قراءة في عرض مسرحية خلاف
مسرحية خلاف من تاليف وإخراج مهند هادي وتمثيل سهى سالم وهيثم عبد الزراق ومرتضى حبيب، قدمت على خشبة مسرح الرشيد يوم الخميس ١٧/٢/٢٠٢٢
تبدأ المسرحية بتقديم للحالة التي تعيشها الشخصية الرئيسية امل والتي لها من اسمها نصيب كما يذكر (الراوي)الصوت خارج الخشبة ،ثم ينتقل بنا المشهد الى محاولة اقناع الابن لوالدته ان يسافرا معا الى اسطنبول فيغريها بحكايات السلاطين والاميرات وهناك يختفي الابن لتبدأ سلسلة الانكشافات عن خلفية شخصية الام ومن ثم شخصية الابن، روح العمل الثوري والتقدمي لدى امل التي نشأت في بيت يساري ساهم ابوها في تلقينها كل مباديء اليسار من شعارات وهتافات واغان بل وحتى المرجعيات الفلسفية والفكرية ،وكان هذا البيت هو موطن كل الرفاق وتجمعهم فورثت كل شيء عن الاب الفكر والبيت والرفاق ،حتى احبت احدهم وتزوجته وانجبت ولدها كامل او كاميلو كما تحب ان تناديه ،قبل ان يقتل الزوج قبل ولادة هذا الابن. اختفاء الابن هو اللحظة المفصلية في المسرحية التي فتحت النوافذ على الماضي وقذفت بشراراته نحو المستقبل المتمثل بالابن حيث صراع الجدل الفكري بين معسكرين اليمن واليسار ،وفكرة تشريع القتل واختلاف وتباين أهدافها حين يكشف المحقق للام ان ابنها هو احد أعضاء تنظيم داعش الإرهابي وهو واحد من اربعة اختفوا بنفس الطريقة هناك في اسطنبول وقد عثر لهم على فيديو يبين انتمائهم.في مشهد الحلم ،تحلم امل ان ابنها يعود مغطى بالوحل الأسود وانه يحدثها بان الحوريات قد خدعنه كما خدعن اسماكا أخرى وفي هذا اشارة واضحة لمرجعيته الفكرية وهكذا كانت أولى إشارات الخلاف وحوار المحقق (هيثم عبد الرزاق) ساهم في الكشف شيئا فشيئا عن تلك الخلفيات بل كانت حوارات تضرب عميقا في جوف المخفي لتكشف فساد السلطة ،السلطة السياسية في كل مكان التي تجعل من الجميع وقود لها ،بيادق تستفيد منها لتشعل الحروب والصراعات في أي مكان وفي أي وقت (فالعدو ثروة والجهل ثروة) بيد السياسة الفاسدة التي تجد مصلحتها في اللعب على العقائد الدينية حينا والأفكار التنويرية والثورية حينا اخر وبكل مستويات الشر.تفضي سلسلة الكشوفات بمرافقة الذكريات لحياة امل وتوجهاتها الايدولوجية الى ان فكرة القتل بحد ذاتها لها نفس الدافع وهو الدفاع عن الفقراء والمستضعفين والدفاع عن الفكر والعقيدة كما يتضح من حوارها مع ابنها من ان القتل لا يختلف في الحالتين . ولا يعود الابن ثانية بعد اختفاءه قرب البحر وياتي المحقق ليخبر الام امل ان القضية أغلقت وتعود امل وحيدة الا من مرافقة خيال ابنهاوذكريات ماض مليء بمجد الثورة والتنوير والشعارات التي تربت وعاشت معها ولاجلها،وبرفقة الحبوب المهدئة التي ادمنتها لتخفيف المها ومعاناتها في اختفاء الابن،فقد عالج بموضوعية وجمالية واحدة من اهم قضايا العصر وهي اختلاف العقائد والأفكار . في تفوق رائع للبناء صورة المشهد في كل جوانبها مستثمرا سماء الغرفة/الخشبة لاظهار البحر والشاطيء حيث اختفى الابن .
اعتمد المخرج مهند هادي بشكل أساس في اخراج مسرحيته خلاف على بناء الصورة التي تذكرنا بجماليات الصورة السينمائية ،وتكوينات الديكور المتحرك التي انسجمت بانسيابية مع حركة الممثلين وبتناغم مع الاضاءة ،قطعتا الديكور المتحركة اللتيان وظفهما ليكونا بدلالات مختلفة في كل مرة ،فتارة هما جدران البيت التي تضيق او تتسع وتارة هي النوافذ حيث يطلان من خلالها على العالم ويرقبانه كما يرقبهما وأيضا الغرفة الخاصة التي يجري بداخلها حوار الام وابنها في تنبيهها له حين اكتشفت صلته بافراد تنظيم داعش وميله لهم، وحين اخر هي المحيط الخارجي حين يضغط بثقله على حياة امل.كان لتكرار بعض الحوارات والحركة المرافقة كرد فعل لها دلالتها الجمالية ورمزيتها للفعل تاكيدا لقوة هذا الفعل ،كما تكرر هذا الشكل من الفعل امام المحقق ومع الابن ولكن الشكل الأكثر تاثيرا كان لحركة المجموعة مع شخصية الابن حين يحاور الام مع مجموعة تؤدي نفس الحركات ولها الصوت نفسه،صوت الابن كاميلو ،دلالة انشطار الشخصية وانتشارها كوجود مؤثر يتكاثر ويتحدث بذات اللغة ونفس التبريرات ، كان أداء الفنان مرتضى حبيب مع المجموعة متناسقا احترافيا عزز من تنامي إيقاع العرض الذي كاد في بعض الأحيان ان ينزلق للرتابة بسبب الراوي، صوت الراوي الذي كان يقدم وصفا عن حالة السيدة امل وتفاصيل حياتها وخلفيتها وتاريخ الشخصيات الأخرى وبعض المعلومات عن حالتها في اللحظة الانية أيضا بطريقة الراوي العالم بكسر اللام بكل شيء .ولكن مزج المخرج بين السرد والصورة المسرحية بطريقة معبرة،أدت دورها في الانتقالات بين الاحداث. كل حركة للديكور ذات الاشكال المربعة والمحتوية على ستائر في اطارها الداخلي مكنت الممثلين من المرور خلالها كما كانت موظفة بشكل ممتاز وذكي لاجتراح المعاني والمضامين من النص الذي وضعه المخرج بنفسه فهو العارف بسياقاته،لقد كان العرض مفتتحا رائعا لموسم دائرة السينما والمسرح ٢٠٢٢لعروضها المسرحية وهو عرض يستحق الإشادة لما فيه من الاحترافية والسبق في كل مفاصله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق