تصنيفات مسرحية

الاثنين، 24 أبريل 2017

الاشتغال التكنولوجي في تطوير العرض المسرحي

مجلة الفنون المسرحية

الاشتغال التكنولوجي في تطوير العرض المسرحي

علاء كريم

تُعد (التكنولوجيا) من المصطلحات المعاصرة التي أصبحت أكثـر تداولاً في وقتنا الحالي، يمكن أن تحقق أغراضاً ذات قيمة عمليّة للمجتمع، وخدمة للإنسان ورفاهيّته، ولها الدور الأساس في تطور المجتمعات، برزت في النصف الثاني من القرن العشرين، أثرت بشكل مباشر في المجتمع من خلال تحولات علمية في مجال (التكنولوجيا)، هذا ما جعلها تتداخل في شتى مجالات الحياة، إذ انعكس هذا التحول بدوره على الفن بشكل مباشر، وأدى التطور إلى خلق آفاق جديدة أمام المخرجين والمؤلفين والممثلين، وذلك عبر اكتشاف سبل وأدوات وإمكانيات جديدة في التجسيد الإبداعي والخلق الفني، وعلى صعيد المسرح فقد تجسدت (التكنولوجيا) بطرق تقنية مرتبطة بالتشكيلات الصورية والسمعية في العرض المسرحي وتجدر الإشارة إلى إن هذا التطور لم ينبثق فجأة في هذه المرحلة من تاريخ المسرح، فالتكنولوجيا المسرحية كانت قائمة منذ العصر الإغريقي، بأدواتها البسيطة التي تجسد مشاهد المسرحية، وقد تطورت هذه التكنولوجيا على مرّ العصور المسرحية، وتوالت استخداماتها وصولاً إلى المسرح المعاصر عبر تجارب مسرحية مهمة ، أبرزها تجارب: (آرتو ، وبسكاتور، ومايرهولد، وبرخت).
 شهد المسرح المعاصر انتقالات جوهرية في ميدان (التكنولوجيا)، عبر بلورة هذا المفهوم على صعيد البنى الفكرية والتطبيقية لجملة من النتاجات المسرحية التي قدر لها أن تكون أنموذجاً متفرداً من حيث الصياغة المسرحية، والبحث عن الدلالات المعرفية التي يلجأ إليها المخرجون في اشتغالاتهم الفاعلة على مستوى الشكل والمضمون، وأن التقليدية التي تبثها المثيرات في العرض المسرحي تظهر بعض الإشكاليات التي تستلزم تقنيات جديدة، ولأن الواقع يتغير ويتجدد فإنّ خلق عوالم متجددة يقتضي ضرورة تغير الوسائل المتداخلة بعمل الفن المسرحي، الذي لن يقف عند نظرية واحدة أو شكل محدد أو منهج بعينه، فهو فن يرفض الثبات، بل يقوم أساساً على الاستمرارية التي تدفع إلى الحركة والتغير بين الفنان والمجتمع، لخلق مساحات متجددة عبر توظيف التكنولوجيا الحديثة ووضعها داخل المعمل المسرحي، ليتم تجاوز الواقعية وطرحها على خشبة المسرح بشكل مختلف ورؤية فنية تتناسب مع فكرة العرض المسرحي، وعناصره كلها (النص، والاخراج، والتمثيل، والديكور، والأزياء، والإضاءة، والموسيقى، والماكياج) للتعبير عن أفكار العرض ورؤيته.
هل انتهى عصر الإخراج المسرحي المتقدم؟ لماذا لم نعد نشاهد أو نسمع عن مسرحيات متعالية القيم يسعى الباحثون والنقاد للكتابة عنها وتحليلها؟ لماذا لم تعد العروض المسرحية تبهرنا رغم ما قدمته التكنولوجيا من إمكانات هائلة ومتنوعة وضعت في متناول الجميع؟ ما أقصده هو أن التكنولوجيا المتاحة للجميع، أتاحت للمخرج الانطلاق نحو رؤى إخراجية وأحلام ابداعية يمكن تحقيقها على الخشبة، حتى وأن تطلب ذلك تجريب هذه (التكنولوجيا) ووضعها داخل الفضاء المسرحي، كما يمكننا أن نحدد مجال الرؤية الإخراجية، بوساطة الاتجاه التفسيري الذي يركز على الأسس الفكرية التي يعكسها العرض المسرحي، وغالباً ما نرى أن أفكار المخرجين ترتبط بأيديولوجيا معينة، كما ترتبط بقضايا ومشاكل اجتماعية وسياسية خاصة، وهذا الأنموذج هو الذي ما زال يسيطر على الرؤى الإخراجية في المسرح، على المخرج أن يفكر دائماً في كيفية طرح أفكاره والتعبير عنها بمجموعة من المعادلات أو الرموز والتراكيب الفنية التي تبتعد بأفكاره عن المباشرة، وأيضاً يجب أن يربط فكرته مع نص العرض المكتوب، وكيفية إيصاله إلى المتلقي الذي يعد عنصراً أساس من منظومة العمل المسرحي.
المسرح الرقمي الذي يرفضه البعض ليس بديلاً مسرحياً ولكنه نوع من العروض التي تسعى للاستفادة من التكنولوجيا الرقمية بما توفره من عناصر فنية في مجال الصوت والصورة والخدع والمؤثرات البصرية والسمعية، يوضع هذا النوع من العروض تحت مسميات مثل (المسرح ذي الشاشات)، (الممثل الحي، والممثل الافتراضي) هذه المسميات قد تعطي فكرة بمحاولة فصل هذا النوع من العروض عن العروض المسرحية بشكل عام، وأيضاً هي محاولة لجعلها متخصصة وفصلها عن المسرح، وهذا خطأ كبير قد يقع فيه أنصار هذا التوجه متجاهلين أن المسرح منذ بدايته قد استوعب العديد من أنواع التكنولوجيا التي كانت جديدة وغريبة عن المسرح في وقتها ولكنها مع الوقت والتوظيف الفني لها قد أصبحت مجرد وسائل مسرحية عادية يستعان بها لصياغة رؤية فنية.
 كما أن التكنولوجيا لا يمكن أن تلغى أو تقلل من شأن العناصر الأخرى، والمقصود كل العناصر المشاركة في العرض بداية من المخرج ورؤيته، فالمصمم، والممثل الذي سيتعامل مع هذه التكنولوجيا، ناهيك عن تحسين ظروف التلقي، حيث أصبح بإمكان المتلقي أن يشاهد العرض في ظروف إنسانية أفضل لما موجود من إمكانيات وتجهيزات حديثه على كل الأصعدة: الصوت والصورة والمسافة والراحة، مما يتناسب وروح العصر.

----------------------------------------------
المصدر : جريدة الصباح 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق