مجلة الفنون المسرحية
مسرحية «عرش النفايات» إخراج عمر بن سلطانة: مسرح الطفل : ممارسوه كـ «سيزيف» يسكنهم الحب والرغبة في البناء
مفيدة خليل
المسرحية الدرس، هكذا يمكن توصيف مسرحية عرش النفايات الموجهة للاطفال، مسرحية يمكن ان تعوض مشاهدتها الاف الجمل والكلمات التي تقدم في الكتاب المدرسي
عن مخاطر النفايات وتأثيرها السلبي على الارض والغلاف الجوي والمائدة المائية، العمل المكتوب بدقة وحرفية صنعتها دنيا مناصرية وقدمه للركح ممثلون شغوفون جمعتهم الفكرة والركح وأخرجه الى الجمهور مخرج واعد له رؤية مسرحية وفرجوية مختلفة عمر بن سلطانة وانتاج فضاء ثقافي ولد في حي شعبي هو فضاء «جرين تياتر»، وفي المسرحية اجتمعت كل مقومات النضال الفني لإرساء مشروع بديل وصادق فولدت مسرحية «عرش النفايات».
هي مسرحية محترفة موجهة للاطفال، عمل مشحون بالقيم الانسانية والتثقيفية ورحلة في عوالم عجائبية تشجع الطفل على الخيال وتحفزه على حب الاخر و معرفة دوره في الحياة ووواجباته تجاه الكرة الارضية و محيطه وحقوقه في هذا العالم، مسرحية يتماهى فيها الجانبان المعنوي والتقني قدمها مجموعة من الحالمين بقدرة المسرح على البناء والتاسيس.
فرجة مسرحية مختلفة تحمل الطفل الى عوالم الخيال
المسرح فعل تثقيفي وممارسة للحياة، المسرح مدرسة للحالمين والباحثين عن الافضل انسانيا، المسرح ممارسة لفعل نقدي وتكريس لأفكار تصنع جيلا واعيا بحقوقه وواجباته تجاه نفسه ووطنه، ومسرح الطفل اصعب من مسرح الكهول لأنه يمس شريحة مجتمعية جدّ حساسة و«عرش النفايات» عمل نجح في الوصول الى قلوب الاطفال ورسائله جميعها تخدم الطفل وتساعده ليميز بين الحق والواجب ويعرف كيف يتعامل مع النفايات الكثيرة الموجودة في كل المنازل.
تمازجت التقنيات المسرحية لتقديم عمل مسرحي يبهر الكهل قبل الطفل، في «عرش النفايات» اجتمعت المقومات التقنية لتقديم مضامين المسرحية، عوالم الفرجة تمازجت وتماهت لتقديم عمل يجمع الفرجة والنقد ويطرح العديد من الرسائل التربوية والتوعوية بسلاسة، الموسيقى جزء اساسي في العمل هي الفاصل بين المشاهد و المرافق للانفعالات النفسية والفكرية للشخصيات، الموسيقى الهادئة تعبر عن لحظات الانفراج والقوية عنوان للحظات التوتر التي تعيشها الشخصية وكذلك تعبيرة عن انفراج الاحداث، الاضاءة ايضا تكاد تكون شخصية مسرحية مستقلة بذاتها، الاضاءة تختلف حسب الفعل والحركة، الاضاءة توفر الجانب الحقيقي للحركة المسرحية كما تساعد الطفل ليرحل الى عوالم الخيال فتتارجح بين الواقعي والتخيلي مع استعمال متقن لتقنيات الفيديو لتكون الملامح السينوغرافية متناسقة مع حركات الممثلين واتقانهم للشخصيات.
في عالم عجائبي تدور حكاية المسرحية «مملكة النفايات» هي الفضاء العجيب الذي تجتمع فيه كل النفايات بعضها يحلم بالعودة الى الحياة من خلال منطقة التدوير وإعادة الرسكلة ونفايات اخرى تحلم بالسيطرة على العالم عبر التسلل في المياه لتلويثها ومنه قتل الاشجار وأخرى تتسرب الى الجو لإنقاص الاوكسجين لقتل الانسان وبذلك تصبح النفايات سيدة العالم والمتحكمة فيه، في العمل صراع الحياة والموت، صراع الخير والشر يحمل الطفل عبر تقنيات السينوغرافيا والإبهار الى العالم العجائبي فالنفايات اكداس على الركح بعضها حقيقي وآخر عبر تقنيات الفيديو و الممثلين تماهوا مع شخصياتهم الغريبة، فعلى الركح اجتمع المغامر ايمن خبوشي بشخصية «بطارية» يبدو كبطارية حقيقية في الحركة والماكياج والمتلوّن رامي الشارني بشخصية صعبة جدا «زئبق» شخصية مركبّة ومربكة اتقنها الممثل جيد «الزئبق» مادة سامة يمكن استنشاقها في هواء الغرفة بعد كسر «ترموميتر» على سبيل المثال وهي مادة سامة جدا سريعة التاثير على الجهاز العصبي للانسان، و شخصية «كيس» جسدها الممثل المتميز حمدي عبد الجواد شخصية تجمع الكوميديا والتراجيديا، شخصية محورية تتأرجح هي الاخرى بين الخير والشر فالكيس البلاستيكي لم يختر ان يرمى به الى الارض او في البحر وليس شريرا كبقية النفايات وشخصية «فلاشة» قدمتها الممثلة جميلة خنفير وشخصية «الكيس الكرتوني» و «شادي» قدمهما الممثل حسام مبروك، خمستهم اجتمعوا ليصحبوا الطفل الى مغامرة عجيبة تتصاعد فيها الاحداث لتنقل صراعا خفيا يحدث يوما في سلة المهملات يصنعه الانسان ويساهم في جذوته دون وعي بخطورته.
مسرح الطفل: فرجة وتوعية
«عرش النفايات» مسرحية تتوجه للأطفال بالعديد من الرسائل اولها عدم جمع كل النفايات في سلة واحدة، فهناك نفايات خطيرة مثل البطاريات والاجهزة الالكترونية يجب وضعها في مكان خاص بها لأنها تسرب مواد سامة متى رميت في الارض او البحر ونتائجها المضرة بالمائدة المائية والأشجار تدوم لمئات الاعوام، كذلك على الطفل عدم رمي الاكياس البلاستيكية لانها الاخرى خطرة على الارض والتربة وتساهم في التلوث وهناك طرق عديدة لاعادة رسكلتها واستعمالها، تاثير تجميع النفايات في سلة واحدة وخطورتها على الماء والهواء والتربة و المواد السامة التي تبعثها تلك البطارية الصغيرة التي نرميها دون وعي في الارض وكمية السموم التي نرسلها بارادتنا الى البحر للقضاء على الثروة السمكية جميعها افعال يصنعها الطفل الانسان دون وعي لتكون المسرحية بمثابة الدرس التثقيفي والتوعوي، درس يقدم للطفل في عالم عجائبي يجمع الاتقان في التمثيل مع استعمال وسائل السينوغرافيا و الابهار لتصل الرسالة الى الطفل مباشرة بعيدا عن الدروس التربوية الجافة احيانا، في المسرحية ينبهون الطفل إلى خطر التلوث ويدعونه ليكون كما شادي يحارب النفايات والتلوث بعد ان كان صانعه والمساهم في انتشاره، في المسرحية لعب على الجانب النفسي من خلال تانيب الضمير و سيطرة الخير على الشر داخل الطفل، محاولة لتوعية الاطفال بخطر التلوث على الارض والطبيعة والانسان قدمت بطريقة فنية ممتعة ومميزة.
من رسائل المسرحية ايضا الجانب الانساني «لا ترم بالملابس الا تعلم ان هناك دكاكين للملابس المستعملة وهناك من يستحقها» كما يقول هادي لشقيقه، فالعمل ينهى الطفل عن رمي ملابسه الصالحة للاستعمال ولعبه في سلة المهملات ويدعوه ليتبرع بها الى مستحقيها، طريقة اخرى ليتعلم الطفل العطاء ويبتعد عن الانانية و حب الذات، في المسرحية الكثير من الرسائل التربوية و الثقافية والانسانية، عمل كتبته فنانة تؤمن بقدرة المسرح على التغيير ومدى تاثير مسرح الطفل في متابعيه، وهو عمل مسكون بالحب و الاصلاح ومحاولة للمساهمة في فعل مسرحي نقدي يعلم الطفل ثنائية الحق والواجب كما ينقذ الطفل من فكرة العالم الوردي ويدفعه الى التعرف على صراعات الحياة الصغيرة لبناء شخصيته وعوالمه فالمسرح مدرسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق