مجلة الفنون المسرحية
علاء قحطان مخرج مسرحي يعرّي الفساد والقهر في العراق
جيل الألفية الثالثة من المسرحيين العراقيين ينتفض ضد السلطة.
علامة متميزة في المسرح العراقي
على غرار الفنون الأخرى من أدب وتشكيل وسينما وغيرها، تميز المسرح العراقي ما بعد الاحتلال الأميركي بمواكبته للواقع القاسي الذي انحدر إليه العراق، فكانت جل الأعمال المسرحية محملة بقضايا سياسية تطرحها بجرأة تصل إلى حدود التعرية للواقع والنقد اللاذع لشتى تفاصيله، كما نجد في أعمال علاء قحطان.
بالرغم من الظروف الصعبة التي عاشها الجيل المسرحي الجديد في العراق، جيل الألفية الثالثة، إثر الاحتلال الأميركي للبلد عام 2003، فقد تمكن بعضهم من الصمود مواجها ببسالة شحة الدعم المالي وغياب الاهتمام الحكومي والمواقف المعادية للمسرح والفن على نحو عام من طرف جهات متزمتة ظلامية وتيارات سياسية دينية، ومواصلة الحفر في الصخر والإبداع بروح شبابية عصامية، محاولا تقديم تجارب جديدة.
وقد برز بين هذا الجيل عدد من المخرجين المتميزين قدموا تجارب حظيت باهتمام النقاد وجمهور المسرح، وحازت على جوائز مهمة في المهرجانات المسرحية المحلية والعربية التي شاركت فيها.
أحد هؤلاء المخرجين علاء قحطان وهو ممثل أيضا درس المسرح والإخراج المسرحي في معهد الفنون الجميلة وكلية الفنون الجميلة ببغداد وحصل على الماجستير ويواصل الآن دراسته العليا لنيل الدكتوراه.
جحيم القهر
بدأ قحطان تجربته في الإخراج المسرحي مع نص “الله والشيطان” لجان بول سارتر، ثم مع نصه الثاني “جلسة سرية”، وشارك بكلتا التجربتين في العديد من المهرجانات داخل العراق وخارجه، وفازت الثانية بأكثر من 7 جوائز دولية و4 محلية.
كيّف قحطان نص “جلسة سرية” (2011) بما يلائم الواقع العراقي من ناحية علاقة المثقف بالسلطة الدينيّة، وقرّب العرض الذي أنتجته فرقة مسرح بغداد للتمثيل، ومثله هشام جواد، حيدر جمعة، كايد عباس، أحمد مونيكا، ريتا كاسبر وأحمد إبراهيم من مسرح القسوة عبر تجسيد صراع الأفكار والتوجهات بين المثقف والمتشدّد الذي يحاول فرض قناعاته ولو بالقوة.
وصاغ المخرج طقس عرضه بنسيج بصري تكشف تشكيلاته عن جحيم يتمثل بسلطة الدين التي تقمع كل من لا ينتظم تحت لوائها، رافضة العقل الإنساني وقدرته على الخلق الإبداع، محملا إياه رمزيّة تشير إلى أزمة الإنسان، ومكررا عبارات السأم، وإعلان الثورة على الواقع المأزوم، والتركيز على جملة سارتر الشهيرة “الجحيم هو الآخرون”. لكن مَن هم الآخرون؟ هل هم الأميركيون أم ساسة ما بعد الاحتلال في العراق؟
علاء قحطان يشير بشجاعة إلى المشكلات والعلل الاجتماعية والسياسية في نقد عميق للواقع العراقي
حمل عرض قحطان الثالث عنوان “باسبورت”، وقدمه باسم الفرقة الوطنية للتمثيل ضمن فعاليات بغداد عاصمة للثقافة العربية عام 2013، ونال ثلاث جوائز هي؛ أفضل مخرج، أفضل عرض متكامل وجائزة النقاد.
وقد أتيحت لي فرصة مشاهدته خلال مشاركته في الدورة الخامسة لمهرجان المسرح العربي الذي تنظمه سنويا الهيئة العربية للمسرح. ثم شارك في أيام قرطاج المسرحية بتونس، وعُرض في محافظات صفاقس والمنستير والكاف ونابل التونسية.
يتناول العرض الذي كتب نصه حيدر جمعة ومثّل شخصياته ذو الفقار خضر، ياسر قاسم، حيدر عبد ثامر، قصي شفيق، حيدر جمعة، آمنة خالد، مينا فارس وضيف الشرف مازن محمد مصطفى، قصة أربعة شبّان عراقيين يحاولون السفر إلى الخارج هربا من القهر الذي يتعرضون له في وطنهم، وعند وصولهم إلى محطة القطار ينهار المبنى الذي يتواجدون فيه، ويصبحون تحت الانقاض، فيكشفون عن معاناتهم بشكل تفصيلي، وعن الدوافع التي أرغمتهم على التفكير في السفر.
وسعى علاء قحطان في عرضه الرابع “ستربتيز” (2016)، تأليف مخلد راسم وتمثيل أحمد شرجي، ياسر قاسم، هند نزار، وسام عدنان وعامر نافع، وإنتاج فرقة مسرح بغداد للتمثيل، لتعرية الانقسامات والصراعات السياسية والثقافية التي يعيشها العراق منذ الاحتلال الأميركي من خلال أحداث تجري في بيت لأسرة مفككة يرمز إلى البلد.
خمسة أفراد تتقاطع توجهاتهم وأهواؤهم يشتركون جميعا في لباس أحمر اللون (إشارة إلى الدم)، الأب رمز السلطة العليا، اتكالي وجبان باع الوطن مقابل سلامة نفسه ينتهي مصيره إلى الموت خنقا، والأبناء يرمزون على اختلافاتهم إلى الشعب، يدور بينهم صراع يومي ويحلمون بالخروج إلى الشارع من دون الاصطدام بالجثث أو الاستماع إلى أصوات إطلاق الرصاص أو استنشاق رائحة الموت.
الابن الأكبر متطرف فكريا يميل إلى الفكر الإخواني وتطبيق حد القتل والشّرع، ويريد أن يرهبه الجميع، يفقأ عين أخيه الأوسط الخانع غير المبالي بالآخرين ولا بهواجس المجموعة، المنشغل فقط بذاته. أما أصغرهم فهو أنموذج للإنسان المتمرد الصارخ، الراغب في تجاوز الحواجز والمعيقات التي تضعها السلطة ليشعر بإنسانيته، لا يزال يحلم بوطن سُرقت أحلامه وأُجهضت آمال أبنائه، لكنه يتعرض إلى الذبح.
ووسط هؤلاء أم تخرج من البيت ولا تعود، وفتاة هي أصغرهم تعاني من القيود المفروضة عليها، وتمثل أنموذجا للمرأة في المجتمع الذكوري المغلق. وفي سياق تعرية السياسة والثقافة والفكر الديني المتزمت يكشف العرض عن الوحش الكامن داخل النفوس، ويطرح أسئلة كبيرة تتجسد داخل هذه الأسرة المفككة.
زلزال بغداد
يقول الناقد سعد عزيز عبدالصاحب عن هذا العرض إنه “أشار بشجاعة بالغة إلى الكثير من المشكلات والعلل الاجتماعية مثل مشكلة الحرية والإرادة، ووجهة النظر الواحدة، والراديكالية الدينية المتطرفة، وقبول الآخر مهما كان توجهه الأيديولوجي ولونه وجنسه ودينه (…) وهي علل ومشكلات عضوية حقيقية تغزو وتنخر جسد مجتمعنا، وتُعدّ حواضن دافئة تفقس أفكار الإرهاب والتطرف والعنف”.
آخر أعمال علاء قحطان وهو من تأليفه أيضا عنوانه “25 ريختر”، ويتهيأ الآن لتقديمه على خشبة مسرح الرافدين ابتداء من أول يوليو القادم. والعنوان مجازي يشير إلى تظاهرات 25 أكتوبر 2019 بوصفها حراكا شعبيا احتجاجيا شديدا زلزل الوضع المزري في العراق.
يتناول العرض وجع العراق منذ السبعينات حتى اندلاع هذا الحراك الشعبي من خلال شخصيتين هما راقصة (تؤدي دورها الممثلة وعارضة الأزياء زمن الربيعي) ورجل (يؤدي دوره ياسر قاسم)، وتجري أحداثه في أحد ملاهي بغداد التي كانت تعمل عام 1970، حيث تذهب الشخصيتان إلى ذلك المكان لاستذكار حياتهما فيه واستعراض أوضاع العراق خلال أربعينن سنة.
وفي سياق مقاربته لهذا الموضوع أكد علاء قحطان على ثيمة مفادها أن في داخل كل شخص وحش لا بد من الإمساك به. وثمة أشخاص أطلقوا العنان لهذا الوحش فقتلوا ودمروا ونهبوا وعاثوا فسادا، كما حدث في العراق.
وأوضح أنه كتب نص العرض استنادا إلى رؤيته مخرجا وليس أديبا، واشتغل في بنائه على ثنائية الفضاء/ اللغة الجسدية، مستثمرا إمكانية الممثلَين في الأداء الجسدي.
-------------------------------------
المصدر : العرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق