التجريب في المسرح / د.حسين التكمه جي
ثمة الكثير من المشكلات التي واجهت مفهوم التجريب والتي شكلت بدورها رأي عام بين المسرحيين الأوربيين والعرب , ذلك لعدم وجود تعريف شافي ووافي لمصطلح التجريب ,على الرغم من وجود العديد من الدراسات والبحوث والكتب ورسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه في هذا المجال , وبسبب اختلاف وجهات النظر بات من الصعوبة بمكان تحديد مفهوم التجريب وتعريفه اصطلاحيا .
بداية كانت جل التجارب المسرحية والابداعية تصب في مجرى المسرح الطليعي , ان كانت على مستوى النص او العرض او التمثيل او التقنيات ., ثم ما لبثت ان تقدمت الدراسات والبحوث لمفهوم جديد هو التجريب الذي شغل العديد من الشباب والمسرحيين حتى انعقاد مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي عام 1988, وهذا لا يعني ان المهرجان هو بداية التجريب أنما كانت المرحلة السابقة مليئة بالتجريب المسرحي , وعلى هذا الأساس لا يزال مصطلح التجريب غامضا ومبهما ولعله كان على الدوام مثار جدل واختلاف لكثرة الآراء والتعريفات التي صبت به والبالغة اكثر من اربع وعشرون تعريفا .
وعلية توفرت لدي دراسة مهمة عن التجريب حينما حاولت حصر التجريب في ثلاث محاور مهمة , يمكن ان نحدد من خلال كل محور وتوجهه الاصطلاحي لمفهوم التجريب على أوسع نطاق , كما سأحاول التقليل من التجارب واكتفي بالإشارة دون التفاصيل .
1- المحور الأول
هو ادخال العرض المسرحي والنص في مختبر تجريبي او تجربة معملية , بعد وضع فرضيات محدده مسبقا ثم يصار الى اجراء التمارين المستمرة على كافة المستويات الشكل والمضمون والمعنى , يصار اثناء التمارين توكيد العيوب والمعوقات والغائها وبقاء العناصر الناجحة , ويصار الى بحث مستمر وتقديم رؤية جديدة او وسائل مستحدثة او تغير من أسلوب التقديم , خاصة في المسرح الأوربي والتي كانت فحواها الاحتجاج على التراث والتنوير والعقلانية ومحاولة العودة بالمسرح نحو الحلم والاسطورة , ولعل هذه التجارب المسرحية المعملية لم تكن واسعة وكثيرة بل انها محدودة وقلية منها تجارب مايرهولد في الاستوديو التي انتجت بدورها المسرح الشرطي , ثم تجارب بيتر بروك في المساحة الفارغة , وكذلك تجارب غروتوفسكي في التمثيل والمسرح الفقير , وسبقهم ستانسلافسكي في نظرية التمثيل , ومن ثم المسرح السياسي والملحمي عند بسكاتور وبرشت , ولعل هذه التجارب كانت محصورة في المسرح الأوربي , وعممت على انها تجريب في حين يرى البعض من النقاد انها من المسرح الطليعي واختلف اخرون بوصفها تخضع للمسرح المعاصر, ولأهميتها فقد قلبت موازين العرض بصيغ جديدة ومبتكرة ما زالت نتائجها تعمل لغاية اليوم .
2-المحور الثاني
اما المحور الثاني يخضع لمفهوم جديد من مفاهيم التجريب الا وهو ( كسر مألوف والاتيان بمألوف جديد ) وهذا يعني التمرد على القواعد والنظم الثابتة في المسرح , كما هو البحث عن وسائل جديدة تغاير تماما الوسائل الفنية القديمة برؤية جديدة , ويشمل أيضا البحث التجريبي عن صيغ مستحدثة بالاجتهاد على جميع عناصر العرض وكسر وتهميش النظريات السابقة والبحث عن مسرح تتفرد فيه الدلالة والعلامة وبناء الصورة , وقد شمل هذا التوجه مخرجين عالمين أمثال مايرهود ادور كوردن كريج وادولف ابيا والفريد جاري وفاغنر في الدراما الموسيقية واعمال بسكاتور وبرشت في المسرح الملحمي والتعليمي الفكري , ثم تبعهم فيما بعد تداخل الدادائين والمستقبلين وكذلك المسرح المعاصر عند مسرح الشمس والبيئي والحي والانثوبولوجي والمسرح الأسود التشيكوسلوفاكي واعمال بكت ومسرح العبث واللامعقول ,ويعد هذا التجريب ثورة على الكائن الإنساني والانتقالات الحضارية والتاريخية ونتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية وما صاحبهما من احباطات واحلام في مجال الفكر والثقافة , ولعل من الضروري ان نؤكد هنا ان نصيب المسرح العربي منها ضئيل جدا وربما انحصر بمحاكاة تلك التجارب او التأثر بها ومحاولة نقله في المسرح العربي .
2- ا المحور الثالث
يقوم على ان التجريب ما هو إلا ( الإضافة والاكتشاف ) وهذا يعني ان كل إضافة واكتشاف جديدين على مستوى العرض والنص والتمثيل والتقنيات او ظهور نظرية جديدة غيرت من مجريات العرض هو تجريب , وعلى أساس هذا المحور بات التجريب يأخذ اتساعا كبيرا ويعود بنا الى بداية نشوء المسرح, ثسبسيس يعد مجربا بوصفه استخدم القناعين الدالين الضاحك والباكي واسخيلوس بإضافته للجوقة ممثلا واحدا وسوفوكليس بإضافته ممثلين اثنين للجوقة , او اضافات ستانسلافسكي في نظرية التمثيل واعداد الممثل ونظرية العرض في الفعل المتغلغل والفكرة الحاكمة , او ظهور الرمزية بوصفها ثورة على الواقعية , ثم دور مايرهولد في الغاء نظرية معلمة والاتيان بنظرية الفعل الخارجي الى الداخل والمنظر التركيبي والبايوميكانيك وظهور التعبيرية واعمال الفريد جاري في اوبو ملكا ,واكتشاف نظرية المسرح الملحمي وإلغاء ما جاء به ارسطو واعمال ارتو في العودة الى البدائية والطقسية ,وبروك في المساحة الفرغة والبحث عن لغة عالمية مشتركة , وغرتوفسكي في نظرية المسرح الفقير , واكتشاف تيارات مسرحية جديدة جديدة كالأسود والبيئي والشمس والدمى والها بننك والفود فيل ومسرح الهواء الطلق وصولا الى الواقعة والمسرح المفتوح والشامل ومسرح كانتور والدعوة الى البدائية والطقسية والانماط الأصلية بعد ظهور فلسفتى نيتشة وكروتشة التي الغت العقل وجعلت الحس بيلا له .
والتجارب لا تعد ولا تحصى ولعل هذه التجارب أفاد منها المسرح العربي تحت شعار الإضافة والاكتشاف وغزو المجهول , فقد ظهرت في الوطن العربي تجارب كبيرة ومهمة بعد كسر الركود والملل ومناقشة القضايا السياسية , منها تأصيل المسرح العربي والمسرح الاحتفالي لعبد الكريم برشيد وتجارب عديدة لعدد من المخرجين كتجربة صلاح القصب وإبراهيم جلال وسامي عبد الحميد والطيب الصديقي وسمير عصفور وفاضل الجعيبي وكرم مطاوع وربيع مروة وروجيه عساف واخير محمد شرشال في جي بي سي .
وعلى وفق ما تقدم ان التجريب شمل اتجاهين في التعامل الاتجاه الأول ما يمكن ان نحصره بفردانية العناصر , كمثل الممثل مع الضوء او الزي مع البيئة المناقضة او الموسيقى والمؤثرات مع السينوغرافيا . اما الاتجاه الثاني فقد شمل التجريب من النص الى العرض بشمولية التجريب على جميع العناصر , ولهذا لا يمكن القول ان اكل العروض تجريبية فاذا شمل التجريب بعض العناصر نقول انها ملامح للتجريب واما ان شمل النص والعرض فهو عرض تجريبي بامتياز .
اما التعريف الاجرائي للتجريب فهو :
التجريب : هو كل ما يرتبط بأواصر الإضافة والاكتشاف أو كسر مألوف والإتيان بمألوف جديد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق