تصنيفات مسرحية

الأربعاء، 30 يونيو 2021

"الآخرون" في مسرحية (X)

مجلة الفنون المسرحية



إعداد ومتابعة : شادي سلامي رزق

"في لحظةٍ ما  .. ينسرب الوقت بين أصابعنا .. تغشى أبصارنا عما يجري .. هل لنا أن نوقف المشهد ..؟ وننظر ملياً .. ونسمع .. متى ؟.. أين وكيف ؟.. لكمُ .. الحياة ولي ما تبقى من .. الموت .." .. 
جميعنا قد نكون جزءا من لعبة قدرها محتوم وحياتها بائسة , للحد الذي يجعلنا نعيش صراعات وأوهام حتى من بعد الممات .. ففي مسرحية (X) المقتبسة عن نص "طقوس وحشية" للكاتب العراقي قاسم مطرود, قدم من خلاله مخرج العمل ومعده في الوقت نفسه المبدع  ثائر حديفة نصا جريئا , بمعنى محاكاة الشخص وتناقضاته مع ما تبقى من أفكاره بعد الممات , ورحلة هواجسه التي ما زالت ترافقه وتجعله يشعر بالذنب لطريقة انتحاره وقتل زوجته بطريقة ما .. فلسنا بصدد الدافع ما وراء ذلك , إنما كانت لحظة البداية عندما بدأ ذلك الظلام فينا , بكنس بقايا الرماد في عيون البشر الحاضرين والذين كانوا جزءا من لعبة القبر والموت بشكل أو بآخر ..
تُفتتح المسرحية بذلك الشخص الغامض وهو يكنس الغبار من أمام الجمهور , قام بأدائها الممثل عمران الخطيب , فكانت لعبة ذكية من المخرج أنه أشرك الجمهور بمكان مظلم واحد للدخول إلى عالمنا السوداوي , من خلال وصوله إلى باب المسرح الذي قام ذلك الغامض بفتحه ليرى الحياة خارجاً, فيزعجه نورها وحقيقتها ويفضل البقاء ضمن الفراغ الكوني للموت .   
وتبدأ بعدها الأصوات الداخلية للشخصيات بالظهور تباعا من خلال ذلك العاشق الولهان , والذي قام بأداء الشخصية الممثل يامن جريرة , وحبيبته أو زوجته والتي قامت بدورها الممثلة صبا زهر الدين , فقد عشنا معهما رحلة الحب التي كانا يتمتعان بها , ولحظات الخوف التي كانت تسود الأجواء أثناء بحثهما عن بعضهما في الآخرة . فقد جعلانا نشعر بالندم لفقدهما لتلك الحياة الجميلة التي سادت على الأرض , رغم مشاجراتهما التي بقيت مستمرة طيلة المسرحية عبر حوارات عميقة باللغة الفصحى أحيانا, ومفردات بسيطة جميلة باللهجة العامية المحكية أحيانا أخرى.
يحاولان إيجاد بعضهما من جديد ولكنهما يتوهان بتلك الدوامة التي أدخلانا بها في عالمهما الغريب والغامض نوعا ما .. ليعود إيقاع العمل بعد ذلك بجذبنا نحوهما عبر رومانسية سحرية تضاف إليها الموسيقى نوعا من العاطفة والحنين , فقد ذكرانا حقا بشهرزاد الحكاية وأسلوب التشويق الذي اعتمده المخرج بين الحين والآخر بحنكة وذكاء ليشدنا إلى العرض ولا يدعنا نشعر بأن هناك فجوة ما أو رتابة أو أي ملل . 
لا يخلو العمل من فكرة الجنوح إلى القتل بأشكال متعددة ولو لم تكن بالمعنى المادي للكلمة , فقد يكون قتل حلم ما , أمل ما في الحياة أو العودة لها , أو قتل ذلك المتمرد في الآخر , أو قتل ذلك الشخص الذي جعلها تتورط بالخيانة عن غير قصد , و التي كانت غايته أن يقتل الحب ليودع في مستشفى المجانين مثلا فيحكم على الشخص بالجنون , ليكون هو نفسه الطبيب في الحياة الآخرة ! فتكون تلك العملية بمثابة ثأر وانتقام .
ها هو فن اللعب مع الآخر وتمثيلية ضمن التمثيلية نفسها , والذي يتطلب إقناعنا أن هذا الشخص الذي يتكلم ما هو إلا روح تطوف في الفضاء المسرحي, وتشاهدنا لنكون شاهدين على قصة لم تشأ أن تولد بعد من رحم ذلك المجتمع القسري الذكوري المتسلط والقاسي بكافة أشكاله , وعن علاقة الذكر بالأنثى ومفهوم تبادل الأدوار بين دور الأنثى كعشيقة أو حبيبة تمارس سحرها ليستند على كتفها تارة, وكأم يرتمي في حضنها كطفل صغير تارة أخرى , وعن علاقاته إن كانت الأسرية من خلال علاقة الأب بابنه, أو المجرم بسجانه الشرطي, أو فكرة ذلك الرقيب الذي يتحكم بنا, على اعتباره المتفرد في صنع قرار الحياة والممات, أو إن كانت الاجتماعية على حد سواء . رموز ودلالات سيميائية كثيرة في العرض فضلا عن الديكور البسيط الذي استطاع توظيفه بطريقة جميلة وكانت جزءا من الحلول الدرامية , والتي جعلتنا نراقب كل شخصية على حدة وما تريد أن تفعل في الخطوة التالية, فقد كان يؤدي الممثل دوره ويهيأ ترتيب الديكور ليخدم الفكرة التالية للممثل الآخر , دون حصول أي خلل درامي أو انقطاع للرؤية المشهدية التي يتبعها البعض في إطفاء الإضاءة ليتم ترتيب الديكور بشكل آخر ويخدم المشهد التالي , فمثلا من فكرة سرير كانا يستخدمانه للنوم عليه وجعله فراشا للزوجية , يأتي ذلك الممثل الغامض كفكرة للظلام ويجعل من ذلك السرير الحديدي قفصا ليسجنا به عبر محاكمة لسانية لا تستطيع الهروب حتى من سيطرة العقل . ومما زاد الأمر رمزية وخدم العرض هي بعض الكلمات والمناجاة على لسان المخرج عبر همسات تكاد تكون من العالم الآخر نفسه . فكان هناك شبكة في أعلى المسرح والتي تمثل غشاء البكارة وفكرة ولادة جديدة لعالم جديد على خشبة المسرح . ومجسمات عبارة عن "جست" لتخدم العرض بطريقة تجعلنا نعيش في عصر ظلام يحكمه الأقوى بكل شيء .. وقد خدمت الإضاءة فكرة العمل بشكل دقيق وأغنته بألوانه المتعمدة بين الأزرق والأخضر والأحمر الدموي ..
تتصاعد الحكاية في نهاية العرض لنعرف حقيقة الغامض والعاشقين المسكينين, وأنهما طوال تلك الرحلة التي أمتعانا بها ما هي إلا مجرد أرواح كانت تود مخاطبتنا, وأن نكون جزءا من لعبتهما بين الحياة والموت , فقد شعرنا بتلك الحميمية لحظة ولادتهما على خشبة المسرح , إنه الحب إذا , لنصل في نهاية العرض إلى الحقيقة المرة, وهي السراب الذي لن يعود سوى مع أدراج الرياح, التي فعلها في نهاية العرض ذلك الشخص الغامض من قلب الظلام, عندما شرع بكنس الأرض مجددا ولكن بقوة أكبر هذه المرة, فهي تعبر عن رمزية القوة في تلاشينا من الوجود كغبار تذرفه الرياح ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق