هزاع البراري كاتب مسرحي يعالج الحرب بالحب
عواد علي - العرب
الباحثة العراقية خلود يوسف تكشف عن قدرة الروائي هزاع البراري الإبداعية في كتابة مسرحيات ثريّة مفعمة بالتنوّع والتحرر من الأنماط التقليدية مواكبة مذاهب المسرح وتياراته.
الصراع ليس مجرد ثيمة في النصوص الأدبية سواء منها السردي أو الشعري أو المسرحي، فالصراع هو المحرك الأساسي للشخصيات وللأحداث والمحور الذي ينبني عليه أي عمل إبداعي، شأنه شأن الحياة التي تمثل في أحد وجوهها صراعا مستمرا. من هذه الزاوية كانت لدراسة الحرب في النصوص الأدبية أهمية كبرى بما تمثله من صراع، لا يخفت إلا بالحب.
تستنتج الباحثة العراقية خلود يوسف أن ثنائية الحب والحرب في نصوص الكاتب المسرحي والروائي الأردني هزاع البراري لم تقف على ثيمة واحدة، أو تقوم على شخصيات محددة، ولم تتقيد ببناء درامي واحد، وأسلوب مكرر، بل تنوعت وتعددت توجهاتها وأشكالها لتشمل حب الوطن والزوجة والحبيبة والآباء والأبناء، وحب الذات والآخر.
وتكشف يوسف في بحثها عن قدرة البراري الإبداعية في كتابة مسرحيات ثريّة مفعمة بالتنوّع، والتحرر من الأنماط التقليدية، مواكبة مذاهب المسرح وتياراته.
ثنائية هامة
درست خلود يوسف في أطروحة دكتوراه ناقشتها في جامعة تكريت بالعراق تحمل عنوان “ثنائية الحب والحرب في نصوص هزاع البراري المسرحية”، عددا من مسرحيات الكاتب؛ متبعة المنهج التحليلي والوصفي والنفسي، لتخلص إلى مجموعة من الاستنتاجات العامة حول ثيمتي الحب والحرب على نحو خاص.
وانطلقت الباحثة من أنّ ثنائية الحبّ والحرب شغلت بال العديد من الأدباء والكتاب لما تحمله من أهمية للمتلقي، انطلاقا من أن الأديب هو الواجهة الثقافية للمجتمعات الإنسانية، وهو المرآة الحقيقيّة للحب والحرب وتأثيرهما على مجريات الأحداث، والعلاقات الإنسانية، لنكون أمام صراع الأديب في الحرب وما تحمله من دمار وموت وتشريد، والحبّ أيضا وما يحمله من حياة وأمل وتكوين أسرة، أمام حالة تفكيك الحرب للأُسر، ليتأكّد ما للحبّ والحرب من ثنائية ثابتة في تكوين الشخصية الأدبية للشاعر أو للكاتب المسرحي.
شخصيات تاريخية وخيالية
في نصوص هزاع البراري الصراع لا يخفت إلا بالحب
في قراءتها للشخصيّات التاريخيّة في مسرحية “هانيبال” توقفت الباحثة على شخصية القائد القرطاجي هانيبال، الذي عُرف بشجاعته وحنكته العسكرية، وحللت الثنائية المتضادة المتجسدة في شخصيته، فقد أظهر حبه الشديد للوطن في الحروب التي دارت بين الإمبراطوريتين القرطاجية والرومانية، من خلال التخطيط الذي قام به أبوه هملكار من أجل بسط نفوذه على أرض الرومان، حيث أحدث انشقاقات في صفوف الجيش الروماني ساعدته في تحقيق الانتصارات عليه.
وتناولت الباحثة شخصيات تاريخية أخرى في هذا النص، منها شخصية الملك المؤابي ميشع، صاحب المسلة الشهيرة “حجر مؤاب”، الموجودة في متحف اللوفر، الذي هزم الغزاة العبرانيين في القرن التاسع قبل الميلاد، وخلّد حبّه للوطن. ورأت يوسف أنّ البراري استطاع أن يوظف شخصيتي “الأسود” و”العجوز” في هذه المسرحية للدلالة على التمييز العنصري، وكشف عن معاناتهما.
أما في مسرحية “مرثية الذئب الأخيرة” فقد جسد الكاتب، حسب الباحثة، ثيمة التمييز العنصري وتهميش الفرد وسط أجواء أسطورية، من خلال شخصية “الأسود” (عنترة)، الذي يتعرض للاستعباد لأنه ابن امرأة سوداء، رغم أن أباه هو السلطان “شنخور”، وينكره أخوه “شاجار” ويحكم عليه وعلى أمه “جرداء” بالتيه والضياع في الصحراء، طمعا في الاستئثار بالسلطة.
وفي المقابل ثمة شخصية الكاهن وابنته فتنة “ابنة النار”، فهما يؤازران الأقوى ويداهنان السلطة، ويغدوان تابعَين منقادَين، ينهشان لحم “الأسود” كي تعلو منزلتهما عند “شاجار”. وقد صور البراري شخصيتي عنترة وأمه العجوز وهما في أشد معانتهما، وتوقهما إلى الخلاص من الظلم الذي يحيق بهما.
وفي المنفى الصحراوي يلتقيهما “سيّد الأسفار”، ويتعرّف إلى قصتهما، فيبرم مع “الأسود” عهدا بأن يزوجه ابنته “شمس”، ثم يموت. حين يتزوجان تلاحقهما “ابنة النار” ويقادان مكبَّلين إلى “شاجار” الذي يحاول أخذ “شمس” بالقوة، لكنها تهزمه وتنتحر مفضّلة الموت على الخضوع.
الذاكرة البعيدة
ناقشت يوسف كذلك الأشكال المختلفة للصراع في نصوص البراري وفقا للأحداث التي تمر بها، كصراع “هانيبال” مع الإمبراطورية الرومانية وجيوشها، وصراع “شاجار” مع أخيه الأسود، وصراع المؤابيين مع العبرانيين، إضافة إلى حروب المدن التي أسقطها على الحروب التي شهدتها أغلب البلدان العربية.
وأكّدت الباحثة أنّ الأثر النفسي على المبدع ينبع دائما من الذاكرة البعيدة والواقع المحيط، فلا تزال في الذاكرة آثار نكبة 48 ونكسة 67 في فلسطين؛ مبيّنة أنّ الأردني المرتبط جغرافيا ووجدانيا بالأرض المحتلة هو الأكثر تأثرا بنتائجهما، فقد حفرتا عميقا في بنيته النفسية والحياتية، وكانت لهما ارتدادات لم تقف عند حدود السياسي المبدئي، بل تجاوزته إلى كل تفاصيله الأخرى.
الباحثة تحلل عددا من مسرحيات هزاع البراري متبعة المنهج التحليلي والوصفي والنفسي، لتخلص إلى مجموعة من الاستنتاجات
كما أوضحت أن نصوص البراري المسرحية كشفت عن تأثيرات الحرب على أصعدة مختلفة، وكيف تسببت في الكثير من العلل أو الأمراض النفسية للمجتمعات من خلال العلامات والرموز التي ملأ بها نصوصه “الموت، أنفاق العمر والأهل، رائحة الدم، التعب، الحصان الهرم، الرأس المحمول في عنق الحصان، سقوط اللحم، تهشّم العظام، الدم، البكاء، الصراخ، الرمال، الألم، الدهشة، المرض، الجنون، التهميش… إلخ)، وكلّ هذه صور واضحة للأحداث التي تجري في ساحات الحرب، وقد تفاعل معها البراري، وعبّر عن مرارته من الكوارث التي خلفتها الحروب الأهلية في عالمنا العربي.
يُذكر أن هزاع البراري يتولى حاليا منصب أمين عام وزارة الثقافة الأردنية، وهو روائي وقاص أيضا، كتب أكثر من عشرة نصوص مسرحية منها (العرض المجهول، حلم أخير، العُصاة، مرثية الذئب الأخيرة، الناي والنهر، زمن اليباب، قلادة الدم، هانيبال وميشع يبقى حيا). كما أصدر خمس روايات هي (الجبل الخالد، حواء مرة أخرى، الغربان، تراب الغريب وأعالي الخوف)، ومجموعة قصصية بعنوان “الممسوس”. وفاز بجوائز عديدة منها جائزة “محمد تيمور للإبداع المسرحي” في مصر عن مسرحيته “هانيبال” 2004، وجائزة “أبو القاسم الشابي” في تونس لأفضل نص مسرحي عن “قلادة الدم” 2009.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق