مجلة الفنون المسرحية
جهود المديوني البحثية في تاريخ المسرح العربي
بشار عليوي - المدى
لعلَ واحدةً من أبرز أسباب عدم تطور الدرس النقدي والبحثي خصوصاً في المادة العلمية المُتعلقة بتأريخ المسرح العالمي والعربي داخل المعاهد والأكاديميات المسرحية العربية , هوَ غياب التحديث في ماهية المادة العلمية المُعطاة من قبل الأُستاذ , فضلاً عن عدم توجيه الطلبة نحو تبني المنهج الاستقرائي في التعاطي مع المادة المسرحية التاريخية , وثمةَ قِلّة قليلة من الأساتذة العرب ممن هُم نُقاد وباحثون مسرحيون يُعدون في الطليعة على مُستوى البحث والتنقيب في تاريخ المسرح العربي , قد أخذوا على عاتقهم تبني منهج التحقيق والاستقراء في إعادة قراءة تاريخ مسرحنا العربي بعيداً عن القوالب الجاهزة في التدريس والمعلومات التي تجتر نفسها , وخُصوصاً مع طلبتهم الذين أجدهم على درجة عالية من الحظوة حينما تهيأ لتدريسهم هؤلاء القِلَّة القليلة ومنهم الباحث والناقد المسرحي التونسي أ.د.محمد المديوني صاحب كتاب(حلقة موءودة في تاريخ المسرح العربي_دراسة وتحقيق) الذي صدر عن الهيئة العربية للمسرح في الشارقة ضمن سلسلة دراسات بالرقم/27 لعام 2016 , موضوع هذهِ المقالة.
ففي هذا السياق يُمكن القول أن هذا الكتاب الذي بدأ أُولى حلقات التُشِكُلّ حينما كان أحد حلقات الدرس الأكاديمي , هوَ إضافة معرفية هامة للمسرح العربي وتأريخهُ الذي على ما يبدو أنهُ بحاجة الى مُراجعة واسعة , إذ يؤكد د.المديوني على أن جهود كُلاً من د.محمد يوسف نجم من خلال كتابهِ (المسرحية في الأدب العربي الحديث) ويعقوب لاندو من خلال كتابهِ(تاريخ المسرح العربي) ترجمة : د.يوسف نور عوض قد تم اعتبارهما المرجع الثبت في تحديد تاريخ بدايات المسرح العربي بعد الاتفاق من قبل جميع الدراسين المُتصدين للكتابة عن هذا المسرح وذلكَ لمصداقية كِلا الباحثَين والهالة الاكاديمية التي أحاطت لهما وبأعمالهما , لكن كُلاهما لم يتطرقا بالتفصيل الى مقال نقدي عربي هام هو (فن التمثيل) للاديب اللبناني"نجيب حبيقة"والمنشور في مجلة المشرق اللبنانية عام 1899 في 6 حلقات متسلسلة اذ تكمن أهمية هذا المقال وفقاً للمديوني في وجود تجاهل وتقصير شديد من قبل جميع الباحثين في تاريخ المسرح العربي وفي مقدمتهم د. نجم لاندو تجاه هذا المقال على شكل تمويه معرفي من قبلهما عندما أتيا على ذكرهِ مما يستوجب وجود إشكال على مُجمل جهودهما البحثية , فضلاً عن القيمة العلمية الرصينة للمقال نفسهِ وهذا تمثل في استيعابهِ العالي لعدد من الأسس النظرية المتعلقة بانشائية الفن المسرحي بالتقارب مع جهود النقاد والباحثين الاوروبيين المعاصرين بالاضافة الى خروج المقال عن النهج الغالب في كتابات النخبة العربية الداعية لاستنبات المسرح في الأرض العربية وفي مقدمة تلكَ الكتابات خطبة مارون النقاش التي سبقت تقديمهِ لأول عرض مسرحي عربي في بيروت بوصفها منهاج عمل للمُمارسة المسرحية في البلاد العربية وإمكانية استنباتها , وهُنا تكمن أهمية الجهود البحثية للباحث د.المديوني عبرَ كتابهِ هذا الذي نشر نص المقال كاملاً وبصورتهِ الأولى كي يكون في مُتناول الجميع ومُرفقاً معها الهوامش التحقيقية الخاصة بكُل جُزء منها ومحاكاة متن المقال مع السياقات اللغوية والنقدية على حدٍ سواء , وبالتالي تم تخصيص الكتاب لدراسة وتحقيق مقال نقدي عربي على درجة عالية من الأهمية بحلقاتهِ الست وما يُمكن أن يُمهد لهُ متن تلكَ الحلقات من الوقوف على أهمية المسرح وآليات الأشتغال فيهِ من قبل العرب فضلاً عن إلمام"حبيقة"بأهم التنظيرات الاوروبية الخاصة بالمسرح وعلى تمثلهُ لأهم المقولات التي حددها شُراح كتاب"فن الشعر"لأرسطو , لذا فأن المؤلف د.المديوني يؤكد فيما يخص مقال"فن التمثيل"وكاتبهِ نجيب حبيقة , على (ندرة ذكرهما في كُتب المعنيين بالتـاريخ للمسرح العربي عامة والمسرح الشامي منهُ بشكل خاص.... لقد تجاهلهُ الباحثون في مجالات المُصطلح المسرحي في اللغة العربية تجاهلاً تاماً سواءً منهم الذين خصوا هذا المجال بأبحاث أكاديمية في الجامعات العربية والأوروبية) وبالتالي فإننا إزاء أننا ريادة ثانية للمسرح العربي تلي ريادة مارون النقاش المُتفق عليها، حينما توفرت في هذا المقال كل سمات الريادة رغم مظاهر جهل مؤرخي المسرح العربي بهذا النص ورغم تجاهل عددٍ ممن استفادوا منه استفادة مباشرة وصريحة وهوَ ما يستعرضهُ كتاب د.المديوني الذي يقع في 237 صفحة من القطع المتوسط , بوصفهِ مثالاً حياً لجهودهِ البحثية الرصينة في سبر أغوار تاريخ المسرح العربي , جديرُ بالذكر أن د.محمد المديوني هوَ أستاذ في التعليم العالي في جامعة تونس و يُدرس في المعهد العالي للفن المسرحي الذي الذي أشرفَ على تأسيسه وإدارته لسنوات عديدة ود.المديوني معروف بمكانته العلمية وبحوثه وكتاباته النقدية وإشرافه الإداري فهوَ أستاذ ومحاضر في المعهد العالمي للغات والحضارات الشرقية بباريس (INALCO).ورئيس ومؤسس لمهرجان تونس الدولي للفيلم الروائي القصير وأستاذ أول بمدرسة ترشيح المعلمين بتونس عملَ ملحق بوزارة الشئون الثقافية التونسية كُلفَ بإدارة الدراسات في المعهد العالمي للتنشيط الثقافي , ومساهم في إنجاز برنامج التكوين والتكوين المستمر، الموجهة للطلبة وللإدارات المشرفة على المؤسسات الثقافية بتونس , وعضو في مجلس إدارة مؤسسة المسرح الوطني التونسي , وهوَ مدير الدورة التاسعة للمهرجان الدولي لأيام قرطاج المسرحية وعضو الهيئة المديرة لهُ ورئيس شرفي للجامعة التونسية لنوادي السينما وعضواً فيها وعضو الهيئة المديرة لأيام قرطاج السينمائية , لهُ العديد من الإصدارات النقدية المسرحية (الاشكاليات النقدية في المسرح) و (المسرح في تونس) و(اشكاليات تأصيل المسرح العربي)... وغيرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق