مجلة الفنون المسرحية
مسرحية محاكمة كيوبيد للشاعرة رشا حسني
أعتقد أن هذه المسرحية هي أفضل في مستوى الشعر الذي بها من مسرحيتي الشاعرة رشا حسني السابقتين؛ وهما مسرحية بيكاسو وأحاديث الظلال، ومسرحية الوارثون، وهي أيضا أفضل بكثير في مستوى البناء الدرامي من مسرحية الوارثون التي بدت الأحداث فيها غريبة، وبها قدر كبير من التلفيق، في حين جاءت الأحداث في مسرحية محاكمة كيوبيد بها قدر كبير من الانسجام في ظل الأجواء الخيالية التي بها، وفي هذا السياق أيضا أرى أن مسرحية محاكمة كيوبيد هي أكثر انسجاما من حيث البناء الدرامي من مسرحية بيكاسيو وأحاديث الظلال، ومن ثم تعد مسرحية محاكمة كيوبيد نقلة جيدة للأمام في مستوى كتابة الشاعرة رشا حسني للمسرح الشعري.
وأعتقد أن الشاعرة رشا حسني كان من الممكن أن تتلافى بعض العيوب التي ظهرت في هذه المسرحية لو أنها لم تسترسل في بعض الحوارات في الحديث عن معنى الحب بكلام فيه تكرار، وكان من الأفضل في هذا الصدد لو أن كل عاشقين تم أخذ شهادتهما عن الحب خلال تلك المحاكمة قد عبرا عن خصوصية تجربتهما العاطفية بكلمات قليلة لا يكررون فيها كلام غيرهم.
وأيضا أرى أن حرص الشاعرة رشا حسني على وجود القوافي في سطور هذه المسرحية - التي كتب أغلبها بالشعر الحر - كان عائقا لها، فتكلفت ذكر بعض الكلمات التي لم تكن ذات قيمة في مكانها، وبدت متكلفة في المواضع التي وردت بها في هذه المسرحية.
وأيضا كنت أفضل أن تذكر الشاعرة رشا حسني في هذه المسرحية أن هناك قاضيا واحدا ظلاميا هو الذي يحاكم كيوبيد على نشره الحب بين المحبين عبر العصور، ويتهمه بما نتج عن ذلك- في رأيه - من أحداث سيئة، خاصة أننا نرى بالفعل في نهاية المسرحية قاضيا واحدا ظلاميا، ولكننا قبل هذه النهاية نكون مع عدة قضاة ظلاميين يحاكمون كيوبيد وشهوده خاصة من المحبين.
وأيضا من ملاحظاتي على هذه المسرحية أنني لم أر للشهود المعاصرين من الشعراء والنقاد والكتاب - وهم كثر - أي تأثير فيها، ولم يظهر لهم أثر بها؛ ولهذا كان من الغريب ذكرهم بين الشهود في محكمة هذه المسرحية.
وبعد ذكر هذه الملاحظات السلبية القليلة في هذه المسرحية فإنني لا أخفي إعجابي بكثير من السطور الشعرية بها، وما فيها من صور جيدة، خاصة في بدايات هذه المسرحية، ومن ذلك ما جاء على لسان كيوبيد في دفاعه عن نفسه:
أي جرم … أنا لم أفعل جرما
ألقيت في قلب الورود رحيقها للعشاق
وزرعت القسمات لتطرح نورا في الأحداق
وكذلك بدت فكرة هذه المسرحية جيدة، فهي تدور عن محاكمة كيوبيد إله الحب الوثني عند الرومان، واتهامه من قضاة وصفتهم الشاعرة بأنهم ظلاميون، واستطاعوا أن يفرضوا سيطرتهم، ويجبروا كيوبيد على المحاكمة، ويعرضوا شهادة العاشقين الذي تأثروا بسهامه.
وكنت أفضل أن يكون الشهود الذين طلب القضاة الظلاميون حضورهم ممن ساء ظنهم في الحب، وعبروا عن ذلك في شعرهم وكتاباتهم؛ مثل: المتنبي، وابن المقفع، وأيسخيلوس كاتب التراجيديا الإغريقي، ويذكرون في تلك المحكمة أقوالهم المشهورة عنهم ضد العشق، ثم يدخل المحكمة شهود آخرون جاءوا من أنفسهم ليدافعوا عن الحب، وممثله كيوبيد في هذه المحاكمة، ولكن الشاعرة جعلت كل الشهود في هذه المسرحية من العشاق المشهورين بالعشق عبر التاريخ، ومن ثم بدا الصراع ضعيفا - إلى حد ما - في هذه المسرحية.
ومن الشهود الذين حضروا من التاريخ وشهدوا في هذه المحاكمة سايكي حبيبة كيوبيد التي اتهمت الحب بأنه لا أحد يستطيع تحمل تبعاته، كما أنها تكلمت عن الحب بقدر من الغموض، وظن الظلاميون ان كلامها ضد كيوبيد وعاطفة الحب فسروا به.
ثم نرى من الشهود أوديسيوس وبينلوب اللذين تحدث عن عشقهما هوميروس في ملحمة الأوديسة، وتصور لنا الشاعرة رشا حسني في هذه المسرحية ما كان من انتظار بينلوب لحبيبها أوديسيوس حتى يعود لها من أحد الحروب وكذلك تصور ما كان من شدة شوقه هو للقائها.
وكذلك تعرض لنا الشاعرة في هذه المحاكمة بهذه المسرحية شهودا آخرين، ومنهم قيس وليلى، وبدا قيس مجنونا لا يدري ما يجري حوله، فقد صار هائما صوفيا لا يعقل ما يدور حوله ولا يعبأ بمن يراه حتى لو كان من أمامه هو ليلى محبوبته التي تسببت في جنونه.
ويظهر في هذه المحكمة عنترة بن شداد الفارس والشاعر العربي ااقديم، ويعبر عن شدة عشقه لعبلة، ويذكر أيضا أن حبه لها كان جزءا من شخصيته كفارس وشاعر.
ثم نرى من الشهود كليوبتر وأنطونيوا، وهما كانا في بداية هذه المحاكمة بتلك المسرحية يختلسان بعض الفبلات، ويحاول كيوبيد منعهما من ذلك حتى لا يتهم بأنه ينشر الحب المتعلق بالشهوة والغريزة، وتسبب ظهورهما بهذا الشكل في وجود قدر من الفكاهة في ذلك الموقف، ولكنهما حين تؤخذ شهادتهما يؤكدان على حب كل واحد منهما للآخر حبا روحيا.
ثم يتكلم روميو وجولييت، ويعرضان جوانب من عشقهما والظروف التي حالت بينهما، وما كان من انتحارهما.
ثم نرى ابن زيدون وولادة الأندلسيين يقصان جوانب من حبهما، ويعبران عن سعادتهما بتجربة الحب التي كانت بينهما.
ونرى بعد ذلك عبد الرحمن القس ومحبوبته سلامة اللذين عاشا في العصر الأموي، ويعبران عن تجربة الحب بينهما التي اتصفت بالنقاء، والطهارة.
وبعد ذلك يقوم بالشهادة بيتهوفن الموسيقي الألماني الكبير، فيعبر عن عشقه الموسيقي وللمرأة التي كانت تلهمه ألحانه الخالدة.
ثم نرى فاوست وجرينشن (أو ما رجريت) يعبران عن عشق أحدهما للآخر- كما صور ذلك الكاتب الألماني جوته في مسرحية فاوست - وتذكر جرينشن أنها بسبب هذا الحب وقعت في الخطيئة، ولكنها تطهرت منها مع فاوست يعد ذلك.
وتنتهي المسرحية بدخول امرأة غريبة لقاعة المحكمة، وتذكر القاضي الظلامي بحبها له، وتبكي امامه، وتفقد وعيها، وهنا يزال وشاح الظلام عن ذلك القاضي، ويحكم ببراءة كيوبيد.
ويفرح بذلك كل الشهود.
وكان من الأفضل أن تنتهي المسرحية بذلك، وألا يحكم ذلك القاضي على نفسه وعلى حبيبته بالحبس في سجن العتمات، فقد طهره الحب، وفارق الظلمة التي كانت تحجب عنه جمال الحياة، ومن ثم لم يكن يستحق هذه النهاية مع محبوبته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق