسلام الذي ينتج بدوره لذة جمالية مبنية على التوافق بين التشكيل الطبيعي من جهة، وإرادة المتلقي الذاتية من جهة أخرى( ). للمسرح تقسيمات مكانية تتمثل في القوة والضعف وذلك حسب مواقعها ومجالات الرؤية، وكل ما يوضع على المسرح من كتل ومرتفعات، ومناطق الضوء والظل، وماتشغله حركة الممثل في هذا الفضاء، له خطوطه على الخشبة. فحركات الممثل المتناسقة والمتوازنة التي تمتلك رشاقة الحركة والمرونة العالية للجسد والتي تبرز المعالم الجمالية في العرض المسرحي، لها مكانها في الفضاء وخطوطها الميزانسينية. " كل حركة او صوت في المسرح لا يخلو من دلالة، فالدلالة هي السمة التي تشترك فيها كل الحركات والأصوات في المسرح"( ).
لم تعد موهبة الممثل كافية، فيما لو تعززت هذه الموهبة بتجاربه، وبثقافته، ولهذا اهتمت الدراسات المعاصرة بتقنية الممثل وبأهمية جسده بوجه الخصوص، والدور الذي يلعبه في عملية التجسيد على المسرح، "رافقت حركات الجسد وإيماءاته الإنسان منذ مراحل وجوده الأولى. وتعقدت وتشابكت هذه الحركات والإيماءات، بدخول الحياة الإنسانية مجالات مختلفة وظهور أنماط متقدمة من هذه الحياة. ويبدو أن العلوم الإنسانية لم تكتف بملاحظة هذه الحركات والإيماءات، بل جعلتها مادة للدراسة والتأمل سعياً إلى فك رموزها ودلالاتها ومن ثم تفسيرها"( ) فالمتفرج الذي يشاهد العرض، فإنه يتوقع أن يشاهد إنساناً، وهذا الإنسان له خاصية بإنه يحمل خطاباً مسرحياً من خلال حضور جسده، حيث أن الجسد يرتبط بالمسرح، وأداة الممثل هو الجسد، فهوالظاهروالبارز من خلال الأضواء، وحضوره في الفضاء المسرحي. في بداية القرن العشرين كشف افرينوف الروسي عن حقيقة لم يتأملها رجال المسرح خصوصاً، حينما قال: "تلعب الكلمات دوراً مساعداً على خشبة المسرح، لأننا نسمع بعيوننا، أكثر مما نسمع بآذاننا"( ) فمن خلال ذلك أكد (افرينوف) على مسرحة المسرح، يريد أن تتجلى الرؤية البصرية وتزيل كل ما هو لاينتمي إليها، وتعتمد بشكل واضح على أسلوب اللعب دون الاعتماد على محاكاة الواقع، أو نقل صورته على المسرح، لأن المسرح ليس هو الواقع، وإنما هو واقع متخيل عن الواقع. بمعنى أن الحدث الواقعي لاينقل كما هو، وإنما هو عرض للحدث الواقعي على المسرح. فالمسرح في الآونة الأخيرة بات يتقدم نحو الجوانب البصرية، تاركاً كل ما هو أدبي، واعتمد بشكل أساسي الرؤية البصرية (الصورة) التي تتشكل من الممثل والعناصر السينوغرافية، " والممثل ليس لساناً ينطق الشعر أو النثر فحسب، وإنما هو رأس وعينان وذراعان وساقان وعليه أن يتقن استعمال ذلك كله، على خشبة المسرح"( ) حيث إن جسد الممثل على الخشبة، كيان عارض، لكنه يعكس جوهر النص بالرؤية الإخراجية للعرض، فجسد الممثل يقترن حضوره بالعناصر الأخرى ليكون الجميع لغة بصرية، تتحقق في فضاء المسرح، وهي كنوع من الغواية التي تأخذنا إلى عالم الصورة التي تجمع السمعي والبصري، فالصورة المرآوية ساحرة صنعتها عناصر السينوغرافيا مع الجسد عبر تمظهراته ليحفز من خلال الممارسة تحريك المتلقي للقراءة التأويلية من خلال تدفق الدلالات البصرية والسمعية.
وتتحدد العلاقات في العرض المسرحي على وفق تسلسل ارتباطاتها إلى ثلاث علاقات فعلاقة الممثل بالممثل الآخر هي العلاقة الأولى، تأتي بعدها علاقة الممثل بالعناصر السينوغرافية وهي العلاقة الثانية، ثم علاقة الممثل بالمتفرج وهي العلاقة الثالثة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
(1) باربا، أوجينيو، وآخرون: طاقة الممثل، وزارة الثقافة، مهرجان القاهرة الدولي، ترجمة: د. سهير الجمل، القاهرة، ص294 .
(2) ميليت، فردب، وجيرالدايدس بنتلي: فن المسرحية، تر/ صدقي حطاب، دار الثقافة – بيروت،1966، ص54.
(3) بياتلي، قاسم: دوائر المسرح، دار الكنوز الأدبية، ط/1، بيروت - لبنان،1998، ص64.
(4) إنغليز، ديفيد، وجون هغسون: سوسيولوجيا الفن، عالم المعرفة، الكويت، 2007، 48.
(5) سعد، صالح: الأنا – الآخر ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2001، ص91.
(6) سعد، صالح: الأنا – الآخر، المصدر نفسه، ص92 .
(7) مايرخولد، فسيفولود: في الفن المسرحي، تر/ شريف شاكر، ك2، دار الفارابي ، بيروت، 1979، ص 20.
(8) بياتلي، قاسم: دوائر المسرح، مصدر سابق، ص 30.
(9) أونيل، أر. أج، وأن. أم. بورتز: المخرج فناناً، تر/سامي عبد الحميد، نيويورك، 1987، ص290.
(10) ينظر: الياس، ماري: جسد الممثل في المسرح الشرقي والغربي، مجلة الحياة المسرحية، ع/42، وزارة الثقافة والارشاد القومي، دمشق، ص 126.
(11) هلتون، جوليان: نظرية العرض المسرحي، تر: نهاد صليحة، مركز الشارقة للابداع الفكري، دائرة الثقافة والاعلام بحكومة الشارقة، ص 74.
(12) سالنيكوفا، يكاترينا، وآخرون: السرد والمسرح، تر/ أشرف الصباغ، المجلس الأعلى للثقافة، دمشق،2000 ، ص16.
(13) ينظر: الياس، ماري، جسد الممثل في المسرح الشرقي والغربي، مصدر سابق، ص 126.
(14) باربا، أوجنيو، وآخرون، طاقة الممثل، مصدرسابق، ص130
(15) سوداني، فاضل: البيوميكانيكا وجماليات مايرخولد، مجلة الحياة المسرحية، ع/36، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، ص45.
(16) ستانيسلافسكي، كونستانتين: إعداد الممثل، تر/شريف شاكر، الهيئة المصرية العامة للكتاب،1997، ص16.
(17) ينظر: سعد، صالح: الأنا – الآخر، مصدر سابق، ص10.
(18) سعد، صالح: الأنا – الآخر، مصدر سابق، ص80 .
(19) بياتلي، قاسم : دوائر المسرح، مصدر سابق، ص123.
(20) يوسف، عقيل مهدي: نظرات في فن التمثيل، كلية الفنون الجميلة، بغداد، 1988، ص216 .
(21) اليوسف، أكرم: الفضاء المسرحي، دار مشرق مغرب، دمشق، 2000، ص58.
(22) والتون، ج. مايكل: المفهوم الإغريقي للمسرح، تر/ محسن مصيلحي، المجلس الاعلى للثقافة، الكويت، 1998، ص16.
(23) يوسف، عقيل مهدي: نظرات في فن التمثيل، المصدر السابق، ص28 .
(24) ميليت، فردب، وجيرالدايدس بنتلي: فن المسرحية، مصدر سابق، ص54.
ثيسبس الأكاري: ممثل إغريقي، فاز في سنة (535) ق.م في أول مباراة للمأساة وهو الذي أدخل الممثل الواحد مع رئيس الجوقة في المسرح الإغريقي ويعتبر اول ممثل في تاريخ المسرح.
(25)ميليت، فردب، وجيرالدايدس بنتلي: فن المسرحية، مصدر سابق، ص55.
-----------------------------------------------------------------
المصدر : الحوار المتمدن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق