مسرحيو قطر: نادوا بضرورة إطلاق خيالهم.. الإبداع فضاء لا تحده القيود والشروط
الدوحة – الراية:
يرى أرسطو أن المسرح هو تجسيد لواقع يتّخذ شكل مسرح كبير، ولكنه قصر الأمر في عدة شروط يجب توافرها، بينما رأى المُجدّدون أن الفنان لا يجب أن تُملى عليه طرق التعبير، ولتحقيق ذلك يحتاج إلى استخدام كافة أدواته الفنية دون قيود على إبداعاته أو حدها بأسلوب معين يتوجب على الجميع اتباعه، ومن هنا وجب علينا إلقاء الضوء على إشكاليات التلقي التي مر بها مسرحنا عبر رحلته الطويلة، حيث اقترب مُبدعوه في بعض محطاته من الجمهور وابتعدوا في أخرى. فترات شعر فيها الفنانون بالمُساندة والدعم وأخرى نادوا بضرورة احتضانهم وفتح مجال الإبداع لهم وإطلاق سراح خيالهم لاستخدام الوسيلة المثلى للتعبير، وعلى ذلك رأت الراية ضرورة مناقشة عدة إشكاليات تخص تعثر المسرح القطري الذي ينتظر فنانوه إشارة البدء للانطلاق مرة أخرى بعد فترة توقف، وتمنوا أن تكون الفترة الحالية هي فترة استعداد للمقبل، وأن لا يكون الوضع الحالي فترة خمول دون أي حراك في عقول المسؤولين عن المسرح.
علي سلطان:تفعيل دور الفرق المسرحية
الفنان علي سلطان، أكد أن الفنانين يترقبون عن كثب إطلاق إشارة بدء النشاط المسرحي من جديد، مشيرًا إلى أن الفنان لا يستطيع الابتعاد عن الخشبة لكثير من الوقت، مضيفًا أنه على الرغم من قيامه بأداء أحد الأدوار في مسرحية «كوفيد-19»والتي قام بإخراجها الفنان فالح فايز مؤخرًا وتم تنفيذها بصورة رقمية، إلا أنها لم تُشبع طموحاته الفنية لافتقادها أحد الأضلاع المُهمة في الحركة المسرحية والتي تتمثل في الحضور الجماهيري المُباشر. وقال: إن العديد من الفرق والمؤلفين تقدّموا بنصوص مسرحية لمركز شؤون المسرح من أجل المشاركة في الموسم المسرحي المقبل، إلا أنهم لم يتلقوا ردًا حتى الآن، وأضاف: مازلنا جميعًا في الانتظار الذي نأمل بأن لا يطول، وأن تشهد الأعمال التي سيتم قبولها تنوعًا يعكس مُختلف الأساليب وأشكال المسرح، كما نوه إلى أن الإجراءات الاحترازية المُتبعة حاليًا لا تمنع الفرق من الاستعداد خلال الفترة الحالية للأعمال التي يمكن تقديمها. كما شدّد على ضرورة تفعيل دور الفرق المسرحية التي لا يمكن الاستغناء عنها، وعلى المسؤولين أن يقوموا بتنشيطها وتشجيعها للوصول إلى الأفضل بدلًا من تحجيم فعاليتها. كما طالب بأن تشهد الفترة الحالية إعداد الخطط والإستراتيجية التي يجب أن يسير عليها المسرح في الفترة المُقبلة حتى لا يستمر تراجع المسرح القطري عن المكانة التي كان يشغلها على الساحة العربية والخليجية في وقت سابق، وقال: بعد أن كان مسرحنا يشهد حضورًا جماهيريًا كبيرًا انصرف عنه الجمهور، وشعر فنانوه بالإحباط، مُتمنيًا أن يعود المسرح القطري للاحتفال باليوم العالمي للمسرح من خلال مهرجان تتنافس فيه الفرق المسرحية والشركات، مؤكدًا أن استمرار الموسم المسرحي طوال العام لا يتعارض مع إقامة مهرجان يشتمل على ما تم عرضه خلال الموسم، وقال: إن المسرح القطري شهد في الماضي حالة تنافسية كبرى، أما اليوم فقد تم القضاء على تلك التظاهرة الكبرى التي كانت تتمثل في الاحتفال بيوم المسرح العالمي حيث كان ينتظر المسرحيون شهر مارس من كل عام ليقدّموا أفضل ما لديهم.
عبدالله دسمال: مطلوب استمرار الحركة المسرحية
يرى الفنان عبد الله دسمال أنه لا داعي لاستمرار توقف الحركة المسرحية، مادام هناك أنشطة مُماثلة بدأت تُمارس عملها بشكل طبيعي، مثل دور العرض السينمائي، مُتسائلاً: ما المانع من عودة النشاط المسرحي مع الالتزام بكافة الإجراءات الاحترازية وبطاقة استيعابية محدودة كبداية حتى تعود الأمور لنصابها مُستقبلاً؟!.
وفي سياق آخر أكد دسمال على أن الحركة المسرحية تعيش حالة من التراجع الكبير، موضحًا أنه ما بين شد وجذب وإلقاء بالتُهم حول المسؤولية عن هذا التراجع، فإنه من الإنصاف القول بأن الجميع مُلام، والتقصير هو سمة جميع العاملين في الحركة المسرحية (المسؤولون، الفرق المسرحية والفنانون). وعلى الجميع التكاتف من أجل مُعالجة هذا الخلل حتى يعود المسرح لسابق عهده، وهو الأمر الذي سينعكس بالإيجاب على الحركة الفنية ككل.
وأضاف قائلاً: هناك تراجع لدور وزارة الثقافة، وكذلك الفرق المسرحية التي أصبحت تعتمد بشكل رئيسي على «كوميديا الموقف»، أو الأعمال التي تنتمي لمسرح الأطفال، في ظل غياب تام للأعمال التي تقدم قيمة فنية. وقال: إن البدائل التي قام بها المسرحيون مؤخرًا لتعويض غياب المسرح، مثل «مسرح كتارا»، لم تكن تجربة ناجحة، مشيرًا إلى أنها كانت أقرب للتسجيلات الإذاعية. مضيفًا: المسرح يجب أن يكون حيًا، وأن يكون هناك جمهور يتفاعل مع أداء الممثلين على الخشبة. وأن يكون العرض بمواعيد مُحدّدة، فالمسرح ليس مجرد ترفيه، بل هو أيضًا علاقة فنية اجتماعية تجمع أطراف هذه المُعادلة، وأي تغيير في هذا الشكل لا يمكن أن نطلق عليه مسرح.
فاطمة الشروقي:عودة المسرح الشبابي
الفنانة فاطمة الشروقي أكدت أن المسؤولية مُشتركة بين الفنانين والمسؤولين من أجل تطوير الحركة المسرحية، مُشدّدة على ضرورة البحث عن أسباب تأخر الإبداع القطري في هذا المجال، علمًا بأن الأمر بعيد تمامًا عن الدعم المادي، خاصة أن وزارة الثقافة تخصّص ميزانيات ضخمة للموسم المسرحي، وتمثل أحد أهم أسباب التدهور التي رصدتها فاطمة ورأت أنها أصل مُعاناة الساحة المسرحية، في ضعف الدعم المعنوي المُقدم للفنانين، وقالت في هذا السياق: لا يُشترط أن يكون الدعم ماديًا فقط، حيث إن له صورًا عديدة، كالتشجيع على مُمارسة الفن بتخفيف الشروط والقيود على الإبداع، وأيضًا من خلال توفير الورش، وتابعت: كل تلك الأمور لا تقل أهمية عن الدعم المادي، ولأن الحالة قبل كورونا كانت سيئة رأينا أن الأمر ازداد سوءًا مع الجائحة، وعلى ذلك يجب العمل لتلافي السلبيات التي عطّلت إحداث نهضة مسرحية في السابق، وعدم الاستمرار في السير على نهج لم يصل بنا لشيء.
وعن أبرز السُبل التي من شأنها تطوير الحركة المسرحية والاستعداد لها خلال فترة التوقف الحالية أكدت على أنه من الضروري إعادة النظر في إحياء المركز الشبابي للفنون المسرحية مرة أخرى بصفته كان مُفرغًا أساسيًا لطاقات الشباب وأحد الروافد التي تمد الساحة بالموهوبين كما كان في مقدوره جذب واستقطاب العناصر القطرية في كافة المجالات المسرحية، وتمنت إعطاء فرصة أكبر للفرق الأهلية والتي رأت أنها تتحلى بقدر أكبر من المصداقية بحكم أنها لا تعمل وفق دافع ربحي.
وختمت حديثها قائلة: لا يمكن أن يعمل الفنانون دون دعم، والدعم لا يجب أن يقتصر على صناعة الأعمال المسرحية بل يمكن أن يوجه للمُساهمة في تنفيذ المُبادرات والمشروعات التي يفكر فيها الفنانون، وأضافت: لدي العديد من الأفكار التي اضطررت لتنفيذها بمعدات بسيطة، وما يُحزن أنه كان من المُمكن أن تخرج بصورة أفضل إذا ما تم دعمها، وفي هذا الإطار يعمل معي شباب مُتحمّسون للعمل ويقومون بأداء أدوارهم دون مقابل فما بالك إذا تم دعمهم.
فيصل رشيد: إعادة الحياة لجسد المسرح
ناشد الفنان فيصل رشيد «مركز شؤون المسرح» للتحرك من أجل إنقاذ الحركة المسرحية التي تعاني منذ فترة طويلة، مشيرًا إلى أن المسرح القطري كان يحتضر قبل جائحة كورونا، أما الآن فالأوضاع أصبحت أسوأ بكثير من ذي قبل. مؤكدًا على أن الفترة الحالية يجب أن تشهد حالة من الحراك سواء من المُسؤولين أو الفنانين من أجل إعادة الحياة لهذا الجسد الميت. مشددًا على ضرورة عودة العروض مرة أخرى على خشبة المسرح مع الأخذ في الاعتبار كافة الإجراءات والتدابير الاحترازية التي تضمن سلامة المُشاهدين، وجميع العاملين في المجال المسرحي. وأشار فيصل إلى أن الحياة بدأت تعود في جميع مناحي الحياة في قطر بفضل الجهود الحكومية والوعي الشعبي، كما أن الفترة الأخيرة شهدت بداية لعودة الفعاليات الفنية والثقافية.
من جهة أخرى ثمّن مُشاركته في مسرحية «كوفيد-19»، مؤكدًا على أن المُشاركة في هذا العمل كانت تحديًا كبيرًا، خاصةً أنها تجربة جديدة من نوعها على المسرح القطري، مشيرًا إلى أن المسرحية جاءت في وقت كان الجميع مُتعطشًا فيه لعمل يُعوّضه غياب الحركة الفنية، ويُساهم في إضفاء جو من البهجة والمُتعة خلال فترة التباعد الاجتماعي، موضحًا أن التطبيقات الذكية باتت تأخذ حيزًا كبيرًا من نصيب المحتوى الدرامي العربي وأصبحت تلقى مُشاهدات كبيرة تفوق أحيانًا المحطات الفضائية. كما أشاد أيضًا بتجربته في «مسرح كتارا» والذي قدّم خلال فترة الصيف قراءات لأهم النصوص المسرحية العالمية. مؤكدًا على أنه رغم إقبال الجمهور على مثل هذه الفعاليات، لكنها لا تغني عن أهمية عودة المسرح بشكله الطبيعي في أقرب وقت ممكن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق