ز. زبير - المساء
أجمع المتدخلون في ندوة "مهن المسرح بين التقليد والعصرنة" التي نُظمت أول أمس بقاعة المحاضرات لمسرح قسنطينة الجهوي ضمن الطبعة التاسعة للربيع المسرحي، على تنسيق الجهود بين مختلف الفاعلين في القطاع، للنهوض بالفن الرابع لتحسين ظروف الفنانين، واستقطاب الجمهور من جديد في ظل شح الأرشيف، ونقص الاستثمارات في هذا المجال.
قدّم الممثل والمخرج ربيع قشي أهم المحطات في تاريخ المسرح بمنطقة الجزائر، بدءا من المسرح النوميدي الذي غُيّب لأسباب سياسية، ليعرج على المسرح الروماني والمسارح المنتشرة عبر مختلف أنحاء الوطن، إلى المسرح العثماني، وبروز مسرح القراقوز، ثم مرحلة الاستعمار؛ حيث برز المسرح الفرنسي الذي احتكر هذا الفن، على مستوطنيه، وصولا إلى مرحلة ما قبل الاستقلال، وظهور فرقة جبهة التحرير الوطني إلى ما بعد الاستقلال، خلال ظهور أول مدرسة للمسرح بداية الستينيات مع بشطارزي ورويشد، إلى مصطفى كاتب وولد عبد الرحمان كاكي، مع ظهور مسرح "برشت"، وكان مسرحا تحريريا وثوريا وسياسيا؛ من خلال المسرحيات المقتبسة التي كانت تُعرض على الجمهور، إلى مسرح "الحلقة" مع عبد القادر علولة، ليتطرق لظهور المسرح الهاوي في الجزائر؛ بدءا بسنة 1966، وإلى العمل الذي قامت به الفرق الثلاث بقسنطينة.
وحسب المتدخل، فإن كل هذه المراحل تفتقر إلى المراجع والكتب التي تتناولها، مطالبا الجامعة بتسليط الضوء على هذه المحطات؛ من خلال البحوث والدراسات، مضيفا أن حصة "فضاءات المسرح" لعلي عيساوي، ساهمت، بشكل كبير، في جمع معلومات قيمة عن الفن الرابع في المنطقة الشرقية، مضيفا أن بعض المهرجانات كانت للأكل والاستجمام فقط، ولم تقدم أي جديد لأبي الفنون. وقال إن غياب النقد أثر، بشكل سلبي، على الممارسات. كما أضاف أن تغييب مساهمات الجيل الذي جاء بعد كاتب ياسين وعلولة، ألقى، بظلاله، على الحركة المسرحية بالجزائر.
ومن جهته، اعتبر المخرج والممثل وحيد عاشور أن المسرح مرتبط بالعديد من المهن، على غرار الخياطة، والحدادة، والبناء والنجارة، مشيرا إلى أن تطور المسرح يساهم في ازدهار هذه المهن، حيث عرض الموضوع من زاوية أخرى، معتبرا أن هناك نقصا وتقصيرا في التعريف بالمسرح وأهميته، ليطرح نظرية "أون سايد وأوف سايد"؛ أي من الداخل ومن الخارج. وقال إن الجزائريين لا يعرفون المسرح، مؤكدا أنه لا يقصد المسرح كعرض فقط، وإنما كأداة لبناء الفكر والذهن، ومطالبا المهنيين والممارسين بالعمل على التعريف بأهمية المسرح في حياة الناس، خاصة في ظل الأزمة الحالية بعدما أصبح الناس يخافون ولديهم مركّب نقص من دخول المسرح. كما طالب بإيجاد الآليات المناسبة، والاجتهاد في إيصال المنتوج الثقافي إلى المستهلك على أساس سلعة تباع، مركزا على ثلاثة عناصر أساسية تشمل التدقيق في الشخصية الفردية، والأسرية والقبلية والمحلية، واعتبر أن من غير المعقول الوصول إلى العالمية بدون التعرف على الذات، قائلا إن المسرح قنبلة موقتة، يمكنها أن تنفجر في أي وقت. كما أضاف أن صورة المسرح غير واضحة بالنسبة للجمهور العريض، الذي يُعد كسولا، ويريد الحصول على ما يريد على طبق بدون جهد، وعليه طالب بإيجاد طرق لجعل هذا الجمهور تفاعليا أكثر، مقترحا تنظيم لقاءات تكوينية لعشاق المسرح.
أما المخرجة حميدة آيت الحاج فقد رافعت في جل تدخلها، على حقوق الفنان، معتبرة أن مهنة الممثل المسرحي أجمل مهنة في العالم. وأطلقت النار على الإداريين الذين يسيرون شؤون الثقافة، واعتبرتهم عبءا على الثقافة، ويأخذون أموالا لا يستحقونها. وتحدثت عن ضرورة تحوّل المسرح إلى صناعة، والتركيز على المسرح المحترف بعيدا عن الهاوي، لتبدي استياءها مما وصفته باللاعدل في توزيع أموال دعم الدولة بين السينما والمسرح، الذي قالت إنه "محقور". وطالبت بفتح أبواب المسرح بالمجان، على الجمهور العريض، وعلى الدولة تحمّل مصاريف الإنتاجات المسرحية.
وخلال المناقشة عبّر بعض الحضور عن آرائهم، معتبرين أن تسيير المسارح بالطريقة الاشتراكية، قد أكل عليه الدهر وشرب، معتبرين أن الحلول تكمن في الاعتماد على تكاتف الجهود على المستوى المحلي، بعيدا عن حلول الوزارة، مع المطالبة بجرد الفنانين، وخلق دينامكية محلية، يمكنها تحريك الفعل المسرحي الوطني. وأشاروا إلى أن فتح المجال للاستثمار ضمن مقاولات وفقا للمرسوم التنفيذي الأخير، سيسمح بإعطاء جرعة أكسجين لهذا القطاع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق