مجلة الفنون المسرحية
مسلسل احلام السنين .. اضاع الحلم الذي كنا نحلم فيه !!
*عدي المختار :
بداية لا بد ان اسجل اعتراضي على مثل هكذا اعمال، لم يجتهد فيها الكتاب والمخرجون العراقيون على طول تاريخ الدراما العراقية، ليخرجوا لنا اعمالاً كبيرة، تبقى خالدة في ذاكرة المتفرج العراقي والعربي هذا من جهة. ومن جهة اخرى لان الدراما العربية اليوم تطورت كتابياً واخراجياً اكثر بكثير من ذي قبل، حتى بات المشاهد العربي لا تهمه مثل هكذا اعمال او تستهويه، وبالتالي في مثل هكذا اعمال ننتجها ونحن نفقد منذ اول لقطة عاملين مهمين (عمل متكامل + تسويق درامي)، ومع هذا لا بد ان يكون لنا راي كمتفرج عراقي، يطمح بدراما عراقية حقيقية، حتى ولو بعد حين. ـ وكجنوبي ـ أرى في مثل هكذا اعمال، اساءة للجنوب.
مسلسل احلام السنين .. اضاع الحلم الذي كنا نحلم فيه !!
*عدي المختار :
بداية لا بد ان اسجل اعتراضي على مثل هكذا اعمال، لم يجتهد فيها الكتاب والمخرجون العراقيون على طول تاريخ الدراما العراقية، ليخرجوا لنا اعمالاً كبيرة، تبقى خالدة في ذاكرة المتفرج العراقي والعربي هذا من جهة. ومن جهة اخرى لان الدراما العربية اليوم تطورت كتابياً واخراجياً اكثر بكثير من ذي قبل، حتى بات المشاهد العربي لا تهمه مثل هكذا اعمال او تستهويه، وبالتالي في مثل هكذا اعمال ننتجها ونحن نفقد منذ اول لقطة عاملين مهمين (عمل متكامل + تسويق درامي)، ومع هذا لا بد ان يكون لنا راي كمتفرج عراقي، يطمح بدراما عراقية حقيقية، حتى ولو بعد حين. ـ وكجنوبي ـ أرى في مثل هكذا اعمال، اساءة للجنوب.
المشكلة التي لا بد ان نقف عندها طويلا هي ان كل الاعمال الدرامية التي تناولت حياة اهالي الاهوار في جنوب العراق لم تخرج من رحم كتاب ابناء هذه المناطق اطلاقا, بل كل الذين كتبوا عنها هم ابناء المدينة الذين يسمعون بها ولربما يزورنها للنزهة احياناً, لم يكن احد منهم ابن الهور ومحنته واحلام البسطاء الفطريين فيه، وهذا ما يتضح جلياً بحكايات المسلسلات واللغة الجنوبية الهجينة التي يكتبها كتاب الدراما، والتي تترنح ما بين لغة الريف والبداوة، وهذا دليل واضح على انهم ليسوا ابناء هذه المناطق، وغير قادرين على تقديم واقعها بشكل حقيقي.
فضلا عن ان من كتبوا هذه المسلسلات، يكتبون بروح المتحضر الناقم على الريف، وتقاليد العشيرة التي يصفونها بلا شعور بالرجعية، لذلك اساء البعض من كتاب الدراما ممن حاولوا الدخول لعالم الجنوب، دون ان تكون رئتهم معبأة برائحة تلك المناطق بشكل يؤهلهم ليكونوا انعكاسا لواقعهم الجميل والمر احياناً, وبشكل او باخر فهم اساءوا للتاريخ الشعبي وتراث هذه المناطق وحقيقة الحياة فيها. ولنا امثلة كثيرة من هذه المسلسلات التي سبق وان انتقدناها ونبهنا صناع الدراما الى ضرورة كتابة واقع هذه المناطق عبر احترام تاريخها وعدم المساس بها لضرورات درامية. هذا لا يعني ان فيها يكمن العدل والخير كله، لا بالتأكيد، لكن ليس بهذا السوء الذي تقدمه الدراما العراقية بمنهجية تخريبية، معلنة تتجدد كل مع سباق رمضان الدرامي؛ فالتوزان الدرامي في خلق صراع حقيقي في الكتابة يجعل المتلقي يفهم ان ليس كل زعيم قبيلة ظالم مثلا؛ فهنالك في القصة زعيم اخر لا يظلم عنده احد، وهكذا, والا انا اسأل سؤالا مهما:اعطوني مسلسلا دراميا واحداً على طول تاريخ الدراما العراقية، قدم شيخ العشيرة كما يجب، وكما هو في الحقيقة: الانسان الحكيم، العادل الذي يفكر طويلا كي لا يظلم؟!
لماذا ما زالت تعشعش في رؤوسنا فلسفة الرقيب التي كانت توجه بضرورة ان يقدم ابن الريف اما مجرما او عميلا وقاسيا، وجب قتله، او مهرجا للضحك عليه على خشبات المسارح؟ هل تحكم اماكن الريف فقط هذه الصراعات المستنسخة من الدراما الصعيدية؟ هل فكر هؤلاء الكتاب يوما بمعالجة قضايا اهم، مثلا الجانب السياسي والنضال في تلك المناطق وقضايا الحب والرصاص، بعيدا عن الاساءة لرموز العشيرة ورجالات الدين؟ طبعا، للانصاف باستثناء مسلسل (سنوات النار) و(امطار النار) اللذين كان فيهما هم حقيقي لابراز تاريخ مهم من حياة الاهوار، ايام النضال السياسي فيه ابان حكم ((البعث)) للعراق.
ولكي اكون موضوعي في الطرح، اسجل هنا ملاحظاتي عن مسلسل احلام السنين، تأليف شوقي كريم حسن، واخراج علي ابو سيف، وبطولة الكبير محمود ابو العباس، ومجموعة من الفنانين لصالح قناة (MBC عراق)، ورب سائل يسأل لماذا الان التقييم، قبل ان تحط الحلقة الاخيرة اوزارها؟ الجواب هو ان الكتاب واضح من عنوانه لذا اقول:
فيما يخص النص فمع كل احترامي لكاتب العمل الا اني ارى فقرا واضحا للنص، فهو يعكس قصة مملة وفجة، اعتدنا على استنساخها من دراما الصعيد في مصر، والتي يكون فيها العمدة هو الظالم، وهو الناهي والآمر وسط صراعات كبيرة، الا ان ما يميز دراما الصعيد تعدد الخطوط الدرامية في المسلسل، بعكس ما قدمه لنا مسلسل احلام السنين الذي تدور احداثه في فلك شيخ العشيرة وظلمه للناس, وهنا ووفقاً للدلالات الزمنية المفتوحة للمسلسل، فأن الكاتب وقع في اشكالية كبيرة كبقية من كتبوا عن هذه المناطق، بتقديم شيوخ العشائر كمحور شر وكأنما مخطط له في الدراما العراقية الاساءة لشيوخ العشائر وترسيخ تصور نمطي عنهم لدى المتلقي العراقي والعربي بانهم دعاة شر وظلم (لا حظ ولا بخت)، بلهجتنا العراقية الدارجة. فالشيخ هنا ظالم لا يحترم ابناء عشيرته، ولا رجال الدين حتى. ويمضي خلف نزعاته العدوانية ودائم التقريع للقاصي والداني بالفاظ غير محببة.
وهنا نسأل، أيضا، لماذا يسمى شيخ العشيرة بصاحب (البخت)؟ وعلينا هنا ايضاً ان نوضح: في الحقب الزمنية التي قصدها المسلسل، لا يتسلم المشيخة الا اصحاب العقول الحكيمة واغلبهم كانوا يطلق عليهم (فريضة)، تحل عنده كل المشاكل، فضلا عن ان السيد الذي ينتمي الى آل بيت النبوة (عليهم السلام)، او رجل الدين يكون لدى الشيخ والقرية محط احترام وتقدير، ولا يسير خلف الشيخ في تلك الفترة، بل دائما ما يقدمه الشيخ عليه بالسير او الاكل للتبرك به. والدليل ان نشب صراع ما بين قبيلة واخرى حالما يخرج هو ببيرغه، يقف الرصاص، وهذا متداول الفعل حتى يومنا هذا. لو كان الزمن ما بعد التسعينات، لربما نقول ان السلطة منحت مشيخات لمن لا يستحقها، وبالتالي نعم هناك نوعية من هؤلاء الشيوخ.اما ذلك الزمن الذي قصده المسلسل، فهذا مستحيل، ومن يسمع بالشيوخ الاقطاعيين فليقتفي اثر حياتهم، فهم منحوا مقاطعات من الحكومة آنذاك لزراعتها، ولا يتعدى ظلمهم متابعة الجهد والعمل والتعب دون التدخل في حياة الناس الخاصة. اذن ماذا نكتشف هنا؟ الجواب ببساطة: الدراما العراقية في كل مرة تقدم شيوخ العشائر بطريقة معيبة جدا، لا تليق بهم وبتاريخهم. هذا لا ينفي وجود البعض منهم، قد اساء لمشيخته، لكن تتبعه جيداً، لا تجده ممن تولى المشيخة قديما بل من مشيخات الصدفة التي منحتها السلطة في التسعينات. وكنا نتمنى في كل مسلسل عن الاهوار، ان يعدل الكتاب كفة الميزان، ويطرح شخصيات ـ بالمقابل ـ مختلفة وهذا يعني انها تعطي انطباعا عن ان ثمة شيخا حقيقيا واخر لا، بدلا من النظر بعين واحدة وبأحكام مسبقة عن المشيخة والريف، لا تنسجم مع الواقع الحقيقي لهما.هذا لا ينفي وجود البعض منهم، قد اساء لمشيخته، لكن تتبعه جيداً، لا تجده ممن تولى المشيخة قديما بل من مشيخات الصدفة التي منحتها السلطة في التسعينات. وكنا نتمنى في كل مسلسل عن الاهوار، ان يعدل الكتاب كفة الميزان، ويطرح شخصيات ـ بالمقابل ـ مختلفة وهذا يعني انها تعطي انطباعا عن ان ثمة شيخا حقيقيا واخر لا، بدلا من النظر بعين واحدة وبأحكام مسبقة عن المشيخة والريف، لا تنسجم مع الواقع الحقيقي لهما.هذا لا ينفي وجود البعض منهم، قد اساء لمشيخته، لكن تتبعه جيداً، لا تجده ممن تولى المشيخة قديما بل من مشيخات الصدفة التي منحتها السلطة في التسعينات. وكنا نتمنى في كل مسلسل عن الاهوار، ان يعدل الكتاب كفة الميزان، ويطرح شخصيات ـ بالمقابل ـ مختلفة وهذا يعني انها تعطي انطباعا عن ان ثمة شيخا حقيقيا واخر لا، بدلا من النظر بعين واحدة وبأحكام مسبقة عن المشيخة والريف، لا تنسجم مع الواقع الحقيقي لهما.
وفي الحكاية الفاظ لا تنسجم مع الريف اطلاقاً، فابن الريف في الفترة الزمنية التي حددها الكاتب لا ينطق كلمة (انجب) وخاصة شيخ العشيرة لان كلمة (هوس او اش) كانت تكفي آنذاك لفرض هيبته، التي ترتعد منها القلوب هيبة وخوفاً، فهل هي خطط منهجية لتقزيم رموز المجتمع امام المشاهد العربي؟ اين الكتاب عن اسماء عشائرية مهمة، قارعت الاحتلال العثماني والبريطاني، وكل الحكومات الطاغية على طول تاريخ العراق السياسي المضطرب؟
كما اني اطالب الكاتب بمراجعة موضوع القطار، لسببين؛ الاول، في الفترة الزمنية التي يتحدث عنها، لم يكن هناك قطار في مناطق الاهوار، الا في القرى القريبة من المدن الكبيرة. كما انه لم يطلق عليه عند ابناء الريف بكلمة بل (الريل), والكثير الكثير من الكلمات والاجواء التي غابت عن مخيلة الكاتب، وهو معذور بذلك، لانه ليس من مكة ليدري بشعابها. اما المرأة في الجنوب يا سيدي المؤلف، فلها احترامها الكبير، ولم تهن اي امرأة في تاريخ الجنوب كله في مضيف، كما قدمتها حضرتك، او تجلس في مضيف بفصل. المرأة لها مكانتها وحشمتها, وادعوك الى زيارة الجنوب والعيش فيه لتتعرف إلى نسوة نعدهن علامات بارزة في تاريخ الجنوب والريف، فلماذا كل هذا التقزيم في الدراما العراقية، دوما لرموز الجنوب؟! فأي رسالة تريدون ان تبروقها للاخر عن المستوى الموهوم الذي تطرحونه عن جنوبنا الاصيل؟!وهل تعرف يا سيدي الكاتب مدى التضحيات التي قدمها الجنوب وابناء الاهوار ايام ((البعث)) وايضا في ملاحم الدفاع عن العراق بمواجهة ((داعش))؟! ولو انصت احدكم قليلا خلال التصوير لاستمع الى الانين الموجع الذي كان ينساب من بيوتات الطين التي ودعت احبتها شهداء. أما الاخراج فمع كل تقديري واحترامي لمخرج العمل، الا اني وجدت الكثير من الهفوات التي لم تخلق المتعة والفرجة الجمالية لدى المتلقي، وهو يشاهد عملا دراميا، لم يأت بجديد في الايقاع والصورة؛ ففي عالمنا العربي بات اليوم كل مخرج له لون خاص في الاخراج، وبتنا نعرف هؤلاء المخرجين من المشاهد الاولى، حتى وان لم نقرأ اسماءهم في تتر المسلسلات. هذا لان المخرج العربي اجتهد كثيراً في ان يضع له بصمة بصرية في اخراج الصورة للناس، حتى انك ترى في كل مشهد من اي مسلسل عربي صورة جمالية او لوحة بصرية، تم الاعتناء بفضائها، لينسجم مع الاداء وعمق الحوار. وهذا ما يغيب عن معظم مخرجينا العراقيين (للاسف).طبعاً باستثناء المخرج الراحل عدنان ابراهيم والمخرج المتجدد حسن حسني، فلهما خطان واضحان في الاخراج، يميزهما عن اقرانهم المخرجين. وهنا لا بد ان اوضح المشاكل التي وقع فيها المخرج بعين المتلقي البسيط:
- غياب تام لملامح المخرج في عملية الاخراج بصورة عامة؛
- رتابة في ايقاع التصوير تصل الى حد التعب وانت تشاهد العمل؛
- فقر تام في المعالجة الاخراجية وخير دليل اخراج مشهد الحريق في الحلقة الاولى مشهد اكل الدهر وشرب عليه؛
- المشاهدة صورت بتكرارية مملة، الفها المشاهد العراقي في اعمال كثيرة اخرى؛
- المشاهد بدت ميتة، لا تنبض بتقنية الصورة، وجمالية المكان ومتعة الاداء؛
- غياب تام لسلطة المخرج على اداء الممثلين وتفاعلهم مع النص وترك الحبل على اجتهاد الممثل، ما اضر بالعمل بشكل كبير؛
- الاستلام والتسليم بين الممثلين في لقطات المسلسل، لم تحمل البساطة والانسجام، وكان الممثل يقول كلمته وكفى او قل غياب الـ(Mix) في الحوارات، مما يجعلك تشعر انك في دبلجة عراقية سيئة؛
- اهتم المخرج بحكاية العمل ولم يهتم بتفاصيل العمل وفضائه العام، فلم يظهر لنا جمالية المكان او حياة الناس، انما اقحمنا مباشرة بالدم والنار والحقد والكراهية، وهو خطأ مشترك، يقع على الكاتب والمخرج معاً.
- لم يستطع المخرج، الوصول للواقع حتى في اللهجة المستخدمة في الحوار؛ ففي الاعمال المصرية تجد مختصين في اللغة الصعيدية يتابعون ويوقفون مشاهد، ويعيدون لقطات على خطأ واحد، وهذا غائب تماما في العمل، ولم يتقن كادر العمل اللهجة باستثناء كل من (محمود ابو العباس – انعام الربيعي – حسين حجاج)، اما الاخرون فكانت اللهجة لديهم تترنح ما بين البداوة والحضر.
خلاصة القول..
تواجد قامات ابداعية كبيرة يتلهف لرؤيتها المشاهد العراقي في الدراما كامثال الكبير محمود ابو العباس وثلة من المبدعين الاخرين ومجموعة من الشباب المبدع الذين فتحت الابواب لهم مؤخرا ونتمنى لهم التوفيق. لم يعصم العمل من الوقوع في حقل من الاخطاء الملغومة التي ذكرناها, لذا كان على القناة وهي خطابها (عراقي – عربي) ان تنتج اعمالاً ترقى للمشاهد العربي كتابة واخراجاً لتكون علامة بارزة بين النتاجات العربية الاخرى، بدلا من اعمال رمضان التي بينت ثمة عقم واضح المعالم في تجديد الرؤيا الدرامية لدى القناة. كما على الكتاب ان يغادروا التعريق الدرامي او الاساءة للبنية المجتمعية فيما يخص دراما الريف لان الضرورات الدرامية، لا تبيح لك المحظورات العرفية، وتشويه تاريخ كبير من الطيبة والفطرة والمواقف والبطولة والشهادة في مناطق الريف، الا ان تعدل في ابراز الخير والشر بمستوى واحد من الشخوص كما ذكرنا انفاً. اما المخرجون فيجب ان يكونوا على قدر عال من التحدي في عملية اخراج عمل ما. اما ان يضاهي النتاجات العربية الدرامية، او الجلوس على التل اسلم.
يا سادة ... ان البنية الاجتماعية العراقية في شتى بقاع العراق في الريف والمدينة في الجبل او السهل وايضا الدراما العراقية، كلها معادلات غير خاضعة للمغامرة غير المحسوبة، اما ان تكون حقيقيا او ان تكون كلماتك خيطا من زيف، استغل في معادلة خفية للاساءة.
للاسف حلمنا كثيراً بــ(احلام السنين) لكنها كانت الاحلام التي اضاعت حلم اهم من كل هذه الاحلام والتمنيات، الا وهو انتاج عمل درامي يليق بالاهوار, لذا نجدد دعوتنا التي اطلقناها سابقا بضرورة وجود لجان في المحافظات لقراءة النصوص قبل ان تدور عجلة التصوير فيها، لتلافي الاساءة لتاريخ هذه المدن. واقولها ـ بصراحة ـ لصناع الدراما ـ كتابا ومخرجين وجهات انتاج ـ كفى تشويها للجنوب وابناء الجنوب بهذا السموم المسماة دراما.
*كاتب ومخرج عراقي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق