مسرحية الممثل الواحد" إيمائية"
صاموئيل بيكيت، 1957ترجمة: د. إقبال محمدعلي
تجري أحداث المشهد في الصحراء
ضوء ساطع.....
من الجناح الأيمن من خشبة المسرح، نرى رجلاً يتقهقر بقوة إلى الوراء و يسقط متدحرجاً على التراب.
ينتصب واقفاً على الفور. يزيل الغبار من على ملابسه. يقف وقفة جانبية، مفكراً.
*يسَمَعُ صوت صفير آتٍ من الجناح الأيمن من خشبة المسرح.
يقفُ مفكراً، يتوجه صَوبَ الصوت، يجد نفسه يعود متقهقراً بقوة إلى الوراء ويسقط متدحرجاً على التراب.ينتصب واقفاً على الفور. يزيل الغبار من على ملابسه. ويقف وقفة جانبية، مفكراً.
*يسمع صوت صفير آتٍ من الجناح الأيسر للخشبة.
يقف مفكراً، يتجه إلى ناحيةاليسار، ليجد نفسه يعود متقهقراً بقوة إلى الوراء و يسقط متدحرجاً على التراب. ينتصب واقفاً على الفور. يزيل الغبار من على ملابسه، يقف وقفة جانبية، مفكراً.
*يسمعُ صوتَ صفيرٍ آتٍ من الجناح الأيسر للمسرح.
يقفُ في مكانه مفكراً، يسير بتردد، باِتجاه الصوت.يفكر ملياً بالأمر، يتوقف عن المشي، يقف وقفة جانبية، مفكراً.
تنزل من حيث لا يعرف، شجرة صغيرة بغصنٍ واحدٍ، تتوقف على اِرتفاع ثلاث ياردات عن الأرض. يوجد في قمتها، عناقيد تمر ضئيلة، تشكل بمجموعها، دائرة من الظل على التراب.
يستمر في التفكير.
*يسمع صوت صفيرِ آتٍ من الأعلى.
يستدير، يرى شجرة.يفكر ثمّ يتوجه صوبها، يجلس تحت ظلها، و يبدأ بتفحّص كفيه.
يتدلى مقصان أشبه بمِقصّاتِ الخياطين من حيث لا يدري، ليستقرا عند الشجرة على أرتفاع ياردة واحدة عن الأرض.
يستمر بتفحص كفيه.
*يسمع صوت صفير آتٍ من الأعالي
يرفع رأسه، يرى المقصين، يأخذ أحدهما و يبدأ بقص أظافره. تطوي الشجرة نفسها مثل المظلة فيختفي الظل.
يرمي المقص ويبدأ بالتفكير.
تَدَلَتْ من حيث لا يعرف، قارورة ماء صغيرة مع ملصق كبير كتب عليه كلمة (ماء)، تتوقف القارورة على بعد ثلاث ياردات عن الأرض، حيثُ يجلس.
يستمر في التفكير.
*يسمع صوت صفير آتٍ من الأعلى.
يرفع رأسه، يرى قارورة ماء صغيرة. يفكر، ينهض من مكانه مُتوجّها إليها و يقف تحتها. يحاول دون جدوى، الإمساك بها، يكفّ عن المحاولة. يقف وقفة جانبية، مفكراً.
*يسمع صوت صفير،آتٍ من الأعلى.
يستدير ليرى، صندوقاً مكعباً كبيراً، يحط على الأرض من حيث لا يدري. يجيل بنظره بين الصندوق و قارورة الماء. يرفعُ الصندوق و يضعه تحتها. يختبرُ توازنه و يقف فوقه محاولاً دون جدوى الإمساك بقارورة الماء. يكَفّ عن المحاولة، ينزل من فوق الصندوق ويعيده إلى مكانه. يقف وقفة جانبية، مفكراً. فجأة، يحطّ على الأرض من حيث لا يدري، صندوقٌ مكعبٌ آخرَ صغير.
يستمر في التفكير
*يسمع صوت صفير آتٍ من الأعلى.
يستدير، يرى صندوقاً آخر صغيراً، ينقل نظره بين الصندوق الصغير و قارورة الماء، يرفعه و يضعه تحت قارورة الماء. يختبر متانته ثمّ يقف فوقه. يجرب دون جدوى الأمساك بقارورة الماء، يكَفّ عن المحاولة و ينزل من على الصندوق، يعيد الصندوق الصغير إلى مكانه. يفكر ملياً، يضع الصندوق متردداً على الأرض. يأخذ الصندوق الكبير و يضعه فوق الصندوق الصغير، يجرب توازنهما، يصعد فوقهما فيتهاوى على الأرض مع الصندوقين. ينتصب واقفاً بسرعة، ينفض التراب من على ملابسه، ويأخذ بالتفكير.
يحمل الصندوق الصغير، و يضعه فوق الصندوق الكبير، يجرب توازنهما، يصعد فوقهما. في اللحظة التي تَصِل بها يده قُربَ القارورة، ترتفعُ قليلاً و يصبح من الصعب عليه، الإمساك بها..
ينزل. يقف مفكراً. يحمل الصندوقين من مكانهما، الواحد بعد الآخر. يقف وقفة جانبية، مفكراً.
يتدلى صندوق ثالث أصغر و يستقر على الأرض، من حيث لا يعلم.
يواصل التفكير.
*يسمعُ صوت صفير، آتٍ من الأعلى.
يستديرُ ليرى صندوقاً ثالثاً، يتأمّلُ، يقفُ وقفةً جانبيةً، مفكراً.
يرتفع الصندوق الصغير إلى الأعلى و يختفي عن ناظره، بطرفة عين.
بجانب قارورة الماء و من حيث لا يعرف، يتدلى حبل بعقد ليسهل تسلقه.
يواصل التفكير.
*يسمع صوت صفير آتٍ من الأعلى.
يستدير، يرى الحبل. يقف مفكراً. يمشى بإتجاهه و يبدأ بتسلقه، ما ان تمتد يده لمسك قارورة الماء حتى يجد نفسه ينزلق من الحبل ليسقط على التراب.
يفكر. ينظر حوله باحثاً عن المقص، يلتقطه من على الأرض. يتوجه صوب الحبل ثمُ يشرَعُ بقصه. يسحبه الحبل إلى الأعلى، ليَجِد نفسه معلقاً في الهواء، ينجح بقطع الحبل، يسقط على الأرض، يرمى المقص و ينتصب واقفاً على الفور، يزيل التراب من ملابسه، و يقف مفكراً.
يرتفع الحبل بسرعة غريبة و يختفى عن ناظره بلمح البصر.
يقوم بعمل أنشوطة من الحبل المتبقي عنده، يرميها في الهواء ليثبتها حول عنق قارورة الماء و إذا بالقارورة تختفي عن ناظريه بلمح البصر.
يستدير جانباً، مفكراً.
يتوجه إلى الشجرة و بيده الأنشوطة، ينظر إلى الغصن ثم يستدير لينظر إلى الصناديق، يعود بعدها ينظر إلى الغصن. يرمى الأنشوطة على التراب. يتوجه صوب الصناديق. يحمل المكعب الصغير و يضعه تحت الغصن، يعود بعدها لحمل الصندوق الكبير، ويضعه تحت الغصن فوق المكعب الصغير، يبدو عليه التردد. يبدأ التفكير بحلٍ أفضل. يضع الصندوق الكبير على التراب، يأتي بالصندوق الصغير و يضعه فوق الصندوق الكبير، يتأكد من توازنهما، ينحني لرفع الأنشوطة من على التراب.
ينثني الغصن و يلتصق بجذع الشجرة. يقف بإستقامة و بيده الأنشوطة يستدير، يرىما حدث، يرمي الأنشوطة على التراب. يقف وقفة جانبية، مفكراً.
يحمل الصناديق الواحد تلو الآخر إلى مكاناتها السابقة.
يذهب إلى الأنشوطة، يحملها بيده و يبدأ يلفها بعناية، يضعها بعد ذلك في أعلى الصندوق.
*يسمع صوت صفيرٍ آتٍ من الجناح الأيمن لخشبة المسرح
يقف وقفته الجانبية، مفكراً.
فجأة يجد نفسه ممدداً على خشبة المسرح، ينتصب واقفاً، ينفض التراب من ملابسه. يقف وقفته الجانبية، مفكراً.
* صفير من الجناح الأيسر للمسرح.
لم يتحرك.
ينظر إلى باطن كفيه، يجيل النظر، باحثاً عن المقص. يعثر عليه و يرفعه من على الأرض ثمّ يبدأ بقص أظافره. يتوقف مفكراً، يمَرر أصابعه على شفرة المقص.يضع المقص داخل الصندوق الصغير. يستدير جانباً ويبدأ بفتح أزرار ياقة قميصه، ليحرر رقبته.
حين يستدير لأخذ المقص، يرى الصندوق الصغير يرتفع و يختفي بلمح البصر، حاملاً في داخله الحبل و المقص.
يقف وقفته الجانبية، مفكراً.
يذهب ليجلس على الصندوق الكبير.
فإذا بالصندوق الكبير ينسحب من تحته ويختفي في لمحِ البصر، ليجد نفسه على التراب.
يبقى ممداً على جنبه، وجهه للجمهور الذي كان يبحلق به.
تدلت قارورة الماء على بُعد بضعة أقدام منه.
لم يتحرك
*يسمع صوت صفير من الأعلى
لم يتحرك
تتراقص قارورة الماء، أمام وجهه.
لم يتحرك .
تنسحب قارورة الماء إلى الأعلى، لتختفي في لمح البصر.
يعود الغصن إلى وضعه الأفقي. تتفتحُ أوراقُ الشجرة، و يعودُ الظلّ.
*يسمع صوت صفير من الأعلى.
لم يتحرك
تنسحبُ الشجرة إلى الأعلى، لتختفي، في لمح البصر.
ينظر إلى كفيه.
النهاية
نظرة تأريخية:
ظهر مسرح العبث نهاية الحرب العالمية الثانية، كنتيجة لاِنهيار الكثير من المثل و المفاهيم الأخلاقية. كان أقرب للمسرح الوجودي في نظرته للحياة و معنى الوجود وكان مثقفوه يدركون جيداً ان العنصر البشري يواجه عالماً عبثيّاً غير منطقي، لن يكون رحيماً بإشباع رغبات و متطلبات أبنائه أو حتى إعطائهم فرصة ان يكونوا انفسهم.
السلطتان الدينية و السياسية، لم تتوقفا في احتفالاتهما السنوية من أستخدام مؤسساتهما الرسمية و غير الرسمية في التلاعب بعقول الناس لطمر ذكرى مآسي العنف التي تعرضوا لها في الماضي.
و لغرض كشف هذا الواقع أستخدم بيكيت، شأنه شأن كتاب عصره في بداية الخمسينات من القرن الماضي، شخصيات الملاحم و القصص و الأساطير الأيرلندية و الأغريقية، في محاولة لتحليل شخصياتها و بنائها بمنظور جديد، لتسليط الضوء على حالة الإستلاب و التهميش التي تعرض لها أنسانُ حربين عالميتين، مستخدماً الكوميديا السوداء، لكشف حالة اليأس، الفراغ و فقدان الأمل التي كانت تتحكم بأقداره.
في هذا العمل، أستخدم بيكيت المثل الأغريقي"عقاب تانتاليان".
فما هيّ عقوبة تانتالوس؟
هناك روايتان لهذه العقوبة، الأولى تقول: انه قام بطهي ولده و تقديمه عشاءاً للآلهة لإمتحان قدراتهم المعرفية المطلقة. أما الثانية فتقول أنه طلب من صديقه ( بانداريوس) سرقة الكلب الذهبي الذي صنعه (هيبستوس) إله المعادن لريا كي يحرس الطفل الرضيع (زوس). بعد فترة طلب منه صديقه إعادة الكلب لكن تانتالوس أنكر قائلاً: أنه لم ير الكلب أو يعرف بوجوده أصلاً.
لذا قررت الآلهة معاقبة تانتالوس بأجباره على الوقوف في بركة ماء تحت شجرة فاكهة ذات أغصان منخفضة.. ما ان يمد يده لقطف ثمارها حتى ترتفع الأغصان قبل ان تبلغها يده و ينحسر الماء عن ساقيه قبل ان يتمكن من شربه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق