مجلة الفنون المسرحية
سناء الماجري - جمهورية
"الخادمتان "مسرحية مغربية تقوم على لعبة التعرية و السخط والنبش عن المسكوت عنه، وتتناول في مجملها النزاع والصراع بين المستبد والضحية ، بين السلطة العليا والتهميش المطلق للانسان والتنكيل بالفرد، كما تطرح اشكالية "السيد والعبد " وتنظر لثنائية "الجلاد والضحية" ونشير الى أن نص هذا العمل المسرحي كتبه جان جينيه سنة 1947، ومنذ ذلك الحين مازال يقدم في نسخ مختلفة، وكان المخرج العراقي جواد الأسدي أحد رواد المسرح العربي الذي أسره هذا النص، مما دفعه الى تقديمه في بلدان عدّة، حيث أنجز عنه عرضين مختلفين في لبنان، وآخر بالعراق، واليوم يقدمه من المغرب، وعن هذا الاختيار قال جواد الأسري:" يوجد في نص جينيه مساحات ونوع من الحفريات العميقة، هي قابلة للنبش المتجدد وصالحة لكل مرحلة أو فترة زمنية من الوضع العربي" مضيفا أنه بتغيير الجغرافيا تضيف للعمل ثقافة البلد الذي ينتمي اليه الممثلون ووعيهم الجمالي والمعرفي مؤكدا أن مسرحية الخادمتان التي أنجزها منذ 10 سنوات تختلف تماما عن هذا العرض حيث أنها خالية من التكرار والتشابه .
مسرحية قدمت ضمن فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان المسرح العربي، ألفها جان جينيه، وأخرجها العراقي جواد الاسدي ، وجسدت دور البطولة فيها كل من جليلة التلمسي ورجاء خرماز، وقد ساعد في اخراجها عبد الجبار خمران ووضع موسيقاها رشيد برومي.
صوت القطار آت من بعيد، ملابس وأحذية وكراسي وطاولة كبيرة، فوق الخشبة ، تخرج الخادمتان من خزانة السيدة ملابسها واكسسوارتها وتنطلقان في تبادل الأدوار وتبادل النبش والحفر في جوفهما والاطاحة بموروث طويل من الانسحاق تحت الاستبداد وعجرفة السيدة الغائبة الحاضرة في العرض حيث أنها تتساكن معهما وتسلب ملذاتهما، لعبة تنتهي مع اقتراب صوت القطار كل مرة، صوت يخترق ويزعزع كيانهما مما يدخلهما في لعبة تثير شاهية طوقهما الى الحرية بقتل السيدة والخلاص منها .
وبفضل أداء كل من جليلة التلمسي ورجاء خرماز، بدا العرض سهلا ومستسيغا، وخال من الشعارات الفضفاضة، هما خادمتان ترويان بلسان الألم مأساتهما وتعبران عن أحلامهما المحبطة، هما تتوقان الى الخلاص من جحيم دام 30 سنة، فتعتمدان على سبل غريبة تستطيعان معها الاستمرار في هذا الكوميديا السوداء التي تسربت الى روح كل واحدة منهما، تنصتان الى صفير القطار كاشارة الى سطوة الزمن الذي يمضي في الوقت الذي تذبل اعمارهما تحت ثقل قائمة لا نهائية من الأوامر والنهي والاهانة والاستغلال الجنسي والروحي، تضعان سيناريوهات كثيرة تجسدانها على الخشبة قبل تطبيقها فعليا واختيار السيناريو الأنسب لقتل السيدة التي تحضر بقوة في حوارهما، شخصية غائبة استطاعت ان تحرك الحبكة الدرامية للعرض، هي السيدة المتعجرفة والمغرورة والمتسلطة وغريبة الأطوار، وكأن بمخرج العمل باقصائها من الخشبة أراد أن يحقق حلم اقصاء السادة اطغاة والمتنفذين عن خشبة الحياة ايضا .
محاولات عدة لقتل السيدة، بوضع السم في شرابها، وبفشل كل الخطط تتجرع احدى الخادمات كأس السمّ مستسلمة لقدر لم ينصفها، فتتحصل بالتالي على الخلاص الأبدي.
في العرض اختلطت اللغة العربية باللهجة المغربية العامية، كما استعملت عديد المفردات والشتائم البذيئة غير المألوفة من أنثى، وكأن بالمخرج أراد أن يكسر كل التابوهات المقيدة للمرأة، كذلك لكسر صرامة العرض، عبارات صادمة تعكس حجم الضيم والضغينة التي تكنها الخادمتان الى السيدة، وفي هذا العمل استعان المخرج بحركات الجسد وايماءات الوجوه والاضاءة الخافتة وفق ايقاع متناغم منح العرض الذي استمر ساعة بعدا بصريا بلا اسرافا او تكلف .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق