مجلة الفنون المسرحية
الفنان المؤرخ .. يوسف العاني انموذجاً
*عدي المختار :
من يقتفي اثر تاريخ الشعوب يتابع بنهم مسيرة السائرين على هامش الحياة في حقب غابرة من تاريخ هذه الشعوب , فالسائرين على هامش التاريخ هم المبدعين ومداد ماكتبوا وانجزوا لانهم يدونون الكثير بهم اللحظة ووعي التصريح والتلميح هم انعكاس لهموم اوطانهم والبسطاء في تلك الاوطان , لذلك بالامكان ان نطلق عليهم بمؤرخي الهم ولسان حال الشعب بصيغة الابداع بعيدا عن سلطة التاريخ الذي تسعى التابوهات والايديولوجيات والزعامات والسياسة ان تدسه في متن تاريخ الامم والشعوب ,وهكذا ماسعت الى اقتفاء اثرة الكثير من الدراسات التي قراءة التاريخ من مداد المبدعين في كل زمن .
الفنان الراحل يوسف العاني المولود في 1 يوليو 1927 ونشأ في محلة بغدادية شعبية قديمة تعرف بـمحلة (سوق حمادة) وسط بغداد فقد أخذ الكثير من أصول وركائز وأشكال كتاباته المسرحية من اجواء وملاذات محلته تلك ليؤسس لنفسة مسيرة ابداعية في المسرح والدراما والسينما والصحافة من وهج تلك الدرابين وامال اهلها وطموحات ناسها البسطاء فكان انعكاس حقيقي لهم وممثل امين لاصواتهم وتطلعاتهم , فكان بحق الفنان المؤرخ الذي ارخ بالفن حياة اهله وناسه ومراحل مهمة من تاريخ بلده العراق .
ومن يتابع اعماله في المسرح التي بلغت (50) عملا مسرحيا سواء التي كتبها او مثل فيها امثال ( الشريعة والخرابة - اني امك يا شاكر- الخرابة والرهن- نفوس- خيط البريسم – المفتاح – القمرجية - مع الحشاشة - طبيب يداوي الناس- في مكتب محامي - محمي نايلون - محامي زهكان - جبر الخواطر قيس - راس الشليلة - مجنون يتحدى القدر موندراما - مسرحية تؤمر بيك - مسرحية موخوش عيشة- مسرحية لو بسراجين لو بظلمة - حرمل وحبة سودة- فلوس – اكبادنا- مسرحية ست دراهم - مسرحية على حساب من ؟ - مسرحية جحا والحمامة - مسرحية تتزهن- عمر جديد- مسرحية جميل التي قدمت في التلفاز باسم (اليطه) – المصيدة- اهلا بالحياة- صورة جديدة- نجمة وزعفران- شلون ولويش والمن- حرم صاحب المعالي السعادة - مسمار جحا - تموز يقرع تاناقوس - النخلة والجيران - ولاية وبعير - البيك والسائق - بغداد الازل بين الجد والهزل - القربان - مجالس التراث - الليلة البغدادية مع الملا عبود الكرخي- الإنسان الطيب - عمارة أبو سعيد) تلاحظ بشكل جل الهم الشعبي للفنان المؤرخ الذي لجا لكتابة حكاية شعبة بعناوين شعبية لم يلجأ فيها للاعمال الترف العالمية .
حتى في لسينما كان همه هذا ينعكس على الافلام التي قدمها امثال ( فيلم سعيد أفندي - 1957 اخراج كاميران حسني - فيلم أبو هيلة 1962 اخراج محمد شكري جميل ويوسف جرجيس- فيلم (تؤمر بيك)- فيلم وداعا يا لبنان المنتج في 1966- 1967 - اخراج حكمت لبيب- فلم المنعطف المأخوذ من رواية خمسة أصوات للكاتب غائب طعمة فرمان 1975، من اخراج جعفر علي - فيلم المسألة الكبرى اخراج محمد شكري جميل عام 1983- فيلم بابل حبيبتي مع الفنان فيصل الياسري في عام 1987- فيلم ليلة سفر اخراج بسام الوردي- فيلم اليوم السادس للمخرج يوسف شاهين، والمطربة داليدا في عام 1986).
وحينما نشط التلفزيون بشكل مؤثر في المجتمع سجل العاني حضورا مميزا فيه من خلال ( برنامج شعبنا 1959 وبنات هلوكت- وواحد اثنين ثلاثة- ليطه وهي من اخراج الفنان القدير خليل شوقي- ناس من طرفنا- سطور على ورقة بيضاء اخراج الفنان العربي الراحل إبراهيم عبد الجليل- رائحة القهوة اخراج عماد عبد الهادي وقد فازت بجائزة مهرجان الكويت للتمثيلية التلفازية- ثابت افندي الفائزة بجائزة أفضل سيناريو في مهرجان اتحاد الاذاعات العربية في تونس عام 1983- عبود يغني وعبود لايغني اخراج إبراهيم عبد الجليل- عزف على العود المنفرد اخراج الراحل رشيد شاكر ياسين- بطاقة يا نصيب- الربح والحب- يوميات محلة اخراج عمانوئيل رسام الشهير باحرفه الثلاثة (ع.ن.ر)- وتمثيلية (بلابل) اخراج د. حسن الجنابي الفائزة بعدة جوائز في مهرجان قرطاج للاذاعة والتلفزيون.
اما في الدراما فكان اختياره للاعمال لا يخرج تماما عن متبنياته كمؤرخ لهموم شعبه في اختيار الشخصيات التي مثلها وهي ( مسلسل الايام العصيبة -الهاجس لصلاح كرم- مسلسل هو والحقيبة اخراج رجاء كاظم- مسلسل الحضارة الإسلامية اخراج داود الانطاكي إنتاج أبوظبي- مسلسل الكتاب الأزرق لفيصل الياسري- مسلسل الانحراف إنتاج الكويت- مسلسل الجرح اخراج عماد عبد الهادي- مسلسل حكايات المدن الثلاث بجزئيه الأول والثاني- مسلسل احفاد نعمان اخراج د. طارق الجبوري.
ووجد العاني ان الورق ذاكرة تحفظ له مامضى به من تدوين للتاريخ بصيغة الابداع فطبع ونشر مؤلفاته في مجالات المسرح والسينما والذكريات وهي ( راس الشليلة1954- مسرحياتي الجزء الأول والثاني- 19601961- شعبنا 1961- بين المسرح والسينما 1967 اصدار القاهرة- افلام العالم من اجل السلام 1968- مسرحية الخرابة- هوليود بلا رتوش 1975- التجربة المسرحية معايشة وحكايات طباعة بيروت 1979- عشر مسرحيات ليوسف العاني- بيروت 1981- سيناريو لم اكتبه بعد 1987- المسرح بين الحديث والحدث 1990- شخوص في ذاكرتي 2002).
لانه لسيق بهموم شعبه وصوت لهم حقق الكثير في مجال الابداع واهم ماحققه انه كان ولايزال خالدا في وجدان العراقيين لانه كان امينا على نقل همومهم وتطلعاتهم وكان مؤرخا حقيقيا لوطنه بعيدا عن زيف المؤرخين الذين تقودهم مصالحهم الشخصية اوالدينية او الحزبية لذلك كان حاضرا في تكريمات فنية وابداعية كبيرة في مهرجانات داخل وخارج العراق ,وهذا ما اهله ان يكنال لقب الفنان المؤرخ بجدارة حتى بعد ان فارق الحياة في احدى مستشفيات الأردن في 10 تشرين الأول 2016 بقي ذلك الوهج الذي مد خيوطه الفنية التي لا تمحى واو تغيب في ذاكرة الابداع والتدوين الحقيقي العراقي والعربي , وهكذا بالضبط ان تكون رسالة كل فنان والا فالفن يكون مغامرة لا يحفظها التاريخ اطلاقا.
*كاتب ومخرج عراقي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق