مجلة الفنون المسرحية
عرض أوركسترا : نساء مضطهدات في مواجهة الهيمنة الذكورية
سناء الماجري - جمهورية
"أوركسترا" دراما مسرحية غنائية أردنية تحكي معاناة خمس نساء تواجدن في بيت مسنين يتذكرن ماضيهن وخسائرهن، نسوة يعشن عدد من التناقضات، العشيقة مقابل الزوجة، والمتزمتة المحافظة مقابل المتفتحة المتحررة، المناضلة مقابل صاحبة الدور السلبي وعلى تعدد النماذج النسائية فان هناك تناغم يجعلهن "أوركسترا" واحدة، حياة متكاملة بكل تناقضاتها .
مسرحية "أوركسترا" ثمرة تعاون بين المخرجة مجد القصص، والروائية سميحة خريس، عرض هذا العمل ضمن فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان المسرح العربي مساء الجمعة 12 جانفي بقاعة المونديال، وجسد دور البطولة فيه كل من زيد خليل مصطفى ونهى سمارة وبيسان كمال خليل وسارة الحاج ودعاء العدوان وميس الزعبي، صمم رقصاته آني قوره ليان كما وضع موسيقاه التصويرية محمد طه وشارك فيه غناءً وعزفا على الجيتار الفنان يزن أبو سليم.
على خشبة "أوركسترا " تنتشر الشموع .. الكراسي المتحركة، خمس نساء وعازف وشاب أنيق ببدلته السوداء يرددون أغنية "بعدك على بالي" لسيدة الصباح فيروز، يختلط الحلم بالواقع، فنرى بعد مشهد العرس مجموعة من المسنّات في بيت العجزة بما فيهن العاقر والعشيقة والحبلى والغانية وممرضة تعتني بهن، كل واحدة منهن تندب حظها وبقائها وحيدة، ويشاء القدر أن تجتمع عدوات الأمس في هذه الدار فهاهي العاقر تجتمع مع عشيقة زوجها والغانية اللتين لعبتا دورا مؤلما في حياتها، تعترض الحبلى على هذه العلاقات، فتواجهها العاقر بحقيقة أنها تنتظر الحبيب الذي لن يعود وأن حملها كاذب فقد مرّ على حملها سبعون عاما.
في هذا العمل منح الغناء والموسيقى والحوار مساحة أكبر بينما تقلص نصيب لغة الجسد فيه، كما تلاعبت مجد قصص في هذا العمل بالزمن فجعلت الماضي يتداخل مع الحاضر وساوت في حضور الممثلين دون التركيز على شخصية رئيسة واحدة كما يحدث في أغلب المسرحيات التي تنتمي إلى المسرح الدرامي، ولئن حملت المسرحية رؤية نسوية للصراع الدائر بين النساء المضطهدات والرجل الذي يمثل الهيمنة الذكورية فانها لم تكن متطرفة كما في بعض الرؤى النسوية التي نجدها في الأعمال الأدبية والفنية النسوية حيث لم تعف المرأة هنا من تحمل ما آل إليه وضعها الاجتماعي بسبب سلبيتها واندفاعاها العاطفي.
من جهة أخرى اعتمدت المخرجة على تقنية الغناء الحيّ واستخدام أغان مألوفة حيث أضاف الفنان يزن أبو سليم روحا خاصة على هذا العمل.
وللاطار المكاني في "أوركسترا" أهمية في سيرورة الأحداث فـ"دار المسنين"، هي صندوق أسود تموت فيه أحلام النساء، والخروج منه هو خروج من المقبرة، بما تمثله من موت حتمي، تدفعك شخصيات المسرحية للبكاء مرة، وللضحك مرة أخرى، بل يكاد يختلط البكاء والألم معا، في تصاعد لحظات مفارقات الحياة بين الأمل المنشود والحلم الضائع، بإثارة قضايا المرأة المعاصرة، ما بين خسارات الواقع الفاقد للحب، في زوجة محافظة، وزوج يبحث عن متعة اللحظة المرهونة بالفشل، وعشيقة متحررة تكسر قواعد المجتمع، فالأولى تعيش في وهم لقاء زوجها الذاهب للحرب دون عودة، أو زوج شرّع لنفسه الخيانة، وعشيقة فقدت قدرتها في الحياة المؤطرة بالزواج.
وفي مشهد درامي، تقوم النساء نهاية العمل، بمحاكمة الرجل بما يمثله من زوج ومناضل وحبيب وخائن ..تعبر العاقر عن ألمها من خيانته، فيدافع عن نفسه بتحميلها مسؤولية هذا الخلل، وتعاتبه الحبلى لعدم عودته، فيبرر لها بانه لا يريد العودة خالي الوفاض، وتكشف له العشيقة عن سرّ حملها منه الذي لم تخبره عنه بسبب خيانته لها مع غانية، الا أنه يلومها بأنها لو أخبرته لكان سيتغير كثيرا، وتلومه الغانية بأنه تعامل معها كدمية، فيبلغها أنها هي التي قبلت أن تكون كذلك، وتحمله الممرضة سبب عقدتها وخوفها من والدها فيقول أن خوفها غير مبرر .. يطاردن الرجل ويخرجنه من المكان ويتوجهن الى الباب في محاولة لتحطيمه .. لكن لا خلاص ..
أوركسترا هي كوميديا سوداء تسخر من واقع اجتماعي مصاب بالانفصام، تحمل هموم المرأة العربية المعاصرة وتحاول الخروج الى منطقة مضيئة في ظل الظروف القاتمة التي تحيط بالمرأة والرجل على حدّ سواء . وتدعو المسرحية الى تجاوز السلبيات والقتامة المحيطة بنا طمعا في غدا أجمل يقوم على التوازن بين الاثنين .
ختاما نشير الى أن السينوغرافيا التي اعتمدتها القصص بالملابس والاستخدام الموفق للاضاءة والألوان القاتمة التي تماشت مع النص الدرامي اضافة الى استغلالها لكل ما فوق الخشبة من ممثل وكراسي وعصي مما ساهم في عدم القذف بالمشاهد نحو الملل أو الرتابة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق