مسرحية الأيام السعيدة لصمويل بيكيت والاستغراق في العبث
تقع هذه المسرحية في فصلين والفصل الأول أطول وأكثر حركة مسرحية ومتعة من الفصل الثاني منها وبالمسرحية شخصيتان فقط هما ويني التي لا تكف عن الكلام طوال فصلي المسرحية وويلي الذي لا نسمع منه سوى كلمات قليلة في الفصل الأول ويتوقف عن الكلام في الفصل الثاني بينما نراه فيه يزحف من وراء الربوة على يديه وقدميه.
والمكان الذي تحدث به المسرحية ربوة وترى ويني في الفصل الأول مدفونة فيها لوسطها وفي الفصل الثاني نراها مدفونة فيها حتى عنقها أما ويلي فيظهر على فترات من وراء الربوة زاحفا على يديه وقدميه
ولا نرى في هذه المسرحية الطويلة حدثا متصاعدا يعمل على إثارة التشويق لدى المشاهد ليترقب ما سيسفر عنه خط سيره بل هناك حديث متواصلخلال فصلي المسرحية من ويني عن ذكرياتها القديمة وعن أدواتها التي تخرجها من حقيبتها كفرشاة الأسنان والمرآة وهناك أيضا حديثها إلى ويلي الذي قلما يتجاوب مع حديثها معه.
وتبدو المسرحية في أكثر أجزائها أقرب للمونودراما التي بها تجتر ويني ذكرياتها التي لا رابط بين أطرافها المختلفة.
وأرى أن عدم وجود خيط درامي في هذه المسرحية الطويلة قد جعل المشاهد - والقارئ لها - يشعر بقدر غير قليل من الملل - في حين كان يونسكو حريصا على أن يجعل في مسرحياته الطويلة خيطا دراميا ممزوجا بأثير العبث كما نرى في مسرحية الخرتيت ومسرحية ماكبت- وتقل حدة الملل في الفصل الأول من هذه المسرحية لأننا نتأمل حركة ويلي الطليقة الحركة برأسها ويديها وهي تخرج بعض أدواتها من حقيبتها وتحادثها وتستعيد بعض ذكرياتها معها وقد تنفعل عليها فتمزقها أو تكسرها كما نراها كسرت مرآتها وأشعلت النار في شمسيتها.
أما الفصل الثاني الذي دفنت فيه ويني حتى عنقها فقد غلت فيه حركتها تماما ولم نعد نرى غير حركة عينيها بالنظر فيما حولها خاصة ناحية ويلي.
وأظن أن هذا الملل الذي نستشعره ونحن نتابع هذه المسرحية خاصة في الفصل الثاني منها مقصود من المؤلف فهو تعبير منه عن عبث الحياة وسآمة الإنسان في العيش بها وعدم وجود أحداث مهمة بها وما العبارة التي تكررها ويني طوال المسرحية وهي يا له من يوم سعيد ! إلا مفارقة بالنظر للملل الذي تعيشه بطلة المسرحية وتعكس آثاره على النظارة.
ولعل بيكيت قصد بجعل ويني مدفونة لوسطها في الفصل الأول من المسرحية أن الإنسان مقيد في حركته ويحاصره الملل من كل جانب وأنه مع مضي الزمن تزداد قيوده وإحساسه بالملل في هذه الحياة ولهذا رأينا ويني مدفونة في الربوة حتى عنقها في الفصل الثاني من المسرحية.
ولم تكن الأحداث التي تجترها ذاكرتها سوى أحداث تافهة هي أيضا فالماضي لا قيمة فيه والحاضر لا يحمل جديدا غير مزيد من الملل والقيود فماذا ننتظر من المستقبل ؟ إنها نظرة عبثية تشاؤمية من بيكيت في هذه المسرحية.
ويضاف لهذا أننا نرى ويني تتحدث لنفسها أكثر مما تتحدث إلى ويلي وعندما تتحدث إليه قلما يتجاوب معها وكل هذا يؤكد انعدام التواصل بين الناس مما يؤكد شعور الإنسان بعزلته ووحدته في الحياة كما يرى بيكيت وكتاب العبث عموما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق