تصنيفات مسرحية

السبت، 11 أغسطس 2018

مسرحية" ابيض واسود " تأليف : حسن العلي

مجلة الفنون المسرحية

مسرحية" ابيض واسود " تأليف : حسن العلي



شخصيات المسرحية 

أبوسامي 
سامي الصغير 
سامي الكبير 
حسن الكبير 
حسن الصغير 
أيمن 
المدرس
وآخرون 


المشهد  الأول 

المكان : بيت حسن ، في غرفته الغارقة بالعتمة 
السينوغرافيا : الخلفية العامة بيضاء ، المسرح يعم بالسواد 
( يسمع صوت بكاء ، تسلط بقعة ضوئية من أعلى المسرح على وسط خلف الغرفة ؛ حيث حسن متربعاً على فراشه وظهره للجمهور ، ينظر لنفسه من خلال المرآة وهو ممسكاً بدمية ) 
حسن : نظراتهم الساخرة تلاحقني في كل مكان ، نظراتهم المُشفقة .. آآه .. تقتلني .. تقتلني .. . 
( فجأة يظهر حسن الصغير في بقعة ضوئية أمامية من الجانب الأيمن للمسرح ) 
حسن الصغير : لا تدع الأفكار السوداء تبث سمومها إلى عقلك .. إنها مجرد هواجس عليك إستئصالها 
حسن الكبير : لكنها الحقيقة .. الحقيقة المريرة 
حسن الصغير : قاومها .. لا تستسلم .. حاول أن تعيش كما الآخرين 
حسن الكبير : كيف ؟! حاولت وحاولت كثيراً حتى .. حتى عجز الأطباء 
حسن الصغير : وإن عجزوا ؛ فالطب يتقدم كل يوم ، حاول ثانية وثالثة .. حارب المستحيل 
حسن الكبير : ( ضاحكاً بمرارة ) شارفت ُ على الأربعين من العمر ، هل تعرف ماذا يعني ؟! 
حسن الصغير : وماذا يعني ؟! تستسلم لليأس وتبقى هكذا حتى الموت !!
حسن الكبير : أجل الموت 
حسن الصغير : مستحيل 
حسن الكبير : وما المستحيل ؟ الموت أهوّن عليّ من حياة ِ بائسة ، هل تعرف ماذا يعني أن أكون إنسانا ً .. . 
حسن الصغير : صدقني ما يؤلمك يؤلمني ، أنت هكذا تشعرني بالخطيئة ( يعود مشحوناً بالتفائل ) عليك أن تنسى .. . لتعيش 
حسن الكبير : ( يدور وجهه فتتصل البقعتان مع بعضهما ) وكيف أنسى ؟! كيف أنسى ما فعلته بي 
حسن الصغير : اعترف بخطأي .. رغم أنه لم يكن متعمداً ( يعود ثانية مشحوناً بالأمل ) إن أردت سأهبك نفسي فأنا لازلت بصحة سليمة 
حسن الكبير : ( ضاحكاً ) وهم .. وهمٌ في وهم 
حسن الصغير : ولكن .. . ! 
حسن الكبير: ولكن ماذا ؟ لولا شقاوتك لما أ ُصبت بلكمة ٍ حرمتني الحياة كما الآخرين ، لن أغفرها لك 
( يتوارى حسن الصغير بصوت بكاءه مشدوهاً ، تظلم البقعة الضوئية كاملة ، تضاء بقعة ضوئية حمراء في الجهة اليمنى الأمامية من المسرح وهي خالية ، تطفأ وتضاء بقعة أخرى حمراء أيضاً من الجهة اليسرى الأمامية من المسرح وهي خالية تطفأ الإضاءة كاملة )

المشهد الثاني 

المكان : بيت أبو سامي .. قديم ويفتقر للديكور 
السينوغرافيا : الخلفية العامة سوداء ، المسرح يعم بالسواد ( تضاء الإضاءة تدريجياً على فضاء المسرح بأكمله ، في وسط المسرح من الخلف جدار حجري وكأنه سور يأخذ شكل القوس يختبأ خلفه سامي ، في الجانب الأيسر من المسرح حيث الباب الرئيسي للبيت ، يتوقف أبوسامي مُهدداً أصحابه الخارجين للتو من بيته وذلك بصوت ضحكاتهم الساخرة ) 
أبو سامي : إذا ما أراويكم نجوم الظهر ما كون بو سامي ، خوش صحبة ، حرامية ونصّابين ( ينادي على ابنه سامي المختبأ مذعوراً من والده ) : ساميوه .. ساميوه .. ( يجلس مكانه المعتاد ليمد يده نحو بُطل الكحول ليستمر في ثمالته عندها يأتي سامي ) 
أبو سامي : وينك ؟ وين كنت ؟ 
سامي : ايه زملاتي
أبوسامي: زملاتك إلى الساعة 3 الفجر ، كم مرة حذرتك من المدرسة للبيت ومن البيت للمدرسة 
سامي : يبى الحين الساعة 2 الظهر ووأنا استأذنت منك 
أبوسامي: (بيده بُطل ويده الأخرى حبال ) وويش تسوي ايه زملاتك 
سامي : كنت معزوم على الغذا عندهم 
أبوسامي: تتغذى ايه زملاتك ومخلني هنا على جوعي ! ماعلموك المدارس حقوق الأولاد يا ردي
سامي : قصدك يبى حقوق الآباء .. علمونا .. بس الثلاجة فاضية ومافي شيء ينطبخ ولا حتى تآكله على الجاهز 
أبوسامي : والحل أموت جوع .. شوف لي حل .. من الجيران .. المطعم .. زملاتك 
سامي: أنا ما أعرف أحد من الجيران .. والمطعم ما يعطي ببلاش 
أبوسامي: لا يعطوا .. هم كريمين واحنا نستاهل .. ( يتدافع يميناً وشمالاً نحو ابنه ) سمعت يا .. . 
سامي : بس كذا عيب !! لا يبى ( يمسك أبوسامي ابنه سامي من شعره ، رامياً البُطل فينهال علياً ضرباً بالحبال ) 
أبوسامي : أنا .. أنا تعلمني العيب يا عصعوص .. يا نصنوص ( ينفذ سامي مذعوراً وباكياً من يد والده ، ويسمع صوت بكاءه من الخارج حيث يواصل أبوسامي شتائمه اتجاه ابنه ) .. بس .. اسكت ( يصم أذنيه ) الله يلعنك ويلعن أبوك .. ( يزداد بكاء سامي) .. وبعدين وإياك .. أنا أراويك .. ( يخرج لأبنه فيكون البيت خال ٍ ، يكون ظل للأب مع ابنه وهو ينهال عليه ضرباً مرة أخرى ) 
سامي: ( متألماً ) من وين لي يبى ؟! عطني فلوس وأنا أجيب اللي تبيه 
أبوسامي: وتتجرأ تقولها .. ويش فاكر ؟! قعدتك عندي بلاش .. وخلك تخيس هنا يا خايس ( يعود الأب للبيت وعلى وضعه السابق تزامناً باختفاء ظل سامي لكنه يستمر بأنينه ) 
أبوسامي : ( يرفع بُطل الكحول ) يا لذيذ يا رايق .. ما أدري أنا بدونك ويش أسوي .. الله ويش هالصوت 
العندليب الأبيض عندنا .. لا .. هذي صوت أم كلثوم ( يدخل جواً مطرباً فنراه يرقص مخاطباً بُطل الكحول ( 
أنت عمري .. ( يدور نصف دورة حتى يسقط ) .. الأغنية حلوة بس توجع موشي ( منتبهاً ) وين راح 
الساعة 10 الليل .. ساميوه .. ساميوه .. . 
)  يخفت بكاء سامي تزامناً مع سكون الأب – تخفت الإضاءة تدريجياً حتى يظلم المسرح كاملاً، تعود إضاءة طولية من الجانب الأيسر للمسرح لتسلط على الممر الخارجي الواقع بجانب البيت ، نرى سامي بحالة يرثى لها ، يأتي له إثنان مُراهقان ذوا ملامح مُخيفة ( 
الأول : ( مشيراً لسامي ) ويش فيك خوك ؟! احد ضاربنك ؟
الثاني: ( مشعلاً سيجارته) شوف وجهه مشمخ تشميخ ، مشابك ايه سنور 
الأول: جاهل وآخر الليل في الشارع ، اكيد بيعينه اهله ، ويش رايك ناخذه عدنا 
الثاني : ووين بتحطه خوك ، انت مطرود من بيتكم وأنا ما عندي مكان 
الأول : عجل ما في حل غير المزرعة 
الثاني : أي مزرعة يا خوك ، شوفه داقوا يرتجف من الخوف ( تبدوا على سامي ملامح الإضطراب والخوف ( 
الأول : ( لسامي مرة ثانية ) هاه يا الوردة .. وين بيتكم ؟ 
سامي: ( مشيراً لمنزلهم ( 
الثاني : وليش قاعد برة ؟ ( بترهيب ) تبغاهم يخطفوك ؟ 
الأول : حاضرين .. افى عليك 
سامي : أنا .. أنا .. خايف ( يزداد خوفاً واضطراباً( 
الأول: خايف من بيتكم .. ليكون مسكون 
الثاني : يمكن ضاربنه أبوه 
سامي: لا .. أبويي ما يضربني .. أبويي يحبني 
الأول: عجل خايف من ويش ؟! 
الثاني: ( يلزم الأول بالصمت) ويش رايك تجي ايانا الليلة وبكرة من الصبح نجيبك الى باب بيتكم 
سامي: لا لا لا ما أقدر ( الثاني يستميل سامي ويمد له عوداً من السيجار ( 
الثاني: لا تقدر ، زقارة وحدة بس وبتقدر ، عشان تصير رجال وما تخاف من أي شيء .. .
سامي: اللي يدخن يصير رجال ؟!
الأول : اكيد 
سامي في سريرته ) ويخاف مني أبويي ( يجربها فلا يتحملها من السعال فيتركها ) ما أقدر .. ما أقدر 
الثاني: خيرتك تتعود .. هذي البداية ( يظلم المكان تدريجياً من البقعة الوسطى من يسار المسرح ؛ فتضاء بقعة أخرى حمراء خافتة من خلف الممر مسلطة على سامي الكبير بينما سامي الصغير مستنداً على باب البيت ( 
سامي الكبير : لا .. لا تسمع كلامهم .. ارجع البيت .. أبوك ينتظرك .. أبوك يحبك 
سامي الصغير : يحبني !! لا ما يحبني .. لو يحبني ما ضربني .. ما عاقبني على شيء مو بيدي 
سامي الكبير : انت وحيده .. تعرف إنه ما يضربك إلا إذا كان في غير وعيه 
سامي الصغير : صحيح بس أنا ما أتحمّل 
سامي الكبير : لازم تتحمل .. مهما صار هذا أبوك .. لو ما يحبك ما تقبلك تعيش معاه 
)يظلم المكان تدريجياً من الممر ؛ لتعود الإضاءة في نفس موضع سامي الصغير وهي حمراء خالية ، تطفأ وتعود مسلطة على بيت أبوسامي الذي لايفارق شرابه للكحول حيث يرن جرس البيت فيرفع أبوسامي موبايله ( 
أبوسامي: هالو .. هلا بوفارس ( لازال يرن الجرس) .. النمرة غلط .. ( لازال يرن الجرس ، فيدرك ذلك حيث يرمي موبايله ويندفع يميناً وشمالاً نحو الباب حتى يفتح الباب مستقبلاً مدرس ابنه سامي( 
أبوسامي: وعليكم السلام .. رحم الله من زار وخفف 
المدرس: وعليكم السلام ، هذا بيت أبوسامي ؟!
أبوسامي: ( ساخراً ) ويشو ؟ فرقة ميامي .. لا لا .. البيت الذي طلبته غير صحيح فضلاً تأكد من البيت الصحيح وشكراً .. توت .. توت 
المدرس : شكلك ظريف 
أبوسامي: لا .. اسمي شريف .. مكتوب على جبيني .. ما تشوف 
المدرس : ( ملامح اشمئزاز من المدرس ، يمد وثيقة سامي لأبيه ) أنا مدرس ولدك سامي .. وهذي وثيقته .. ولدك سامي سقط 
أبوسامي: سقط ! ومن وين ؟! سور المدرسة وإلا البيت ؟ أنا البارحة رابطنه .. وينكم عنه ؟ مو انتو المسؤلين
المدرس: ولدك سقط في جميع المواد الدراسية عدا التربية الفنية كونها مادة ما فيها رسوب 
أبوسامي: لحظة .. وين المغزى ؟ تبغوني أطلعه من المدرسة .. وإلا أضربه عشان يذاكر 
المدرس : وهذا الحل بنظرك ! ولدك عقله نظيف وذكي .. كان دائماً من الناجحين .. أتمنى تجلس مع ولدك وتبحث عن أسباب سقوطه للمرة الثانية 
أبوسامي: وانتوا ويش دوركم ؟! مو تربية وتعليم .. تربية ثم تعليم وثم حرف عطف منصوب بالجرة ، مو يوم رسب تفرغتوا .. وين مدرسين أيام قبل .. اللي ينقال فيهم : قم للمعلم ووفه التبجيلا ... كاد المعلم أن يكون رسولا ، مو مدرسين هالزمن ... مالت 
المدرس : يا ما رسّلنا لك رسايل وماشفناك في المدرسة .. احنا نحتضن 500 طالب لكن انت ما عندك غير واحد .. وينك أنت عنه ؟! مع السلامة يا بوسامي ( يخرج عنه(
أبوسامي: أفى يا ساميوه .. طيحت هيبتي قدام اللي ما يسوى .. بس أحسن حاجة سويتها إنك رسبت 
والحين ما عندك حجة ( يدخل سامي بملامح الخوف والرهبة والإرتباك ( 
سامي : السلام عليكم يبى 
أبوسامي: الله لا يسلمك ( يمسكه ويبرحه ضرباً ) أحد يرسب في كل المواد .. أنا اتعب إلى من ؟ وين عقلك ؟ 
خلاص ما يفيد إياك .. من اليوم ورايح مدرسة مافي وتشوف لك شغلة .. إلى متى أصرف عليك من جيبي ؟ 
سامي : ( مندهشاً ومتوسلاً ) لا يبى إلا المدرسة .. أوعدك إني أحسّن مستواي بس لا تحرمني من المدرسة 
أبوسامي: عطيتك بدل الفرصة فرصتين .. بس اللي زيك مكانهم الشغل وبس ( يخرج الأب ، ينقمش سامي في زاوية من المسرح ، تسلط بقعة ضوئية حمراء على سامي الصغير تزامناً مع بقعة ضوئية زرقاء في الزاوية الخلفية من المسرح على سامي الكبير المُقعد على كرسيه ( 
سامي الكبير : بدل ما تتقرب منه وتطفي النار .. تزيد النار حطب 
 ) تسلط بقعة ضوئية طولية على الممر بجانب البيت ، سامي الصغير يحمل العربة من الخلف وهو في حالة إرهاق متقدماً بها حتى يصل عند باب البيت ، يترك العربة فيخر على الأرض متوسداً الجدار وهو يتنفس الصعداء يمر من الخلف زملاءه الخارجين من المدرسة( 
زميل 1 : ( ضاحكاً ) طالع من المدرسة وآخرتها حمّالي .. والله فشيلة 
زميل 2 : كان كملتها واشتغلت زبّالي ( يذهبان عنه ( 
)يوشح بوجهه من الجهة الأخرى وهو بحالة الإنحسار (
سامي الصغير : هذا اللي كنت خايف منه ، لازم أشوف لي شغلة أحسن من هالشغلة 
)  تطفأ الإضاءة وتضاء في نفس المكان والبقعة حمراء خالية ، تطفأ وتضاء ثانية وسامي الصغير على باب البيت  يبيع الألعاب الشعبية والنارية ( 
سامي الصغير : ( ينادي بأعلى صوته ) نفافيخ .. مفرقعات .. كل الألعاب الشعبية والنارية للعيد ( يعود زملائه (
زميل 1 : والله تطورت .. تبيع ألعاب ( مشيراً لزميله ) ماودك بلعبة منها 
زميل 2 : من وين هذي !! ألعاب من عصر الديناصورات ( مشيراً لسامي ) المرة الجاية جيب لينا بلايستيشن ، قيم بوي .. صحيح متخلف ، بس هذي النافورة حلوة .. واليوم عيد ( يسحب بعض منها ) اعتبرها هدية العيد باي ( يهربان عنه وهما يضحكان عليه فيأتي الجار أيمن المتشدد دينياً تزامناً بصوت الأذان( 
سامي الصغير : ...... .
أيمن : والله اكملت .. بيع وقدام البيت ، لا وألعاب نارية عشان أذية العالم 
سامي الصغير : محلات واجد تبيعها والناس تشتري عشان يفرحوا بالعيد 
أيمن : المحلات شكينا عليهم عند البلدية وصادروا كل الألعاب النارية ، وبعدين ما سمعت صوت الأذان ، البيع أهم من صلاة ربك ( آيه البيع والتجارة ) صحيح ولد فاسق ( يقلب عليه البضاعة ) وإن شفتك تبيع على باب البيت باحش رجولك حش .. آخر زمن جيل فاسق .. استغفر الله ( يدخل أيمن بيتهم المقابل لبيت أبوسامي) 
سامي الصغير : عمري ما تركت الصلاة ، أصوم وأقرأ القرآن .. وآخرتها فاسق .. عجل من الصالح ؟! من ؟! 
(إظلام كامل للمكان ، يظهر صوت أبوسامي كبلي باك ) 
أبوسامي : وهذا أنا اقول لك .. إن رجعت البيت بدون شغل مالك مكان فيه يا الكلب بن الكلب 
( تسلط إضاء حمراء خافتة ناحية الممر بالجانب الأيسر من المسرح ، سامي الصغير على باب البيت متوسداً الجدار مجهشاً بالبكاء ، يعود له الشابان المراهقان وهما يخطوان بخفي حنين ( 
الأول باسلوب اقناع وتشجيع ) سمعنا كل شيء وأبوك على حق .. لازم تشتغل 
سامي الصغير : من وين ؟ وأنا المتوسطة ما كملتها 
الثاني : حاضرين ولو .. .
الأول : ( يمد له عود سيجارة ) ضبّط راسك عشان تفهمنا ( يأخذ سامي الصغير السيجارة بعد إشعالها ويشربها( 
الثاني : إحنا اشتغلنا في محلات واجد بالبلد من مطاعم إلى مولات .. ورشات .. شركات .. لكن النحاسة تلاحقنا وين ما نروح 
الأول : ( متمسكناً ) بدل ما يشكرونه على الخدمة اللي نسويها ليهم .. يطردونا ويآكلوا حقنا .. الله يرضى 
سامي الصغير : لا 
الثاني : وماحد يرضى .. احنا فكرنا نآخذ حقنا من كل اللي باقوه .. يا ما طالبناهم بحقنا ولا عطسوا في وجهنا وعشان كذا بناخذ حقنا غصباً عنهم 
سامي الصغير : ما فهمت ( يبدوا على الإثنان ملامح الإنزعاج وشيء من اليأس ، يأتي الجار حسن ؛ فيلمح سامي مع الإثنان وما إن يلتفتا الى حسن يهربان عن سامي الصغير ) 
حسن : ويش يبغوا منك ؟ 
سامي الصغير : ولا شيء .. هذوله أصدقائي 
حسن : أصدقاءك !! ومن متى ؟!
سامي الصغير : قبل أيام 
حسن : وتدخن إياهم بعد ؟! 
سامي الصغير : ويش عرّفك ؟ .... انت ويش تبغى مني ؟ ليش تحقق وياي 
حسن : لا تخاف .. أنا جاركم الجديد الباب بالباب .. مرة ثانية باسألك ويش كانوا يبغوا منك ؟!
سامي الصغير : يشغلوني واياهم .. هم شرحوا لي طبيعة الشغل بس أنا ما فهمت عليهم 
حسن : ( مرتخياً له ) سامي .. إذا بتصادق أحد صادق ناس من عمرك مو ناس أكبر منك ب10 أو 15 سنة 
سامي الصغير : حتى أنا أشوف كذا بس ويش اسوي إذا زملائي كلهم خلوني 
حسن : بتلاقي غيرهم .. الديرة ما تخلى من الأولاد الطيبين .. سامي أنا أدري إنك هربان من أبوك .... 
( تبدوا على سامي ملامح الخوف بمجرد ذكر والده ) ويش فيك سامي ؟ 
سامي الصغير : أنت مأمور من أبويي ( يزداد انفعالا ً) أنت مأمور من أبويي ! 
حسن : لا .. مو صحيح 
سامي الصغير : ( مستقطعاً ) انت مأمور من أبويي 
حسن : لا لا لا 
سامي الصغير : ( منفعلاً ) لا .. لا تضربني 
حسن : ويش فيك سامي ؟ أنا اضربك ! 
سامي الصغير : ( مرتجفاً ) أرجوك لا تتقرب مني .. لا.. لا تضربني 
حسن : ( يضمه إلى صدره ) لا تخاف .. أنا وإياك .. أنا وإياك 

 يظلم المكان 

المشهد الثالث 

المكان : بيت الجار حسن 
السينوغرافيا : الخلفية بيضاء ، المسرح يعم بالسواد ، يسمع صوت سامي الصغير 

سامي الصغير : أنا أحبه بس هو ما يحبني ، كل الأبوة يدللوا أولادهم ويحققوا ليهم كل اللي يبغوه إلا أنا 
أنا ما أبغى شي ، كل اللي أبغاه أعيش بسلام زي أي ولد عادي وبس   ( تعود الإضاءة على حسن وسامي ) 
حسن : أنا رايح أرجعك المدرسة وتباشر دراستك مثل غيرك 
سامي الصغير : ( يمد له يده ويحاول تقبيل رأسه لكن حسن لا يقبلها ) شكراً 
حسن : لا .. لا .. أنا موغريب ولاصاحب معروف .. قول لي الحين .. ويش تحب تكون ؟ أحلامك ؟ 
سامي الصغير : إني أعالج أبويي لما أكبر وأحس بوجوده ، هذا أكبر حلم 
حسن : إن شاء الله يتحقق ، بس قصدي ويش هواياتك ؟ ويش تحب تلعب مثلاً ؟ 
سامي الصغير : أنا أحب الرسم بس ما أحب الوّن رسماتي 
حسن : جميل ، جميل جداً ، وليش ما تحب التلوين ؟ 
سامي الصغير : ما أدري 
( تطفأ الإضاءة وتعود مرة أخرى ناحية الممر ، الإضاءة زرقاء خافتة كأنه الغروب ، أبوسامي يدق باب بيت الجيران من الجهة اليسرى للمسرح من الخلف)
أبوسامي : طلعوا ولدي يا حرامية .. طلعوه وإلا أفضحكم في الديرة ، افتحوا الباب ( ملامح اليأس عليه ، يتوسد الجدار وهو كعادته ثمل للغاية ) ما عليه وين بتروح مني وانتون الشرطة ليكم ياخطافين ( يأتي أيمن المتشدد دينياً وذو الملامح المخيفة نوعاً ما من خلال ذقنه الكثيف ) 
أيمن : استغفر الله ويش هالحالة ، سكران وعلى باب البيت ( مستكرهاً رائحته ) ما تقوم يا .. . يا حثالة لاهذا منتهي ( يذكر آية تحريم الخمر ويبصق في وجهه ) خوش جيران والنعم والله ( يدخل بيتهم عنه مغلقاً الباب بقوة ، تخفت الإضاءة تدريجياً وتعود الإضاءة ثانية من خلف الممر ، أبوسامي نفس موضعه السابق ، سامي الكبير على كرسيه المتحرك حيث يظهر بشكل نصفي من الخلف ) 
سامي الكبير : يا ليت أقدر أوصل لك انت طيب وحنون ، لو ما هالبلية اللي انت فيها ، يعزّ علي اشوفك بهالحالة واتركك ، يا ليت كنت .. يا ليت ؟!! لو كل يا ليت تتحقق كان لم شملنا في البيت ( يظلم المكان كاملاً ، تعود الإضاءة حمراء خافتة على الممر ، يسمع صوت انفجار ورؤية الدخان متصاعداً من البيت ) 
سامي الصغير : أبويي !! أبويي في البيت لحقوا عليه 
حسن : لا تخاف ، أبوك موجود عندي في البيت 
سامي الصغير : وبيتنا خلاص ! احترق .. احترق !! 

المشهد الرابع 

 يظلم المكان 


( تعود الإضاءة إلى بيت حسن ، أبو سامي وابنه سامي الصغير متجمّدين في بقعة ضوء خضراء خافتة ، وبقعة أخرى حمراء تسلط على حسن وأخيه أيمن ) 
أيمن : بتسوي خير ما فيها شيء ، بس الى ناس تستحق مو الى ناس سمعتهم أوسخ من لدرام 
حسن: ( هامساً ومُحذراً ) أيمن .. . الزم حدودك 
أيمن : تتعاطف معاهم مو مشكلة ؛ بس فلوسك يا أخي كلها تنصرف للمنكر وما حرمه الله ، يعني انت تساعد على الفساد بدل ما تقتلعه من جذوره 
حسن : أيمن !! الى هنا وخلاص ، آخر عمري تعلمني الحلال والحرام 
أيمن : اسمع بدل ما تصرفها عليهم ، قدّم هالخدمة للجمعية الخيرية باسم فاعل خير وهي توزعها على الفقراء 
وإلا ليش كل هذا ؟ الأقربون أولى بالمعروف 
حسن : ( مشدوها  ...... ( 
أيمن : أنا أولى من غيري 
حسن : مدرس يستلم راتب كبير ، وظيفة حكومية الكل يتمناها تقوم تضيعها منك 
أيمن : ( مبرراً ) هذا لأني أبغى مصلحة أبناءنا ، بأن يكون جيل المستقبل واعي ومتفتح ومواجه لكل أداة تغزوه 
وتبعده عن أمور دينه وما أكثرها من أدوات أخذت تتشرب في مجتمعنا وأدهاها ما يسربه الإعلام ليسمم العقول بتلك القنوات الفاضحة والتي هدفها إغراء الصغير قبل الكبير وخصوصاً قنوات الأغاني الفاسدة 
حسن : أي مصلحة !! وانت تخرج من مناهج مقررة من الحكومة ، طالع لي فيها مُفتي ، هذا حلال وهذا حرام عندك منهج التزم به ، انت مدرس ولست مُفتياً أو داعياً 
أيمن : أنا مربياً للأجيال وواجبي يحثني على الإصلاح وتوجيه الطلاب لما فيه خير وصلاح لهم 
حسن : مُربي وليس مُفتي ، وبعدين اذا كنت تعتبرها تربية فهي تربية غلط ، تجي للطلاب بالترهيب وكل شيء حرام في حرام ، الدين يسر مو عسر ، أحد عامل لك عملية غسيل مخك ؟! 
أيمن : ( متشنجاً ولايجد رداً ) حسن !! ( تتحول البقعتان الى بقعة ضوئية واحدة صفراء ( 
أبوسامي: ( كعادته بيده بُطل الكحول ) ويش فيكم ؟ صوتكم واصل للشارع ، اللي يشوفكم بتحللوا قضية فلسطين ، اللي قبلكم كانوا أشطر وما قدروا ، تعالوا وخلوا القرعى ترعى ، من يتحدّاني ؟ ( يخبص الورق ( 
أيمن : (مشيراً لأخيه ) تفضل ، كان تزيد حسناتك ، شيء حلو تبارك البيت ، خمر وميسر .. . ( يزغرد )
أبوسامي: ( نظره لأيمن ) بسم الله ، من وين طالع هذا ؟! عايش ايانا ؟! إن البيت الذي طلبته غير صحيح فضلاً تأكد من البيت الصحيح وشكراً ، توت توت 
سامي الصغير : يبى ما تقدر تمسك روحك أبداً ، احنا لازم نشوف لينا مكان ثاني 
حسن: لا يا سامي ، انتون بتبقوا في البيت 
أيمن : وأنا أقول بيتنا يتعذرهم 
حسن : مو على كيفك 
أيمن : وبعد تكسر كلامي قدامهم ، أنا قررت وخلاص 
سامي: ( لأيمن ) ولاتشغل بالك ( موجهاً كلامه لحسن ) انتون مو ملزومين بنا ، كفاية تحملتونا هالمدة 
( تخفت الإضاءة تدريجياً ، يتوارى أبوسامي وسامي الصغير تزامناً مع سجال حسن وأيمن ) 
حسن : لا يعني لا 
أيمن : شوف ماعندك غير خيارين يا أنا يا هم ( إظلام للمكان وتعود نفس الإضاءة كاملة في بيت حسن ( 
حسن : انت ما تحس ، أفهم يا أخي ، سامي صار مثل ولدي 
أيمن : وأي ولد ؟ اللي ما نولد ، اللي تسويه في نفسك مجرّد مسكّن مؤقت ، ما راح يدوم لك 
حسن : ( محاولاً تفادي النقاش حول سامي ) أيمن أحسن شي تسويه ، ترجع زوجتك ، ترى الطلاق لا هو بصالحك ولا بصالحها ، بإمكانكم تتفاهموا 
أيمن : بس أنا طلقتها 
حسن : متى ؟! وليش ما قلت لي ؟ استشيرني .. ما صار لك سنة من تزوجت 
أيمن : ما في توافق ، البنت عنيدة ، طلباتها ما تنتهي وغير معقولة ، تصوّر ويش طالبة ، تبغى تشتغل !
حسن : إذا بتشوفك عاطل وهي عندها شهادة اكيد بتطلب ، من وين بتصرف ؟!
أيمن : ( متعصباً ) المرأة مكانها البيت والعمل للرجل فقط ، المرأة العاملة حرام ، الرجال قوّامون على النساء 
حسن : يالله راوينا مسؤليتك وبعدين مو على كيفك ، كل شي تغيّر يا حبيبي ، والمرأة صارت تستلم مراتب مهمة وكبيرة في المجتمع ، المرأة نصف المجتمع مثل ما لك حقوق إليها حقوق 
أيمن : ( منزعجاً ومحاولاً الهروب من الموضوع ) أنا رايح الى جماعتي ( يهم بالخروج ، تطفأ الإضاءة وتعود لتسلط من الجانب الأيسر للمسرح من الخلف حيف الممر ، أيمن وزملائه خلف الكالوس بصورة الظل ( 
أيمن : احس إني باختنق ، مو قادر اتحمّل 
زميل 1 : هدّي بالك ، تصرّفك كان عين الخطأ ، مو كل شي يجي بالقوة ، انت لازم تفكر صح وتنظر لها من منظور آخر 
زميل 2 : بإمكانك تكسب أجر وتقوم بعملية الإصلاح 
زميل 1 : ابو سامي أمره منتهي ورايح فيها ، بس سامي بعده وردة صغيرة 
أيمن : ما فهمت 
زميل 2 : اللي بعمر سامي ما يعرف الصح من الخطأ لأنه ما حد ليه ، سامي نبتة ولازم تنمو في تربة صالحة
زميل 1 : غيّر معاملتك إياهم ، تحبب ليهم وأمسك سامي من يده وربيه تربية صالحة 
زميل 2 : سامي كنز .. وهبك الله إياه فلا تضيعه منك 
أيمن : صحيح إني أعمى ، بارك الله فيكم يا شباب ، كلامكم درر ونورٌ على نور ، حفظكم الله ورعاكم 
الجميع : ( يوصونه ) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 
) تطفأ الإضاءة ثم تعود الإضاءة حمراء في وسط الوسط من المسرح وهي خالية ، يدخل أيمن وخلفه سامي الصغير( 
سامي الصغير : غفر الله لك 
أيمن : ولوالديك ، اسمع يا سامي صلاتك هي حياتك ومماتك ؛ فلا تتوانى عن الذهاب للمسجد وخصوصاً صلاة الفجر ( يفتح سامي كراسة الرسم ليري أيمن إبداعاته الفنية ( 
سامي الصغير : قبل الدرس يا استاذ ، حبيت أراويك شيء من صنع يدي ، ويش رايك في رسوماتي 
أيمن : ( يتصفح الرسومات جميعها وهو يردد ) حرام ، حرام ، هذا شرك بالله 
سامي الصغير : الرسم شرك بالله !! هذي تربية فنية 
أيمن : لم أقصد الرسم عموماً ؛ لكن ما قصدته المرسوم هنا ، أيعقل مخلوقات بشرية ، أنشارك في تصوير أو التشبيه في خلق الله ؟! أجبني هل يعقل هذا ؟! 
سامي الصغير : أنا آسف ، ما كنت اعرف هالشي 
أيمن : وها قد علمت ، اسمع يا بني ، انت طالب ذكي ، اذا رأيت منكراً من القول أو الفعل في الطريق أو المدرسة ماذا يتوجب عليك هنا ؟
سامي الصغير : المسارعة في اصلاح الأمر بالأمر بالعروف والنهي عن المنكر 
أيمن : احسنت وماذا أوصيتك ايضاً ؟ 
سامي الصغير : الإهتمام بالعلوم الدينية وترك كل شي يدعوا الى اللهو ومدمر للعقل لأن أمور الدين زادنا في الدنيا والآخرة 
أيمن : ولا تنسى أن تحث زملاءك بالإلتحاق بالدورات الدينية ودورات القرآن الكريم 
سامي : كلمتهم استاذ ، بس بدل ما يشكروني ضحكوا علي 
أيمن : استغفر الله ، لا بأس لا بأس ، حاول مرات ومرات ولا تجعل اليأس يدبّ الى قلبك 
سامي الصغير : باذن الله 
أيمن : شيء آخر يا بني ، هل يرضيك ما لا يرضي الله 
سامي الصغير : لا 
أيمن : انظر ما يفعله والدك ، هل هو حلالٌ أم حرام ؟!
سامي الصغير : ..... 
أيمن : احرجتك ؟ ولكن هل يعني أن نصمت ، انت مأثوم ، صمتك إثمٌ عليك ويجب ان تتدارك والدك وتهديه الى الصراط المستقيم 
سامي الصغير : ارشدني يا استاذي الفاضل 
أيمن : التأديب ثم التأديب ثم التأديب ؛ حتى يصحو فيستقيم 
سامي الصغير : وكيف ؟ 
أيمن : أن تكون كحد السيف 
)  يظلم المكان تدريجياً ، تعود الإضاءة حمراء في نفس المكان وهي خالية ، تطفأ وتضاء مرة أخرى لتلسط على أبوسامي وهو يبحث عن بطُل الكحول والأوراق وبجانبه آلة العود ( 
سامي الصغير : لا تتعب حالك يبى ، أنا .. أنا .. أنا رميته 
أبوسامي : ساميوه ! آه يا الكلب بن الكلب 
)  يحاول ضربه لكن سامي يقاوم لأول مرّة إلا انه لازال بداخله خوف وضعف أمام والده ) 
أبوسامي : ساميوه ! وصلت فيك المواصيل توقف في وجهي يا عاق ، لا موسامي ولدي اكيد بدلتوه 
سامي الصغير : يبى ، ارجع الى الله وتوب ، اغسل روحك من هالسموم ، خاطري اشوفك تصلي ، تمسك القرآن انت لازم اتوب  ( يأخذ آلة العود ويكسرها وهو لازال منفعلاً ) لازم اتوب ، لازم اتوب 
أبوسامي : لا الولد مسكون ، لا لا انت جاي من عند شيخ قبل ما تجي ، ما قال لك الشيخ اضرب أبوك بعد مو هذا اللي ناقص ( يدخل حسن الذي كان منصتاً لما دار من حديث بينهما ، مندهشاً من تصرف سامي ) 
حسن : سامي ! ويش فيك ؟! اشوفك هالأيام مو على بعضك ، احد يرفع صوته على أبوه ، أخويي أيمن ابتعد عنه ، الحياة عند أخويي لون واحد لكن الحياة الحقيقية ألوان مثل ألوان الطيف ، ادري كلامي كبير عليك ، بس اللي لازم تعرفه ان اخويي بحاله ضايع واللي يتابعه اكيد يضيع ، صحيح أبوك غلطان بس معاملتك هذي أكبر من الغلط ، روح اعتذر له واطلب رضاه ( يلقي سامي الصغير نفسه بحضن والده وهو مجهشاً بالبكاء تزامناً مع بقعة ضوئية أخرى زرقاء مسلطة على سامي الكبير المُقعد على كرسيه ، يمد يده خارج البقعة اتجاه البقعة المسلطة على الأب) 
سامي الكبير : ( يمد يده مُغمض العينين ) اسمع صدى صوتك في كل الجهات ، في كل ليلة ، في أحلامي 
لكن ما اقدر اشوفك ، آه .. أنا آسف ، فعلاً أنا آسف ، بتسمعني ؟ بتقبلها ؟! 
سامي الصغير : ( للأب ) سامحني يبى ، من خوفي عليك 
سامي الكبير : لا ( عبارة "لا" من سامي الكبير متزامنة مع عبارة "سامحني " من سامي الصغير ) 
أبوسامي : خلاص سامحتك 
سامي الكبير : لا .. لا .. . 
ابوسامي : بس بشرط ، تطلب لي من الزين اللي .. . صندوق ، صندوقين انتوا وكرمكم طال عمركم 
( ينظر سامي الصغير ناحية حسن بتعابير الغرابة وحسن مبتسماً ابتسامة استفهامية حتى يظلم المكان تدريجياً،  تعود الإضاءة في وسط الوسط من المسرح ، الخلفية العامة سوداء لبيت حسن ، تسلط الإضاءة على أيمن وحسن ) 
حسن : ويش عندك مع سامي ؟
أيمن : خير ؟ في شي غلط ؟!
حسن : أيمن ، ابتعد عن الولد أحسن لك ، سامي مسؤليتي ، ما حد كلفك به 
أيمن : صحيح أمركم غريب انتون ، ما ادري كيف تفكرون ، اللي يسوي خير انقلب عليه شر واللي يسوي شر يا إما تسكتوا عنه وإلا تحيوه على عمله 
حسن : ومن هم انتون ؟!
أيمن : انت وأمثالك 
حسن : لا ، ويش اللي غيرك ؟ يوم وليلة انقلبت واحد ثاني ، إلا إذا عندك انفصام في الشخصية أو ازدواجية 
أيمن : لا ازدواجية ولا انفصامية ، أنا مثل ما أنا ، آمر بالمعروف وانهى عن المنكر 
حسن : شوف عاد خذها من النهاية ، بتسحبه واياك للمسجد ، دروس تعليمية ، نادي رياضي وفني ، أوكي مشكور لسعيك ؛ بس تحرضه على أبوه ، هذي أكبر غلط واللي ما اسمح لك به 
أيمن : أي تحريض ؟! الخطأ إني اشجعه على رعايته لأبوه ومنعه من شرب الكحول وإلا اشجعه بصرفي عليه من هالسم الهاري ، فيق يا أخي ، اللي تسويه حرام ويبقى في ذمتك 
حسن : أي حرام ؟! أنا اصرف على الولد وبس أما إذا على ابو سامي فمشروبه عن طريق اصحابه 
أيمن : لكن سكوتك عن الخطأ يوقعك في الذنب 
حسن : ابوسامي مدمن وفاقد الإرادة ومع هذا لازلت أحاول ، بالسياسة ، باللين مو بالمعاملة القاسية والهمجية 
أيمن : أنا ! أنا ! لا الحوار معاك عقيم وما اظن إن احنا نتفق ، أنا طالع وعلى فكرة يمكن اسافر هاليومين 
حسن : ووين على الله ؟! 
أيمن : ما اظن يهمك تعرف ، انت بنيت بينا حاجز كبير ، مسافة كبيرة ( يخرج ) 
حسن : حاجز كبير ! ويش قاعد يخربط هذا ، لا هذا جن وقعد ، هذي مو عملية غسيل ، هذي عملية استئصال
( ينادي عليه ) أيمن ، أيمن ( يخرج وراءه ويظلم المكان كاملاً ، تعود الإضاءة مسلطة في وسط وسط المسرح وهي خالية ، تطفأ ثم تضاء في الوسط الأيسر من المسرح وهي خالية ، تطفأ وتضاء في الوسط الأيمن من المسرح على حسن مترقباً مولوده والذي طال انتظاره ما يقارب خمسة عشر عاماً إلى أن يجلس على الكرسي ، يدخل عليه سامي من الجهة اليمنى حاملاً بيده صحيفة ) 
سامي الصغير : عمي حسن ، عمي ، اقرأ هذا الخبر ( يسحب الصحيفة منه ) 
حسن : خبر ! بعد أن تم القبض على المواطن أيمن قبل عدة شهور من الآن بتهمة محاولة تفجير أحدى منشآت الغاز بعد احباط العملية ، اتضح وبعد عدة محاولات وتحقيقات أن المواطن بريء ومُدان من هذه العمليات وذلك بعد اعتراف البقية بعدم علاقتهم به ، وعلى هذا تم الإفراج عنه صباح هذا اليوم 
( يسقط حسن على الكرسي منهك القوى ، ملامح الفرح والحزن ممزوجتان بعينيه ، محتضناً سامي ) الحمد لله
سامي الصغير : وعمتي للحين ما ولدت ؟
حسن : قريب ، هذا أنا انتظر 
سامي الصغير : أخيراً بيكون عندي أخو صغير ألعب معاه واضربه إذا غلط 
حسن : ( ضاحكاً ) بعد للضرب 
( تطفأ الإضاءة فتعود مرة ثانية على نفس الوضع السابق مسلطة على حسن وهو يترقب جالساً على الكرسي ودقات للساعة دلالة على الترقب ، تُمد له اليد التي تحمل المولود وهو يصرخ ، يرمي نفسه نحو المولود ، يقف في وسط البقعة أو مقدمتها ) 
حسن : راح اسميه سامي ( ينزل صوت خارجي ، وصورة حسن مع المولود وهو يقبله في وضع متجمّد ) 
صوت : مبروك ما جاك ، بس يؤسفنا إن .. إن .. المولود ناقص ويحتاج رعاية خاصة جداً ويمكن ما يعيش مدة طويلة ( ينصدم حسن بالخبر ، يضع المولود على الأرض وهو يصرخ " لا " تزامناً بتراجعه للخلف منزوياً وكأنه في حالة هستيريه وهو ينظر للمولود ، ينزل صوته كبلي باك( : 

اشكثر وانا انتظر لحظة ميلادك 
تجيني يا حلم والعين تملى بك 
ويش حال قلبي يا الولد
لما تجي بصوابك 
بسمة رسمتها واختفت 
بسمة ألم لأحبابك 
ما جنت أظن يا البدر 
وانا انتظر ميعادك 
تجيني بحال ٍ ما يسر 
تزيد عذابي بعذابك 


)  يظلم المكان تدريجياً ، تسلط بقعة ضوئية في الناحية اليمنى من خلف المسرح ، حسن ظهره للجمهور وعلى فراشه ووجهه أمام المرآة ممسكاً بالدمية متزامنة مع بقعة ضوئية أخرى في الناحية اليسرى من خلف المسرح على أيمن الجالس على كرسي ووجهه مقابل البقعة التي يقبع بها حسن ( 
حسن : ( مشيراً للدمية ) ليش جيت ؟! 
أيمن : بيني وبينهم شعرة لو ما الله ستر ، يا ما حرّضوني ، أغروني باسم الجهاد وضد من ؟ وطني وسكان هذا الوطن اللي هم أهلنا بحجة استهداف الأجانب من اليهود فيه 
حسن : سنين وانا انتظر عشان تجيني ( شعور بغصة ومرارة ) وآخرتها تجيني مشوّه 
أيمن : سامحني يا خوي ، اغشوني بغمامة سودا وكبيرة ، يا ما جرحتك وظلمتك 
حسن : كان ما جيت ، يا ليتك جيت عاق مو مُعاق ، العاق يمكن يكون بار ؛ لكنك جيتني مشوّه 
ويش حاجتي فيك 
أيمن : ( محاولاً الإقتراب وعلامات الدهشة بادية عليه ) سامحني يا خوي ! 
حسن : لا ، روح الى أمك ( ضاحكاً بهستيريا ) عشان تقر عينها ، يا ليت أمي ما ولدتني ، يا ليتها ما ولدتني 
أيمن : سامحني يا خوي !! 
حسن : لا 
)  تكرار عبارة أيمن " سامحني يا خوي " تزامناً مع عبارة " لا " من حسن حتى وصول أيمن لخط البقعة ، يخرج أيمن كفه محاولاً الوصول إلى أخيه وهو يكرر عبارته متصاعداً " سامحني يا خوي " (
حسن : لا .. لا .. لا ( يمزق الدمية ويرميها ، ينظر لنفسه في المرآة ، يكسر المرآة ، يتغطى بالقماش مجهشاً بالبكاء ، يتراجع أيمن ويظلم المكان تدريجياً ( 

المشهد الخامس 

 المكان : بيت أبوسامي ، وآثار الحريق والعتمة بادية عليه 
السينوغرافيا : الخلفية العامة سوداء ، المسرح يعم بالسواد 

( بقعة ضوئية حمراء خافتة تسلط على أبوسامي وهو كعادته في حالة النشوة ، يبحث في أرجاء المكان عن بُطل الكحول فلا يجد شيئاً )
أبوسامي : بيت ويش كبره ما في ولا بُطل واحد !! ( مستذكراً فينادي سامي ) ساميوه ، ساميوه 
سامي : نعم يبى 
أبوسامي : ( متعصباً ) وين لفلوس ؟ 
سامي : أي فلوس ؟ ما عندي شي يبى 
أبوسامي : ولاشي ! ومدخولك الشهري وينه ؟ 
سامي : أي مدخول ؟ أنا من رجعت المدرسة تركت الشغل عشان اهتم بالدراسة وإلا نسيت يبى 
أبو سامي : تهتم بالدراسة ! انت اهتم بأبوك أول وبعدين اهتم بدراستك يا فاشل ، يا عاق ، شوف تطلع لي لفلوس من أرض أو سما وهالحركات مو على أبوك 
سامي : لا حركات ولاشي ( يندفع متشجعاً بمواجهة أبيه ) وحتى لو عندي ما راح أعطيك ، تدري ليش ؟ 
لأنك راح تصرفهم على اللي تشربه 
أبوسامي : لا والله ! اسمع موّال جديد 
سامي : انت وعدتني تترك المشروب ، بس أنا اشوفك تزيد ، حس فيي ، أنا ولدك الوحيد 
أبوسامي : وأنا أبوك .. الوحيد .. وحيد ويتيم ( فأما اليتيم فلا تقهر ) ولازم تسمع كلامي 
سامي : لا ، في اللي يضرك ويضرني لا ، أنا آسف يبى 
أبوسامي : آه يا الكلب بن الكلب ، صحيح ما عرفت اربيك ( يلاحق ابنه بالحبل ، يخرج سامي هارباً من سطوة ابيه مذعوراً ، يقف الأب عند الباب ) أنا تعصي أمري لكن الشره مو عليك ، على جيران العازة اللي خلوك تتمرد على أبوك ، من اليوم مفصول من المدرسة وتشوف لك شغلة فيها رزق يا الفاشل 
( يسمع صوت ارتطام ، لحظة من الصمت ، يتوقف الأب الهوينة ، يهرول للخارج ، يظلم البيت وتسلط بقعة ضوئية ناحية الممر الخارجي للبيت ، سامي الصغير مرمياً على الأرض ) 
أبوسامي : ( يرفع ابنه ويتحسسه بنداءه له " سامي" ، يكررها عدة مرات تزامناً مع الإظلام التدريجي وصوت الاسعاف ثم صوت لمجاميع كبلي باك مع صوت لتخطيط القلب ) 
صوت لمجاميع : رغم معاملتك القاسية له ، سامي يحبك ، أمنيته إنه يشوفك بصحة ومعافى ، يحس بوجودك كأب مثل باقي الآباء مع أبناءهم 
أبوسامي : حبيبي سامي ، لا تتصوروا إني لما اضربه كنت ارتاح ، مو بيدي من المشروب الله يقطعه ، أنا مستعد اترك المشروب بس ولدي سامي يرجع لي 
صوت المجاميع : الطبيب يقول إن سامي في حالة غير ثابتة ، ادعي وصلّي له يا بو سامي ( يظلم المكان ( 

 المشهد السادس 

المكان : بيت أبوسامي 

( تقع بقعة ضوئية خضراء وهي خالية ، تطفأ وتضاء بقعة ضوئية زرقاء وهي خالية ، تطفأ وتضاء بقعة ضوئية حمراء مسلطة على سامي الكبير مُقعداً على كرسيه ، تسلط الإضاءة عليه وظهره للجمهور وأمامه صورة معلقة لـ ( سامي الصغير) 
سامي الكبير : حرمتني من الحركة ، من أبويي ، حرمتني إني اعيش مثل باقي الناس 
( يرمي الصورة أرضاً تزامناً بظهور سامي الصغير مكبلاً بالسلاسل خلف سامي الكبير )
سامي الصغير : حرام عليك ، حرام 
سامي الكبير : من هو انت ؟ .. . انت بعدك موجود ؟ .. . لو ما انت ما صار حالي بهالحال 
سامي الصغير : حالك مو اسوأ من حالي 
سامي الكبير : ( مستهزءاً ) تبغى تفهمني إن حالك اسوأ من حالي !! 
( يضحك بانفجار ومرارة ) 
سامي الصغير : الإعاقة اللي فيي أكبر وأكبر من الإعاقة اللي انت تحسبها إعاقة 
سامي الكبير : انت معاق !
سامي الصغير : انت انحرمت من أبوك لأنه مات ؛ لكن المرارة انك تنحرم منه وهو عايش وإياك وفي بيت واحد وكأنه قطعة ديكور ، لا .. لا .. كان العصا اللي تدور علي وين ما أكون ، يا ما تمرمرت في حياتي ، الليل ما أنامه من الضرب ، من حرماني الدراسة ، ودوراني في الشوارع عشان اشوف لي شغلة يحصل منها على غرضه ، فقر وجوع وخوف وخوف وخوف ، اعاقتك يمكن تصلح في يوم من الأيام لكن الإعاقة اللي فيي من كان يصلحها ؟! من ؟! 
( يتجمّد الإثنان بلا حركة ، تطفأ الإضاءة تدريجياً أو يتوارى سامي الصغير خلف الكالوس تزامناً مع إطفاء الإضاءة تدريجياً ) 

ستار بطيء 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق