مجلة الفنون المسرحية
نماذج من رواد المسرح التركي (لمحة من تاريخ المسرح التركي)
من يعود الى بدايات المسرح التركي لابد له ان يذكر فترة التنظيمات الاصلاحية 1839 حيث انحصر نشاط المسرحيين في الدولة العثمانية باللغة الارمنية وقادها كل من بدروس مالماكيان وبدروس أتاميان وارنب ارتجيه وسير انوس وهكذا استمرت اللغة الارمنية في المسرح واللغة التركية في تطور الحركة المسرحية واسست الفرق منها مسرح الشرق واسبوغان ويمكن اعتبار الفنان كلولو اكوب رائد المسرح التركي ، حيث اسس فرقة مسرح اسيا وقدمت اعمال اللغة التركية ثم تم تغيير اسمها الى فرقة المسرح العثماني واستمرت عروضها المسرحية لمدة عشر سنوات .اما اول نص مسرحي تركي للأديب ابراهيم شناسى 1824-1871 وهي مسرحية (زواج الشاعر) كما كتب فخري زاده شاكر مسرحيات كوميدية قد تأثر هذا الكاتب بمسرحيات مولير ، وبعد عام 1908 تأسست دار بدائع الفنون الجميلة لتدريس فنون المسرح واصوله وتخرج دفعة مهمة من المسرحيين والممثلين ومن اشهرهم محسن ارطغرل الذي اعتبر رائد المسرح التركي الحديث وفنان المسرح الارتجالي وساهم في دخول الممثلات التركيات المسلمات الى المسرح بعد ان كان الاعتماد على الممثلات اليونانيات والارمينيات .
وبعد اعلان الجمهورية تم تاسيس مؤسسة مسرح الدولة مع فتح فروع منها في عدة محافظات وبدعم من الحكومة المركزية ، وبعد نهاية مرحلة الحزب الواحد عام 1950 بدات الحركة المسرحية تتطور رغم عدم اهتمام الدولة بالفرق المسرحية ويعتبر انقلاب عام 1960 واعلان الدستور الجديد عام 1961 ساهم في زيادة عدد الفرق المسرحية كما بدأ . ليفتح المسرح التركي على تجارب المسرحيات العالمية وظهر كتاب مهمين في المسرح التركي من بينهم ناظم حكمت وعدالت اغا اوغلو وجاهد اتاي ونجاتي جمالي وخلدون ظافر وجتين القان وداود تورك علي وانقسم كتاب المسرح في نصوصهم من خلال نقد الخلل والأنحلال الاجتماعي والاقتصادي ونتائجه على الانهيار الاخلاقي في حياة العائلة التركية واستغلال القوي للضعيف ومنها مسرحية (العاملون) للكاتبة عدالت اغا اوغلو و(حصته الاخ) للمؤلف اورهان كمال و(ثلاث مرايا في غرفة) للمؤلف اورهان أسنت ومسرحيات اخرى اهتمت بالواقع الريفي ووضع المراة والقيم المتصارعة فيه واستغلال الاقطاعيين للفلاحين والهجرة من الريف الى المدينة ، ومن هذه الاعمال مسرحية (في الكمين) للكاتب جاهد اتاي و ( المهد المفتوح) لنجاتي جمالي ومسرحية (كلنا من اجل واحد) للمؤلف جواد فهمي باشكوت و(الجدول الطويل) للمؤلف يشار كمال والمسرح التركي لم يهمل كتابه الاهتمام بتاريخ الحضارات الانسانية والاساطير فكتب اورهان أسنت (الارض والبندول) وكتب طورهان اوغلان اوغلو مسرحية (مراد الرابع) و(دفاع سقراط) اما كنكور ديلمن كتب مسرحيات (عقدة ميداس،وذهب ميداس ادنا ميداس) واهتم الكتاب أيضاً بمونودراما ومن هذه المسرحيات (كانت المياه مضاءة) لنزهت مريج و (جيجو) لعزيز نسين و (جوليت والأغاني الجديدة) لنجاتي جمالي و(العانس) لـ اورهان أسنت .وقد قام الدكتور نصرت مردان بترجمة اربع مسرحيات تركية معاصرة مع تقديم خاص عن المؤلفين وعن المسرح التركي خلال القرنين الماضيين ، وقد قام قبل ذلك الكاتب نصرت مردان بترجمة مسرحية (مطعم القردة الحية) لكونكورد يلمن سلسلة المسرح العالمي / وزارة الثقافة الكويتية 1989 ، كما ترجم الى العربية روايتي (الصفيحة) و(ولو يقتلون الثعبان) ليشار كمال بغداد 1990 ورواية (محمد الفاتح) لنديم كورسيل منشورات الجمل 2001 ومن ترجماته ايضاً لعام 2015 اربع مسرحيات تركية معاصرة التي نحاول ان نسلط الضوء عليها . ومن بينها مسرحية (الخروج) للكاتبة عدالت اغا اوغلو والتي تتناول حياة ام وابنه يعيشان في عالم مغلق ، غريب ، مظلم ، كئيب منغلق على الحركة فالأب يعيش معظم الوقت في شراء مبيدات لقتل الحشرات التي تملأ أرجاء البيت ، اما الابنه لا صديق لها سوى لعبتها وهو يمنع ابنته في الخروج لانه لاشيء هناك في الخارج الا انها تنجح في النهاية الى الخروج الى النهار والمسرحية هذه ، تذكرنا بمسرحية (عند الموقد) لناظم حكمت حيث يعيش الاب العجوز مع ابنته الشابة التي ايضاً يحاول منعها من الخروج لكن في نهاية المسرحية يأتي المنقذ وينقذها .التي ايضاً يحاول منعها من الخروج لكن في نهاية المسرحية يأتي المنقذ وينقذها .
من حوارات المسرحية يقول الاب.
هيا اذهبي والا ساسكب المبيدات عليك كلها
الابنة :- اسكبها ثم اكنسني
الاب :- افضل ان اكنسكِ وانت حية من ان اكنسكِ وانت جثة هامدة .
الابنة :- (وهي ترحل) سوف لن تلحق بي وتعيدني ثانية ابي ستبقى وحيداً ، لا أريد ابداً ان ابقى وحيدة .. لا أريد لقائك مع الحشرات والقاذورات ، ابي اريد ان اشعر بانك لاتبكي خلفي … استطيع الان ان أبصر طريقي الظلام ليس حالكاً صباح الخير ايها الاطفال . ثم في نهاية المسرحية بعد رحيل الابنة يسكب الاب جميع مبيدات الحشرات على جسمه ويتمدد على الارض يتناول المكنسة ويحاول ان يكنس نفسه وهو يتلوى من الألم .
اما المسرحية الثانية والتي حملت (في الكمين) للكاتب جاهد اتاي 1925-2012 وهي من اشهر مسرحياته التي عرضت في اغلب مسارح الدولة والفرق الخاصة ، كما عرضت هذه المسرحية على مسارح لبنان والقاهرة والكويت والمغرب العربي ، فتدور أحداث هذه المسرحية في الريف التركي بين الاقطاعي بيلان اوغلو الذي يستغل بساطة البستاني التركي دورسون وبلاهته لقتل يشار الذي يعمل على فتح مكتب للمحاماة بعد حصوله على شهادة الحقوق وهو صديق دورسون وفي نهاية العمل يقع بيلان اوغلو ضحية مؤامراتهم فبدلاً ان تنطلق الرصاصة الى صدر صديقه يشار فأنها تطلق الى صدر الاقطاعي بيلان اوغلو .
أما المسرحية الثالثة للكاتب نجاتي جمالي 1921 – 2001 المولود في اليونان والمهاجر مع عائلته الى تركيا بموجب اتفاقية تبادل المهاجرين بين الطرفين بعد انهيار الدولة العثمانية وفي هذه المسرحية التي يحاول الكاتب ان يلج عالم شكسبير من خلال ظهور شبح هاملت في احد المسارح التي يعيش فيها الرجل بطل المسرحية الذي يحاول من خلاله بامراة باريسية يتصادقان فهي تعتقد انه لاجئ اسباني يعيش في باريس وهكذا يقران خلال لقاءاتهما لوركا وتاريخ اسبانيا والحرب الاهلية في اسبانيا ويؤكد لها انه اسباني ولا يحمل جواز سفر . وفي نهاية العمل الشبح يمنح الرجل الضوء الاخضر بان عليه الان بعد توطيد علاقته مع المرأة الفرنسية ان يبعدها في الحديث عن اسبانيا ثم يبدأ حديثهم عن مسرحية هاملت لمشاهدتها .
أما المسرحية الرابعة والاخيرة لعزيز نسين بعنوان (دويتو بين امرأتين) تتألف من شخصين هي صاحبة البيت والغربية التي تزورها باحثة عن شخص يدعى واسين وتكتشف ان زوجها الذي مات هو ايضاً زوج الغريبة ورغم ان زوجها كان انانياً ولم يحبها الا انها احبت شخصاً اخر بالهاتف يومياً يتصل بها وهي تنتظر قدومه حين تدق الساعة الحادية عشر ليلاً اى انه لن يحضر رغم حديثه معها وهو في حالة نشوى وهو يقول …
الصوت : طوال الليل بحثت عيناي عنك ، انتظرت حتى هذه الساعة لكنك لم تأتين.
صاحبة البيت : ساحضر اليك ان اردت (تسد السماعة وتفصلها) والصوت الاتي أنا
صاحبة البيت : كما تشاء لكن من الافضل ان تأتي وحدك .
الصوت: سأتي وحدي ليلة سعيدة .
وهكذا تنتهي المسرحية مع توقف الساعة وذكر الغريبة ان الذي تنتظره مات ولم يأت بعد الأن وتتحول الغربية خلف صاحبة البيت وتبدوان كامراة واحدة .
لقد حاول المترجم ان يبرز لنا اهم المؤلفين الاتراك من الرواد مع منحهم ريادتهم في المسرح والادب التركي محاولاً تسليط الضوء على الاحداث والصور والشخصيات في مسرحياتهم مع تقديم موجز عن حياتهم وكانت خلاصة جهد المترجم بتقديمه لاعمالهم التي تتناول الادب الانساني التركي والذي نقراه اليوم في هذا الكتاب الذي سلطنا الضوء عليه وهو حصيلة ماقراه المترجم خلال 40 سنة معرفته بالثقافة والفن والادب التركي قراءة وكتابة وايضاً معرفته بالكثير من الادباء الاتراك وصداقتهم معهم ومعاصرته للأدباء الرواد ومن جميع الاجيال خلال العقود الادبية في تركيا ، ونجد انه استطاع ان يقدم لنا نصوصاً تركية بروحيتها بعيداً عن النقل الحرفي للنص ويعتبر المترجم واحداً من ابرز الادباء التركمان في العراق وقدم خدمة جليلة للأدب العراقي من خلال ترجمته الى التركية قصائد البياتي والسياب والماعوظ وقصص جليل القيسي وزكريا تامر وعبد الرحمن الربيعي وهو يواصل اعماله الادبية ، والان كما علمنا انه انتهى بترجمته مسرحية (غداً في غابة اخرى) للمؤلف مليح جودت انداي .وهي معدة للطبع ، نتمنى ان نكون قد سلطنا نقطة ضوء على (اربع مسرحيات تركية معاصرة) للمترجم د. نصرت مردان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق