مجلة الفنون المسرحية
مفهوم المسـرح المدرسـي و منهجه
الباحث: مجيد عبد الواحد النجار
لقد اخذ المسـرح المدرسي مجال اكبر في تفكير المعنيين من تربويين، ومسرحين، وباحثين من اجل وضع تعريفا او وصفا لهذا الجنس من المسـرح، وذلك للأهمية الكبرى والتأثير على تعليم الطالب وزيادة معرفته، فقد عرفه (جينليس)"ذلك النشاط المسـرحي الذي كان في الواقع جزء من المسـرح التعليمي ويستهدف الاطفال الذين يقومون بالتمثيل"(1)، وهنا يؤكد لنا جينليس ما ذهبنا اليه سابقا استقلالية المسرح المدرسي استقلالية كاملة عن مسرح الطفل ، باعتباره جزء من العملية التعليمية ، كما اشار على ان ليس مسرح تعليمي ،وليس هو العملية التعليمية لوحده ، كما يعتقد البعض ، وهذا يدفعنا للتأكيد على ان المسرح المدرسي يستعمل داخل حدود المدرسة باعتباره وسيلة للتعليم ، حاله حال الوسائل التعليمية الاخرى ، التي تستعمل لتدريس مادة(العلوم ، او الجغرافية ، او الرياضيات او ....) اما الاستاذ سالم اكويندي فعرف المسرح المدرسي بانه "مسـرح تربوي تعليمي يتم في الوسط المدرسـي سواء أكان مادة دراسـية (...)ام مادة تنشيطية حيث تحرر الممارسة المسـرحية من طابع الدرس النظامي))(2)،وهنا يؤكد لنا كويندي هو الاخر مكان العروض المسرحي للمسرح المدرسي ، ويؤكد كذلك ان المدرسة هي المكان الوحيد الذي تقدم فيه هذه العروض ، لكننا نختلف معه ان المسرح المدرسي لكونه معني بمادة الدرس -حصراً- لذلك ليس من الواجب تقديم هذه العروض للترفيه فقط ، اي ليس من الضرورة التفكير ان نقدم مسرح مدرسي ترفيهي ، لأنه بالأساس واثناء تقديمنا للعرض من اجل تقديم مادة الدرس يكون الترفيه ، اما من خلال الممارسة او من خلال مضمون النص ، لماذا؟ لان هناك مادة اخرى مخصصة للترفيه ولاكتشاف طاقات التلاميذ وهذه المادة مثبته في برنامج الفصل الدراسي لكل مرحله وحسب مستويات التلاميذ ، اسم هذه المادة (التربية الفنية) وهذه المادة ممكن ان يستفاد منها معلم (التربية الفنية) – وهو معلم متخصص في شؤن الفن- في مجالات الرسم والنحت والموسيقى ، كما ان هذه المادة مقسمة حسب مستويات التلاميذ والمراحل الدراسية ، فالمراحل الثلاث الاولى لها (حصتين) في الاسبوع ، والمراحل الثلاث الاخرى لها(حصة)واحدة في الاسبوع ، وطبعا هذه الحصص تختلف حسب توجيهات الكوادر التعليمية ، او حسب التعليمات الوزارية – وهذه هي المادة التنشيطية التي عناها مويندي حسب اعتقادي ، وهذه المادة التنشيطية ، ممكن ان تكون عن طريق مسرح الطفل حيث يختار المخرج النص المسرحي الذي يلائم اعمار التلاميذ وامكانياتهم على تنفيذه ، وهذا النوع من النشاطات بالإمكان عرضها خارج نطاق المدرسة كونها نشاط مدرسي وليس صفي/ منهجي ، وهنا يختلف العرض عن العرض الاول بكونه عرض للمتعة، والترفيه، والتعليم، ومن الممكن الاستفادة من نصوص مسرحية مكتوبة للمناسبة او عمل خيالي او مكتوب عن قصة او رواية ، حيث يكون هذا العرض عرض ملتزم بقوانين المسرح وعناصره ، التي يجب ان تتوفر بالشكل المقبول على اقل تقدير ، وهنا لا اقصد بعناصر العرض المسرحي المعمول بها في مسرح الكبار او (مسرح المحترفين)، بل تستعمل هذه العناصر بالشكل الممكن وحسب الظروف التي تحيط بالمدرسة او معلم المادة ،بشرط التمسك بكل التعليمات التي تخص مسرح الطفل او مسرح الدمى او اي نوع من المسارح الرسمية ، او الجادة . اذن المسـرح المدرسـي هو اداة وسيطة ، او وسيلة كما ذكرنا تهدف الى تعليم التلميذ وتربيته وفق التعليمات والقرارات التي تعمل بها وزارة التربية او المديريات العامة للتربية ،وليس وفق اشتراطات المسرح ، وتأكيد هذه التعليمات من خلال متابعة المشرفين التربويين المعنين لهذه الوسيلة ، وليس تحت أشراف أساتذة ونقاد المسرح الاحترافي او الاكاديمي ، من أجل الوقوف على تنفيذها بأفضل شكل ، ومراقبتها بعدم الانزياح باتجاه مسارح الطفل او مسرح الكبار ، وهنا اريد القول ان الاحتفاظ بمنهجية المسرح المدرسي وأهدافه مسؤولية كبيرة على عاتق المسؤولين التربويين ، لان القائم بالفعل المسرحي لمجرد انزياح بسيط له باتجاه مسرح الطفل سيغير من أهدافه الرئيسية ، لذلك المراقبة والمتابعة واجبة ، من اجل جعله نشاطا ترفيها تعليميا ، يتعلم التلميذ بواسطة ومن خلاله جميع المواد الدراسية المقررة له في الفصل الدراسي ،والمحافظة على جماليات العرض وذلك لتعليم التلاميذ كيف يمكن ان نستخدم الاشياء من اجل الوصول الى الهدف المنشود.
ومن هذا المنطلق يعتبر المسـرح المدرسـي مسـرح (تربوي تعليمي) يهدف الى تهذيب ذائقة المتعلم وترفيهه ،اذن الطالب هو الاساس في المسـرح المدرسـي ان كان مشاركا او مستمعا لذلك هو مسـرح ينتمي الى المدرسة بحكم المكان والمشاركين فيه من معلمين وتلاميذ ، والموضوعات التي يتناولها والاهداف السامية التي ينطلق هذا المسرح لتحقيقها ، فهي مثار اهتمام المعنيين التربويين ، والتربويين الفنيين المختصين في مجال الفنون المسرحية . ومن هذه المنطلقات التعليمية والتربوية عرف البعض هذا المسـرح (مسـرحا تربويا) وما تقام من عروض مسـرحية داخل المدرسة تعتبر هي الاخرى مسـرحيات (تربوية) ولهذا اعتبر المسرح المدرسي بالإضافة كونه وسيلة تعليمية هو جنس ادبي ، فيه جميع عناصر كتابة النص المسرحي ، من حبكة وصراع وشخصيات ،لكنه يختلف عن العروض الاخرى في مكان العرض وزمانه ، والغرض من تقديمه ، فالعرض لا يحتاج هنا الى مناسبة من اجل عرضها بل يحتاج الى زمن محاضرة مقررة في جدول الحصص.
ومهما تعددت الآراء والأفكار يبقى المسـرح ابو الفنون يهتم في تربية ألفرد، وتعليمة، وتسليته، ان كان مشتغلا به، ام متفرجا.
لقد تنافس الباحثون والمنظرون والعاملون في المسـرح المدرسـي، في وضع مفهوم محدد للمسـرح المدرسـي ،وتعددت آرائهم بتعدد مكانهم من العمل فمن كان داخل السلك التعليمي يختلف بنظريته عن المسـرح المدرسـي عن الذين يمارسون المسـرح المدرسـي من خلال مسـرح ألطفل، وهؤلاء "يعتبرون المسـرح المدرسـي من اهم انواع مسارح ألطفل، وخصوصيته تكمن في ان الاطفال يساهمون في تخضيره ويمثلون فيه"(3)، - المعروف عن مسـرحيات الاطفال كانت تقدم منذ زمن بعيد في اعياد الميلاد وفي الحفلات الكبيرة التي تقام في الهواء الطلق، اي في الحدائق والمتنزهات ، دون الحاجة الى خشبة مسرح او اضاءة او حتى الموسيقى لان الممثل هو من كان يقوم بفعل المؤثرات من اصوات حيوانات او انفجارات او اصوات الطيور ....- ونحن نقول ان المسرح المدرسي هو امتداد لمسرح الطفل ، ونعترف ان المسرح المدرسي انطلق من مسرح الطفل ، لكن اختار له اهداف اختص هو بها واختار له مكان يختلف عن مكان تقديم عروض مسرح الطفل ، كما نشير الى ان هذا المسرح يساهم به التلميذ مساهمة كبيرة، ، في التحضير والتقديم ، وليس الموهوب في فنون المسرح، كما لا يمكن ان يؤدي شخصياته الكبار ، كما معمول في مسرح الطفل ويختلف عن مسرح الطفل بان جميع من في الفصل الدراسي يشاركون في العرض ممثلين ومتفرجين ، والخاصية لهذا المسرح ، ممكن ان يعاد نفس العرض بمجموعة من طلبة اخرين ، اي من كان متفرجا سيقوم هو بالتمثيل ومن كان ممثلا سيأخذ مكان المتفرج وهكذا يكون معلم المادة قد اشرك الجميع في العمل/مادة الدرس ، وحتى نكون منصفين في الطرح ولكي لا نبخس الناس اشيائهم فنقول ان مسرح الطفل انطلق من مسـرح الكبار، والتي بدأت عروضه- مسـرح الطفل – في الحدائق العامة والمتنزهات، لاعتقاد القائمين عليه بأهميته للطفل من الناحية التعليمية والترفيهية- علما ان الكنسـية كانت قد استخدمت مسـرح الطفل لتعليم التعاليم المسـيحية داخل الكنيسة – بعدها وللاهتمام الكبير من قبل المعنيين بمسـرح الطفل، بدأت أهميته تتضح اكثر داخل المدارس في تربية وتعليم التلميذ القيم والأخلاق، وبعضا من الأمور الدينية والترفيه، ونتيجة للفوائد الكبيرة التي قدمها مسـرح الطفل للتلاميذ داخل المدراس، وأنبثق المسـرح المدرسـي ليكون وسـيلة تعليمية للمواد الدراسـية من خلال مسـرحتها وبنائها بناء دراميا.. وهي على ما اضن تجربة قام بها احد المعلمين داخل المدراس بتحويل مادة الدرس الى نص مسرحي ، ليكون بديل عن النص المؤلف عن قصة ، او من خيال المؤلف ، وقد نجحت التجربة بعد ان وجد تفاعل التلاميذ داخل الصف وحفظ مادة الدرس بوقت يفوق الوقت المعتاد لو استمع لمادة الدرس بتقديمها بالطريقة الكلاسيكية.
لقد امتاز المسـرح المدرسـي بخصائص تميزه عن غيره من المسارح المخصصة للطفل من اهمها ،"اختيار نص مسـرحي ملائم للفترة العمرية، التي بالنتيجة تحدد المرحلة الدراسية التي يقدم فيها العرض ، من خلال مادة الدرس المتفق عليها (مدرسيا) ضمن برنامجها المقرر من قبل الوزارة ، ويمكن ان يكون هذا النص تأليفاً فرديا من قبل المدرس او التلميذ او جماعيا يشارك فيه المدرس مع التلاميذ، او نصا ارتجاليا او نصا ما خوذا من المقرر او المنهاج الدراسـي"(4)، ما يميز المسرح المدرسي عن غيره من المسارح هو الالتزام بالمواد الدراسية ، بعيد عن النصوص المسرحية المتخيلة ، بل بعيدا حتى من اقتباس فكرة نص من رواية او قصة ، ان مهمة المسرح المدرسي الاساسية هي تحويل المواد الدراسية الى نص مسرحي ، بغض النظر عن كيفية تأليفه – اقصد ممكن ان يكون مسرحا غنائيا ، او مسرحا شعريا - او من الذي يقوم بتأليفه ، ولكن لو كان هذا التأليف جماعيا بين التلاميذ تكون رسالته اكبر وتضاف الى مميزاته ميزة مهمة وكبيرة ، نتيجتها تعليم التلاميذ على كيفية كتابة النص المسرحية ، وبالتالي تعليمه كيف يعد او يألف نصاً مسرحياً من خلال قصة او رواية، ويجب حصـر فضاءات المسـرح المدرسـي في البنايات التالية: الصف، والساحة، وقاعة الانشطة، والحديقة المدرسـية .
كما اود هنا ان أؤشـر على تداول مصطلح خاطئ يطلق على درس التربية الفنية في بعض المدراس بأنه نشاط (لا صفي) ونحن نعتقد ان المقصود بـ (لاصفي) ان المواد الفنية مثل المسـرح لا يمكن اعطائه داخل الصف فقط، بل يجب ان يأخذ مجال اوسع يصل الى الساحة، او قاعة العروض المسـرحية، او الى (ستيج) قد صنع من الرحلات او من الطابوق داخل حدود بناية المدرسة لهذا الغرض، ولهذا قلنا ، واتفقنا مع من يطالب بان تنحصر عروض المسرح المدرسي داخل فضاءات المؤسسة التربوية – رياض الاطفال، او مدرسة ابتدائية، او ثانوية - ، من اجل اعطاء المادة الدراسية خارج سياقاتها الكلاسيكية المعمول بها في تدريس المواد المقررة الاخرى مثل (الرياضيات، او التاريخ ،او الجغرافية او.....) اذن ما نراه ان مصطلح نشاط (لا صفي) لا يعني ان يبدأ العمل به بعد انتهاء الدوام الرسمي ،كما يفسره او يعتقد البعض من الاسرة التعليمية ، وألا ما جدوى وضع درس (المادة الفنية) في الجدول؟ وما جدوى اصـرار المشـرفين في زياراتهم الميدانية ، وتأكيدهم بل والمطالبة على ان تكون هذه المادة وسط المواد العلمية؟. اليس من اجل الترفيه وتغيير مزاج التلميذ الذي بدأ بدراسة المواد العلمية؟ لأن من المهام الاساسية لدرس التربية الفنية، هي الترفيه عن نفسية التلاميذ والتعبير عن مكنوناتهم الداخلية، اتمنى هنا ان اكون قد اتحدث بنفس السياق عن المسرح المدرسي واهميته داخل المدرسة ، بوصفة وسيلة تعليمة او ترفيهية ، لان علاقة هذا المسرح بالمؤسسة التربية علاقة تكاملية ، بغض النظر عن مكان العرض ، على شرط ان يكون داخل حدود بناية المدرسة ، فان فائدة سوف تعم الجميع تلاميذ ومعلمين ، كما لا ننسى ان هذا المسرح يحتضن بداخله الفنون الترفيهية الاخرى من موسيقى ، ورسم ، وحركات ايقاعية ، ومهارات يدوية مختلفة ، تطور من لديه الموهبة ، وتكتشف من خلاله المواهب الغير مكتشفة.
1) ا.د. كريم حميدي الربيعي، المسـرح التربوي وسـيلة من وسائل التعليم في رياض الاطفال، (الطبعة الاولى، مكتب الفنون ولآداب للطباعة والنشـر والتوزيع، العراق / البصـرة )، 2014 ).
2)بلا، بلا،WWW. STANTIMES. COM.
3) د ماري الياس ود. حنان قصاب حسن، المعجم المسـرحي،(مكتبة لبنان ناشـرون، بيروت، 2006).
4)بلا،(ما هو المسـرح المدرسـي)،www.stantimes.com.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق