مسرحية شكسبير التي تنبأت بتعامل إدارة ترامب مع جائحة فيروس كورونا
اشتهر الشاعر والكاتب المسرحي الإنجليزي وليام شكسبير بمسرحياته التي نالت مكانة خاصة في الأدب العالمي، وأبرزها مسرحية “الملك لير” التي لم يكتبها عندما ضرب الطاعون لندن على خلاف عديد المسرحيات الأخرى. وفي مقاله الذي نشرته مجلة “نيويوركر” الأميركية، قال الكاتب جيميس شابيرو إن مسرحية “كريولانس” التراجيدية التي تناولت “العدوى” و”الطاعون” و”جثث الرجال الذين لم يدفنوا” ربما تكون كتبت عام 1608، في أعقاب انتفاضة شعبية في مدينة ميدلاندز وسط بريطانيا احتجاجا على الأضرار الفادحة التي تسببت بها الرأسمالية الزراعية، وتعد المسرحية بمثابة سرد لما يحدث في زمن الأزمات.
واحتج آلاف العمال، في المسرحية، على تسييج أصحاب الأراضي الأثرياء المراعي المشتركة بأسوار، وتبع ذلك قمع أصحاب السلطة والنفوذ بشكل وحشي تلك الثورة الاجتماعية، ما أسفر عن مقتل عشرات المتظاهرين، ثم وقع إعدام زعماء العصابات وفي بعض المناطق، خزّن الأثرياء المواد الغذائية. وهذا ما أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار الحبوب، وتلا ذلك حدوث مجاعة.
وفي أوائل القرن الـ17، بينما كان يكتب شكسبير مسرحياته، اجتاح الطاعون لندن ولم يكن أحد يعرف سببا له، لكن المسؤولين أدركوا أنه من الضروري اتخاذ إجراءات تتعلق بالتباعد الاجتماعي، وأن المسارح المزدحمة كانت تشكل خطرا كبيرا.
وأشار الكاتب إلى أنه عندما تجاوز عدد الوفيات الناجمة عن الطاعون ثلاثين شخصا من سكان لندن خلال أسبوع واحد، أمرت السلطات بإغلاق المسارح العامة في المدينة، وخلال هذه الفترة، كتب وليام شكسبير مسرحية “كريولانس” التي تسلّط الضوء على الأزمات الاجتماعية والاقتصادية لحقبة قديمة من الزمن.
القائد الروماني الأسطوري
كانت مسرحية “كريولانس” نتاج هذه اللحظة المظلمة، واستلهم شكسبير قصتها من “حياة القائد الأسطوري الروماني “غايوس كوريولانوس” الذي سجل قصته الفيلسوف والمؤرخ اليوناني فلوطرخس المتوفى عام 125م ضمن تدوينه لحياة النبلاء الإغريق والرومان.
وفي الواقع، بدأ فلوطرخس سيرته الذاتية مع الأعوام الأولى لكريولانس. أما شكسبير، فقد بدأ قصته في وقت لاحق من السرد، عندما أصبح مواطنو روما، الذين لم يتمردوا بسهولة، يائسين بما يكفي لمواجهة أولئك الذين يحكمون ويتولون السلطة.
في نسخة فلوطرخس، تأثر الرومان سلبا بسبب سعر الفوائد الربوية المرتفع، لكن شكسبير في مسرحيته غيّر طبيعة شكواهم، حيث أصبح المواطنون الجائعون غاضبين من حقيقة أن الأغنياء يخزنون الإمدادات الغذائية التي هم بأشدّ الحاجة إليها. وتحقيقا لهذه الغاية، أعاد شكسبير صياغة “حكاية البطن” الشهيرة لفلوطرخس، وهو خطاب يهدف إلى إسكات المعارضة، يلقيه الأرستقراطي البليغ منينيوس.
في المشهد الافتتاحي “لكريولانس”، يتصارع منينيوس (أحد النبلاء وعضو مجلس شيوخ بروما) مع الجماهير الساخطين ويهين أحدهم، مؤكدا أن ما ينبغي أن يفعله الجياع واليائسون هو الصلاة وليس طلب الإغاثة.
ويصر منينيوس على أن من هم في السلطة لا يتحملون المسؤولية عن الكارثة التي يواجهها المواطنون العاديون الآن “فالقحط من صنع الآلهة لا الأشراف، والخضوع لها، لا رفع السلاح، هو الذي يفيدكم”. ويضيف منينيوس أن الشكاوى ضد قادتهم يجب أن تتوقف، “فأنتم إنما تطعنون في مسيّري الدولة المعنيين بكم كالآباء عندما تشتمونهم كالأعداء”.
وبيّن الكاتب أن الإهانات ورفض قبول المسؤولية ستكون مألوفة لأي شخص تابع مؤخرا جلسات الإحاطة اليومية التي يعقدها البيت الأبيض حول فيروس كورونا، وفي المقابل ينتهي دفاع منينيوس عن سياسات الحكومة بأمره الحشد الجماهيري الغاضب بالتراجع، إذ إنهم مخطئون في الاعتقاد بأن المخزونات التي يسيطر عليها من هم في السلطة هي ملك للشعب، لأن الحكومة هي في الواقع “مخزن الجسم كله وحانوته”، وأن “ما من خدمة عامة تنالونها إلا وتصدر عنهم وتنبثق منهم لا عنكم أو منكم أنتم”.
المخزون الفدرالي الأميركي
ويقارن الكاتب بين مواقف الحكام والعامة في مسرحية “كريولانس” وبين تصريحات جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأميركي الذي قال إن القصور في معالجة الأزمة من مسؤولية “الولايات المتحدة” وليس من مسؤولية واشنطن (العاصمة)، وأكد كوشنر أن الولايات لا تملك حقا تلقائيا بتلقي المساعدة.
وتابع صهر الرئيس الأميركي قوله “فكرة المخزون الاتحادي (من المعدات الطبية) هي أن يكون هذا المخزون ملكنا”، مضيفا “ليس هذا مخزونا للولايات تستطيع استخدامه كما تشاء”، ويقول الكاتب إن مفهوم “ملكيتنا” يبدو كأنه انتزع مباشرة من مسرحية شكسبير.
وأضاف الكاتب أن دونالد ترامب لم يستغرق وقتا طويلا لمواصلة ما أعلنه كوشنر، ويقول الكاتب إن تغريدة ترامب مطلع أبريل/نيسان الجاري التي قال فيها “يحمل البعض شهية مفرطة ولا يشعرون بالرضا (السياسة؟). تذكر، نحن نمثل غطاء لهم. كان على المتذمرين أن يجهزوا أنفسهم قبل وقت طويل من وقوع هذه الأزمة” تذكرنا باستهانة البطل كوريولانس بالأشخاص غير الممتنين الذين يفترض أن يكونوا على علم بجهوده وإنجازاته؛ كما يُشبه ترامب كوريولانس بصفته الشخص الغريب الذي يفتقر إلى التعاطف، والذي دفعه مؤيدوه لاعتلاء منصب سياسي لا يناسبه تماما.
حروب روما
وبينما تكون روما في حالة حرب مع المدن المجاورة لها وعلى شفا حرب أهلية في الزمن القديم، ينزعج أصحاب السلطة بشدة بسبب “نكران الجميل”، وهي كلمة ذكرت عديد المرات في مسرحية شكسبير.
وفي إحاطة إعلامية بالجائحة، وبعد أن استمر ترامب مطولا في التمييز بين المحافظين “الكرماء” والمحافظين الذين لا يتسمون بهذه السمة، سأله أحد الصحفيين قائلا “لماذا يهم ما إذا كانوا كريمين أم لا طالما أنهم بحاجة إلى الإمدادات؟”.
وبينما تمثلت إجابة ترامب في أن ذلك أمر غير مهم، إلا أنه في الواقع يُعد مهما بالنسبة إليه، يقول الكاتب، كما هو الحال في مسرحية “كوريولانس” حيث يُعتبر ما قام به أولئك الذين لا يثقون في كوريولانس والذين فشلوا في تقديره “نوعا من الجحود”.
وفي خضم تصاعد آثار الجائحة الحالية في أميركا، لم يتضح بعد ما إذا كان أولئك الذين يعدون في أمس الحاجة إلى الإمدادات المخزنة سيحصلون عليها في الوقت المناسب، وما إذا كانت غالبية المواطنين في “جمهورية الولايات المتحدة” ستصل إلى النقطة التي يطفح فيها كيلهم، ويبدؤون في البحث عن خيار آخر.
-------------------------------------------------------------------
المصدر : الجزيرة - الصحافة الأميركية - نيويوركر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق