مجلة الفنون المسرحية
العرب
الفن هو الأقدر على تجسيد معاناة الإنسان العربي وفرحه وأحلامه بالغد الأفضل، وهو النافذة الأولى التي تصل من خلالها أضواء الحقيقة إلى كل ما هو مهمش ومخفي، إنه صوت من لا تُسمع لهم أصوات وصور لمن أخفت ملامحهم الحروب والوقائع والأهوال. وإيمانا بهذا كله كرّس المخرج الكويتي سليمان البسام جهوده لعمله الأخير، الذي جال بأصوات النساء العربيات أرجاء مختلفة من العالم.
بعد جولة عالمية لعرض مسرحية المخرج الكويتي سليمان البسام “في مقام الغليان: أصوات من ربيع مُختَطَف”، بنسخته الأولى والثانية، شملت تسع دول، انتقل في الـ24 من يناير الجاري إلى مدينة بوسطن الأميركية ليتواصل تقديمه على مدى ستة أيام على مسرح روبرت أورشاد في مركز إيمرسون بجامعة بوسطن.
وكانت النسخة الأولى للعرض، وهي من تمثيل الأميريكيتين برتني أنجو وكاترين كاو والسورية حلا عمران، وسينوغرافيا وإضاءة إريك سويار، قد قدمت في الكويت وسيدني وباريس، والنسخة الثانية في الكويت أولا ثم في تونس وبيروت ضمن فعاليات مهرجان الربيع، وتونس مرة أخرى ضمن مهرجان أيام قرطاج المسرحية، تلا ذلك تقديمها في مدينة ميتز الفرنسية ومدينة أنتويرب البلجيكية، حيث اختارها “المركز المتنقل للفنون” في بلجيكا عرضا افتتاحيا للدورة الثامنة عشرة لمهرجان “موسم” المسرحي في المدينة، الأمر الذي عزز حضور المسرح العربي عامة في أوروبا.
أصوات النساء
يتضمن العرض أصواتا نسائية في لحظات تحوّل خلال ما يسمى بالربيع العربي، وهو يتكون من ستة مونولوجات نصفها باللغة العربية والنصف الآخر بالإنكليزية مع ترجمة حية فورية، كما تُرجم النص إلى الفرنسية والهولندية خلال العروض الأوروبية.
المسرحية تعطي مساحة لأصوات غير مسموعة وشخصيات غير قابلة للانضغاط بعيدا عن الثورية الكلاسيكية المعتادة
يعتبر البسام العرض “شاهدا حقيقيا على الألم والمعاناة عبر ستة أصوات نسائية تجسدها ثلاث ممثلات، وحضور الموسيقى التي تتجلى بمنزلة أصوات إضافية”، وهو يأخذ المشاهد “في رحلة إلى حيث الألم والسقوط المجلجل والرصاص والانكسار، وكل تداعيات ذلك الربيع الذي اختُطف إلى حيث أراد له من أراد وخطط”.
وكان موقع “افنتفول” الثقافي البلجيكي قد وصف العرض بأنه “يقوم على خلفية الربيع العربي والنضال المستمر في العالم العربي. الشخصيات تأتي في تسلسل عبر مشهديات قصيرة ومتسارعة تشتغل على تداعيات الثورات المسروقة والربيع المختَطَف؛ شخصيات لضحايا الزمن والممارسات، من الناس العاديين، والجناة والغرباء اليائسين والانتهازيين، أو ضحايا الظروف إثر ما يسمى بالربيع العربي. وخلف تلك التجربة قامة فنية شامخة هي المبدع الكويتي سليمان البسام وفريق فني عالي المستوى”.
وفي الاتجاه ذاته وصف الموقع البلجيكي “يت- فلاندرن” تقديم العرض المسرحي بأنه “موعد مع مبدع كويتي”، مع استعراض لمسيرة المخرج سليمان البسام الفنية، وأهم الأعمال التي قدمها، وإشادة بتجاربه الفنية التي تميزت بمستواها الإبداعي الرصين. كما قالت مجلة “لوموند ديبلوماتيك” الفرنسية إن البسام كاتب ومؤلف استثنائي يخلق مفاجأة جمالية حقيقية. وكتبت الناقدة مارينا دي سيلفا مقالا في المجلة نفسها رأت فيه أن البسام “بعمله ‘في مقام الغليان’ يحدث هزة، فالفنان الذي أخرج نسخة حكيمة جدا من مسرحية سعدالله ونوس ‘طقوس الإشارات والتحولات’ بتكليف من المسرح الوطني الفرنسي (La Comédie- Française) عام 2013، يكشف عن نفسه في عمله الجديد أيضا ككاتب ومؤلف استثنائي”.
وأضافت دي سيلفا أنه “في ست قصص أنثوية تقدمها ممثلتان وموسيقية هائلة، يخلق البسام مفاجأة جمالية حقيقية النساء هن ساحة معركة الدمار في هذا العالم. لكنهن لسن مجرد ضحايا، لغتهن فكرة في العمل”.
العرض يتضمن أصواتا نسائية في لحظات تحول خلال ما يسمى بالربيع العربي، وهو يتكون من ستة مونولوجات
الحق في الحياة
أما الناقدة الفرنسية ماتيلد روكسيل، فقد كتبت مقالا عن العرض، بعد مشاهدتها له في مهرجان لوباساج (Le Passage) بمدينة ميتز، جاء فيه أنه عرض معاناة النساء في قلب الربيع العربي “يحاول فهم الأصوات والآلام المنيعة لأفراد يتلظون في تشنجات عالم غارق في الفوضى، وأن الجميع كان يود أن يرى التغيير. فهو يعطي مساحة لأصوات غير مسموعة وشخصيات غير قابلة للانضغاط بعيدا عن الثورية الكلاسيكية. هؤلاء النسوة لا يصنعن ثورة، بل يمررن برفض الخضوع لمصير مؤلم مفروض عليهن… إنهن لسن شخصيات مجازية، ولا يحملن صراعا سياسيا، باستثناء الحق في الحياة، في الحب، والرغبة والحرية”.
يُذكر أن سليمان البسام حاصل على شهادة الماجستير في الفلسفة والأدب الإنكليزي من جامعة أدنبرغ عام 1994، وعمل مساعد مخرج في أحد أهم المسارح الفنية في بريطانيا.
أسس أول فرقة مسرحية باسم “زوام” عام 1996، وكان أعضاؤها من البريطانيين، ثم أسس مسرح البسام عام 2002. من أهم أعماله المسرحية “ماكبث 60 واط” (1999)، “مؤتمر هاملت” (2002)، “المقايضة” (عن روميو وجولييت) (2003)، “ريتشارد الثالث: مأساة معربة” (2009)، “دار الفلك” (عن الليلة الثانية عشرة) (2010)، و”طقوس الإشارات والتحولات”، نص سعدالله ونوس (2013). وحصل على جوائز عالمية وعربية عديدة منها: جائزة النقاد الأولى من مهرجان أدنبرة عام 2002 عن عرض “مؤتمر هاملت”، ونال عن العرض نفسه جائزة أفضل مخرج وأفضل عرض في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق