مجلة الفنون المسرحية
النهار
"بائع الخضر"، مسرحية ناقدة عرضتها فرقة "كلنا للوطن العربي"، في رعاية من الجامعة اللبنانية، على خشبة مسرح "جمعية العزم- بيت الفن" في الميناء، تعالج الواقع العربي الراهن امتدادا للسنوات العجاف التي عاشها العالم العربي، ولا تزال تداعياتها متفاعلة، وهي من تأليف السوري عبد الرحمن عثمان، وهو طالب جامعي جاء بعد الأحداث من إدلب، ولعب في المسرحية دور البطل- بائع الخضر (ابو حمدو).
استخدم عثمان في المسرحية النقد الفني المرمز، واستدرج النص صورا من الواقع العربي، بين ماضيه وحاضره، بجو من السخرية، وشكل تطابق النص مع الواقع الذي يعيشه الوطن العربي، وعفوية أداء الممثلين، عاملين اساسيين في نجاح العمل الفني، فلاقت تفاعلا واسعا من الجمهور.
كما أن اندفاع الممثلين، رغم حداثة تجربتهم المسرحية والتمثيلية، ساهم في نجاح أداء أدوارهم، فكانت معبرة عن واقع الحال، ووضعت الإصبع في الجرح، وأوصل الممثلون رسائلهم المتعددة بنجاح باهر إلى الجمهور الذي صفق طويلا تجاوبا مع العرض.
تألفت المسرحية من ثلاثة فصول. في المشهد الاول، من الفصل الاول، يتحدث عن ابو حمدو- بائع الخضر- الشخصية الفذة التي تمثل العربي الاصيل، صاحب المبادئ والقيم والاخلاق، وهو ايضا شخصية ساخرة.
أعطى أبو حمدو نوعا من الخضر للإشارة إلى كل بلد عربي، بهدف تجسيد الواقع العربي، وكل نوع منها يمثل مأساة بلد عربي في الزمن الحاضر.
في العرض، يتعرض ابو حمدو لضغط نفسي يمارسه رجل امن بادعاءات وافتراءات ليس لها اساس من الصحة، ما يؤدي الى اغلاق محل بيع الخضر، وختمه بالشمع الاحمر، فيضطر لبيع الخضر عى الرصيف.
المشهد الثاني من الفصل الأول، عبارة عن حلم يراه ابو حمدو في منامه، وهو الحب المفقود الذي كان يحلم به طوال عمره لكنه لم يأتِ.
اما الفصل الثاني فهو بمثابة نقد لمناهج التعليم في الوطن العربي، والفصل الثالث مشهدية متخيلة لما يدور في القمم العربية من احاديث مفترضة داخل اروقتها.
كاتب وبطل المسرحية عبد الرحمن عثمان (ابو حمدو)، نازح سوري من ادلب، يقيم في لبنان، وهو طالب جامعي، قال عن هذا العمل المسرحي:"هربت من الحرب في سوريا، حيث واجهتني قسوة الحياة في لبنان، وقد اعددت مسرحية "بائع الخضر"، والعنوان مقتبس من حياتي العملية، فقد كنت ابيع الخضر في سوريا، وكذلك في لبنان حاليا. اردت ان يكون عنوان المسرحية مشابها لعنوان الرواية العالمية "بائع الكبريت"، وبائع الخضر شخصية مثقفة، ذكية، قوية".
يتقفى أبو حمدو خطى ابن المقفع بإعطاء رموز خضر لكل دولة عربية، ويتم التطرق إلى واقع كل دولة على لسان الخضر، مثلا حبة البندورة أشارت إلى سوريا، والخيارة إلى ايران، والملفوفة إلى السعودية، والجزرة إلى قطر، وهكذا. وتتناقش الخضر- الدول بالشؤون السياسة، فيقوم جهاز امني باغلاق المحل بالشمع الاحمر، ويضطر أبو حمدو إلى بيع الخضر على الرصيف".
ويعلق أبو حمدو: "اثناء نومي، حلمت بان الحب هبط على الوطن العربي، هو ليس الحب بين شاب وفتاة، بل بين الناس والجيران والاقارب"، مضيفا: "هذا العمل المسرحي يدعو الى الحب، ونبذ العنف، والتطرف، والى الانسانية التي اصبحت مفقودة بين الناس، حيث وصلت الى مرحلة ادعو فيها الى ان اكون انسانا بعيدا عن الانتماء الطائفي والمذهبي، فما رأيناه في سوريا يحتاج الى تعامل انساني بين الناس. لسنا بحاجة للمواعظ بل الى السلام، وما لم يحققه السلاح قد يحققه القلم لانه اقوى".
واضاف: "هذه رسالتي في الاعمال المسرحية المقبلة، وقد كان هدفي من تشكيل فرقة "كلنا للوطن العربي" برعاية الجامعة اللبنانية تقديم اكثر من عمل مسرحي، على ان تكون الاعمال امتدادا للمسرحي الراحل محمد الماغوط، دون أن تكون تابعة له او من تأليفه. كما سنقدم كوميديا سوداء، تكون المشاهد مضحكة، ومبكية في آن معا للعب على اعصاب المشاهدين".
واشار عثمان إلى "المشهد الثاني كوميدي بامتياز، نابع من تجربته في الجامعة، حيث تجري مسابقة شعرية يفوز فيها اشخاص مدعومون، بينما يخسر امرؤ القيس، اما المشهد الثالث فيصور قمة "الصريع العربي" في الدول التي شهدت "الربيع العربي"، والمقصود أن قمة "الصريع العربي" كان الناس ينتظرون منها اصدار قرارات مهمة بوجود شبه انظمة جديدة. والمشهد يبدأ بحوارات تافهة جدا، على سبيل المثال يوجه السؤال الى ممثل سوريا عن كم نون يوجد في بيت شعر فيه الكثير من حرف النون فيجيب :"قيد التداول"، لانه يضع على رأسه طربوشا عليه اعلام : روسيا، النظام، المعارضة. وقيد التداول تدل أنه لا يعرف الجواب لان قراره ليس ذاتيا".
من اللقطات المشهدية المعبرة، الممثل اليمني يدخل المسرح وهو يحمل سيفا و"دربكة"، ويقول: "يمني وافتخر والى الدبكة افتقر"، منذ عدة سنوات. اما الممثل الليبي فيقول:"بدأنا بثلاثة، والآن لا تعد الفئات المسلمة، والقرار ضائع. أما الممثل اللبناني فنسأله عن الطاقة، فيقول ان "الطاقة بينه وبين السوري لا تسبب له الا وجع الرأس...".
يتحدث عثمان عن الاعمال المسرحية المقبلة: "هناك عدة افكار، لكن حاليا نحن في مرحلة تثبيت اقدام الفرقة المؤلفة من عشرة اشخاص على الارض، وبعد الانتهاء من عرض مسرحية "بائع الخضر" هناك مسرحيات اخرى كوميدية، وكوميدية سوداء (نقد سياسي)، ومسرحية شعرية... وهذه الاخيرة بحاجة الى مستوى عالٍ من المتعلمين".
ليندا نهرا، ممثلة من قضاء بشرّي، تحضر لنيل شهادة الدكتوراه بعد ان انهت دراستها الجامعية في علم النفس قالت ل"النهار":"احب التمثيل كثيرا، واخترت ما اراه مناسبا للتمثيل، وبالصدفة اتصل بي احد الاصدقاء ليبلغني عن المسرحية، وعندما اطلعت على النص، وجدت انها تجسد افكار الشباب في الوطن العربي النائم، والرغبة بالحب والسلام والقدس العاصمة الدينية للعالم".
نهرا تتابع: "وجدت في المسرحية كيفية التعامل في الجامعة، مثلا معاملة البنت الدلوعة. انها مسرحية تشبع رغبات الواحد منا في الحب، والبساطة، والاداء، وكيف تجسد الواقع. وقد فكرت في كيفية دعوة المعارف لحضورها في وقت لم يعد هناك من جمهور لديه تقييم إيجابي للعمل المسرحي، والذي يعتبرونه مملا، ولكنني تحدثت اليهم عن روعة مسرحية "بائع الخضر".
وأضافت: "للمرة الأولى اقوم بالتمثيل لذلك كنت خائفة، وقد مثلت دور حبة البندورة – سوريا، ورغبت بالحديث باللهجة السورية، وقد اتقنت ذلك، ما ولد تفاعلا كبيرا من قبل الحضور. وبعد "البندورة" اقوم في المشهد الثاني بدور "الحب" الذي تجسده فتاة جميلة، ومتكبرة، ويبين الدور كيف كان الحب، وكيف منعته الانظمة من التجول في الدول العربية. وفي آخر المشهد يرغب عبد بغمر"الحب"، لكنه يستيقظ من الحلم، فيجد الحب قد اختفى. والمشهد الثالث الذي اقوم به بدور "صباح الهزازة" وهي فتاة جامعية سخيفة، متطيرة، لكنها محظية لدى البعض، تقوم باهانة امرؤ القيس (صاحب المعلقات) والاستهتار باشعاره، وكذلك يفعل الحضور، وبالرغم من تفاهة "شعر" صباح الهزازة، لكنه يلقى استحسانا واسعا، بينما يسقط الشاعر المخضرم امرؤ القيس".
هكذا مفارقات سيطرت على أجواء المسرحية، فأعطتها بعدا فكاهيا، نقديا، حقيقيا منع رتابة المشاهد، وجذب الجمهور الذي خرج يحمل مشاعر التناقض بين الهزء بواقعه، والألم منه في آن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق