مجلة الفنون المسرحية
عرف الفنان علي دعيم بصفته مخرج وراقص مسرحي ،وسبق أن حصل على جائزة أفضل ممثل بمهرجان حقي الشبلي لثلاث دورات متتالية ونال العديد من الجوائز العربية، ولديه تجارب وأعمال مميزة في الرقص المسرحي خاصة الدراما دانس بينها: فوبيا ، آنو ،جيرك ، صفر سالب، والأخير حصد جائزة أفضل إخراج مناصفة مع مسرحية (الأرامل) للمخرجة وفاء طبوبي من تونس في الدورة 19 لمهرجان أيام قرطاج المسرحية، وهو عمل كوريغرافي قدم اللحظة الراهنة التي يعيشها العراق الذي غادره عام 2005 متوجهاً الى السويد، ليشارك في الكثير من المهرجانات لدول أوروبية بينها إسبانيا هولندا فرنسا.
وإذا كان العرض المسرحي تشكيلة من فنون مختلفة تبدأ من النص، ثم الرؤية الإخراجية، إلى أداء الممثل، وسط السينوغرافيا، والإضاءة، والموسيقى، والأزياء، فإن كل هذه العناصر تتكامل لدى الفنان المبدع والمغاير علي دعيم لتخلق لغة العرض المسرحي وإيقاعه الخاص، وهي لغة تتجاوز النص المكتوب، لغة ينحتها جسد الممثل في تواصله مع الجمهور..
كان الفنان المبدع علي دعيم مغايراً في كل عروضه المسرحية التي صاغها فكرة وتأليفاً وإخراجاً وتمثيلاً وسينوغرافيا، ليقدم خطابه المسرحي الجمالي الذي إرتكز على لغة الجسد وفق الأنساق السمعية والبصرية والحركية، حيث كان جسد الممثل، يمثل العلامة الأكبر، بل والعلامة المهيمنة على علامات خطابه في كل العروض التي قدمها وتميز بها، ليقارب بها مسرح الصورة بدلالاته المعروفة، وسط منظومة بصرية وإنشاء صوري متكامل للمشهد المسرحي عبر أدواته التعبيرية، بما ينطوي عليه من شمول وحيوية وتنوع وجمال..
وبعد نجاح عرضه (بوق إسرافيل) في مهرجان العراق الوطني للمسرح (دورة سامي عبد الحميد) الذي أقامته نقابة الفنانين العراقيين بالشراكة مع الهيئة العربية للمسرح للمدة من 1-7/8/2021 ، واصل علي دعيم تميزه في عروضه الإبداعية لاسيما في عرضه الأخير (إعاده ضبط المصنع)، الذي كان من إنتاج منتدى المسرح التجريبي في قسم المسارح بدائرة السينما والمسرح، التي سعت باستمرار الى احتضان كل التجارب المسرحية الابداعية، وقدم مساء يوم الجمعة الموافق 3 / 12 / 2021 والأيام التالية على خشبة مسرح الرشيد، وكان من تأليفه واخراجه، وسينوغرافيا مصطفى الطويل، وتنفيذ الإضاءة مصطفى نبيل، والصوت كامل تتر، والإشراف الفني للدكتور علي السوداني، وشارك علي دعيم في التمثيل أيضاً الى جانب الفنانين: مرتضى علي ، ومؤمل حيدر، ومهتدى باسم ، وفكرت حسين ، واسعد ماجد ، وسهيل نجم وسط بحضور جماهيري لافت طوال أيام العرض.
لقد قدم علي دعيم في هذا العرض الكوريغرافي الجميل والمعبر رؤاه وتصوراته، مراهناً على أجساد الممثلين في صياغة الحركات والتكوينات والكتل التي حملت الدلالات والرموز والإشارات والعلامات، بالتعاضد مع بقية العناصر المسرحية التي تكرست في كل اشتغالاته المسرحية التعبيرية، ليتحول العرض المسرحي إلى نص أدائي مترع بالفعل الدرامي والذائقة الجمالية، حيث كان البعد الكوريغرافي لهذا العرض المسرحي يتشكل عبر العلامات الحركية أوتَنوعات شكل الأداء، وحركة الجسد على الخشبة وفي إطار الفضاء المسرحي، وبما يرتبط مع إيقاع العرض، الذي كانت أيقوناته تتماهى مع محاولة الإنسان الى الخلاص من الأفكار الجامدة والمقولبة التي يفرضها عليه الآخرون، كي يبتعد عن أي تطور أو تقدم في حياته فيتحول الى إنسان مسخ، وبما يسهم في خلق وتأثير التغريب الذي لم يلغ تصوير الواقع في إطار بِناء محكم لحكاية العرض، التي ترفض التهجين والتدجين والأسلبة، إذ أن المشروع الفني المتواصل لعلي دعيم لا يهدف لممارسة الفن لأجل الفن، بل لخدمة القضايا الوطنية والإنسانيّة وتكريس الفن لمعالجتها.
لقد حاول علي دعيم أن يبني العرض المسرحي على أسس المشاهد المفتوحة للتأويل، التي تلتقي مع فروع داخل المشهد مفتوحة هي الأخرى للتأويل، ليبعث رسائل وصوراً عدة ومعان موجودة في البناءالدرامي للمسرحية، لكنها لا تنتهي نهاية مقفلة أمام المتلقي الذي يقرأ المشهد بوضوح، لهذا نجده لا يحب الأشياء التقليدية في المسرح لتكون الصورة أكثر تشويقا، أكثر انفتاحاً بالتفكير، بالمشاهد المفتوحة للتأويل .
حسناً فعلت دائرة السينما والمسرح في احتضان وتقديم هذا النوع من العروض المسرحية، فمازال لوناً فنيا مظلوما في الفضاءات الثقافية عامة والمسرحية خاصة، ومن الضروري الإهتمام المتواصل به مع ندرة الفنانين المتخصصين الذين يجتهدون منذ سنوات من أجل تقديم أعمال حداثية ذات آفاق إبداعية تجريبية معاصرة، ومنهم هذا الفنان المبدع علي دعيم، الذي عرف كيف يتألق في (إعادة ضبط المصنع) مسرحياً.. في إسقاط واضح ودون تأويل قسري على واقعنا العراقي الراهن؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق