مجلة الفنون المسرحية
رواد المسرح وتلامذتهم قراءة في (صفحات من كتاب المسرح العراقي) للباحث عقيل إبراهيم العطية
أ.د. عقيل مهدي يوسف
في دقة وحصافة أرشيفية، يقلب الباحث المسرحي (عقيل إبراهيم العطية) صفحات مكثفة، منتقاة، وبلغة دالة، من كتاب مسرحنا العراقي، مبرزاً أُثر الرواد، وما استنوه من قيم نظرية، وتجارب تطبيقية، رسخت مفاهيم (المسرح)، ونظرات المخرجين، في رؤاهم الإبداعية، على خشباته، ومنصاته المتنوعة، تبعاً لنمط التجارب التي اعتمدها أساتذة الدراما والمسرح.وما مروا به من تجارب في بلدان غربية، وشرقية، في مرحلة الدراسة في تلقيهم للعلوم المسرحية، تحت اشراف مرشدين من كبار الاعلام في أمريكا، وبريطانيا، وإيطاليا، وروسيا، وألمانيا وبلغاريا ورومانيا وهنغاريا (...).
وكانت نقطة شروعه، باختياره لدور المرأة العراقية في التأليف المسرحي، وتأكيد الانطباع عن أن "فن المسرح" هو فن "رجالي"، منذ ابتكار فن المسرح في (أثينا) الإغريقية في (القرن الخامس ق.م)، وبعد مرور أكثر من ألفي عام، مازالت أسماء المؤلفات النسوية في الدراما، شحيحة. وربما تلعب البنية الاجتماعية دوراً تهميشياً، بهذا القدر الإقصائي، لحضور المرأة، مسرحياً.
ولكن – الباحث - رصد ما جاء لدى المعنيين في معاجمهم وكتبهم، ليؤشر ويحصي المسرحيات المؤلفة والمترجمة، وتثبيت "اعدادها"، التي انجزتها المرأة العراقية المثقفة، والشاعرة، والفنانة الموهوبة. وماكانت تشغلهن من هموم ومشكلات اجتماعية، ونفسية، وسياسية عامة. وصولاً الى زمن ابداعي مسرحي، اخترقت فيه المرأة الكاتبة، خشبات مسرحنا (الرسمي) للفرقة القومية والأكاديمية، ومعاهد الفنون الجميلة.
وقام أساتذة المسرح، بتقديمها، بمغايرة تجريبية، ملهمة ونذكر منها على سبيل المثال، مسرحيات (لطفية الدليمي)، التي اخرجها (سامي عبدالحميد) - ويسعدني أنني اعددت (قصص) للكاتبة وقدمتها في (منتدى المسرح) - وهناك المخرجة والمؤلفة (عواطف نعيم)، و(فريال كريم)، و(أحلام عرب)، و(سميرة الوردي) واخريات (...) وصولاً الى (ليلى محمد)، و(آلاء حسين)، و(أطياف رشيد)، و(ايمان الكبيسي) ، التي ذكرها - الباحث - ثم يقلب صفحة (عنوانات) المسرحيات، التي قد تكون مطولة في (جمل)، أو مختزلة (بكلمة) واحدة، والأمر سواء في هذا الضرب، لدى الرواد، والأساتذة أو جيل الطلبة والشباب في نصوص (مونودراما) أو (نصوص درامية) حافلة بتعددية الشخصيات.
وأما عن اسهامات المبدعين التشكيليين، فيعرج - الباحث - على ذكر أفراد، منهم إسماعيل الشخيلي، جواد سليم، فائق حسن، كاظم حيدر، سعد الطائي، ومن بين هؤلاء من أنجز (ديكورات) لرائد المسرح (حقي الشبلي) و(تلامذته) من الرواد أيضاً، ومن جاء بعدهم بما امتازوا به من جدة وابتكار. وقد باتت تجاربهم، موضوعات درامية، محورية، في كتابة نصوص وتقديم عروض إخراجية عنهم، ويذكر –الباحث - مسرحية (جواد سليم يرتقي برج بابل) من تأليف وإخراج د. عقيل مهدي يوسف لكلية الفنون الجميلة، عام (1990)، التي استوحت حياة هذا المبدع التشكيلي، المتفرد (فهو رائد الحداثة، وعرّابها الكبير) (ص29)، وتحت عنوان (جيخوف على خشبة المسرح العراقي) يتوصل - الباحث - الى أنه كان (الأكثر حضوراً على خشبات مسارحنا) والمعبر عن حقيقة الإنسان (المهمش)، ويدون الباحث – حقائق أرشيفية (نادرة) عن هذه التجارب الإخراجية، وأسماء الممثلين والممثلات فيها. وفي عنوان (ستانسلافسكي ومنهجه)، يتوقف عند (جاسم العبودي)، وما أنجزه من مقاربة أكاديمية علمية، تثبت أركان نظريته في مسرحنا عملياً وتربوياً. ثم يؤطر تجربة (علي مزاحم عباس) في النقد المسرحي، ويصفه بـ(شيخ النقاد)، ويمر على الفهم غير المتعمق للمسرحيات الكوميدية، وفي مايخص (الايدلوجيات السياسية)، تم منع ورفض تقديم مسرحيات، أخرجها (الرواد) وبعض (الشباب) لكنها "منعت" تحت رقابة مشددة بتأويلاتها المضادة. ويوجز الباحث، مسيرة المسرح العراقي في (مئته الأولى)، وعملية (إجازة الفرق المسرحية) وتقديم عروضها في (دور السينما). ومن ثم (يقف) عند (مصطلحات) مشتركة جديدة، في التداول الثقافي، والمسرحي بشكل أخص، وما لعبته (فرقة المسرح الفني الحديث) من دور في الارتقاء بالمسرح داخل العراق وفي الوطن العربي، لاسيما زيارتها الى (الكويت). ثم (يتوقف) عند سيرة (إبراهيم جلال) الإبداعية، وتأثير (حميد جواد) على تجارب طلبته، ومن أبرزهم (صلاح القصب).
ويواصل تقليب صفحاته مستذكراً ماجاءت به الفرق المسرحية الزائرة من أثر في فهم المسرح وتبنيه في العاصمة والمحافظات، وأيضا ما لعبته الفرقة القومية من دور ابداعي.
ومن العنواناتالرصينة، وقوفه عند منجزات (منتدى المسرح) والتي يذكر فيها (عقيل إبراهيم) دوره عن حياة القاص المدعو (باسم) الذي ينقل الى الجبهة بسيارة عسكرية يقودها العريف (الممثل محمد سيف)، والجندي المكلف (الممثل رياض شهيد)، والمسرحية من تأليف وإخراج عصام محمد هي بعنوان: (مذكرات رجل ميت) – ومثل فيها (كريم رشيد) و(اقبال نعيم) وسواهم.
ويتعرض بأرشفة (الشريعة) ليوسف العاني، وإخراج فاضل خليل- ويقف بإجلال عند (موثق الطرق الأول) – احمد فياض المفرجي- ويصف جهود جعفر السعدي، وفرقة المسرح الشعبي بعراقتها، وأصالتها، وما أخرجه (عوني كرومي)، بتظافر فرقتي (الحديث) و(الشعبي) لتقديم مسرحية برخت (الانسان الطيب) ويذكر – أيضا - أدوار للممثلات، ويفرد (صفحات) للممثلة (آسيا كمال)، ويتابع (موسى الشابندر) منذ تأليف مسرحيته (وحيدة) ويذكر -أكاديمية الفنون- في اعداد (حميد محمد جواد) لرواية (الاخوة كارامازوف) لدستوفسكي بعنوان (حميد .. عراب الحداثة) التي مثل فيها (عقيل إبراهيم) وكلفه بأن يكون (مساعد مخرج).
ثم يصل - الباحث - الى منتهاه في هذه الصفحات النيرة والقيمة، الى قانون الفرق، وطبيعة عملها (الجدي) والبحث عن (الهوية) وتوثيق ومواكبة (علي عيسى) الفوتوغرافية للعروض والفنانين، وقراءة الموسم المسرحي (2005) ذاكراً بالنص غياب عدد من المخرجين العراقيين عن الساحة الفنية لأسباب بعضها موضوعي يتعلق بالظروف المحيطة بالعملية الإبداعية، ومن هولاء: سامي عبدالحميد، صلاح القصب، فاضل خليل، عقيل مهدي، عبدالوهاب عبدالرحمن (...) ثم يذكر الممثل المتوفي (يوسف سواس) راثيا له.
وتزدان الورقات الأخيرة، من هذا الكتاب الأرشيفي (الجاد)، (بصور) يلحقها بالخاتمة، وهو يظهر ممثلاً، ومساهماً مع اقرانه وأساتذته، الكتاب، نهج بموضوعية، لتركيز منعطفات جوهرية ثمينة في رحلة ثقافية مسرحية، مدوّنة في (صفحات) مشرقة، رصينة وملتزمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق