تصنيفات مسرحية

الاثنين، 14 يناير 2019

أولى عروض مهرجان المسرح العربي تتنقل من المحلية إلى الكونية

مجلة الفنون المسرحية

أولى عروض مهرجان المسرح العربي تتنقل من المحلية إلى الكونية


مسرحيون يفككون الواقع بالضوء والكلمة والحركة ويستعرضون هموم الإنسان العربي على خشبات غير تقليدية.

يبقى المسرح الأكثر قدرة على استيعاب أزمات الواقع ومآزق الإنسان في بعديه المحلي والكوني، هذا ما تثبته الكثير من العروض المسرحية العربية التي تصدت لواقع الإنسان العربي المتشظي بطرق وأساليب مختلفة، ومن بينها ما يعرض هذه الأيام بمهرجان المسرح العربي الذي ينتظم كل سنة بعاصمة عربية، وقد اختار في دورته هذا العام القاهرة خشبة للمسارح العربية.

انطلقت عروض الأعمال المسرحية العربية بين مسارح الهناجر والجمهورية والقومي في إطار مهرجان المسرح العربي في دورته الـ11 التي تقام بالقاهرة في الفترة ما بين 10 إلى 16 يناير الجاري، حيث قدمت مسرحيات مسافر ليل والطوق والإسورة والنافذة والمعجنة وصباح ومساء وشابكة، والتي عالجت قضايا وهموم تواجه المجتمع العربي في راهنه الحالي، وتوقفت أمام ما يعانيه المواطن العربي من قمع وطغيان يؤثران سلبا على توقه إلى الاستقرار المجتمعي والسلام الروحي له.

قضايا عربية
بدأت العروض بمسرحية “مسافر ليل” المأخوذة عن نص الشاعر الراحل صلاح عبدالصبور، وأخرجها محمود فؤاد صدقي الذي قدّم عرضا شعريا كوميديا كاشفا الوجه القبيح للقمع والطغيان الذي يخرج من عباءة عامل التذاكر، حين يتسلط على المواطن البسيط ويدخله في حالة من الرهاب والذعر.

ولفت المخرج محمود فؤاد إلى أنه يحب الفضاءات غير التقليدية بعيدا عن العلبة الإيطالية. واستطرد أن تجهيزات السينوغرافيا وتهيئة الفضاء استغرقت حوالي شهرين درس خلالهما اتجاه الرياح ومساقط الإضاءة وتوزيع أجهزة الصوت لتناسب طبيعة الفضاء البديل، الذي نال اهتماما كبيرا من الجمهور.

أما عرض ” الطوق والإسورة” المأخوذ عن رواية يحيى الطاهر عبدالله وإخراج ناصر عبدالمنعم، والذي أنتج مسرحيا وسينمائيا من قبل، قدّم المرأة الصعيدية كنموذج للمرأة المقهورة من قبل السلطة الذكورية، كاشفا عن أن الموروث الثقافي الشعبي ليس كله إيجابيا إنما يحتوي أيضا على سلبيات لا بد من مواجهتها ومناقشتها والتفكير في سبل حلها، وقد تجسد ذلك في العرض من خلال شخصية حزينة التي تدير حياتها بالحيل والخداع حتى تستطيع العيش في المجتمع المحافظ للصعيد الجواني.

وأوضح عبدالمنعم أنه استخدم تكنيك المونتاج السينمائي في سرد أحداث الرواية ولم يقدمها بالكامل وإنما توقف عند لحظة زمنية معينة طرح من خلالها تساؤلات المقارنة ما بين الماضي والحاضر.


العرض الثالث كان الأردني “النافذة” تأليف مجد حميد وإخراج مجد القصص، ودار حول شخص يتم التحقيق معه دون سبب معروف، وخلال التحقيق يبدأ وعيه في التداعي فيتذكر أمه، وأخاه الشهيد، وغير ذلك من الأشياء الحميمة بالنسبة إليه، وذلك في حضور محقق يحمل الكثير من الوجوه السلطوية، ويضغط بقوه من خلال هذه السلطوية على ذاكرة الرجل، لنرى وجها آخر من القهر عليه.

وقالت المخرجة الأردنية مجد القصص أن ما يستفزها في أي نص تقدمه هو اهتمامه ومناقشته لقضايا مهمة من وجهة نظرها وتأتي على رأسها قضية الحرية، وقضية المرأة ولكن عندما تتحول المرأة إلى وطن وإلى حرية. وقالت “إذا كانت أحداث النص تدور في العراق فإنها تتشابه وتتسق تماما مع ما يحدث في كل بلادنا العربية”.

وفي “المعجنة” كسر المخرج أحمد رجب تقاليد المسرح القومي، حيث عرض على خشبته مؤكدا أنه يؤمن تماما بقدسية الإنسان على حساب قدسية المكان وهذه بالمناسبة رسالة العرض التي أراد تقديمها، فمن خلال تلك الأسرة الصغيرة يحكي عن الوطن بكامل فئاته وطوائفه المختلفة التي يدور الصراع في ما بينها حول أحقية كل فرد منهم في امتلاك الكنز دون اعتبار أي وجود للآخر، رغم أن الكنز نفسه لا يظهر إلا عند تكاتف الجميع من أجل الحفاظ عليه.

مغربيان وتونسي
كان جمهور المسرح على موعد مع العرض المغربي “صباح ومسا” تأليف الكاتب والمخرج المسرحي غنام غنام وإخراج عبدالجبار الخمران. أجواء العمل تدور حول امرأة تلتقي صدفة برجل، ولا يعرف أي منهما لماذا جاء الآخر إلى ذات المكان، وسرعان ما تتوطد بينهما العلاقة، خاصة أنهما يكتشفان بأنهما على معرفة قديمة ببعضهما البعض، لكن مجريات الحدث تكشف لنا عدم صحة ذلك، وتكشف أيضاً أنهما قد وقعا في الحب، وتستكمل المجريات لنعرف منها أن كلاً منهما يحمل تاريخاً شخصياً غير الذي عرفناه، فهي قد أنهت للتو محكومية بالسجن 15 عاماً بتهمة قتل، وهو هارب من مستشفى الأمراض النفسية.

والمسرحية تكشف بعض الجوانب الإنسانية العميقة في النفس البشرية لا سيما الأزمة التي يعاني منها الإنسان المعاصر والتي تجعله في حالة فصام دائم نتيجة للظروف المعيشية الصعبة وحالات أخرى من كبت للحرية وغياب أي أفق للخلاص.

العروض التي قدمت حتى الآن تشترك في التصدي لكثير من القضايا الاجتماعية على رأسها قضايا المرأة والحرية

ويحكي العرض المغربي “شابكة” الذي قدمته فرقة شباب مدينة بني ملال، للكاتب المغربي عبدالكريم برشيد وإخراج أمين ناسور عن أسرة تتكون من ثلاثة أفراد، وهم: الأب، موظف متقاعد منهك من متاعب الحياة، يلتمس الخلاص من أوضاعه المزرية بكل الوسائل، حتى وإن كان على حساب كرامته، والأم المعلمة المتقاعدة، وهي سيدة متطبعة بصفات المربية الفاضلة، تعيش على المبادئ، ولا تقبل أن تساوم في ذلك مقابل المال، ثم شخصية سلطان الابن الثوري الذي يتلون بتغير الأوضاع والمواقف، وشخصيته تركيبة من مواصفات والديه. وتعيش هذه الشخصيات على صراعاتها الروتينية، في سخرية من الحياة، بين متشبث بالمبادئ ومتطلع لحياة أفضل مهما كلف ذلك، وبالموازاة من ذلك نجد شخصية الراديو حاضرة بقوة في نسق الدراماتورجي للعرض، فتارة يعلق على الوقائع، وتارة أخرى يوجهها.

ورأى مخرج العرض أمين ناسور أن عمله الفني يعبّر عن طموحات وأحلام ومشكلات الشباب ويطرح إضاءات على الواقع المغربي في لحظته الراهنة. وتابع أن المسرح سيبقى دوما كونيا وعالميا في موضوعاته وتيماته ولكن طريقة تناولها والرؤى الفنية هي التي تضفي عليها ملمح المحلية.

وتمحورت أحداث العرض التونسي “ذاكرة قصيرة” تأليف وإخراج وحيد العجمي أحداثه بين أكتوبر 2008 وأكتوبر 2016، حول رحلة عائلة ووطَن، حاول من خلالها المخرج في 75 دقيقة استعراض ما حدث في السنوات الثماني الماضية، ليقدم عملا بأسلوب ساخر، حيث يعود بذاكرته إلى حقبات دولة ما بعد الاستقلال التونسي مرورا بنظام زين العابدين بن علي وصولا إلى الإطاحة به وقيام ثورة 14 يناير 2011 والأحداث التي تلتها. معتمدا تقنية “الفلاش باك”. كاشفا عن الصراع السياسي والأيديولوجي الذي عمّق من الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، وزاد أيضا من احتدام النقاش السياسي وكذلك النقاش العام في مسائل جانبية لا تهمّ القضايا المركزية والأساسية للشعب التونسي.

-------------------------------------------------
المصدر : محمد الحمامصي  - العرب 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق