تصنيفات مسرحية

الأحد، 8 مايو 2022

مسرحية " الجندى لويس وبنت المعلم عتريس " تأليف أحمد إبراهيم الدسوقى

مجلة الفنون المسرحية
 الكاتب أحمد إبراهيم الدسوقى



مسرحية تاريخية
تدور فى زمن الحملة الفرنسية على مصر



شخصيات المسرحية: 

المعلم عتريس : 
هو كبير الجزارين ، فى مصر المحروسة ، رجل تجاوز الستين من عمره ، جبان ورعديد ، يخاف على نفسه وأملاكه ، من بطش الحملة الفرنسية ، حتى أنه قبل ،  وضعا مستهجن من العامة ، بأن يزوج إبنته الحمقاء ، من جندى فى حملة نابليون ، إدعى الإسلام ، بل أنه جعله يبيت فى منزله ، لحين إقامة العرس ، ويدخل غرفة إبنته منفردا بها ، مما جعله مثار ، سخرية وإستهجان العامة   
الزوجة عديلة :
لا تختلف عن زوجها ، ( المعلم عتريس ) فى شىء ، هى إمرأه ، فى العقد الرابع من العمر ، من أصول ثرية ، مغرورة ومتسلطة وجاهلة ، وهى مع إبنتها ، من أقنعوا    زوجها كبير الجزارين ، بفكرة الزواج من الجندى ( لويس ) ، بل والإقامة فى منزلهم ، مما جعلهم أضحوكة الناس  
صبى الجزار عضمة : 
ولد صغير ، عمره 14 عاما ، هو أحد صبيان ، الجزار            ( المعلم عتريس ) ، من أصول فقيرة ، حاقد على مجتمع الأثرياء ، بسبب فقره وقلة رزقه ، سفيه وغير مهذب ، هوايته الخوض ، فى أسرار العامة وكبار القوم ، ولا يتورع ، عن التطاول الخفى ، على سيده ( المعلم عتريس ) ، إن جائته الفرصة ، لا يحبه أحد من سكان المنزل ، وهو كذلك لا يحب أحد     
الإبن شيخ طه :
هو إبن ( المعلم عتريس ) الوحيد ، طالب أزهرى معمم ، عمره 16 عاما ، متدين ويتميز بالرجولة ، يواسى أبوه ، كلما ضاقت عليه الدنيا ، مع توالى الأحداث ، نعلم أنه ، يشترك فى المقاومة سرا ، ضد حملة نابليون ، غير راضى عن أمر ، زواج أخته من الجندى ( لويس ) ، لكنه لا يستطيع معارضة أبوه   
الجندى الفرنسى لويس :
هو جندى فى حملة نابليون ، طويل القامة ، أزرق العينين أصفر الشعر ، فى العشرينيات من عمره ، إدعى إعتناق الإسلام ، كما سنرى فى الأحداث ، وسمى نفسه ( سى على ) ، متغطرس ووقح ، ومتكبر ومكار ، يتصرف وكأن منزل ( المعلم عتريس ) ، ملكا شخصيا له ، يكره المصريين ويزدريهم ، ويلعب بورقة خوف ، كبير الجزارين منه  
الجندى جان لوى : 
الجندى بيير : 
الجندى آلان :
هم أصدقاء للجندى ( لويس ) ، جنود مثله فى الحملة ، دورهم قصير فى المسرحية ، دخلوا منزل ( المعلم عتريس ) ، ليزوروا زميلهم ، وعاثوا فيه فسادا   
 الإبنه زبيدة : 
هى فتاة عمرها 18 عاما ، إبنه ( المعلم عتريس ) الكبرى ، مغرورة ومتسلطة وجاهلة ، بسبب ثراء أبوها ومكانته ، تعرفت مصادفة على الجندى ( لويس ) ، فألقى بشباكه عليها وشغفها حبا ،  ثم أوهمها بخطبته إياها ، كما ستتوالى الأحداث ، وهو يخدعها بمعسول الحديث ، وفرضت على أبوها ، فكرة الزواج ، وإقامة الجندى الفرنسى عندهم    
الفتاة عزيزة : 
الفتاة إمتثال : 
هن صديقات الفتاة ( زبيدة ) ، منذ الطفولة ، أبوهما كبير تجار الحراير والأقطان ، لا يختلفان عن البنات ، اللائى تفرنجن ، بعد دخول حملة نابليون مصر ، يظنون أن الحملة ، أتت لتحريرهن من الجهل والتخلف ، وسيطرة الرجال عليهم ، دورهن قصير فى المسرحية    
الشيخ قنطرة :
هو شيخ أزهرى أعمى ، إسم على مسمى ، زميل          ( للشيخ طه ) فى الأزهر ، لا يتقن شىء فى حياته ، غير إلتهام الطعام والنفاق ، يذبح بالكلمات ، دون أن يشعر ، دوره قصير فى المسرحية  
سليمان الحلبى : 
هو شاب ، فى العشرينات من عمره ، سورى من حلب ، أتى مصر ليدرس فى الأزهر ، جرىء ومقدام ، إلى حد الطيش ، قتل الجنرال كليبر ، قائد الحملة الفرنسية ، بعد مغادرة نابليون إلى فرنسا ، بعد فتوى من أحد شيوخ الأزهر ، أجازت بقتله ، فسرق ساطور ( المعلم عتريس ) ، ونفذ به الإغتيال ، وتم القبض عليه ، وحوكم بأن وضع ، على أداة التعذيب حتى الموت ، وهى الخازوق ، دوره قصير لكن حيوى ، فى المسرحية   
شيخ مناضل :
هو زميل ( للشيخ طه ) ، فى الأزهر ، يدعى العمى ، وهو عضو نشط فى المقاومة ، دوره قصير فى المسرحية 
المعلم الجزار باروخ : 
هو جزار يهودى مصرى ، منافس ( للمعلم عتريس ) ، على مكانته ككبير للجزارين ، وهو بعد التحرش به ، وإهانته له إهانة بالغة ، قد تسبب فى إيقاظ النخوة ، داخل ( المعلم عتريس )  ، فثار وطرد ، الجندى الفرنسى    ( لويس ) من منزله ، دوره قصير ، لكن حيوى فى المسرحية  
شيخ الحارة عبده الحلانجى :
ليس له أى دور يذكر ، صامت يهز رأسه ببلاهه ، ولا يتكلم كثيرا
خادمتان قرويتان :
دورهما قصير ، هن يعملان كخادمات ، عند السيدة           ( عديلة )
امرأتان : 
دورهما قصير جدا ، حديثهما أتى ، فى نهاية المسرحية ، وغادرا مسرعتين  
تاجر كبير :
نفس الشىء ، دوره قصير جدا ، قال جملة أو جملتين وغادر 
عبد خصى :
نفس الشىء ، دوره قصير جدا ، قال جملتين أو ثلاثة وغادر ، وهو متحذلق نوعا ما 
رجال ونساء من العامة : 
هم مجاميع ليس لهم دورا يذكر  


                                         الفصل الأول 

ا                                 المشهد الأول 
جزار مع وقف التنفيذ


( يرفع الستار ....
 يرى مشهد لساحة منزل قاهرى ، فى زمن الحملة الفرنسية على مصر ، أواخر القرن الثامن عشر ، المنزل فى منطقة تتفرع من شارع طويل حيوى ، بجوار جامع الأزهر الكبير ، المشهد صامت وقد سكن كل شىء ،   
صاحب المنزل ( المعلم عتريس ) ، شيخ الجزارين فى مصر المحروسة ، يُرى فى صحن المنزل وحيدا بائسا ، جالس على مقعد صغير ، يرتدى الملابس البلدية البيضاء 
توجد عدة حجرات يراها الجمهور ، تتفرع من صحن المنزل ، إلى أقصى الجوار توجد أريكة ( دكة ) ، مطرزة بالأرابيسك الإسلامى ، حولها مقعدان من نفس الطراز ، تدل على ثراء سكان المنزل وعظم مكانتهم 
يرى فى أعلى الجدران الحجرية ، الفخمة المنحوتة من الحجر الداكن ، قناديل النور النحاسية مطفاة ، إذ أن الوقت نهارا ، ما يقارب وقت الظهيرة ، يوجد سلم مزخرف ، يفضى إلى الطابق العلوى للمنزل ، الذى يعلوه بعد ذلك               ( السطح ) ، إذ أن المنزل مكون من طابقين 
ويرى باب المنزل ، إلى أقصى يسار المسرح ، مفتوحا على مصراعيه ، وهو موشى بالزخارف ، يجاوره زير كبير مملوء بالماء ، منقوش عليه رسومات شعبية 
المارة يرون يروحون ويغدون ، فى ملابس القرن الثامن عشر ، لا أحد يلقى السلام ، على أهل المنزل ، ( المعلم عتريس ) يرى على وجهه ، الأسى والهم ، وقد ضاق بكل شىء ، بعد تجاهل الناس له ، وكان الدنيا كلها قد أطبقت عليه 
إذ أنه أصبح مثار سخرية العوام والجميع ، وكأنه هو الذى أدخل ( نابليون ) وحملته ، أرض مصر وتواطىء معهم ، يرمق ( أورمة ) اللحم الضخمة التى امامه ، رمز لقوته وعظم مكانته ، ككبير لطائفة الجزارين ، فى مصر المحروسة ، وقد غرس فيها الساطور ، الذى بان عليه الصدأ ، إذ أنه متعطل عن العمل ، منذ شهور تقارب العام   
هو رجل فى العقد السادس من العمر ، شعره شبه أشهب فضى ، ذقنه مصففة بعناية ، يجلس لا يلوى على شىء ، وهو كان سابقا من الاثرياء ، ذو مكانة وهيبة وبأس ، قبل حملة بونابرت ، أما الآن فهو مستسلم لضربات القدر ، وما يخفيه له الغد  
يتلفت حوله تارة ، ثم ينظر للساطور الصدىء تارة أخرى ،  ثم يبدأ ، فى ضرب يديه كفا بكف ، وقد أصابه الإنكسار ، يمسك بعدها الساطور ، ويخلعه من ( الأورمة ) بصعوبة ، ويبدأ فى مخاطبة نفسه ، وقد جن جنونه وثارت ثائرته ،  يتحسر على حاله ، وتجاهل الناس له ، وحال مصر المحروسة ، منذ أن دخلتها حملة نابليون بونابرت العسكرية ، وهو التاجر والجزار كبير الشان ، وصاحب الأملاك الكثيرة ، والمحلات والمواشى والعبيد )  
عتريس ( بكل غضب )
ــ  هل يعقل يا عالم ، أن اظل عام بأكمله جالس ، لا أذهب لمحلاتى محلات الجزارة ، المنتشرة فى مصر المحروسة ، أأظل متعطل مثل الحريم ، لا أذبح ولا أسلخ ولا أشفى ، مثل أى جزار ، ولا أدير تجارتى تجارة المواشى ، ولا أشترى العبيد ولا أباشر أملاكى
( يصمت ثم يمط شفتيه )
كل ذلك بسبب حملة ( بونابرته ) العسكرية الملعونة 
( يتنهد ولا يزال يضرب كفا بكف )
لم يكتفى بونابرته ، بدخول الديار المصرية وتدنيسها ، وينجسها جنوده الشقر الشعر ، الزرق العيون ذوى البنادق ، ذات الحراب الطويلة ، بل .. بل يدخلون بيتى ، ويحددون إقامتى ، وكانى حرمة من الحريمات
( يظل يضرب بالساطور الأورمة ، فى غضب وحقد شديد )
كل ذلك بسبب إبنتى المدللة ، البدينة الحمقاء ( زبيدة ) ، ذات الستة عشر ربيعا ، الجاهلة الجهول 
( يلتقط أنفاسه ويزفر )
تلك المتفرنجة ، كالبعض من بنات الكبراء ، خرجت عن عرفنا و .. و ..
( يمسح عرقه )
وأحبت جندى من جنود الحملة ، لا اعرف له أول من آخر 
( يتأوه فى صمت )
هذا الـ .. الـ .. ( لويس ) الأشقر الشعر ذو العيون الزرقاء ، الطويل كشجرة مجوفة ، لا أدرى كيف أوهمها أنه أسلم لله ، وأصبح على ديننا دين الإسلام ، وصار محسوبا على المسلمين ، وسمى نفسه ( على ) ، وتقدم لى لخطبتها ، وأنا كلى رفض وضعف ، أمام الموقف العسير 
( يتسائل )
بل كيف أوهمنى ، أنا العجوز المحنك بذلك الأمر ، أبو بندقية هذا ، لا أدرى كيف
( يمسك رأسه بيده ) 
كثير من قواد وجنود الحملة ، فعلو ذلك وأعلنوا إسلامهم ، وحسبوا على المسلمين ، لكن لا يخفى على أحد ، أن هذا جزء من خططهم الماكرة ، هؤلاء محتلين والإحتلال هو الإحتلال ، إنهم لايذوبون فينا ، بل نحن بكل بلاهه نذوب فيهم ، فلا نصبح عربا ولا نصبح فرنجة ، نحن أصبحنا متفرنجين 
( بتفحص الساطور فى دهشة ، غير مصدق للأمر )
لا ادرى كيف أقنعتنى إبنتى ، تلك الملعونة ، بالموافقة على الخطبة من ( لويس ) هذا ، هى وأمها زوجتى ،      يا الله إنه الضعف الابوى ، و .. و .. الخوف من إغضاب هذا ، الـ .. الـ .. أبو بندقية ، فلا أدرى ماذا سيفعله بى قواده ، وبمحلاتى وبتجارتى وأملاكى ، وصبيانى وعبيدى وثروتى
( يمسح عرقه بيده )
بل .. بل .. ويالجنون ، أقنعتنى تلك المتفرنجة ، أن يقيم عندنا فى منزلنا هذا ، إلى أن يتم العرس بعد ايام ، و .. و .. يالكارثة والفضيحة ، لقد سقطت فى نظر العوام ، وصرت أضحوكة الجميع ، لا أحد يزورنى ، لا أحد يلقى على السلام ، ويتندرون بالمعلم الرخو ، الذى يستضيف عنده رجل أجنبى من المحتل ، وسط عائلته وحريمه
( فى ألم وحسرة )
أصبحت تيس الجزارين ، بدلا من كبير طائفة الجزارين ، والجميع يسخرون من الرجل ، الذى يترك الجندى الفرنسيس ، يدخل على حريمه ويخرج ، وهو يطاطىء له راسه ، يالفضيحة ويالعار 
( يمسك رأسه بيده متالما )
لكن أملى الوحيد أن يتم الزواح ، وتخرس الألسنة عنى ، لعن الله الفرنسيس هم و ( بونابرته ) ، و ( زبيدة ) وزوجتى والجميع 
( يعود ليضرب الساطور فى الأورمة بشدة )
وهذا الـ .. الـ .. ( لويس ) ، ياكل ويشرب ويقضى حاجته ، وينام فى المنزل كأنه صاحبه ، عكس كل التقاليد المصرية ، التى نشأنا عليها ، وأنا مضطر للجلوس لهما    ( ديدبان ) ، لأن حجرتاهما متقابلتين ، وإبنتى البدينة حماقتها ليس لها مثيل ، والولد الفرنسى ملعون متبجح ، حتى لا .. لا يحدث بينهما ما حرمه الله ، وأصبح أنا نطعا إسما وفعلا 
( لا زال يضرب كفا بكف )
فأنا متعطل عن عملى كجزار ، منذ قدوم الحملة ، لقد أغلقت المحلات منذ عام كامل ، بسبب الكساد وقلة الرزق ، وجبروت جنود بونابرته الكفار ، وجالس لأراقب إبنتى ، وهذا الملعون ليل نهار ، حتى لا يختليان ببعضهما ، وتفضحنى الأقدار ، بسبب هيام إبنتى الحمقاء ، بكل شىء متفرنج ، وأولها هذا الجندى أبو بندقية ، الذى محا كبريائى ، فصرت لا أقوى على حمل ساطورى ، رمز لرجولتى وبأسى ووطنيتى    
( تهبط من أعلى السلم زوجته ( عديلة ) ، وهى إمراة مغرورة من سيدات الأعيان ، متسلطة وجاهلة ، فى منتصف العقد الرابع من عمرها ، بدينة للغاية كباقى سيدات زمنها ، ترتدى رداء اسود لامع فضفاض ، يدل على ثرائها وثراء زوجها 
خلفها تسير صبية خادمة ريفية ، لم تتجاوز العاشرة من عمرها ، أتت زوجته من الحجرات العلوية ، فى الطابق الأعلى ، وقد أعدت وجبة الإفطار ، تحمل الصبية ماعون كبير ذهبى للطعام ، به ما لذ وطاب من الأطعمة 
وبعد الهبوط تضع الفتاة الطعام فوق الأورمة ، وتنتظر فى صمت ، فتشير لها ( عديلة ) بالمغادرة ، فتصعد للأعلى مسرعة صامتة ، وقد لاحظت ( عديلة ) ، شرود وتيه زوجها وعيونه الزائغة ، فتحدثه متسائلة فى غضب )  
عديلة ( فى توبيخ وتقريع )
ــ  مالك أيها الرجل ، سمعتك من الأعلى تحدث نفسك ، هل تريد إضحاك الخدم عليك ، يا كبير الجزارين
( يرمق ماعون الطعام مندهشا ، فهو لم يعتاد منها هذا الإهتمام )
عتريس ( فى شك ودهشة )
ــ  لمن هذا الطعام ، ليس لى بالطبع
عديلة ( فى تفاخر )
ــ  هذا ليس من أجلك ، إنه طعام الفطور ، لجناب الجندى المعظم ( لويس ) ، أعنى ( سى على ) خطيب إبنتنا 
( زبيدة الخاتون ) ، ستوتة فتيات منطقة الأزهر ، ومصر المحروسة كلها 
( تنادى على خادمة صغيرة أخرى ، بصوت عالي ، فتهبط من الأعلى ، طفلة قروية أخرى مسرعة )
خذى ماعون الطعام هذا يا بنت ، لحجرة جناب الجندى 
( سى على ) ، أعطه له من الباب ولا تدخلى ، أسمعت لا تدخلى ، هيا بسرعة 
( تحمل الطفلة الماعون ، وتذهب للحجرة المقابلة بصعوبة ، من ثقل الماعون ، وتطرقها لتخرج منها يد بيضاء اللون باهتة ، تحمل الماعون بسرعة ، وتغلق الحجرة بعدها ، فيضرب المعلم ( عتريس ) كفا بكف متبرما ، فتلاحظه زوجته فتخاطبه هامسة )
 عديلة ( فى همس )
ــ  يا رجل تعقل ، بعد أيام سيقام العرس وينتهى كل شىء ، إخفض من صوتك ، حتى لا يسمعك ( سى     على )
عتريس ( فى غضب هامسا )
ــ  أنا لا اصدق أمر إسلامه ، هذا الـ ( سى على )
عديلة ( لازالت تهمس )
ــ  فكر اولا فى تجارة المواشى خاصتك ، وأموالك وبيوتك ، ومحلاتك المنتشرة فى بر القاهرة ، وخدمك وعبيدك ، هل تريد فقد كل هذا ، بمجاهرتك بالعداء ، مع رجال         ( سارى عسكر بونابرته ) رعاه الله 
( يمسك ( عتريس ) رأسه ، فى ذل وإنكسار ، وهو يشعر بألم شديد )
عتريس ( يحذر زوجته )
ــ  الفتاة البنت زبيدة إنها بكر ، لا تتركيهما يختليان ببعضهما ، ضعى عيونك وعيون الخدم عليهما ، حتى لا تفضحنى ، كفانا ذلا وعارا
عديلة ( فى غضب تتلفت حولها )
ــ  هل جننت يا رجل ، هل تريد أن أشرك الخدم ، فى هذه الأمور الفاضحة ، هل تريد منى أن أجعل الخدم ، يراقبون إبنتنا الخاتون ، هى وعريسها ( سى على ) ، هل تريد فضحنا كفانا ما نحن فيه
عتريس ( فى ألم )
ــ  الناس العوام الجميع يسخرون منى ، ويتندرون بى ، يكفى سوء سيرتنا فى منطقة الأزهر ، وكاننا من أدخلنا   ( بونابرته ) بر مصر ، كل ذلك بسبب ضيافتنا ، لذلك        الـ ( سى على ) هذا
عديلة ( فى تبرم )
ــ  تحمل من أجل عيون إبنتنا زبيدة
عتريس ( فى صراخ )
ــ  أنضحى بكرامتنا وسمعتنا وهيبتنا ، من أجل ابنتك البدينة الجاهلة الحمقاء ، لا تحب وتعشق ، إلا جندى من جيش الإحتلال ، يالفضيحة وياللعار ، نحن بذلك نرسخ وجود ( بونابرته ) هذا ، فى مصرنا المحروسة ، بدلا من مقاوته ، نفتح له بيوتنا ، ونقدم له بناتنا 
عديله ( وهى تتدارك الأمر )
ــ  حسنا حسنا إصمت الآن ، صبيك ( عضمة ) السفيه ، يدخل من باب المنزل ، لا أود أن يسمع أحد من الخدم ، أحاديثنا الخاصة ، قد يكونون يتجسسون علينا لصالح الفرنسيس ، مصر المحروسة أصبحت الآن ، كلها عيون وبصاصين  
( تستطرد )
لا أرتاح لهذا الولد ( عضمة )  
( يدخل من باب المنزل المفتوح ، صبى صغير فى العمر 14 عام ، أخرق وأرعن فى خطواته ، إنه أحد صبيان المعلم عتريس ، وهو لقبه ( عضمة ) من فقراء القاهرة ، لكن بعد العمل عند سيده منذ سنوات ، ظهرت عليه إمارات الشبع و الغرور ، والتطاول والإستهانة بالبشر )
عضمة ( فى تصنع للود والخضوع )
ــ  صباح الخير يا معلمى 
( يقبل يده ثم يحيى السيدى عديلة )
صباح شريف بالتركى يا ستنا الكبيرة
( لا ترد عليه الزوجة ، فلا يكترث الولد وتغادر متبرمة ، وتصعد السلم للأعلى ، لتكمل مباشرة أعمال المنزل والطبخ ، من خلال الخدم والعبيد )
عتريس ( فى الم )
ــ  هيا يا جاسوس الصبيان ، هات ما عندك من أخبار السوق ، والتجار و ( بونابرته ) ومصر المحروسة ، من غير أن تحرق دمى مثل كل مرة
عضمة ( يمسح بيده على راسه ، فى غرور وهو يحكى )
ــ  يا معلمى الأحوال ليست جيدة ، الناس فى ضنك ، والجنود الفرنسيس يعربدون فى المحروسة ، هل تصدق يا معلمى ، أن الولد الواغش الذى إسمه محمود ، إبن تاجر العلف أبو الرجالة ، يصاحب بنت ممرضة حكيمة ، إسمها لا أدرى ماذا ( لوسى ) أو ( جوسى ) ، من بنات جيش بونابرته ، وكذلك يأخد لها منزل متوارى ، فى العطفة المستخبية ، ويبيت معها ليلا ويعاشرها معاشرة الأزواج ، والجيران فضحوه ، وأوصلوا الاخبار لأبوه ، وقد حلف بالطلاق من أمه ، السيدة ( عزيزة خاتون ) ، أنه سيطرده من بيته وتجارته و .. و ..
عتريس ( يصيح فيه مقاطعا )
ــ  يا بهيم الصبيان ، لا تحرق دمى ، بحكاويك العجيبة هذه 
( يتراجع ( عضمة ) خائفا ، يصمت خلالها عتريس ، ثم يشير له بعدها بمتابعة الحديث )
عتريس ( فى ملل وقرف )
ــ  حسنا أكمل 
عضمة ( يسترسل فى الحديث )
ــ  لا يوجد أحد يشترى ولا يبيع ، إلا فيما ندر ، الحرمة       ست أبوها بائعة الخضار ، تعاركت مع ولد ، لا تعرف له آخر من أول ، جندى من جنود الحملة ، إسمه ( لامار ) سكير ونسوانجى ، وإشتبكت معه ومزقت ملابسه ، وفضحته فى زقاق النايمانين ، يبدو والعياذ بالله كان يريد منها الحرام ، وهى إستعففت ، وكذلك ذهب معها شيخ الحارة ، عم ( عبده الحلانجى ) تحت ضغط الخلائق ، حتى يشكون للحاكم العسكرى الفرنسي ( ديبوى ) لكنهم لم يجدوه فى مقره ، ويبدو أن شيخ الحارة ضربه الفرنسيس على قفاه ، والحرمة ست أبوها كان سيقتلها زوجها ، عندما علم بالأمر ، ولأنه صعيدى جلف ، أخدها هيا وعيالها ، وسافر على بلده بالصعيد الجوانى ، درئا للفضائح ، ولن يعودوا أبدا للمحروسة  
عتريس ( ينظر له فى قرف )
ــ  هل هذه قصص تحكيها يا إبن الكبش
( يصمت عتريس ثم يشير له بالإكمال )
عضمة ( فى غرور وإسترسال )
ــ  المماليك إنكسروا يا معلمى ، وجمعوا قواتهم وبقاياهم ، ولا يوجد أحد يسمع لهم صوت فى المحروسة ، مضروبين مائة حذاء ، ويوجد كلام أنهم هربوا على الصعيد ، حتى يجمعوا شتاتهم ، ويحاربوا من جديد ، جيش المغازاه الفرنسيس ، وكذلك يا معلمى ، يوجد كلام عن عمارة عثمنلى ، تقترب من سواحلنا ، بالإتفاق مع الانجليز ، علشان يكسروا جيش ( بونابرته ) المغازى ، مع بعض متحدين ، لذلك تجد الفرنسيس مهزوزين ، مرعوبين مكروبين ، فى حارات المحروسة
عتريس ( فى تهلل وسعادة )
ــ  هذه هى الأخبار الجيدة ، وليس القرف الذى تحكيه
عضمة ( فى غرور وخيلاء )
ــ  أقوك لك عن آخر أخبار التجار ، المنافسين لك فى السوق ، والله تالله بالتركى ، لم يصبح سوق ، أصبح سويقه من بعدك يا معلمى 
( يتنهد )
السيد ( تاج الملوك الراضى ) ، تاجر الحراير والأقمشة ، دفع إتاوة لشيخ المنصر ( خنصر أبو عوجة ) ، مائة كيس ذهب حتى يفرج له عن قافلته ، التى نهبت وهى تدخل صحارى المحروسة ، من تجاه بلاد الشام ، بعدها نهبت القافلة مرة ثانية من الأعراب ، فى صحراء سيناء ، وأخذ ضربة على قفاه مرتين ، وخاف أن يتفاوض مع الأعراب بنفسه ، فياخذونه أسير ويزيد الطين بله ، ففضل أن يذهب ، للحاكم العسكرى الفرنسى ( ديبويه ) ، ويرشوه بالذهب والجوارى ، وهو يتصرف بطريقته ، ويا عينى على الرجال ، عندما لا يكونوا رجال
عتريس ( فى دهشة وتعجب وتحسر )
ــ  الأيام سترينا الأغرب والأعجب ، فأراضى مصر نهب للطامحين والمجرمين ، وليس لها رابط 
( لعضمة )
أكمل يا حيلة الجزارين
عضمة ( فى تردد ) 
ــ  الكلام القادم عن .. عن ..
عتريس ( فى غضب ) 
ــ  عن من .. 
عضمة ( فى خوف ) 
ــ  عن .. عن شيوخ الازهر 
( ينظر له عتريس فى غضب شديد ، لمكانة شيوخ الأزهر فى نفسه ، وفى نفس عموم كل المصريين ، ثم يشير له بالإكمال )
عضمة ( بتحدث فى حذر )
ــ  الناس تقول تقول ، أن بعض من .. آ .. آ .. يقولون بعضهم .. من شيوخ الأزهر ، وكبار الأعيان ، يمسحون جوخ لجملة بونابرته ، ويغضوا البصر عنهم ، مقابل و .. و ..
عتريس ( فى غضب )
ــ  مقابل ماذا تكلم 
عضمة ( فى خوف ) 
ــ  هم الذين يقولوا ، مقابل .. ترك أموالهم وضياعهم ، وتجارتهم وعبيدهم ومصالحهم ، بدون أن يمسوها بسوء ، مادام الشيوخ مستسلمين لهم ، وكذلك أقاموا مجلس من كبار الشيوخ والأعيان ، يشرف عليه سارى عسكر نابليون بنفسه ، يدير شئون المحروسة على هوى الفرنسيس ، و .. و .. ومما يدهش أن الشيوخ ، قد لبسوا العلم الخاص للدولة الفرنسية ، على جببهم وقفاطينهم 
( يضرب المعلم عتريس كفا بكف مستنكرا )
لكن والله يا معلمى ، يوجد أناس رفضت الإشتراك معهم ، والجلوس مع الفرنسيس ، ويجاهرون بعداوة سارى عسكر وجيشه ، مع أن هذا شىء مثل الإنتحار ، لأن الفرنسيس سوف ينتقمون منهم ، فى أرزاقهم وتجارتهم وأملاكهم ، من أمثال الشيخ ( عمر مكرم ) نقيب الأشراف ، إنه رجل ولا كل الرجال 
عتريس ( فى سعادة ممزوجة بالألم )
ــ  لا زال يوجد خير فى أولاد مصر ، ياللعجب الشيخ الجليل ( عمر مكرم ) ، يحارب فى جبهة والفرنسيس وبعض الشيوخ ، الذين يطمعون فى منصبه الدينى ، فى جبهة أخرى ، غدا يفتعلون له قصة ، ويجردوه من منصب نقابة الأشراف ، مادام الفرنسيس وضعوا يديهم ، على قرارات الشيوخ المنتفعين ، لكن لازال هناك أمل ، مصر بخير مادام فيها جامع الأزهر ، وشيوخ كثيرين شرفاء 
( ينظر المعلم ( عتريس ) ، إلى صبيه ( عضمة ) ، ويشير له بإكمال الحديث )
ــ  هيا أكمل ، الشىء الهام الذى أود أن أعرفه ، ماذا يقول العامة والتجار عنى
( يتردد ( عضمة ) فى الحديث ، وقد امسك ( عتريس ) الساطور فى غضب )
عضمة ( فى هلع )
ــ  لا داعى لذلك الحديث يا معلمى
عتريس ( فى ثورة )
ــ  تكلم يا ولد 
( يتردد ( عضمة ) فى الحديث ، ثم يتراجع للوراء ، ليهرب من باب المنزل ، إن سائت الامور ، وثار المعلم ( عتريس ) ، وهجم عليه ليضربه )
عضمة ( فى تلعثم )
ــ  آ .. آ .. الناس فى السوق يقولون .. يقولون ، أعنى .. أعنى يستهجنون أمر .. أمر خطبة سيدتى ، ست الستات   ( زبيدة الخاتون ) ، من .. من ( سى على ) الجندى الفرنسيس 
( يضرب عتريس بالساطور ، فى الأورمة بعنف )
عتريس ( وقد زاغت عينيه )
ــ  أكمل أكمل يا ولد عليك اللعنة
عضمة ( يتراجع للوراء )
ــ  يقولون والعهدة على القائل .. أنك .. أنك ، أغلقت الدكان و .. و .. تجلس لتراقب عريس إبنتك ، خوفا من خوفا من .. آ .. آ .. أن يختلى بها 
( ينهض عتريس وهو ممسك بالساطور ، وقد جن جنونه ، فيتاهب ( عضمة ) للفرار من باب المنزل )
عتريس ( فى صراخ )
ــ  من الدنىء ، الذى يروج مثل هذه الأحاديث عنى 
عضمة ( وهو يرتعد )
ــ  أنا ليس لى ذنب ، إنه إنه منافسك فى السوق ، المعلم ( باروخ ) الجزار اليهودى ، الذى لا نعرف له أصل ، هو وصبيانه ، الحمر الوجوه السفهاء 
عتريس ( فى جنون )
ــ  صبيانه هل وصل الأمر ، لأن يلوك صبيانه ، الحمر الوجوه سيرتى 
عضمة ( يقترب من باب المنزل ليفر )
ــ  لست أنا من يقول ، إنهم هم يقولون .. يقولون ، أنك لا تراقب الجندى فحسب بل .. بل 
( يهرب من خلال باب المنزل )
بل تدخله على حريمك ، وتقف له على الباب مبتسما ، كأبو قرنين
( يركض المعلم عتريس خلف صبيه ، الذى أطلق ساقيه للريح ، فلا يستطيع اللحاق به ، فيعود وهو فى أشد حالات ثورته ، يسب ويلعن ويلوح بالساطور ، يمينا ويسارا ، فيدخل من الباب بعده ، ولده الصغير قرة عينه ، الملقب بـ ( الشيخ طه ) 
وهو طالب أزهرى 16 عام ، فى ملابس الشيوخ ، يرتدى الجبة والقفطان ، وقد حمل أوراقه وكتاب الله ، فيجد أبوه فى حالة غير طبيعية ، يرثى له ، فلا يندهش ، يضع أوراقه على ( الدكة ) ويقبل يده 
ثم يمسك الساطور من يده ، ويغمده فى الأورمة ، ويجلسه وأبوه لازال يهذى ، وبعد قليل يهدا الرجل ، بعد أن يطيب خاطره إبنه ، فهو يتهلل لرؤيته ، وسماع حديثه إذ أنه ولده الوحيد ، هو و ( زبيدة ) العروس ) 
شيخ طه ( فى ود )
ــ  يا ابتى إهدا ، ما الذى حدث ، رأيت الولد الأحمق 
( عضمة ) يركض خائفا ، ألم أنصحك من قبل الا تستمع لأحاديثه ، إنه ولد ثرثار سفيه ، ألم تستمع إلى القول 
، ( إذا جائكم فاسق بنبأ ) ، فى كل مرة تطلب الإستماع لأخباره وتخريفاته ، ثم تنفك مطاردا إياه ، إنه يسعى على عورات الناس ، بسبب فقره الشديد ، وحقده على الناس ، فلا تستمع إليه ، وأخشى أن يكون يخرج ، أسرار بيتنا للخارج  
عتريس ( فى الم )
ــ  حسنا يا ولدى ، وأنت كيف مر يومك ، كيف الحال فى الأزهر 
شيخ طه ( فى ألم ومرارة ) 
ــ  لن تصدق يا أبتى ، الجنود الفرنسيس الكفار ، دخلوا الأزهر بأخذيتهم ، راكبين الخيل ، وأهانوا الشيوخ وطلاب العلم ، وحرقوا ومزقوا المصاحف ، وأمهات ودرر الكتب ، إنهم يعيثون فسادا ، لقد أفشوا شرب الخمر ، وأقاموا لها دورا ، وأباحوا بيوت الرذيلة ، وصار يدخلها ضعاف النفوس ، من العامة المصريين ، هل هذه هى الحضارة ، التى يتشدقون بها ، إنه والله يوم القيامة 
عتريس ( فى ألم )
ــ  والأحوال يا ولدى كيف هى
شيخ طه ( يحكى )
ــ  الأحوال سائت والأرزاق بطلت ، وساد الكساد وغلت الأسعار ، وكثرت العصابات واللصوص ، وحالات السرقة والاختطاف ، والنهيبة صاروا جهارا ، وأصبح المرء لا يأمن على نفسه ، لكن الأمل فى الأزهر ، وشيوخه النابهين ، الذين لم يبيعوا أنفسهم للمحتل ، كالبعض الآخر من الوجهاء والكبراء
عتريس ( يتسائل )
ــ  والمماليك أين دورهم ، سمعت انهم يقاومون 
شيخ طه ( ساخرا )
ــ  فلول يا أبتى ، فحدث ولا حرج ، هربوا بأمتعتهم وأموالهم ، وجواريهم وعبيدهم ، إلى أطراف الصعيد ليضعوا يديهم عليه ، ليساوموا على وجودهم هناك ، ضد جيش الفرنسيس 
عتريس ( يزفر )
ــ  تركوا القاهرة وهربوا الأنذال 
شيخ طه ( يلوح بيده )
ــ  إنهم لا يختلفون عن الفرنسيس ، فى أى شىء ، هذا محتل وذاك محتل آخر ، لقد كانوا ينهبون المحال والدكاكين ، ويخطفون الاطفال ويبيعوهم كعبيد ، ووقت الجد يفرون ، إنهم لا يخدمون الا أنفسهم ، هم عبيد لمصالحهم
عتريس ( فى حزن )
ــ  إنه والله غضب من الله ، لابد لابد وأن نفعل شىء
شيخ طه ( يلمح بدون أن يقصد إهانة أبوه )
ــ  الأزهر يا أبتى ، الأزهر هو الأمل الوحيد ، بعد أن دخل جنود الفرنسيس ، إلى بيوت المصريين ، وإدعوا الإسلام 
و .. و ..
( يتدارك شيخ طه حديثة ، ويعتذر بخجل )
معذرة يا أبتى ، أنا لا أعنيك ، أنا أقصد كبار رجالات المحروسة 
عتريس ( فى خزى وعار )
ــ  لا عليك يا ولدى ، فحالى من حالهم ، أنا من تركت            لـ ( سى على ) هذا الحبل على الغارب
شيخ طه ( فى ذهول )
ــ  أتصدق يا أبتى ، أن قائد كبير فى حملة بونابرت ، أظنه 
( مينو ) إدعى الإسلام ، هو وضباط آخرين ، ويصرون على الصلاة ، أمام العامة لخداعهم ، مع أنهم لايفارقون سلاحهم ، ولا زجاجات الخمر ، ولا فتيات الحملة الفرنسيسيات الفاجرات ، ومما زاد الطين بله ، أنه يطلب الزواج ، بإحدى بنات كبار الأشراف ، فرفض العشرات منهم مصاهرته ، لأن إسلامه كاذب ، وإنتهى به الأمر ، بالزواج من إبنه حارس بيت ( بواب ) ، وكم فى ذلك من عجب
عتريس ( يضع رأسه فى الأرض خجلا )
ــ  لا تثقل على يا ولدى رحمك الله 
شيخ طه ( فى تالم ) 
ــ  معذرة يا أبتى ، لم أتعمد إيلامك ، لعلك تعود فى الوعد ، الذى أعطيته للجندى ( لويس ) هذا ، بالزواج من أختى      ( زبيدة ) ، فليس من تقاليدنا وديننا ، الزواج من أجانب كفار محتلين ، الأمر متروك لك يا أبتى ، فكر على مهل وتروى ، لازال أمامنا وقت للتراجع ، والآن سأدخل إلى غرفتى ، لأستذكر دروسى الأزهرية  
( يلملم شيخ طه أوراقه ومصحفه ، ويدخل إلى غرفته ، ويغلق الباب عليه متألما ، على حال أبيه ، ويرى المعلم   ( عتريس ) قد نكس رأسه ، ووضعها بين يديه منكسرا ، من تبعات حديث إبنه ، النابه ( شيخ طه ) ، وكله عجز وخضوع وخنوع ، للأمر الواقع ، الذى فرضته عليه إبنته البدينة ، الحمقاء الجاهلة 
وبعد قليل يسمع صوت ضحكات الفتاة ، تتعالى بخلاعه ، آتية من غرفتها ، تتغنج وتتبذل وتتفرنج ، وتغنى بصوت عالى ، بدون خجل ولا إحتشام ، بعدها يسمع صوت الجندى لويس ، الملقب بـ ( سى على ) 
يقهقه فى غرفته عاليا ، ويغنى هو الآخر بلحن فرنسى ، ويعلو صوته ، وكان الإثنان يتناجيان ، فى حضور المعلم عتريس ، وهو لا يزال يضرب الساطور ، بغضب فى الأورمة ، عاجزا عن فعل أى شىء ، لوقف تلك المهزلة )

ستار       
  
             
          

                                               المشهد الثانى 
التجوال بالملابس الداخلية 

( يرفع الستار ....
يرى نفس المشهد السابق ، الوقت ما قبل الظهيرة ، المعلم عتريس جالس كعادته ، وحيدا صامتا شاردا ، على مقعد صغير ، أمام ( أورمة ) اللحم ، وساطوره الصدء مغمود فى الأورمة 
الرجل يكاد من الألم والغيظ ، أن يكلم نفسه ، بسبب جندى الحملة الفرنسية ، الذى هو مقيم فى منزله ، بعد أن إدعى الإسلام ، ويتهيا للزواح من إبنته ، البدينة المدللة ، الجاهلة الحمقاء ( زبيدة ) 
باب المنزل الخارجى يظهر للجمهور ، المارة يروحون ويغدون ، ولا يلقى أحد السلام عليه ، تمر ثوان ، والرجل لا يلوى على شىء
فجأة يسمع صوت زوجته ، السيدة عديلة ، يعلو فى الطابق الأعلى ، مع الخدم والخادمات ، ثم تهرول ، وترى وهى مسرعة ، تهبط السلم الذى يراه الجمهور ، تنادى عليه بإلحاح ، وتتجه صوب زوجها ، الذى إنزعج من صراخها )
عديلة ( وقد تهللت أساريرها )
ــ  هيا يارجل إنهض بسرعة 
عتريس ( فى تململ وسخرية )
ــ  ما الأمر ، هل سيزورنا سارى عسكر ( بونابرته ) ، فى المنزل ، أم قائد العمارة الإنجليزية ( نلسون )
عديلة ( فى غضب )
ــ  كلا يا فالح ، إنه .. إنه خطيب ابنتنا ( سى على )
عتريس ( مشدوها )
ــ  ما الذى حدث ، هل سيغادر المنزل 
عديلة ( فى غضب )
ــ  من قال هذا ، لقد أمر ( سى على ) ، بإخلاء الطريق له ، سيخرج الآن من غرفته ، ليتوجه لغرفة إبنتنا ( زبيدة الخاتون ) ، ليلقى عليها تحية الصباح
عتريس ( يكاد ينفجر من الغيظ )
ــ  يا إمرأه يا حمقاء ، نحن الذين نخلى له الطريق ، إننا سكان البيت ، هل نخفى له الرجال ، حتى لا يحمر وجهه ، ما هذه العادات الغريبة ، ما هذه الأوضاع يا عالم ، التى فرضها علينا إحتلال الفرنسيس
عديلة ( فى غضب وتتلفت حولها )
ــ  لا ترفع صوتك ، حتى لا يسمعك ، هذه هى عاداتهم 
عتريس ( فى ثورة )
ــ  أى عادات تلك ، هل أقف له ( ديدبان ) ، وهو يتجول وسط حريمى فى المنزل ، إنه يود اذلالنا ، مادمنا رضخنا لطلباته ، ووجوده المهين لنا فى المنزل 
عديلة ( تمسك بتلابيبه )
ــ  إخفض من صوتك وتعقل ، كله من أجل عيون إبنتنا ، ست البنات ( زبيدة ) ، هل تريد إفساد الزيجة ، بتصرفاتك تلك 
( تتلفت حولها )
إصمت وقف معتدل ، إنه يفتح الباب ، إنه آت الينا ، ليدخل غرفة إبنتنا ، لا تفعل أى شىء ، إبتسم .. إبتسم وكن لطيفا ، وإلا سنخسر كل شىء ، الزواج وجاهك ومالك
( يسمع صوت فتح باب الغرفة ، التى فى يسار المسرح ، ويعيش فيها ( الجندى لويس ) ، أو ( سى على ) ، والتى تقابل حجرة الفتاة ( زبيدة ) ، التى فى يمين المسرح ، ويتزامن مع الموقف صوت موسيقى ، لمارش عسكرى فرنسى ، يبدأ منخفضا ثم يعلو ويعلو 
بعدها يخرج من الغرفة ، شاب طويل للغاية ، أصفر الشعر ، أزرق العينين ، لون بشرته أبيض باهت ، وقد حمل بندقيته ، ذات السكين الطويل المدبب ، يمسك فى يديه برنيطته الكبيرة ، يرتدى ملابسه الداخلية فقط ، سروال أبيض طويل من القطن ، وعليه فانلة بيضاء طويلة ، تغطى سواعده حتى المعصم  
وفى قدمه حذائه العسكرى ، المعلم عتريس يضبط من هندامه ، بأسلوب هزلى فى خوف ، ويمشط شعره بيده ، ويمسح على شاربه ولحيته ، والسيدة عديلة لا تختلف عنه فى شىء ، تضبط هى الأخرى من هندامها 
وفجاة يتذكر المعلم عتريس ، أمر ساطوره المغمود فى   ( الأورمة ) ، فيخلعه بسرعة ، ويخفيه خلف الأورمة ، حتى لا يراه الجندى لويس ، فيظن به السوء ، يسير الجندى تجاههم بخطوات ثقيلة ، يخفت خلالها صوت المارش العسكرى ، إلى أن يتلاشى ، يقف برهه ، يتلفت حوله ، يرمق جدران المنزل والأثاث ، وكل شىء ، ويظل مع نفسه ، يحسب حسابات لا يفهموها )
عتريس ( هامسا )
ــ  يا الهى ، ماذا يرتدى هذا الـ .. الـ .. ، إنه بالملابس الداخلية الإفرنجية ، هل وصل به الأمر لهذا الحد ، هل هو بيت أبوه 
عديلة ( تهمس هى الاخرى )
ــ  إصمت إصمت ، حتى لا يسمعنا ، ما شأننا نحن ، يسير بالملابس الـ .. ، يسير بلا ملابس ، هل نحن الذين أدخلنا ، ( سارى عسكر نابليون ) مصر ، كلها أيام ، ويقام العرس وننتهى 
( تنظر اليه متحرجة )
اه .. رحماك ياربى ، هل يفعل أحد عاقل هذا ، يسير بالملابس الخصوصية ، أمام الحريم  
( لازال الجندى لويس ، ينظر إلى الجدران ، ويرسم أشياء فى الهواء ، ويحسب حسابات هندسية ، ويعد الأثاث ، ويكتب أشياء ، وهو يتمتم بالفرنسية )
( يقف عتريس هو وزوجته ، كأنهما فى طابور عسكرى )
عتريس ( فى غضب )
ــ  ماهذا الذى يفعله ، إنه يحسب شىء ، ويرسم أشياء فى الهواء ، هل هو جندى ، أم بناء منازل ، إنه يقسم المنزل ، هل هو منزل أبوه 
عديلة ( فى تحرج )
ــ  إصمت إصمت ، رحمنا الله ، لقد فرغ من حساباته ، وهو متجه إلينا .. آه .. ياللحرج 
( يسير الجندى لويس ، إلى حيث الزوج والزوجة ، وهما يرتعشان من الخوف ، وقد ظهرت عليهما ، كل آيات الحرج ، من ملبسه الفاضح ، يمر عليهما ثم يتجازوهما ، ذاهبا لغرفة إبنتهم وخطيبته ( زبيدة ) 
ثم يتوقف كمن تذكر شىء ، ويعود وكأنه لم يراهما ، وتذكر وجودهما الآن ، يقف الجندى لويس أمامهما ، بوجه بارد ويتحدث )
الجندى لويس ( فى تعالى )
ــ  بونجور معلم ( عتريس ) ، بونجور مدام ( عديلة ) ، معذرة لم أراكما ، وأنا أسير متجولا  
عتريس ( وكانه طفل أمام معلم الصبيان )
ــ  بونجورك معاك ، ياجناب الجندى ( لويس ) ، أقصد        ( سى على )
( يظل صامتا لبرهة ، يحملق فيهما ، عسى أن يعترضان ، على ملابسه الفاضحة ، لكن الزوجان صامتين ، وقد وضع كل منهما ، رأسه فى الأرض ، يبتسم بعدها ( لويس ) ، إبتسامة باهتة ، ويتحدث فى برود )
 الجندى لويس ( للست عديلة )
ــ  من فضلك مدام ( عديلة ) ، أرجو تحضير طعام الفطور بسرعة ، أنا لا أحب التاخير ، نحن فى أول اليوم ، أريد بيض مقلى فى الزبد ، وشطائر خبز محمص ساخن ، وطبق سلطة قطع صغيرة ، ومربى فراولة ، ومقدار من عسل نحل أمهات ، وعلبة تبغ لفائف مستورد ، مصنوعة يدويا ، وأهم شىء تبغ ملفوف مستورد ، كل ذلك تحضرونه ، إلى غرفة خطيبتى الآنسة ( زبيدة ) 
لنتناول معا طعام الإفطار بمفردنا ، أسمعتمانى بمفردنا ، بعدها سارتدى ملابسى العسكرية ،وأذهب إلى المعسكر ، وفى نهاية اليوم ، عندما أعود ، أريد طعام الغذاء يكون شهيا ، مطبوخ بالمسلى ، ولا تناقشانى ، لأنى لا أحب الثرثرة والجدال
( يغادرهما الجندى ، ويتوجه الى غرفة ( زبيدة ) ، بخطوات بطيئة ، ثم يطرق الباب بخفة ، عدة طرقات ، وينادى عليها ، بعدها تفتح له متهللة ، دون أن تظهر ويدخل ، وهى تكاد تصرخ من السعادة 
بعدها تغلق الباب ، ويرى المعلم عتريس يلطم ، بعد كل ما حدث ، بعد ذلك يسمع الزوج والزوجة ، أصوات حديثهما العالى ، وقد فقد المعلم ( عتريس ) صوابه ، أما زوجته عديلة ، فتكاد تشد شعرها ، بسبب إختلاء الجندى بإبنتها ، وضحكاتهما معا بخلاعة )
 ( يسمع صوت لويس العالى ، وهو يبثها هيامه )
لويس ( فى تملق )
ــ  بونجور آنستى
زبيدة ( فى خجل )
ــ  بونجورك معاك يا ( سى على )
لويس ( فى جرأة )
ــ  هل أجلس يا آنستى 
زبيدة ( خجلانة )
ــ  لقد جلست بالفعل ، يا سبع الرجال
لويس ( مندهشا )
ــ  ما معنى الجملة الأخيرة التى قلتها
زبيدة ( ضاحكة )
ــ  معناها أنك أسد الأسود
لويس ( يزفر ) 
ــ  آه بالفعل .. من يدخل مصر منتصرا ، هو أسد ليس مثله أسد ، هكذا قالها ( سارى عسكر بونابرته )
زبيدة ( فى إندهاش )
ــ  وماذا قال المحروس ( سارى عسكر بونابرته ) 
لويس ( فى فخر )
ــ  قال من يريد أن يحكم العالم ، ينظر الى مصر
زبيدة ( مندهشة )
ــ  وهل نظر لها
لويس ( يمسك بيديها ) 
ــ  نعم كما انظر أنا اليك 
( يستطرد )
هل تسمحين لى بأن أمسك بيديك 
( يرى المعلم عتريس ، وهو يلطم ، مما يسمعه ، وزوجته تحاول تهدئته )
زبيدة ( فى خوف )
ــ  أنت امسكتها بالفعل ، لا .. لا حتى لا يرانا أبى ، فيذبحنى ، أنت لا تعرف قسوة تقاليدنا
لويس ( فى غضب )
ــ  يذبحك أنت لست دجاجة 
( ينهض وقد بان عليه الغضب )
آه يا عزيزتى ، لا أرتاح لهذا الـ .. ( عتريس ) اباك 
( يرى المعلم عتريس ، وقد إحمر وجهه )
عتريس ( لزوجته )
ــ  أسمعت ماذا يقول عنى
عديلة ( تمسك به )
ــ  حافظ على أعصابك يا رجل 
( يعودان للاستماع ، لحديث زبيدة والجندى الفرنسى ) 
زبيدة ( فى غضب كالأطفال )
ــ  لماذا لا ترتاح لأبى ، إنه يحبك للغاية 
لويس ( يشرد فى المجهول )
ــ  خطأ .. أباك لا يحبنى ، بل يخافنى 
( يرى المعلم ( عتريس ) ، وقد أنصت بغضب لحديثهما )
زبيدة ( فى تساؤل )
ــ  كيف لا يحبك ، وهو يعطيك إبنته 
لويس ( ضاحكا )
ــ  إنه يخاف على أملاكه ، وثروته وضياعه وعبيده ، إن عارضنى وعارض وجودى ، لن يسلم من أذاى ، أنا والحملة ، وإن نافقنى ، تركته يعيش ، كباقى كبراء ووجهاء مصر ، من الذين يتعاملون معنا ، مع المحتل ، أعنى جيشى جيش الفرنسيس 
زبيدة ( فى غباء )
ــ  أنا لا أفهم شىء 
لويس ( يلتفت لها ضاحكا )
ــ  وهذا أجمل ما فيك
زبيدة ( ضاحكة ) 
ــ  تكلم كلام أفهمه ، كلام حلو ، من رجل لخطيبته
( يرى المعلم عتريس ، وهو يهم بالتدخل ، لوقف المهزلة ، وزوجته تمنعه بالكاد )
لويس ( يمسك بيديها )
ــ  عزيزتى .. أنت كنز ، لم يستطيع أحدا ما ، حتى الآن ، أن يحسن إستغلاله ، وها أنا قد وصلت 
زبيدة ( فى خجل )
ــ  لا تخجلنى يا ( سى على )
لويس ( يكمل حديثه )
ــ  معك أكبر وأكبر وأتعملق ، حتى ( نلسون ) الإنجليزى نفسه ، وعمارته القوية ، لا تستطيع أن تطولنى 
زبيدة ( تتسائل )
ــ  من نلسونه هذا 
لويس ( ضاحكا فى سخرية )
ــ  جزار زميل لأبوك ، لكنه أذكى منه بكثير ، يستطيع إدراك متى يذبح ، ومتى يسلخ الذبيحة ، لا أن يجلس متعطل عن العمل ، يعد الرائح والغادى ، أمام منزله كالنساء
( يرى المعلم ( عتريس ) ، وقد طاش صوابه ، يحاول الهجوم على الغرفة ، وزوجته تحاول الإمساك به ، بكل قوتها ، ويسمع صوت مرتفع ، لبعض من الباعة الجائلين ، يمرون أمام المنزل ، وقد تعارك معهم مشترى سفيه )
المشترى ( فى وقاحة )
ــ  هذا الكرسى الأرابسك قديم ، يا عم ، لا يستحق ما تطلبه ، ثمنا له
البائع ( غاضبا ) 
ــ  من تظن نفسك ، حتى تأخذه بثمن بخس ، ( سارى عسكر بونابرته )
المشترى ( فى صفاقة )
ــ  الجميع هنا بعد الإحتلال الفرنسى ، يبيعون بلا ثمن ، ألا تدرى أننا أمام منزل ، النطع المعلم ( عتريس ) ، كبير الجزارين ، الذى سيبيع إبنته ( الستوتة الخاتون ) ، بأرخص الأثمان ، لجندى من جنود الحملة الفرنسية
البائع ( وقد أمسك ، بخناق المشترى السفيه )
ــ  وهل تظننى مغفل مثله ، الفرنسيس يأخذون فقط ، ولا يعطون 
( هنا يصرخ المعلم ( عتريس ) ، من فرط سماعه للإهانات ، ويخر ساقطا على الأرض باكيا ، وهو يضرب بيديه على            ( الأورمة ) ، وزوجته تحاول تهدئته ، بكل السبل ، وهى تولول على زوجها ، الذى فقد صوابه ) 
     
ستار 
     

                                       المشهد الثالث 
ثلاث جنود فرنسيس عرابيد

( يرفع الستار ....
( يرى نفس المشهد السابق ، الوقت صباحا ، قبل الظهيرة ، المعلم ( عتريس ) جالس ، لا يلوى على شىء ، ينظر إلى ساطوره الصدء ، المغمود فى ( الأورمة ) ، يرى على وجهه الغضب الشديد 
باب المنزل مفتوحا على مصراعيه ، المارة يروحون ويغدون ، لا أحد يلقى عليه السلام ، بسبب وجود الجندى الفرنسى ( لويس ) ، مستضيفا إياه فى مسكنه ، وقد صار معيرة التجار ، بعد أن كان كبير ، لجزارى مصر المحروسة
يدخل عليه فجأة راكضا ، من باب المنزل ، صبيه               ( عضمه ) ، وهو متهلل الوجه ، فينتبه المعلم عتريس ، لكن الصبى يرمقه بنظرة ساخرة ، لم يفهمها معلمه ، يظل الولد يصيح ويقفز ، والرجل لا يفهم شىء )
عضمه ( وهو يتقافز كالزنبرك )
ــ  يا معلمى يا معلمى ، يوجد ثلاثة من الكبار ، يسألون عن منزلك ، فى أول الشارع 
( ينتبه عتريس ويسعد ، وتتهلل أساريره ، لقد سأل عليه أحدا أخيرا ، بعد أن قاطعه الناس ، سنة كاملة ، طوال فترة وجود ، الحملة الفرنسية على مصر )
عتريس ( وقد إمتلاء بالسعادة )
ــ  من .. من يا ولد ، يسال على ، تجار أم من كبراء الطوائف 
عضمة ( يشير بهستريا إلى الخارج )
ــ  لا .. لا ، إنهم ثلاث شيوخ معممين 
( ينهض المعلم عتريس سعيدا ، ويتهيأ للقاء الضيوف )
عتريس ( وهو يتنفس الصعداء )
ــ  لابد أنهم زملاء ، ولدى ( الشيخ طه ) ، فى الأزهر ، وقد أتوا للسؤال عنه 
( ينادى على ولده شيخ طه ، وقد إتجه لغرفته ، التى فى حوش المنزل )
يا شيخ طه ، يا شيخ طه ، ضيوف يطلبونك 
( بعد قليل ، يخرج من غرفته ، الشيخ طه بملابس المنزل ، وقد حمل فى يديه ، كتاب ضخم من أمهات الكتب )
شيخ طه ( فى تساؤل )
ــ  من يا أبتى يسأل على 
عتريس ( وقد إمتلاء بالزهو )
ــ  إنهم ثلاث شيوخ معممين ، لابد أنهم من كبار العلماء ، أو من زملائك الأفاضل 
( يتجاوز شيخ طه الولد ( عضمه ) ، متجاهلا إياه بتأفف ، ويدلف من باب المنزل ، ليرى ما ألامر ، ومن هم الضيوف ، ثم يعود وقد إكتسى وجهه ، بخيبة الأمل ، والغضب الشديد )
شيخ طه ( لأبوه عتريس )
ــ  إنهم ليسوا شيوخ معممين ، يا أبتى ، صبيك ( عضمه )  يسخر منك ، إنهم ثلاث جنود فرنسيس ، لابد أنهم يسألون ، عن زميلهم ( لويس ) ، الذى يسكن عندنا ، لعنة الله عليهم جميعا  
( يستطرد )
إصرف هذا الولد ( عضمه ) ، لا تدعه فى خدمتنا ، إنه يسخر منك يا أبتى ، ومن شيبتك ، وجوده فى المنزل عار عليك
( يصاب المعلم ( عتريس ) ، بنوبة غضب شديدة ، ويهجم على صبيه ، ويمسك بتلابيبه ، بعد أن يعود ( شيخ طه ) ، إلى غرفته غاضبا )
عتريس ( وقد إنتوى ضرب صبيه ، ضربا مبرحا )
ــ  هل تسخر منى ، يا خيبة الصبيان ، ألم تقل أنهم شيوخ معممين ، أتسخر من شيبتى ، هل أعطيك راتب أسبوعى ، غير لفائف اللحم ، لك ولعائلتك الفقيرة الملعونة ، حتى تسخر منى ، يا عديم التربية ، والله لأضربك بالعصا ، بعد أن أعلقك كالذبيحة ، وأحطم عضمك جهارا ، أمام العامة
عضمه ( يصرخ مولولا )
ــ  سماح يا معلمى ، كنت أمزح معك ، أروح عنك فى كربتك
عتريس ( فى غضب كبير )
ــ  ومن أنت يا نسل القرود ، حتى تمزح معى ، وتروح عنى 
( وعندما يهم المعلم ( عتريس ) ، بضرب الولد ، المنحنى تحته ، بكلتا يديه بكل قسوة ، يدخل فجاة من الباب ، بلا إستئذان ، ضيوف الجندى ( لويس ) ، إنهم ثلاث جنود فرنسيس ، يرتدون زى الحملة الفرنسية ، وقد حمل كل منهم بندقيته ، على كتفه 
لا ينتبه لهم عتريس ، إلا عندما يدقون ، بكعب بنادقهم فى الأرض ، فيلتفت خلفه ليراهم ، فيذهل ويفغر فاهه ، ويخلى سبيل الولد السفيه ، الذى يقف بعيدا ، ولا تزال نظرة السخرية فى عينيه ، فينهره المعلم عتريس ، ويصرفه من المنزل ، فيجرى لكنه يظل واقفا ، أمام باب المنزل
ثم يظل الأربعة يتبادلون النظرات ، المعلم عتريس فاغر الفم ، صامت مذهول ، والجنود يحدقون فيه ، ويظل الصمت مطبق للحظات ، يقطعه حديث ، أحد الثلاثة جنود  الفرنسيس )
جندى فرنسى ( يحرك يده فى تعالى )
ــ  أنا ( جان لوى ) ، وهذا زميلى ( بيير ) ، وثالثنا ( آلان ) 
( يظل المعلم عتريس مذهولا ، فاعر الفم لبرهة ، من الزمن ، بسبب الثلاث جنود ، الذين إحتلوا المنزل ، فيعاود الجندى الأول الحديث )
 جندى جان لوى ( ضاحكا فى برود ) 
ــ  ألن تضيفنا يا معلم ( عتريس )  
( يظل المعلم ( عتريس ) ، فاغر الفم فى ذهول ، ثم تدخل زوجته ( عديلة ) ، على غرة من أحد الأبواب ، فتصاب بالذهول هى الأخرى ، وتظل ترمق الثلات جنود ، الذين إحتلوا المنزل ، بنظرات ملؤها التعجب والدهشة  
فيتجاهل الجندى الثانى ( بيير ) ذهولهم ، وينادى على صبى المعلم ( عتريس ) ، ( عضمة ) الذى كان لا يزال يقف ، أمام باب المنزل ، يختلس السمع ويراقب الجميع ، من فرط الفضول )
 جندى بيير ( يشير للولد عضمة ، فيأتيه مسرعا )
ــ  يا ولد يا هذا
عضمة ( يقف أمامه صاغرا ، شبه ضاحك )
ــ  لبيك سيدى الجندى الكبير 
جندى بيير ( يشير له )
ــ  إذهب لحانوت المعلم ( ناطوع الرومى ) ، بائع الخمور ، الذى مكانه فى أول الشارع الكبير ، وإئتنا بقارورة نبيذ أحمر معتق ، وإذا سألك عن النقود ، قل له على حساب المعلم ( عتريس ) ، من أجل ضيوفه الجنود الفرنسيس ، المرابطين فى منزله ، ليشربوا نخب زواج إبنته ، من زميلهم الجندى ( لويس )  
 ( ينظر الصبى عضمة إلى معلمه ، ويضحك ضحكة ذات مغزى ، ويغادرهم راكضا ، ولازال الزوجان مذهولان ، ولم يفيق المعلم ( عتريس ) ، من ذهوله ، إلا عندما وعى أمر قارورة الخمر ، فيخرج من صمته ، ويتجرأ فى غضب ويخاطب الجنود ، الذين إستباحوا منزله )
عتريس ( فى دهشه )
ــ  هل ستشربون الخمر ، وتعربدون فى منزلى ، وسط النساء والخدم ، جهرا أمام الرائح والغادى ، هذا غير ممكن 
جندى جان لوى ( ضاحكا فى سخرية )
ــ  الذى يقبل زواج إبنته ، من جندى فرنسيس ، يقبل أى شىء آخر
( يتجول الثلاثة فى أرجاء المنزل ، ويتطلعون إلى الجدران ، ثم يخاطب الجندى ( آلان ) ، زوجة عتريس المذهولة السيدة ( عديلة )
جندى آلان ( يشير لها بإصبعه )
ــ  يا سيدة أم زبدة 
عديلة ( لازالت مذهولة )
ــ  السيدة أم ( زبيدة ) ، وليست أم زبدة 
جندى الأن ( ساخرا ) 
ــ  حسنا يا سيدة أم سمن بلدى ، أحضرى لنا كئوس وماعون ، حتى نشرب نخب العروسين ، ( لويس ) و         ( زبيدة ) ، هل سنشرب ونحن واقفين
( يلطم المعلم عتريس فى عجز ، وتذهب السيدة            ( عديلة ) صاغرة ، لتحضر الكئوس النحاسية ، والماعون بنفسها ، تذيلهم بنظراتها الجزعة ، وبعد قليل ، وفى لحظة عودتها ، يكون الولد الصبى ( عضمة ) ، قد عاد ، ويحمل قارورة نحاسية كبيرة ، من الخمر ، ولا زالت إبتسامة الشماتة على وجهه )
عضمة ( للمعلم عتريس ساخرا ) 
ــ  المعلم ( ناطوع الرومى ) ، يسالك يا معلمى ، هل يرسل لك كل يوم ، قارورة خمر ، مادام المنزل ، سيعتاد شرب الخمر ، حتى السُكر
( المعلم عتريس يكتم غضبه ، ويكظم غيظه ، موجها كل حواسه ، للجنود الفرنسيس ، فيخاطب صبيه ، متوعدا إياه فى تلميح )
عتريس ( لصبيه عضمة )
ــ  سأسوى حسابك معى ، فى وقت آخر ، أنت و ( ناطوع الرومى ) 
( لازال الثلاث جنود ، يتجولون فى المنزل ، يتفحصون كل شىء فيه ، والمعلم ( عتريس ) ، يقف كالأبله وسطهم ، وصبيه ( عضمة ) يضحك على ذله ، يبدأ الجنود فى وضع أسلحتهم بجوارهم ، ويجلسون حول أورمة ، المعلم         ( عتريس ) الضخمة 
يخلع أحدهم الساطور بصعوبة ، ويلقيه خلف ظهره ، فى إستخفاف ، وسط إحمرار وجه المعلم ( عتريس ) ، ينادى الجندى ( جان لوى ) ، على الولد الصبى ( عضمه ) ، ويشير له ، بان يقوم بدور النادل 
فلا يتقاعس الولد عن خدمتهم ، نكايه فى معلمه ، ويصب لهم الخمر فى الكئوس ، والمعلم ( عتريس ) فى أشد حالات غضبه ، وذهوله وذله ، هو وزوجته ( عديلة ) 
ومع مرور الوقت ، تعلو أصوات الجنود ، وهم يشربون حتى الثمالة ، ويتفوهون بعبارات فرنسية ، لا يفهمها أحد ، فيسمع أصواتهم الجندى ( لويس ) ، أو ( سى على ) فيخرج من غرفة الفتاة ( زبيدة ) ، بملابسه الداخلية البيضاء ، فيسعد بوجودهم ، ويتبادلون عبارات الترحيب بالفرنسية ، ثم يجلس معهم 
والولد الصبى ( عضمة ) ، يصب لهم الكئوس ، كنادل البار ، والمعلم ( عتريس ) وزوجته ، يكادان ينفجران غيظا ، من هول المشهد ، ويبدئون فى الغناء بصوت عالى ، مما يجعل المارة يتجمهرون ، أمام باب المنزل 
فيذهب المعلم ( عتريس ) ليغلقه ، من هول الفضيحة ، ونظرات إستنكار المارة ، وإزدرائهم له ، وهو كبير جزارى مصر المحروسة ، بعدها يعود وهو يلطم ، ويتابع المهزلة التى فى بيته )
جندى جان لوى ( فى تساؤل )
ــ  أصواتنا فى الغناء الفرنسى غليظة ، ينقصها شىء 
جندى بيير ( للجندى لويس )
ــ  بالفعل .. بالفعل ، لكن ما هو 
جندى لويس ( وقد نالت منه الثمالة )
ــ  صوت .. صوت نسائى 
( يشير إلى السيدة ( عديلة ) مخاطبا إياها )
نادى على خطيبتى ، الآنسة ( زبيدة ) لتشرب ، وتغنى معنا 
( يتدخل المعلم عتريس ، وقد جن جنونه )
المعلم عتريس ( فى جنون )
ــ  لا .. لا .. هذا غير ممكن ، لا أقبل أن يحدث 
( ينهض الجندى ( لويس ) مترنحا ، ويخاطب المعلم           ( عتريس ) ، الذى يتراجع للوراء ، خوفا منه 
جندى لويس ( وهو سكران )
ــ  يا .. يا معلم عتريس ، لماذا تمانع ، هل أنت ضد الحملة الفرنسية ، هل .. هل ترفض وجودنا ، لا .. لا أفهمك ، هل أنت ضد ( سارى عسكر بونابرته )
عتريس ( فى خوف )
ــ  لا .. لا ، أنا لست ضد أى أحد ، لكن .. لكن 
جندى لويس ( يشير إليه ملوحا بيده )
ــ  لقد رضيت بى زوجا لإبنتك ، وسوف نرقص سكارى ، إلى آخر بقية عمرنا ، عندما نعود الى الجمهورية الفرنسية ، عبر البحر ، هذا إذا عدنا ، فالمكان هنا يعجبنى ، فلماذا تمانع أن تجلس ، وتشرب معنا ، إنها خطيبتى أنا ، ما شانك أنت ، هل طلبت ذلك من زوجتك ، أنا .. أنا أمارس حقوقى مع خطيبتى ، فلا تتدخل فيما لا يعنيك ، حتى لا تثير غضبى   
عتريس ( وقد ألجمته تهديداته )
ــ  الحقيقة .. أنا .. آ .. آ ..
لويس ( يشير للسيدة ( عديلة ) ثملا )
ــ هيا يا أم .. أم ، أم من .. أم السمن البلدى والزبد ، أم مصر كلها ، نادى إبنتك لتجلس ، وتغنى معنا ، أغانى فرنسا الحرة
( تذهب الست ( عديلة ) ، وهى تخاطب نفسها ، متبرمة من فرط الإنكسار ، وتطرق باب إبنتها ، وبعد قليل تعود بها ، وهى تجرها من يدها ، والفتاة شبه متحرجة ، من الجنود الرجال الأغراب ، تظل الفتاة واقفة متحرجة 
، فيمسك ( لويس ) بيدها ، ويجلسها معه ، ومع زملائه بعنف 
ويمر الوقت ، وتدريجيا تشرب ( زبيدة ) ، كأسا وراء أخرى ، وهم يغنون أغانيهم الفرنسية ، وعند الكأس السادسة ، تكون زبيدة قد ثملت بالفعل ، وأبوها مذهول شبه باكى ، عاجز عن التصرف 
ويبدا لويس هو الآخر ، بعد أن ثمل ، فى التمايل نحو زبيدة ، ثم يطوقها بذراعه ، وأمها تكاد تصرخ مستنكرة ، ويظل يهمس فى أذنها ، وتضحك هى بخلاعة ، ثم تبدأ فى التغنج ، وأبوها تسيل الدموع من عينيه ، بعدها يبدئوا ، فى غناء النشيد الوطنى الفرنسى ، وقد نهض ( لويس ) ، يترنح متراقصا ، فيامر الجندى ( جان لوى ) ، الزوجين بالتصفيق بحدة )
جان لوى ( بحدة )
ــ  هيا .. هيا أيها الزوجين ، صفقا صفقا ، من أجل الجمهورية الفرنسية  
( فيقوم الزوجين بالتصفيق ، رغما عنهما ، ودموعهما تسيل ، ثم يمسك ( لويس ) بيد ( زبيدة ) ، ويجذبها بعنف ، حتى تنهض لترقص معه ، وبالفعل تستجيب له ، وهى ثملة ، وينتهى المشهد ، على أن الزوج والزوجة يصفقان ، والجنود ثملين ، يغنون النشيد الوطنى الفرنسى ،           و ( زبيدة ) ترقص مع ( لويس ) ، أو ( سى على ) 
وصبى الجزار عضمة ، يخدمهم كنادل البار ، وتدريجيا مع الثمالة الشديدة ، تبدأ ( زبيدة ) ، فى رفع طرف ثوبها منتشية ، فتظهر تنورتها الداخلية وساقيها ، فيثور أخيرا المعلم عتريس ، وينهرها بصوت كسير صارخ ، لكن الجميع سكارى ، فيضيع صوته وسطهم ، حتى بح صوته ، من كثرة الصراخ 
ثم يمسك يبده الجندى ( آلان ) ، ويجذبه بشدة ، حتى يرقص معهم ، هو وزوجته ، فيستسلم الرجل ، الذى ذهب فى عالم آخر ، فينخرط فى الرقص ، ومعه زوجته الوقور 
ويسمع صوت المارة ، محتشدين خلف باب المنزل ، مستنكرين أصوات الغناء ، ورقص السكارى ، وفجاة تأتى النجدة ، حيث يخرج ( شيخ طه ) ، من غرفته غاضبا ، كان يقرأ القرآن ، فروعه ما يحدث بالخارج )
شيخ طه ( فى صوت جهورى )
ــ  ما هذا الذى تفعلونه فى منزلنا ، أيها الجنود الفرنسيس الملاعين ، كفوا عن شرب الخمر والرقص ،  ومخالطة النساء ، البيت له حرمته
( وفجاة يؤذن المؤذن ، فى المسجد المجاور لصلاة الظهر ، فيكف الجنود عن فحشهم ، ويصمتون لبرهة ، يتجه       ( جان لوى ) مترنحا غاضبا ، تجاه ( شيخ طه ) ، الذى لم يخاف منه 
عتريس ( منفطرا من البكاء )
ــ  لقد أتيت فى الوقت المناسب ، يا ولدى ، أنجدنا أنجدنا ، من هؤلاء الملاعين 
جان لوى ( فى حدة مترنحا )
ــ  من .. من أنت أيها الصبى ، حتى تصرخ فينا هكذا
شيخ طه ( فى قوة بصوت عالى )
ــ  أنا طالب أزهرى ، وآمركم بوقف هذا المجون ، وأنتم تعلمون ، ماهى قوة الأزهر ، وبأس رجاله 
( يهمهم الجنود .. وقد أخافهم حديث ( شيخ طه ) ، فيبتعدوا عن طريقه )
الجنود ( فى صوت واحد ، يلملمون أنفسهم )
ــ  الأزهر نعم .. نعم ، فهمنا الرسالة ، سوف نغادر مسرعين ، ونرد عليك بعد ذلك بطريقتنا 

ستار      
     
                                       الفصل الثانى

                                       المشهد الأول 


عزيزة وامتثال بنات شيخ التجار

( يرفع الستار ....
يرى نفس المشهد السابق ، الوقت صباحا يقارب الظهيرة ، السيدة ( عديلة ) تقف فى صحن البيت ، مع بعض الخادمات ، تدير أحوال المنزل ، يدخل صبى المعلم          ( عضمة ) على إستحياء ، وعلى وجههه إبتسامة غير مريحة ، تزجره سيدته لعدم ارتياحها له ) 
عديلة ( فى تأفف )
ــ  ماذا تريد يا وجه الشؤم 
عضمه ( فى سخافة وتطاول )
ــ  الأدميرال نلسون ، يسال على الجندى ( لويس ) ، أعنى ( سى على )
( السيدة عديلة لا تفهم شىء ، من سخريته منها ، لجهلها بالأمور السياسية )
عديلة ( مندهشة )
ــ  من نلسونه هذا
( يضحك عضمه )
عضمه ( يشير للخارج )
ــ  أعنى .. يوجد ضيوف من الحريمات ، يسألون عن سيدتى ( زبيدة ) ، إنهن بنات شيخ التجار ، السيد ( عبد الرازق مغلوب الكبير ) ، تاجر الحراير والأقطان
عديلة ( فى قرف منه )
ــ  حسنا .. سأنادى على سيدتك زبيدة ، لتستقبلهم كعادتها ، وأنت أدخلهن وكن مؤدبا معهن ، وقف على باب المنزل مرابطا ، مع حارس الفتيات الخصى ، لا تدخل أحد ، مهما كان ، على جلسة الحريم ، أفهمت يا غراب البين 
( تذهب الست ( عديلة ) ، لتنادى على إبنتها ، لإستقبال الضيوف ، ثم تدخل من باب المنزل فتاتان ، هما ( عزيزة ) و ( إمتثال ) ، بنات شيخ التجار ، ( عبد الرازق مغلوب الكبير ) ، تاجر الحراير والأقطان ، الذى يتعامل بلا إستحياء ، مع جنود الحملة الفرنسية علنا 
وقد إرتديتا الملابس الإفرنجية الثمينة ، ويبين جزء من صدرهما ، وشعرهما مكشوف ، وكأنهما ليستا من بنات مصر ، يسبقهما عبد أسود خصى ، يسمى ( منخر ) ، حارس لهن ، ليس من أهل مصر ، يرتدى رداء ثمين ، فتشير له إحداهن ، بالمكوث على باب المنزل ، ولا يظل مع الحريم 
تخرج لهم متهللة ( زبيدة ) ، أما أمها فتصافحهما ، وتقبلهما بسرعة ، كعادة النساء ، وتتركهن لتصعد للطابق الأعلى ، لتكمل شئون منزلها ، تقبل الفتاتان ( زبيدة ) ، وتحتضناها فى شوق ، ويجلسوا على المقاعد الأرابسك الثمينة ، فى ركن قصى يتهامسن 
تأتى لهم خادمة صغيرة بماعون ، به أكواب نحاسية ، بها شربات ، وتضعه أمامهن ، على المنضدة الأرابسك الصغيرة وتغادر ، إذ أنهن صديقات من أيام الطفولة ، ولا يختلفان عنها فى شىء ، لا فى الثراء ، ولا فى مكانة الأب ، ولا طريقة التفكير 
فهم جميعا من المتعاملين مع المحتل الفرنسى ،  ومنتفعين من وجوده ، حتى الفتيات صرن متفرنجات ، ويقلدن الحياة الإفرنجية بأبجدياتها ، لا مانع من الخروج ، وسط الرجال ، والتنزه بشعر عارى ، وملابس إفرنجية مفتوحة الصدر 
لا مانع من دخول الدور ، التى أقامها الفرنسيس ، كنوع ظاهرى من المدنية ، لا مانع من مصادقة الرجال الفرنسيس أنفسهم ، والزواج منهم ، وتركهم يقبلون أياديهن ، لا مانع من ركوب العربة ، التى تجرها الخيول ، لتقودها النساء مثل الرجال ، بدون سائس يقودها ،  وبالطبع كان كل ذلك كان مستهجنا ، من عامة المصريين ، ويعتبر خروج عن التقاليد والعرف 
تظل الثلاث فتيات تتهامسن ، ويضحكون بحذر ، إذ أنهن يتكلمون عن زواج ( زبيدة ) ، من الجندى الفرنسى ، وحلاوة وملاحة الرجال الفرنسيس ، وسوء أخلاقيات رجال مصر الفلاحين ، الأجلاف الفظاظ )
زبيدة ( سعيدة ) 
ــ  ما أسعدنى بزيارتكما اليوم ، لم نلتقى منذ شهور 
عزيزة ( ضاحكة )
ــ  أنت التى نسيتنا 
( تغمز لها بعينها )
من وجد أحبابه الفرنسيس ، نسى أصحابه ....
( ينادى صبى الجزار ، الولد ( عضمة ) بسخافة ، من الخارج أمام باب المنزل )
عضمه ( لسيدته زبيدة )
هل تريدين منى شىء يا سيدتى 
زبيدة ( فى تأفف )
ــ  إسمع يا آخر الصبيان ، أطعم خيل عربة السيدات ، مع الخصى ( منخر ) ، ولا تثرثر معه كثيرا ، عله يقتلك ، ونتخلص منك يا كلب الدار 
عزيزة ( لزبيدة )
ــ  لماذا تسبين الولد صبى أبوك هكذا
زبيدة ( فى غضب )
ــ  هذا ولد ملعون ، يكره الدنيا بسبب فقر عائلته ، وكما يتكلم عن غيرنا ، يتكلم علينا ، إنه يعلم كل اسرار المحروسة ، وقصصها المخفية ، وينشرها على الملاء ، وهو شمتان فى الفضائح ، تبا لهؤلاء الفقراء  
إمتثال ( تلوح بيديها )
ــ  كل الخدم هكذا ، يثرثرون بأسرار سادتهم ، فالفرنسيس يضعون البصاصين ، فى كل مكان 
عزيزة ( تضحك )
ــ  بمناسبة الفرنسيس ، فمنذ أن دخل ، سارى عسكر بونابرته مصر ، والكثير من بنات الأكابر ، قد تفرنجوا ، ونحن لسنا أقل منهن ، إنها المدنية يا فتيات ، نعرى شعرنا ، ونلبس الفساتين الفرنسية ، مكشوفة الصدر ، ونجلس فى مقاهى ، ودور الفرنسيس مع الجنود ونسائهم ، ونركب العربات التى تجرها الخيل ، ونقودها بأنفسنا ، إن حملة بونابرته ، أتت لتحريرنا من الجهل والعبودية ، وتسلط الرجال المصريين المستبدين 
إمتثال ( تشرح )
ــ  هذه ليست حملة عسكرية ، بل ثورة ثقافية ، ماذا فعل لنا المماليك ، نهبونا وسرقوا خيرات مصر ، ماذا فعل لنا العثمانيين ، أخرونا ثلثمائة عام ، فلم نشهد طباعة الورق ، إلا فى حملة بونابرته ، عظمه الله 
زبيدة ( تجاريهم فى الحديث )
ــ  بالفعل .. كان الناس يتخبطون ليلا فى الظلام ، والنهيبة يسرقون المارة والمنازل ، فأمر سارى عسكر بونابرته ، بوضع قناديل ، على أبواب الحارات والزقاقات ، كنا ندفن موتانا فى المنازل ، فأمر بونابرته المعظم ، بعمل أماكن فى الخلاء ، لدفن موتانا ، كأى دولة مدنية حديثة ، إنهم أتوا لتحريرنا من الجهل والتخلف ، لا لإحتلالنا ، كما يقول الغوغاء والواغش ، من الشيوخ المعممين ، أصحاب الكروش الممتلئة ، دجاج وبط وأوز ، رجال الدروشة والتخبط
( تظل الثلاث فتيات تضحكن ، بصوت مرتفع ، ثم تمسك الضيفتان ، أكواب الشربات ويشربن )
عزيزة ( لزبيدة )
ــ  ما أحلى الشربات ، سنشرب الشربات الكبير ، فى فرحك يا زبيدة ، على ( سى على ) ، أبو عيون زرق
إمتثال ( تضحك )
ــ  قولى لنا يا عروس ، ما إسم خطيبك الفرنسى 
زبيدة ( منتشية )
ــ  إسم النبى وحارسه ، إسمه ( لويس ) ، جندى فى .. فى أبصر إيه ، جيش الجمهورية الفرنسية ، لا اعرف نطقها الصحيح 
إمتثال ( تتسائل )
ــ  هل هو ذو مكانة كبيرة 
زبيدة ( بكل فخر )
ــ  لقد ذهب لعمله صباحا ، إنه يتكلم ، مع سارى عسكر بونابرته رأسا ، ويأخذ منه الأوامر 
عزيزة ( هامسة )
ــ  وكيف يتعامل معك ، قولى .. قولى همسا على جنب
زبيدة ( تخفى وجهها بيديها ضاحكة ) 
ــ  عندما يدخل على صباحا فى خلوتى 
( تصرخ الفتاتان بصوت خفيض ، وتضحكان عندما سمعتا كلمة خلوة )
يقول لى بونجور انستى ، و .. و .. يقبل يدى 
( تشهق الفتاتان ، ولا يستطيعان كتم تأوهاتهما ، وهن يتلفتن حولهما ، خجلتين من أن يسمعهما أحد )
عزيزة ( فى ذهول )
ــ  يدخل عليك خلوتك ، ويقبل يدك بكل بساطة ، وأبوك لو علم لقتلك 
زبيدة ( ضاحكة )
ــ  وماذا فى ذلك ، كل هذا يحدث أمام أبى وأمى 
عزيزة ( مذهولة )
ــ  ياللدماء التى تجرى فى عروق أبوك وأمك 
إمتثال ( تؤكد )
ــ  ألم نقول أنها ثورة ثقافية ، حتى الرجال غيروا من مفاهيههم
عزيزة ( مبهوتة )
ــ  أنا أفهم لكن .. لكن ، لا تصح الخلوة ، بين رجل وإمرأه ، هكذا تعلمنا صغار ، إننا بنات أبكار شرقيين ، نخاف من الشيطان ، وغلبة الرجال والفضائح
زبيدة ( تضحك هامسة )
ــ  أمر الشيطان هذا متروك لبعد الزواج  
( تضحك الثلاث فتيات ، صارخات على التلميح )
عزيزة ( ماخوذة )
ــ  أيتها المافونة ، إياك إياك ....
زبيدة ( وقد إحمر وجهها )
ــ  لا .. لا لم يحدث بينى وبينه ، شىء يحرمه الله ، هل أنا خرقاء ، لو حدث .. لكان ذبحنى أبى بالساطور ، الذى يقطع به اللحم ، أنا والحمد لله ، لم أفرط فى نفسى  
( تظل الفتيات تتهامسن وتضحكن )
هل تظنونى .. مثل بنت كبير الأعيان ، فى المنصورة راجية ، والجندى الفرنسى الذى فضحها ، فقتلهما أبوها ، أو مثل الأختين ، بنات شيخ العطارين ، اللتان هربتان مع الجنديان الفرنسيس ، إلى بر الشام ، وفضحتا أبوهما ، حتى أنه أهدر دمهم ، وأرسل خلفهم العبيد ، ليعودوا بهن مقتولات 
( تتهامس الثلاث فتيات ، وهن لا زالوا يضحكون )
عزيزة ( تتسائل )
ــ  وهل لويس هذا له عيوب
زبيدة ( تشرح )
ــ  لويس شاب طيب وخلوق ، لكن له عيب واحد
( تلتف الفتاتان حولها ليسمعان ما تقوله )
أقول أنه عندما يثمل من الخمر ، تتسلل يده أسفل ملابسى ، ولا يدرى ماذا تفعل يده ، أما أنا فأدرى 
( تصرخ الثلاث فتيات شبقا ، بصوت مرتفع ، من تخيل المقولة والمشهد ، فتسمع الأم ( عديلة ) صوتهن ، فتنادى مندهشة مستنكرة من أعلى ، فتنهض الفتاتان الزائرتان ، على عجل خجلتان ، لقد داهمهن الوقت ، وتقبلان زبيدة 
فتنادى الأخيرة ، على الصبى ( عضمة ) بحدة ، ليجعل الخصى ( منخر ) ، يجهز العربة ، وتسير الفتاتان إلى باب المنزل ، وهن يقرصان ( زبيدة ) فى ركبتها ضاحكات ، كما يسود بين الفتيات ، من عادة مصرية ، ليلحقن بها متزوجان ، هن الأخريات )
عزيزة ( مودعة )
ــ  لقائنا يوم الحنة فى العرس 
إمتثال ( فى ضحك )
ــ  سلمى لنا على ( سى على ) ، وقولى له يثمل يوم العرس ، حتى يكون على عادته  
( تغيب الفتاتان عن الأنظار ضاحكتان ، وتنهر ( زبيدة ) صبى أبوها ( عضمة ) ، الذى لازال يحملق فى الفتاتين ، والعربة تبتعد ، وقد سمع الولد ، كل تهامسهن ، وهو يقف على باب المنزل ، ويتهيأ ليحكى عن كل ما سمع ، للرائح والغادى ، فهو مثرثر كبير ، ويهوى تتبع عورات البشر ، من فرط الفقر ، وكره عائلات السادة الأغنياء )

ستار    
     

                                          المشهد الثانى 

نفاق لحملة بونابرته العسكرية

( يرفع الستار ....
يرى نفس المشهد السابق ، المعلم ( عتريس ) جالس مع إبنه ، الطالب الأزهرى الشيخ طه ، فى صحن المنزل ، وقد أغلقوا باب المنزل ، الوقت ظهرا ، ويسمع صوت المارة بالخارج ، يوجد معهما ضيف ، هو الشيخ المعمم      ( قنطرة ) ، والرجل زميل لإبنه طه فى الأزهر 
قد تجاوز العقد الرابع من العمر ، أعمى ضرير .. متفلسف ومتحذلق ، مدعى للعلم والمعرفة والوطنية ، وهو رعديد ، كمضيفه المعلم ( عتريس ) ، ويقف حولهما ، صبى المعلم ( عضمه ) يخدمهم 
المعلم عتريس جالس يدخن النارجيلة ، بملابسه البيضاء ، والشيخ قنطرة يجاوره ( عكازه ) ، عصاه الغليظة الطويلة ، قد وُضع أمامه ، ماعون طعام كبير ، به مالذ وطاب من الاطعمة 
فطير مشلتت وزبد ، ولبن وعسل نحل ، وأطباق مُهلبية ، الرجل الشيخ يأكل فى نهم شديد ، و ( الشيخ طه ) مندهش من نهمه ، والمعلم ( عتريس ) يدخن النارجيلة حانقا ، بسبب أوضاعه ، منذ دخول حملة بونابرته العسكرية مصر ، وصبيه ( عضمه ) ، يسيل لعابه من مشهد الطعام ، الذى يجهز عليه الشيخ الأعمى 
وعلى فجاة ، يسمعون خارج المنزل ، صيحات الجنود الفرنسيس ، فيبتئس المعلم ( عتريس ) ، ويخرج دخان النارجيلة ، من أنفه المحمر غاضبا ، فى عجز شديد ، يثور إبنه ( الشيخ طه ) ، فيوجه حديثه للجميع )
شيخ طه ( فى غضب )
ــ  هل سنظل كالحريم هكذا ، نشاهد الجنود الفرنسيس الكفرة ، يعربدون فى مصرنا العزيزة 
عتريس ( متألما )
ــ  لا تذكرنى يا ولدى ، فمحلات الجزارة مغلقة ، منذ عام ونصف تقريبا ، ولا أبيع ولا أشترى ، حتى العظم ، جالس مثل الحريم ، لقد حددوا اقامتنا ، أولاد الـ .... هؤلاء 
( ينظر ( الشيخ طه ) ، إلى صديقه الضيف ( الشيخ     قنطرة ) ، فيجده يأكل فى نهم ، بالرغم من أنه أعمى ، كمن لم يأكل فى حياته ، قبل ذلك )
الشيخ طه ( يتسائل )
ــ  وأنت يا ( شيخ قنطرة ) ، أنت خريج أزهرى قديم ، ما رأيك فى كل هذا اللغو
( يضع ( الشيخ قنطرة ) ، يده ببراعة فى طبق العسل ، مع أنه ضرير ، ويأخذ غرفة ، ثم يضعها فى فمه ، ويتحدث وهو يلوك الطعام )
الشيخ قنطرة ( يتفلسف )
ــ  هذا والله بلاء كبير ، على الديار المصرية ، بمسلميها وأقباطها ، وأقلياتها من الروم ، واليهود والمماليك ، لذلك نرفع أيادينا بالدعاء لله ، الواحد الأحد القهار ، أن يرفع ذلك البلاء ، وليدعو كل سكان الديار المصرية ، أن ياخذهم الله ، هؤلاء فى داهية ، لا يعودون منها 
( يرى المعلم ( عتريس ) ، يهز رأسه موافقا سعيدا ، والدخان يخرج من أنفه بإنسياب ، وكان الشيخ الضيف ، قال ما لم يقال ، وفتح الفتوحات ، وأخرج الفرنسيس من مصر ، أما ( الشيخ طه ) ، فيتحدث مستنكرا فى غضب وثورة )
الشيخ طه ( محتدا )
ــ  لا يا ( شيخ قنطرة ) ، لن نظل جالسين ندعو الله ، بدون فعل ، لابد من الثورة ، أن الله لايغير ما بقوم ، حتى يغيروا ما بأنفسهم 
( يعود المعلم ( عتريس ) ، ليهز رأسه موافقا ، وكذلك      ( الشيخ قنطرة ) ، الذى يمتلىء فمه بالطعام ، أما صبى المعلم ( عضمه ) ، فلعابه يسيل على الطعام ، ويهز رأسه كالأبله ، لا يفهم شىء مما يقال 
يغرف ( الشيخ قنطرة ) ، غرفة من طبق العسل ، ويضعها فى فمه ، ويعلق على حديث ( الشيخ طه ) ، بصوت مخنوق ، ممتلىء فمه بالطعام  الشهى ) 
الشيخ قنطرة ( يكرر حديث الشيخ طه كالببغاء )
ــ  نعم نعم .. والله إنها .... 
( يمضغ الطعام بنهم ، فى صوت مسموع )
ــ  إنها الثورة لابد من الثورة 
( يشتد حماس الجالسين ، من كلمات ( الشيخ طه ) ، فتعلو أصواتهم ، مرددين كلمة الثورة ، ولسوء حظهم يسمعهم الجندى لويس ، أو ( سى على ) 
فيخرج من غرفته ، بزيه الكامل ومعه سلاحه ، الذى لا يبارحه ، وقد إرتدى برنيطته الشهيرة ، يتجه اليهم ويقف أمامهم ، وهو يوجه حديثه فى غضب )
الجندى لويس ( فى تحفز )
ــ  سمعت كلمات .. مثل ثورة ، وشىء من هذا القبيل 
( يلطم المعلم ( عتريس ) وجهه ، فى خوف فزعا ، ولا يأبه ( الشيخ طه ) بكلماته ويتجاهلها ، وينكمش ( الشيخ قنطرة ) فى مكانه ، لا يفهم من المتحدث ، لكنه رعديد ، فيؤثر الصمت ، وبعد صمت قصير ، ينهض المعلم              ( عتريس ) ، ليحدث الجندى ( لويس ) ، وهو يهمس         ( للشيخ قنطرة ) منبها إياه ) 
عتريس ( للشيخ قنطرة هامسا ) 
ــ  إنه جندى من الفرنسيس 
( للجندى ( لويس ) ، وهو كالصبى الذى فعل فعلة ، يبرر كلمة ثورة )
سيدى الجندى ( سى على ) ، نحن نعنى ....
الجندى لويس ( صائحا )
ــ  لا تقل ( سى على ) ، إسمى الجندى ( لويس ) 
عتريس ( مرعوبا )
ــ  حسنا أيها الجندى ( لويس ) ، نحن نعنى بكلمة ثورة ، الثورة على المماليك ، أعداء الشعب المصرى وأعدائكم ، إنهم هؤلاء السفلة ، يحاربون كفلول متشرذمة ، جيش سارى عسكر ، بونابرته العظيم ، قائد الحملة المباركة على مصر 
( ينظر لهم الجندى ( لويس ) ، غير مقتنع بالحديث ، ويدق غاضبا ، بكعب بندقيته الأرض ، لكن تنقذهم الفتاة            ( زبيدة ) ، دون أن تتعمد ، فتسمع صوت الجندى              ( لويس ) بالخارج ، فتنادى عليه بكل خلاعة وجرئة ، فيتركهم ويذهب الى غرفتها ، وهو مستريب ، فى جلستهم وكلماتهم )
الشيخ قنطرة ( يتسائل هامسا )
ــ  هل غادر ذلك الجندى 
عتريس ( يتنفس الصعداء )
ــ  نعم 
الشيخ قنطرة ( متسائلا ) 
ــ  كيف دخل إلى هنا ، من النطع الذى أدخله للمنزل ، هل كان الباب مفتوحا ، أم ماذا 
( يحمر وجه المعلم ( عتريس ) ، ويصمت ( الشيخ طه ) متحرجا ، من الموقف )
ومن تلك التى نادت عليه ، هل هى خليلته ، وماذا تفعل هنا ، فى منزلكم
( يضرب المعلم ( عتريس ) وجهه بيده ، ويجلس مقهورا ، لا يتحدث ، فيتحدث ( الشيخ طه ) صائحا )
الشيخ طه ( محتدا )
ــ  هل سيمنعنا هذا الجندى ، من التحدث فى منزلنا ، هل هو منزله أم منزلنا 
( يعود المعلم ( عتريس ) للشجاعة ، والتسرع فى الحديث ، وهو ليس أهل لذلك ، فينهض وقد عاد الشيخ   ( قنطرة ) ، لإلتهام الطعام ، ويمسك بساطوره ، وتأخذه الحمية ، ويرفع الساطور فى الهواء مهددا )
ــ  من يظنون أنفسهم ، هؤلاء الفرنسيس ، سأخرج إلى الزقاق المجاور ، وأول كلب جربان ، جندى من الفرنسيس أقابله ، سأقطع رأسه هكذا 
( ويظل المعلم ( عتريس ) ، يلوح بالساطور ، يشرح كيف ، سيمثل بالجندى المزعوم ، وينسى نفسه ، فيعلو صوته مجددا ، فيسمعه الجندى ( لويس ) ، فيخرج من غرفة     ( زبيدة ) فيتجمد المعلم ( عتريس ) ، فى مكانه ، وقد وقف على ساق واحدة ، رافعا ساطوره الصدء فى الهواء ، يتسائل الجندى ( لويس ) بإستنكار ، عن ما يراه من مشهد )
الجندى لويس ( محتدا )
ــ  لماذا يا معلم ، ترفع ساطورك الصدء هكذا ، سمعت كلمات مثل قتل ، وقطع رأس ، من يقتل من ، وأى رأس ستقطع 
( يتدخل ( الشيخ قنطرة ) فى الحديث )
شيخ قنطرة ( فى نفاق ورياء )
ــ  يا سيد فرنسيس ، أدام الله عزك ، إنه كان يقصد ، أعداء الله والدين ، العثمانيين لا أدام عزهم الله ، فالمعلم ( عتريس ) ، إذا رأى جنود تراكوه عثمانيين ، فلسوف يقطع رأس الأول بساطوره أولا ، ثم يقتل الجندى الثانى ، بعده الثالث وهلم جرا
( يستريب فى حديثه الجندى ( لويس ) ، وترى على وجهه ، إمارات عدم التصديق ، وينقذهم صوت نداء الفتاة ( زبيدة ) ، وهى تنادى على الجندى ( لويس ) ، من الداخل ، فيتركهم مستريبا ويعود لها )
شيخ قنطرة ( فى تنبه )
ــ  صوت حرمه لثانى مرة 
( للمعلم عتريس )
ثانى مرة أسمع حرمه ، تنادى على عدو الله ، هل هى خليلته 
( وكان المعلم ( عتريس ) ، لا يزال يقف على ساق واحدة ، فيسقط على الأرض ، من سماعه لكلمات ( الشيخ قنطرة ) ، ويتدحرج الساطور أمامهم ، فيلحق به إبنه        ( شيخ طه ) ، لينهضه ويجعله يجلس ، و الصبى              ( عضمة ) يختلس الموقف ، ليلعق من طبق العسل خلسة ، وبعد جلوس المعلم ( عتريس ) ، و ( شيخ طه ) يعود الجميع للحديث )
شيخ طه ( لشيخ قنطرة )
ــ  ما هذا الذى قلته ، للجندى الكافر يا ( شيخ قنطرة ) ، أتنافقه أم ماذا 
شيخ قنطرة ( مدافعا عن نفسه )
ــ  وهل كنت تريد ، أن اتركه ، يقتل أبوك الأعزل ، إنهم قتلة متمرسين ، إضطررت لقول ذلك ، حتى لا يطلق عليه ، البارودة الفرنسية ، لعنها ولعنه الله 
شيخ طه ( فى صراخ )
ــ  هل يعقل يا قوم ، أن تباح الرذائل فى مصرنا هكذا ، ويسمح بها سارى عسكر هذا ، الملعون فى الأرض والسماء ، يفتح بيوت للهو ، ويدنس المساجد بالأحذية ، ويهين رجال الدين داخلها
 ( يتنهد ( الشيخ قنطرة ) ، عند سماعه كلمة لهو ، وهو لا يزال ، يأكل بنهم شديد )
شيخ قنطرة ( فى تخيل )
ــ  اللهو ما أروع اللهو
شيخ طه ( يصيح )
ــ  لقد دخل جنود سارى عسكر ، الأزهر بالخيل ، ودنسوه وأحرقوا المصاحف ، وأمهات الكتب ، ياللهول حتى الأزهر ، لم يسلم منهم ، أين كبار العلماء والمشايخ 
( يضحك الشيخ قنطرة )
شيخ قنطرة ( يتحدث ساخرا )
ــ  لقد إشترى الفرنسيس بعض الشيوخ ، هم خائفين على أطيانهم ، ومحاصيلها وأوقافهم ، إنها لعبة الضغط على الأثرياء ، أتعلمون لو انى مبصر ، والله أحلف بأكبر الأيمان 
( ينادى على الولد ( عضمة ) فيسارع إليه )
أنهضنى يا ولد وأعطنى عصاى 
( ينهضه الولد ( عضمة ) ، ويعطيه عصاه ، فيلوح بها بأسلوب إستعراضى ، ويضرب بها الهواء )
لو رايت سارى عسكر هذا بونابرته ، لضربته هكذا بالعصا ، فوق أم راسه ، هكذا .. خذ خذ فى وجهك ، وعلى راسك وقفاك ، خذ خذ ....
( وفجاة يخرج الجندى ( لويس ) ،  ومعه سلاحه النارى ، وهو يصيح ، فيشعر به ( قنطرة ) ، ويتجمد فى مكانه ، وعصاه مرفوعة فى الهواء )
لويس ( فى غضب )
ــ  سمعتك يا شيخ معمم ، يا أعمى ، تقول ( سارى عسكر بونابرته ) ، وترفع عصاك فى الهواء ، اريد منك تفسيرا ، لكل ما أراه والا .... 
( ويظل يدق بكعب بندقيته ، فى الأرض ، فيتدخل الولد 
( عضمه ) ، فى الحديث وكأنه المنقذ )
عضمه ( فى تفذلك ، وإدعاء للفراسة والذكاء )
ــ  أنا اقول لك ، يا أيها الجندى الموقر ، ( الشيخ قنطرة )  المقنطر ، كان يسير نهارا 
( يشرح .. وكأنه يحكى قصة خيالية ، شاهدها بنفسه )
ثم أتى من بعيد بعيد ، سارى عسكر بونابرته العظيم ، وكانت هناك تطير حشرة كبيرة ، واغش والله واغش ، تزن وتزن ، حول سارى عسكر ، فرفض ( الشيخ قنطرة ) ، أن يهان سارى عسكر هكذا ، فى بلادنا ، وتلدغه الحشرة تلك من الهوام ، فما كان منه ، إلا وقد قرر الدفاع ، عن سارى عسكر بونابرته العظيم ، فرفع عصاه وهو ضرير ، حبا فى بونابرته العظيم ، والحشرة الواغش ، تدور حول رأس القائد الكبير ، فأخذ يضربها ، ويلوح بالعصا يمينا ويسارا ، حتى لا تلدغه ، فتقف الحشرة ، فوق برنيطة سارى عسكر العظيم ، فيضبط الشيخ قنطرة ، إتجاهاته ويرفع عصاه ، و .. و ..
لويس ( يتسائل وهو يدق الأرض ببندقيته )
ــ  وماذا 
( يرتعش الولد ( عضمة ) ، ويرتعش معه الجميع ، ماعدا 
( شيخ طه ) المتبرم )
عضمه ( فى إرتعاش بصوت مخنوق )
ــ  لم يحدث شىء ، راحت الواغش فى داهية ، وأكمل سارى عسكر ، وسار فى طريقه ، والأمجاد تضوى من حوله 
لويس ( وقد دارت راسه )
ــ  أنا لم افهم أى شىء ، مما قاله هذا الصبى الأحمق ، إلا أن جلستكم هذه لا تريحنى ، سأعود للداخل ، إلى خطيبتى ( زبيدة ) ، بعدها سأخرج ، فلا أجد أيا منكم ، جالسا فى صحن المنزل ، الإجتماعات ممنوعة ، أفهمتم 
( يسمع صوت ( زبيدة ) تتغنج ، وتنادى عليه ، فيذهب إليها ( لويس ) ، وينهض الجميع مغادرين ، و ( شيخ قنطرة ) يتحسر على الطعام )
شيخ قنطرة ( فى تحسر )
ــ  يا خسارة على طبق العسل
( يتسائل )
لكن من ( زبيدة ) تلك ، يا معلم ( عتريس ) ، جارية أم عبدة للجندى الفرنسيس هذا ، وماذا يفعل فى منزلك 
( يظل عتريس يلطم ، ويعود ( شيخ طه ) حانقا لغرفته ، ثم يوصل عتريس ، ( شيخ قنطرة ) لخارج المنزل ، والولد          ( عضمة ) يسرق من العسل ، مختلسا بيده عدة غرفات ، يعود عتريس لصحن المنزل ، فينهر الولد ( عضمه ) ويأمره بالجلوس على باب المنزل ، فيسمع أحدا ما ، يخاطب 
( عضمه ) ، أمام باب المنزل ، فينادى عليه )
عتريس ( يتسائل )
ــ  مع من تتكلم يا ولد 
( يأتيه الولد ( عضمه ) ويشرح له )
عضمه ( يشرح )
ــ  إنه شيخ أزهرى تائه ، يبحث عن الجامع الأزهر 
عتريس ( فى تهليل )
ــ  أدخله يا ولد 
( يدخل شاب معمم ، أتى مسافرا من سوريا ، ليلتحق بالجامع الأزهر ، هو ( سليمان الحلبى ) ويلقى بالسلام على ( عتريس ) ، فيرحب به )
عتريس ( فى ود )
ــ  عما تبحث يا ولدى 
سليمان الحلبى ( يتلفت حوله )
ــ  أنا مجاور جديد للأزهر ، أتيت من حلب ، فى سوريا 
عتريس ( يصافحه )
ــ  أهلا ومرحبا بكا أهل سوريا ، وكل أهل الشام ، إن لى ولد أزهريا مثلك ، هو ( شيخ طه ) ، ليتك تتعرف عليه 
( ترى عيون ( سليمان الحلبى ) ، لا تنزل من على ، ساطور ( عتريس ) الصدىء ، وكانه أتى لمصر ، لغرض ما ، والأخير يصف له الطريق للأزهر
بأن يأخذ ركوبة ، يؤجر حمار من مكارى ، لأن المكان ليس بقريب ، ويغادر ( سليمان الحلبى ) المكان ، ولا تزال عينه ، على ساطور المعلم عتريس ، وقد إنتوى أمرا ما             
  
      ستار
  


                                    المشهد الثالث
إرهاصات ثورة القاهرة الأولى


( يرفع الستار ....
يرى نفس المشهد السابق ، ( شيخ طه ) جالس فى صحن المنزل ، أمام ( أورمة ) اللحم ، وإلى جواره ضيف ، هو ( شيخ مناضل ) ، شاب معمم يبدو للرائى أنه ضرير ، من زملائه فى الأزهر ، لكنه أكبر منه فى العمر 
( شيخ طه ) ينادى على أبوه المعلم عتريس ، حتى يتعرف على الضيف ، فيأتى من الداخل ، ويحيى الضيف فى سعادة ، أخيرا وجد من يكلمه ، ويدخل بيته ، يجلس إلى جوارهم 
ثم ينادى على صبيه ( عضمه ) ، ليحضر له النارجيلة ، يظل ( شيخ طه ) يتحدث مع الضيف ، عن أحوال مصر ، وأبوه يستمع لحديثهم فى شغف 
يعود صبيه ( عضمه ) بالنارجيلة ، فيطرده عتريس لخارج المنزل ، ويظل يدخن وهو يستمع لهما ، لكن يلاحظ أن ولده والشيخ يتهامسان ، خوفا من أن يسمعهما ، الجندى ( لويس ) ، فيندهش عتريس )
شيخ طه ( هامسا )
ــ  إن مصر على فوهة بركان
شيخ مناضل ( يتفت حوله )
ــ  الثورة قد تقوم فى أى لحظة ، بسبب سوء أحوال العباد 
( يستمع ( عتريس ) لحديثهما مندهشا ، لكنه سعيد ، يهز رأسه موافقا )
عتريس ( فى سعادة )
ــ  صحيح صحيح ، ليت الثورة تقوم ، حتى ننتهى من هذا البلاء 
شيخ طه ( يتلفت حوله لأبوه )
ــ  هل الجندى الملعون نائم
عتريس ( فى غضب )
ــ  نائم كخنزير البرارى ، ويشخر فى سابع نومه 
شيخ مناضل ( فى همس )
ــ  إذن لنتحدث هامسين ، فالحيطان لها آذان
شيخ طه ( هامسا )
ــ  أسمعتم عن الرجال الجدعان ، الذين يجمعون ويصنعون ، المقاريط والبارودات ، تحسبا للهجمة الكبيرة ، فى شوارع القاهرة
شيخ مناضل ( فى سعادة )
ــ  بالفعل بالفعل ، يوجد فريق من المجاهدين ، يتصيدون جنود الحملة ليلا ، ويطلقون عليهم النيران ، من البنادق والمقاريط 
شيخ طه ( يتلفت حوله )
ــ  يوجد شباب جدعان ، من أصحاب ورش الأسلحة ، يصنعون سرا البنادق ، ويصبون المقاريط ، والسكاكين والسيوف ، ويجهزون المدافع ، حتى يأتى الموعد
( يرى الاندهاش والسعادة ، على وجه ( عتريس ) فتنتبه كل حواسه ) 
عتريس ( فى دهشة وسعادة )
ــ  هل ستقوم الثورة فعلا ، لكن مدافع سارى عسكر الملعون ، سيدك بها القاهرة ، إن ثارت عليه 
شيخ طه ( فى غضب هامسا )
ــ  هذا الدرس سيعلمه ، أن اراضينا محرمه عليه 
شيخ مناضل ( غاضبا )
ــ  سنلحق به وبجيشه ، أشد الأضرار ، حتى ينسحب نهائيا ، من بلادنا 
( يصمت قليلا ثم يعود للحديث )
يا عمنا ( عتريس ) ، أنا عرف شيخا أزهريا معمما ، يصادق الفرنسيس ، ويجلس معهم ، فى أماكن لهوهم ، و .. و .. ، يدس لهم السم فى الشراب 
عتريس ( مندهشا )
ــ  ومن هذا البطل دلنى عليه 
( يضحك هامسا )
شيخ مناضل ( يتلفت حوله )
ــ  إنه .. إنه أنا
( يخرج ( شيخ مناضل ) ، مقروطة صغيرة من ملابسه ، ليريها للمعلم ( عتريس ) ، الذى يذهل وينتفض واقفا )
عتريس ( فى ذهول )
ــ  أنت .. أنت .. لست ضريرا ، الأعمى لا يستعمل مقروطة
( يجلسه إبنه ( شيخ طه ) ، ويهدىء من روعه ، حتى لا يسمعهم الجندى ( لويس ) ، المرابط بالداخل )
شيخ طه ( هامسا )
ــ  إنه يفعل ذلك من أجل خداعهم 
عتريس ( ينظر مندهشا إلى الإثنين )
ــ  أنتما تعملان فى المقاومة 
شيخ مناضل ( فى همس )
ــ  وقيادتنا فى الأزهر ، يقودنا الشيوخ الأفاضل ، الذين لم يبيعون أنفسهم للفرنسيس
( يسمع ثلاثتهم ، صوت أحدا ما يتحدث ، مع الولد             ( عضمه ) بالخارج فيتوجسون ، ثم ينادى عتريس على عضمه )
عتريس ( فى حذر )
ــ  من بالخارج يا ولد 
عضمه ( بصوت عالى )
ــ  إنه نفس الشيخ الأزهرى التائه ، يا معلمى ( عتريس ) 
( ينهض ( شيخ طه ) متهللا ، ويرحب بالضيف ويعانقه ، هو و ( شيخ مناضل ) ، ثم يجلس معهم )
عتريس ( فى ترحيب )
ــ  أنا اذكرك يا ولدى ، ألست .. ألست ، الذى أتيت من حلب
سليمان الحلبى ( فى خجل )
ــ  نعم إنه أنا ، يا معلم ( عتريس ) ، ( سليمان الحلبى ) ، مجاور أزهرى
شيخ طه ( ينظر إليه بسعادة )
ــ  وصديق لى حميم ، و .. و .. عضو فى المقاومة
( يرى سليمان الحلبى ، لا تنزل عينه ، من على ساطور المعلم عتريس )
شيخ طه ( لأبوه )
ــ  سليمان عضو نشط فى المقاومة ، لكن عيبه التصرفات الفردية الهوجاء ، فهو لا يخضع للأوامر ، ويسير على هواه ، وهذا خطر عليه ، فالفرنسيس لا يرحمون 
عتريس ( لسليمان الحلبى )
ــ  وكيف سافرت إلينا ، عن طريق البر ، هل عبرت صحراء سيناء ، عند الأعراب 
سليمان الحلبى ( نافيا )
ــ  كلا يا معلم ، عن طريق البحر ، أخذت مركبا شراعيا كبيرا ، وسارت فى البحر المتوسط العظيم ، حتى نزلت الإسكندرية ، وأتيت بعدها للقاهرة ، مع قافلة على الجمال
( المعلم ( عتريس ) لازال يدخن النارجيلة ، و ( سليمان الحلبى ) لا تنزل عيونه ، من على الساطور ، المغمد فى الأورمة ، ينفرد ( شيخ طه ) مع ( شيخ مناضل ) ، فى حديث جانبى )
عتريس ( فى شغف )
ــ  قلى يا شيخ سليمان ، ماهى آخر أخبار الحملة الملعونة 
سليمان الحلبى ( فى سعادة )
ــ  يقال أن سارى عسكر بونابرته ، بعد كسره فى أبوقير ، سيترك مصر متسللا لفرنسا ، لأنه توجد بها إضطرابات ، وسيضع على الحملة جنرالا آخر 
عتريس ( يتسائل )
ــ  ومن يكون 
سليمان الحلبى ( بلا تفكير )
ــ  يقال أنه ( كليبر )
عتريس ( فى غضب ، والدخان يخرج من انفه )
ــ  وما أحوال هذا الكليبر 
سليمان الحلبى ( فى حقد )
ــ  ليس أفضل من سابقه ، بل أسوا ، يكره المصريين ، وكل همه أمجاد حملته 
( يزفر )
أتمنى لو .. لو أقابله 
عتريس ( مندهشا )
ــ  وماذا ستفعل معه 
سليمان الحلبى ( وهو ينظر للساطور الصدء )
ــ  سأرحب به فى مصر بطريقتى
( يلتفت إلى المعلم عتريس )
لابد من وجود رجال جدعان أبضايات ، كما نقول فى سوريا ، ليقوم احدهم بعمل ما ، يقسم به ، وسط جيش الفرنسيس
( وهنا يرمق الساطور بنظرة حادة ، لا يلاحظها ( عتريس ) المنهمك فى شرب النارجيلة )
عتريس ( لشيخ مناضل )
ــ  وما دور كبار الأعيان فى التجهيز للثورة
شيخ مناضل ( يشرح )
ــ  بعض من كبار الأعيان تفرنجوا ، هم وعائلاتهم ، ودخل الفرنسيس بيوتهم 
( ينكس المعلم ( عتريس ) رأسه ، فى الأرض خجلا )
والبعض الاخر ، يرفض التعامل مع الفرنسيس ، والبعض الثالث ، يساعد على المقاومة سرا ، كحاكم الاسكندرية   ( محمد كريم ) ، وللأسف أمسك به الفرنسيس ، وحوكم وفضل الاعدام ، على فداء نفسه بالمال ، فكبرياؤه كان كبيرا 
عتريس ( فى الم )
ــ  رحمه الله كان من أشجع الرجال 
شيخ مناضل ( يتنهد )
ويكفى أن اقول لك مثال حى ، على حب مصر ، السيدة   ( نفيسة المرادية ) ، المسماه بأم المماليك ، زوجة ( مراد بك ) ، الهارب بمماليكه فى الصعيد ، إن لها أيادى بيضاء على الجميع ، وعلى الاخص الفقراء ، كانت ولا تزال تقيم رواتب للفقراء ، وتبنى بيرمستانات للعلاجات ، وتقيم الموائد فى الشوارع ، ويقال إنها تساعد المقاومة ، بالمال والسلاح ، بل وتخفى المجاهدين فى منزلها ، وكثيرا ما تحرش بها الفرنسيس ، وحبسوها داخل منزلها ، وداخل مقر الحاكم الفرنسى ( ديبوى )
عتريس ( سعيدا )
ــ  ما أعظمها من إمرأه 
سليمان الحلبى ( يحكى )
ــ  أما عن بعض الشيوخ الضعفاء ، وكبار الأعيان المتخاذلين ، فقد خافوا على ضياعهم ، ودكاكينهم وتجارتهم ، وثرواتهم وعبيدهم ، فمسحوا جوخ للحملة ، ووصل ببعضهم ، أن جلسوا مع الملعون ، سارى عسكر بونابرته ، وعمل مجلس صورى ، يدير شئون مصر ، بأوامر من الفرنسيس ، بل وإرتدوا علم الجمهورية الفرنسية ، على جببهم وقفاطينهم ، وياله من عار
( تسمع همهمات الغضب ، والإستنكار من الجميع )
فالثورة يا معلم ( عتريس ) ، قادمة لا محالة ، تدق أبواب الفرنسيس ، وستكون ثورة رهيبة ، يقودها شيوخ الأزهر الشرفاء ، الذين لم يبيعوا أنفسهم ، وكبار رجال طوائف الصناع والعمال ، والتجار والحرفيين ، كلنا فداء لمصر المحروسة 
( ولازال ينظر للساطور نظرات حادة ، لا يلاحظها أحد ، وفجاة يسمعون أصوات المارة ، والناس خارج المنزل ، تعلو تدريجيا ، فينادى ( عتريس ) على صبيه ( عضمه ) مأخوذا )
عتريس ( فى دهشه )
ــ  ما الأمر يا ولد 
عضمه ( فى رعب )
ــ  الناس الناس يا معلمى ، العوام يصنعون متاريس ، فى الأزقة والعطوف والشوارع ، ويقتلون أى جندى ، من جنود الحملة الفرنسيس
( يهرول الشيوخ ( طه ) و ( مناضل ) ، و ( سليمان    الحلبى ) للخارج ، للإشتراك فى الثورة )
عتريس ( يدعو الله )
ــ  رعاكم الله يا شيوخنا ، لينصركم على الفرنسيس 
( ترتفع أصوات الناس تدريجيا ، أعلى وأعلى ، حتى تتحول لهتافات ، مختلطة بالصراخ ، وأصوات إطلاق النيران متقطعة ، والنساء تصرخ من الخوف ، ثم تدخل إمرأه ، ومعها إبنتها الطفلة خائفين ، إلى صحن المنزل 
فيهدىء من روعهم عتريس وزوجته ، التى أتت على أصوات الناس ، والفرنسيس قد نصبوا مدافعهم ، حول القاهرة ، فوق سفوح المقطم ، يدكون الأحياء المشتعلة بالمقاومة 
والمجاهدين يقتلون ، كل جندى فرنسى يجدوه ، حتى أنهم ، قتلوا حاكم القاهرة الفرنسى ( ديبوى ) ، ويسمع المعلم عتريس وزوجته ، أصوات تهدم المبانى من حولهم على إثر ضربات المدافع ، والقاهرة كلها ، فوق برميل وقود مشتعل )
         
ستار 

                                                  الفصل الثالث

                     المشهد الأول

عندما ثار المعلم عتريس أخيرا

( يرفع الستار ...
يرى نفس المشهد السابق ، المعلم عتريس جالسا فى صحن المنزل ، يدخن النارجيلة ، وصبيه عضمه يقف إلى جواره ليخدمه ، يسمع صوت ضحكات إبنته ، مع الجندى لويس تتعالى ، فيظهر عليه الغضب المكتوم ، وصبيه يضحك فى داخله ، على الموقف فى شماتة  
المارة خارج المنزل يروحون ويغدون ، متجاهلين المنزل وسكانه ، بسبب وجود الجندى ( لويس ) ، فجاة يدخل من باب المنزل ، المفتوح على مصراعيه ، جزار يهودى مصرى ، زميل ومنافس للمعلم عتريس ، هو المعلم ( باروخ ) 
وهو لا يجد غضاضة ، فى التعامل مع الفرنسيس وغيرهم ، من أعداء البلاد ، الإثنان ليسوا على وفاق ، والعداء بينهما سافر ، تجاور محلات المعلم باروخ ، محلات المعلم عتريس ، وهو طامع فى مكانة الأخير ، ككبير لطائفة الجزارين 
وكذلك دائما يحاول سرقة زبائنه ، وطلبيات اللحوم الآتية له ، فالمعلم عتريس أغنى منه ، وإمكانيات محلاته أكبر ، وهو كان محبوب عنه ، قبل وجود الحملة الفرنسية ، محب للخير يذبح للفقراء ، على عكس سيرة المعلم باروخ الذى يغش فى الميزان 
ويذبح الحيوانات المريضة ، أما الآن فالمعلم باروخ ، أصبح هو الأشهر ، والمرشح لان يكون كبير لطائفة الجزارين فى سخرية ووقاحة ، يلقى باروخ السلام على عتريس ، فلا يجيبه ، ناظرا إليه بغضب ، فيلقى السلام مرة أخرى ، فى برود متحرشا به )  
 عتريس ( فى غضب )
ــ  محلك يا هذا ، فى الشارع المجاور آخر العطفة ، هيا غادر من غير مطرود ، ليس مرحب بك هنا 
( لكن باروخ لا يغادر ، ويضحك ضحكات صفراء ، مصرا على التحرش بعتريس )
باروخ ( فى تهكم )
ــ  أريد ان اشكو لك ، معلم جزار زميلنا 
( يقهقه )
إنه المعلم مركوب 
عتريس ( تحمر عيونه ، ولا يفهم أنه يعنيه بالإهانة )
ــ  لا يوجد جزار فى المنطقة ، إسمه مركوب ، ألم اقل لك غادر المكان 
باروخ ( ضاحكا )
ــ  أنت لم تفهمى حتى الآن ، أتصدق أن هذا التيس ، ذكر الخنزير ، يترك الفرنسيس ، يدخلون ويخرجون على حريمه 
( وهنا ينتفض عتريس ، ويلقى بالنارجيلة على الأرض ، وقد طاش صوابه ، ويتراجع صبيه عضمه إلى الخلف ، لأن الموقف ينبىء بكارثة ستحدث )
عتريس ( فى غضب وثورة )
ــ  إغرب عن وجهى يا طويل اللسان ، يا دنس الذيل
باروخ ( فى تطاول )
ــ  دنس الذيل ، هو من يقدم إبنته ، سلعة لجندى من الفرنسيس ، يدخل إلى حجرة نومها حتى يعيش ، ما الذى حدث للرجال ، فى مصر المحروسة ، لقد تحولوا الى خنازير ديوثة 
( يمسك المعلم عتريس بالساطور ، وقد جن جنونه ، وهو يصرخ راعدا فيه )
عتريس ( فى جنون وثورة )
ــ  إخرج من بيتى يا عدو الله ، لولا أنك من أهل الذمة لقتلتك 
( يتدخل صبيه عضمه ، ويحاول تهدئته ، وقد اوشك على الأشتباك معه ، وضربه بالساطور ، وهو يتوعده بالقتل ، فتأتى على صوت المعركة ، زوجته عديلة مسرعة ، فتجد زوجها فى أسوأ حالاته ، وباروخ يستفزه ضاحكا ، لا يتحرك من مكانه )
باروخ ( فى تطاول وشماتة )
ــ  قولى لزوجك بدلا من قتلى ، يقتل الجندى الفرنسى ، الذى مرغ سمعته فى الوحل ، ووضع أنفكم جميعا فى التراب 
( وقتها يهجم عتريس عليه ، محاولا ضربه بالساطور ، فيتراجع باروخ ضاحكا ، منفلتا منه بكل مكر ، وفى تلك اللحظة يخرج إبنه شيخ طه ، ليرى المشهد ، فينقذ باروخ بالكاد ، من بين يدى أبيه ، ويمسك بالساطور ، ويبعد أبوه عن باروخ 
الذى هو مصر على إهانته ، وكذلك يأتى على صوت المعركة ، الجندى لويس بملابسه الكاملة ، آتيا من غرفة إبنته ، تتبعه الأخيرة تنظر فى حذر ، وعضمه يقف أمام باب المنزل خائفا )
لويس ( فى برود )
ــ  ما هذه الضجة ، ألا يستريح المرء قليلا ، أتتعاركون فى وجودى ، يا لكم من شعوب متأخرة
( وهنا يخرج عتريس عن طوره )
عتريس ( فى صراخ )
ــ  هذا ليس من شأنكأ اتعارك أو لا أتعارك ، هذا منزلى ، إذا لم تعجبك طريقتى فى الحياة ، فغادرنا غير مأسوف عليك 
( وهنا تحمر عيون الجندى لويس ، وينظر إلى زبيدة ، التى تشهق مأخوذة ، ويضرب بكعب بندقيته على الأرض ، محذرا أبيها الثائر ، وشيخ طه يحاول إبعاد يد أبوه ، عن الساطور 
الذى عاد ليحاول أخذه ، محتدا على الجندى لويس ، وباروخ يقف سعيدا شامتا ، لا يتحرك ، بعدما أشعل النار فى المنزل ، وعضمه يقف أمام باب المنزل ، خائفا من تبعات الموقف ، يستعد للهرب إلى الشارع )
لويس ( لزبيدة )
ــ  أسمعت يا زبيدة ، إن أبوك يهيننى ، وهذا امر خطير عليه ، سارى عسكر بونابرته ، يحاكم كل من يهين ، جندى فرنسى 
عتريس ( يحاول أخذ الساطور ، من يد إبنه طه )
ــ  لا يهمنى حاكمك العسكرى ، لا هو ولا أنت ، ولا أى واحد منكم ، هذه ليست بلادكم ، فغادروها بالتى هى أحسن .. والا 
( يضحك لويس ضحكة صفراء ماخوذا ، وهو ينظر لزبيدة وللجميع )
لويس ( فى ذهول وتطاول )
ــ  هل جننت يا معلم عتريس ، والزواج .. ألن تزوجنى من إبنتك زبيدة ، حديثك يهدم الزيجة ، وكل شىء بيننا 
( يصرخ عتريس ، ويمنعه من الإشتباك بالجندى ، إبنه شيخ طه )
عتريس ( فى صوت جهورى )
ــ  كلا لن أزوجها لك ، لن أعطيها لرجل ، حذائه يلوث أرض وطنى ، وقد وضعه على رقاب العباد ، وأذاقهم الذل والهوان 
( يستطرد المعلم عتريس ، ويرى باروخ لا زال واقفا ، يستمع شامتا )
وكذلك ليس مسلما ، أنا أشك فى إسلامك ، فإسلامك هو اسلام ظاهرى ، فإحتلالكم هو إحتلال ثقافى ، تخدعون به الأمم ، بكلمات مثل نحن مسلمون مثلكم ، أتينا لنحرركم من الخرافات ، من المماليك من العثمانيين من .. من .. 
( فجاة يقهقه الجندى لويس ، فيندهش الجميع ، ماعدا باروخ الشامت )
لويس ( وقد أظهر وجهه الحقيقى )
ــ  بالفعل .. بالفعل ، مادمت وصلت لهذه النتيجة فى التفكير ، فانا أحيك عليها ، ليتك فهمت الأمر من أوله ، أنا فى كل الأحوال ، لم أكن سأتزوج إبنتك زبيدة ، إن لى صديقة أخرى ، تركتها فى باغيس 
( يقهقه وهو ينظر إلى زبيدة ، التى امتقع وجهها ، وأجهشت بالبكاء )
من تكون إبنتك هذه ، حتى أتزوجها ، إنها برميل من الدهن ، جاهلة حمقاء ، تظن نفسها ستوتة الستات ، خرجت عن تقاليد عالمها ، أبوها جزار جلف ديوث ، كما قال المعلم باروخ ، تركنى مثل بعض كبار قومه ، أدخل وأخرج على حريمه ، وأدوس منازلهم وأهدم أسرهم ، وأعكر صفو حياتهم ، وهو يقف لى على الباب ، كالقوادين ذوى القرنين
( تصرخ الفتاة زبيدة ، وتجهش بالبكاء أكثر وأكثر ، وتمسك بها أمها ، وباروخ يضحك ، وعتريس يحاول الفتك به ، وشيخ طه يمنعه ، وعضمه يقف أمام باب المنزل خائفا ، وقد استعد للهروب )
عتريس ( لابنته )
ــ  أسمعت يا خرقاء يا بلهاء ، إنه كان يلهو بك ، أنت بنت كبير الجزارين الأحمق ، الذى صدق الكذبة 
( يصرخ المعلم عتريس فى الجميع ، وعلى الاخص لويس وباروخ )
إذن هيا .. هيا ، لقد إنفض الحفل ، غادروا الى غير رجعة
( يغادر باروخ المكان شامتا ، بعد أن أشعل الموقف )
وأنت يا باروخ ، إذا رايتك بعد ذلك فى السوق ، وتجرئت على ، سأقطع رأسك ، حسابك معى ليس الآن ، الأيام بيننا 
( يحاول باروخ فى وقاحة ، إشعال الموقف اكثر واكثر )
باروخ ( شامتا )
ــ  بدلا من قطع راسى ، وانا إبن بلدك ، إقطع رأس ، من لوث سمعتك ، وأهانك فى إبنتك 
( يخرج باروخ من باب المنزل ، وهو يضحك ضحكات عالية ، وعضمه لا زال يقف أمام باب المنزل ، يلتفت عتريس للجندى لويس ، الذى ظهر عليه الخوف والجزع ، من تبعات الموقف )
عتريس ( للجندى لويس )
ــ  وأنت لا اريد ان أرى خيالك ، أو حتى تأتى سيرتك ، فى داخلى والا ....
( يغادر الجندى لويس ، المكان حذرا بظهره ، وهو لا يامن على نفسه ، يجر بندقيته فى خوف )
لويس ( لعتريس خائفا )
ــ من الإمكان أن تقتلنى ، وانا أغادر منزلك ، لكن زملائى من الجنود ، لن يرحموك أنت وعائلتك ، سندك المنطقة كلها والأزهر ، وجميع دكاكينك بالمدافع ، وسيتساقط عيك القنبل كالمطر 
( يظل يتراجع إلى الخلف خائفا ، وشيخ طه ممسك بأبيه بصعوبة ، خشية ان يخطف الساطور ، ويهجم على لويس ، حتى أن وصل لباب المنزل ، تنفس الصعداء ، فيلقى كلماته الجارحة الاخيرة ، إنتقاما من عتريس وعائلته )
قل لإبنتك أن تغير من العطر ، الذى تضعه على صدرها ، فرائحته لا تزال فى يدى 
( ثم يغادر مسرعا مقهقها ، تقوده قدماه مترجلا ، فى عجل وشبه خوف ، من أن يتبعه عتريس ، وهنا تحمر عيون الأخير ، ويتجه نحو إبنته المنفطرة من البكاء ، ويمسكها من شعرها ، يحاول الفتك بها ، ويمنعه شيخ طه هو وأمها )
عتريس ( وقد طاش صوابه ) 
ــ  ما هذا الذى يقوله هذا اللعين 
( يتلفت حوله )
هل .. هل 
( يصرخ )
رباه .. رباه 
( يدور حول نفسه )
هل كشفت له عن صدرك ، هل أرقت ماء وجهى فى الأرض ، هل .. هل أضعت شرفك ، هل تركتيه يضجع معك 
( يسقط على الأرض صارخا ، وقد أخفى وجهه بكلتا يديه ، فتأخذ زوجته إبنته الباكية للداخل ، ويظل شيخ طه يهدىء من روعه ، وقد دخل فى حالة من الهلوسة )
شيخ طه ( يربت عليه ، ويهدىء من روعه )
ــ  إهدا يا أبتى 
عتريس ( مذهولا وقد جحظت عينيه )
ــ  أرئيت يا ولدى ، كيف أهاننى هذا الجندى الفرنسيس ، مع باروخ منافسى فى السوق ، أرئيت كيف طعنونى فى قلبى ، فى شرفى .. فى إبنتى 
( يغمد طه الساطور فى الاورمة ويجلس ابيه وهو يهدئه )
شيخ طه ( فى حكمة )
ــ  ليس خطؤه يا أبتى ، أنت الذى تركت الذئب ، يرعى فى غنمك ، وكانت هذه هى النتيجة 
( يتركه شيخ طه ، ويدخل إلى غرفته ، ويظل عتريس يهلوس وحيدا )
ستار      


                               المشهد الثانى
المعلم عتريس يحاكم نفسه

( يرفع الستار ....
يرى نفس المشهد السابق ، الوقت نهارا ، المعلم            ( عتريس ) جالس وحيدا فى صحن المنزل ، يرى زائغ العينين وذقنه طويلة ، وملابسه غير مهندمة ، وقد دخل فى حالة نفسية سيئة ، بعد فضيحة عدم زواج ، الجندى الفرنسى ( لويس ) من إبنته 
بعد أن أعلنت خطبتهما أمام الجميع ، ثم تركها ، بعد أن أهانها وأهان أبوها ، وكل عائلتها ، فسائت سيرتها وسيرة أبوها ، وأصبح حديث العامة ، وأضحوكتهم فى المنازل والأسواق ، والقاهرة كلها 
المعلم ( عتريس ) جالس ، أمام ساطوره الصدىء ، المعلق فى الأورمة ، يخاطب نفسه فى ألم ، وبؤس وشقاء )
عتريس ( يخاطب نفسه )
ــ  ياللهم .. وياللعار ، أنا كبير الجزارين ، يفعل بى ما فعله هذا اللويس ، الجندى الفرنسى المغازى ، المعادى لمصر المحروسة ولكل أهلها ، لماذا .. لماذا يقسو على القدر هكذا 
( يسمع المعلم ( عتريس ) صوت عميق يخاطبه ، فينهض ماخوذا ، ويتلفت حوله مندهشا )
الصوت ( فى هدوء )
ــ  ليس خطأ الجندى لويس يا عتريس ، بل خطؤك أنت 
عتريس ( ماخوذا )
ــ  من .. من يخاطبنى 
الصوت ( فى عمق وهدوء )
ــ  أنا صوت العقل النابع من داخلك
( يخر جالسا المعلم ( عتريس ) ، وقد مسه الذهول )
عتريس ( فى دهشه )
ــ  كيف يكون خطئى أنا ، هل أنا من أدخل الفرنسيس ، بر مصر كمحتلين  
الصوت ( يصيح )
ــ  كلكم .. كلكم كبار تجار وأعيان ، ومشايخ مصر ، من يتعامل مع المحتل ، مشتركين فى هذه المأساه
عتريس ( يضع رأسه فى الأرض مبررا )
ــ  وأين دور المماليك والعثمانيين ، نحن مجرد عوام ، هم الذين تركوا المحروسة ، وهربوا أمام جنود بونابرته ، وتركونا فريسة لهم
الصوت ( مقاطعا )
ــ  أنت وأمثالك ساعدت نابليون ، فى وضع قدمه ، وترسيخها فى أرض مصر ، بتسامحك مع جنوده ، بل والتعامل معهم ، كان لابد من أن تقاطعهم ، مثل بعض العامة ، وشيوخ الأزهر المناضلين ، ثم كيف .. يكون رجل فى إتزانك العقلى ، ويصدق أن بونابرته وجنوده ، أتوا من أجل خير البلاد ، إنهم أصحاب أسوأ إحتلال .. الإحتلال الثقافى ، هل صدقت يا أحمق ، أن الجندى ( لويس ) ، قد أسلم بالفعل ، وأنه سيتزوج إبنتك ، صغيرة العقل تافهة الشان ، فهى لم تتعلم شىء فى حياتها ، مجوفة كالفخار من الداخل ، ولدت وفى تصورها أنها مميزة ، كإبنة لأحد الأكابر ، وما تريده تأخذه بالإكراه المعنوى 
عتريس ( وقد نكس رأسه فى الأرض )
ــ  أنت محق كلامك صائب ، أنا من كذبت على نفسى ، وصدقت القصة من أولها ، حتى أرضى ، تلك الحمقاء إبنتى لتتزوج ، وأريح نفسى من تفاهاتها ، وطلباتها الغير معقولة ، فهى لا كأنها بنت بلد ، ولا بنت زوات ، شىء متأرجح بين الإثنين ، تظن نفسها فوق بنات القطر المصرى ، تفعل ما يحلو لها ، لا يعجبها رجال عصرها ، لأنهم كما ترى أجلاف ، هى تريد رجلا مائعا ، يقبل يديها كل صباح ومساء ، ويتجول معها ، بعربة الخيل فى الحدائق والمتنزهات ، وكأنها تريد من نساء مصر ، مجالسة الرجال أمام شاطىء النيل ، كما فعل وأباح الفرنسيس ، إنه والله يوم القيامة 
الصوت ( فى حدة )
ــ  وأين كان عقلك ، عندما تركت هذا الجندى ، يقيم معك فى منزلك ، وهذا مخالف لتقاليد المجتمع المصرى ، وجعلت العوام يلوكون سيرتك بالسوء ، هل سمعت عن أن الخطيب ، حتى وإن كان مصريا ، يقيم فى منزل العروس ، طوال فترة الخطبة ، ويدخل إلى غرفتها بالملابس الداخلية ، عار .. عار عليك يا رجل ، يا كبير الجزارين ، أنت ضعيف ضعيف ، أمام الحاحات النساء ، وإكراههن المعنوى على المستوى الشخصى ، وعلى المستوى العام ، ترضخ لوضع الفرنسيس ، القائم بقوة السلاح 
( يتلعثم المعلم ( عتريس ) وينهض ، ويحاول الدفاع عن نفسه ، مبررا أفعاله ، لكن فجاة ينقطع الصوت نهائيا ، فيظل ( عتريس ) ينادى ، ولا يرد عليه أحد ، وهو يدور حول نفسه ، ثم يتوقف وتحمر عينيه ، ويتجه نحو الساطور ، ويخلعه بعنف )
عتريس ( فى غضب وصياح )
ــ  والله لن أكون متخاذلا بعد اليوم ، إذا رئيتك أيها الجندى ( لويس ) ، فى أى مكان ، لقطعت رأسك ، أما انت ، يا إبنتى زبيدة المتفرنجة ، والله لأعاقبنك بأسوا ألوان العقاب ، أيتها الناشزة عن بنات القطر المصرى 
( يبتلع لعابه )
سأمسك بك ، أمام حشد من رجال ونساء ، وعامة منطقة الأزهر ، هنا فى صحن المنزل ، وألوى رقبتك عقابا قاسيا ، أمام الجميع جهرا جهارا ، وأعلن أنك كنت عاصية ، وأؤدبك بلى رقبتك ، كما يقتضى العرف المصرى ، أمام سكان الزقاق ، وما حوله من العطف والشوارع ، وليكن ما يكن 
( يتلفت حوله ويصيح ، وهو يلوح بالساطور بأعلى صوته )
الويل لكم أيها الفرنسيس ، الويل لك يا بونابرته ، الويل لكن يا بنات كبار الأعيان ، اللاتى تفرنجن ، بعد هوجة تقليد الفرنسيس 

ستار 
 
                            المشهد الثالث

لوى رقبة زبيدة المتفرنجة

( يرفع الستار ....
يرى نفس المشهد السابق ، العامة رجال ونساء ، منطقة الأزهر وما حولها ، قد ملئوا صحن الدار ، وقد إرتدوا ملابسهم البلدية ، وبعض النساء يغطين وجوههن ، المعلم ( عتريس ) يقف وسط الجميع ، وهو يصيح هادرا ، ممسك بالساطور ، وحوله ولده ( شيخ طه )  
وكذلك شيخ حارة المنطقة ( عبده الحلانجى ) ، وهو رجل فى الستين من عمره ، وكذلك شيوخ أزهريين ، معممين آخرين ، وبعض من كبار الأعيان ، وكان اليوم يوم الحشر ، يصيح المعلم ( عتريس ) فى الجميع ، بأسلوب هزلى مسرحى ، لا يخفى على الجميع ، وقد وقف وسطهم راعدا )
عتريس ( فى قوة وغضب )
ــ  إسمعوا يا أهل منطقة الأزهر ، وما حولها ، إسمعوا يا أهالى مصر المحروسة ، البنت إبنتى ( زبيدة ) ، التى تفرنجت ، لم تراعى حرمة البيوت ، ولا سيرة النساء ، ولا كرامة البيوت المحصنة المصرية ، وأتت بولد لا اعلم من أين ، وهو من جنود ، الحملة الفرنسية المشؤمة ، وكذب علينا الكافر ، أخزاه الله 
( تسمع أصوات همهمات ، الرجال والنساء ، وشيخ الحارة    ( عبده الحلانجى ) ، يهز رأسه موافقا كالأبله ، فيعود المعلم ( عتريس ) للحديث ) 
وإدعى كبعض من جنود ، وقواد الحملة ، بأنه أحب مصر وعشق ترابها ، وتأثر بدينها الإسلامى ، فاعتنق الإسلام  ، وسمى نفسه ( سى على ) ، ودخل علينا بالحنجل والمنجل 
( يرى على وجوه الجميع الغضب ، وتسمع همهماتهم ، وشيخ الحارة يشير للجميع بالصمت ، فيعود المعلم         ( عتريس ) للحديث )
وصار هذا الديوث ، داخلا خارجا علينا ، فى منزلى الشريف ، وكأنه من رجال البيت ، بعد أن خطب إبنتى ، خطبة زائفة ، مبيتا النية ، على عدم إتمام الزواج ، مما أراق ماء وجهى ، بين العامة ، فى منطقتنا حى الأزهر ، لعنه الله 
( يصيح الناس فى غضب ، وتعلو اصوات الهمهمات ، فيشير لهم شيخ الحارة بالصمت ، حتى يكمل المعلم       ( عتريس ) حديثه )
لذلك أشهدكم جميعا ، بأنى برىء من كل ما حدث ، فلقد طردت هذا الجندى ، المسمى ( سى على ) ، نهائيا من منزلى ، وفسخت خطبته من إبنتى ، المتفرنجة المارقة ، وهددته بالقتل ، إن اقترب ، من منزلى المصرى الأصيل 
( يهمهم الجميع ، بأصوات التمجيد والتقدير والإبتهاج ، فيرفع يديه ، شيخ الحارة ( عبده الحلانجى ) ، مشيرا لهم بالصمت ، ليكمل المعلم ( عتريس ) حديثه )
وليشهد على الجميع ، القاصى والدانى ، فى كل ربوع أراضينا المصرية ، بأنى سأسوى إعوجاجها ، وسازوجها فى أقرب فرصة ، من رجل يحكمها ، من شباب أولاد مصرنا ، فهو من أولاد عمها ، فهى لإبن عمها وهو لها ، كما تقتضى تقاليدنا ، وكذلك أعلن ، بأنى سأعاقب إبنتى ، المتفرنجة المارقة ، أمام جميع حشدكم بكل قسوة ، حسب تقاليدنا المصرية ، حتى ننهى الأمر نهائيا ، وتعود المياة لمجاريها ، ويصفو الجو لعائلتى ، وللجميع فى حى الأزهر 
( يصمت المعلم ( عتريس ) ، ثم ينظر لباب غرفة إبنته ، أمام الجميع ، ويصرخ بكل قوة ، بأسلوب مسرحى ، وشيخ الحارة ( عبده الحلانجى ) ، يهز رأسه كعادته راضيا مبتسما كالأبله )
يا حرمة يا زوجتى ، تعالى ومعك البنت ، المتفرنجة المارقة ، إبنتى ( زبيدة )
( يفتح الباب ، وترى الزوجة ( عديلة ) ، وهى ترتدى ملابس السواد كاملة ، تجر إبنتها ( زبيدة ) ، التى تبكى منفطرة ، وقد إنهارت صارخة )
زبيدة ( فى بكاء والم شديدين )
ــ  لا .. لا يا أبتى ، لا تعاقبنى بتلك الطريقة ، أمام العامة والسوقة ، أنا إبنه الأكابر ، لا أعامل هكذا ، ستفضحنى هكذا ، وستسوء سمعتى أكثر وأكثر ، يكفينا ما حدث من فضائح 
( يهجم عليها أبوها ، المعلم ( عتريس ) ، ويجرها من شعرها ، والعامة والناس تهمهم مندهشين ، وشيخ الحارة ( عبده الحلانجى ) فى بلاهة ، يهز راسه سعيدا ، بما يحدث ، ثم يقوم المعلم ( عتريس ) ، بحركة هزلية مسرحية 
ويلوى رقبة إبنته لوى خفيف ، إيذانا بالعقاب ، كما تقتضى التقاليد المصرية ، وهنا يهلل العامة ، والناس فى الحشد ، وتزغرد النساء ، والفتاة إبنته ( زبيدة ) ، تصرخ مولولة ، بعدها تجرى على حجرتها ، وأمها معها 
ثم يجلس المعلم ( عتريس ) ، وقد وضع الساطور ، فى الأورمة صامتا عابسا ، وقد نزل عليه سهم الله ، وهنا يصيح شيخ الحارة ، ( عبده الحلانجى ) أخيرا ، ويتكلم ويصرخ فى حشد الناس ، بأن يغادروا من غير مطرود ، لقد انفض الحفل 
وتدريجيا يغادر الناس المكان ، وكانه كان عرض مسرحى ، فى مولد لولى من الأولياء ، ترى إمرأه من الحشد تغادر ، تغطى وجهها ، ولا يظهر غير عيونها ، تتحدث هامسة لإمرأه أخرى )
المراة ( فى إستياء وسخرية )
ــ  أرئيت الرجل المعلم ( عتريس ) ، الجزار النطع ، ترك الجندى الكافر يدخل بيته ، ويرعى فى حريمه مثل الذئب ، وكان كل شىء برضائه ، ثم بعد أن إفتضح أمره ، يتملص من الفعلة ، ويلوى رقبة إبنته ، وكان الفتاة ( زبيدة ) ، هى من كانت تدير منزله ، مع أن الأمر كله ، نابع من خوف      ( عتريس ) من الفرنسيس ، إنه يخاف على تجارته ، وعبيده ومحلاته وأطيانه ، من بطش الحملة الفرنسية المشئومة ، فترك للجندى الأشقر الفرنسى المليح ، الحبل على الغارب ، يدخل ويخرج فى البيت ، حتى أن الناس يقولون ، أنه دخل إلى غرفة نومها ، وحدث بينهما ما يغضب الله ، ستر الله النساء جميعا ، ملعون أبو الفرنسيس ، على من يعاونهم ، من أشباه رجال مصر المحروسة 
( تغادر المرأتين صحن المنزل ضاحكتين ، ثم يرى أحد التجار الكبار الهرمين ، المتعاونين مع الحملة الفرنسية ، يغادر هو الآخر ، ويتابعه عبده الخصى ، وهو يحادثه هامسا )
التاجر ( فى غضب وسخرية وهمس )
ــ  ذكرنى يا مخصى ، أن أستأذن زوجتى ، السيدة سعادات ، فى أن أفعل مع بناتى الثلاث ، ما فعله المعلم ( عتريس ) ، فى إبنته ( زبيدة ) ، لقد أراقوا ماء وجهى ، فى الخروج والتنزه ، والجلوس مع الرجال الفرنسيس ، على شاطىء النيل  
العبد الخصى ( فى همس )
ــ  لا أنصحك سيدى ، خذها من عبدك الخصى المخلص ، ستخسر كل أعمالك مع الفرنسيس ، وهذا سيؤدى إلى خسائر مالية كبيرة ، لتجارتك ومحلاتك والقابك ، كشيخ العلافين وأخريات ، وأيضا ستغضب سيدتى ، زوجتك سعادات ، وما ادراك ما غضبها
التاجر ( فى خضوع وذل )
ــ  آه .. آه تذكرت ، تجارتى والقابى ، وغضب زوجتى المتكبرة ، إذن ساغض البصر مؤقتا ، على ما تفعله فتياتى ، مع الجنود الفرنسيس ، وبعد مغادرة الحملة ، سافكر فى عقابهم ، هذا إن غادرت ، الأمر متروك للظروف ، وأحكام القدر 
( يغادر التاجر المنزل ، وتدريجيا يغادر الجميع ، ويتبقى المعلم ( عتريس ) ، وحيدا جالسا مغموما ، ينظر لساطوره المغمود فى الأورمة ، فى ألم وحسرة )
ستار

               














المشهد الرابع والأخير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أين ذهب ساطور المعلم عتريس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( يرفع الستار ....
يرى نفس المسهد السابق ، الوقت صباحا قبل الظهيرة ، المعلم ( عتريس ) ، جالس ينظر للساطور ، وقد خرج تدريجيا ، من الحالة النفسية السيئة ، التى كان عليها ، ترى ذقنه محلوقة ، وقد تعطر ، وإرتدى جلبابا أبيضا فاخرا 
وإستعد لمعاودة أعماله ، وإدارة تجارته ومحلاته ، ومواشيه وشراء عبيده ، يتلفت حوله فلا يجد أحدا ، ينادى على زوجته ( عديلة ) ، فلا يسمع ردا ، ينادى عدة مرات ، ويحدث نفس الشىء 
فينهض وهو يسب ويلعن ، ويدخل إلى إحدى الحجرات ، يرى باب المنزل مفتوحا كاملا ، فجاة يظهر الفتى الأزهرى السورى ، صديق إبنه شيخ طه ، ( سليمان الحلبى ) فى ملابسه الأزهرية ، يرى واقفا عند باب المنزل ، ينظر للداخل ، ثم يدلف من الباب ، المفتوح على مصراعيه ، بدون أن يستاذن ، وعند إكتشاف أنه لا يوجد أحد ، فى صحن المنزل 
تتهلل أساريره ، وينظر للساطور المغمود فى الأورمة ، نظرة قاسية ، ثم يقترب ويمسك بالساطور ، ويخلعه بصعوبة ، حتى يستولى عليه فى لحظات ، وقد أضمر فى نفسه ، شيئا خطيرا عليه ، وعلى الديار المصرية 
وعلى عجل يخفيه فى ملابسه ، وفجاة يسمع من الداخل ، صوت المعلم عتريس آتيا ، فيفر من المكان ، متلفتا حوله ، يلهث وهو فى قمة سعادته ، يخرج المعلم           ( عتريس ) من الحجرة ، وهو لازال يسب ويلعن ، لم يجد زوجته فى المنزل ، ولا أحد من الخادمات والخدم 
لقد خرجت ، لتشترى أغراض للمنزل ، ومعها خادماتها ، كان يود ، أن يجهزوا له طعام الفطور ، يجلس المعلم         ( عتريس ) أمام الأورمة ، وهو لا يلاحظ إختفاء الساطور ، ثم يحدث نفسه بصوت عالى )
عتريس ( فى شبه سعادة وإبتهاج )
ــ  غدا أفتح حانوتى ، بعد إنقشاع الغمة ، ومعاقبة إبنتى المارقة ، وأعود لممارسة مهنتى مهنة الجزارة ، وأدير أطيانى وأملاكى وتجارتى ، وعلى الجميع اللعنة ، الفرنسيس وإبنتى ، والجندى الملعون ( لويس ) الكافر 
( وتمر ربع دقيقة ، بعدها يسمع ، أصوات الناس خارج المنزل يهمهمون ، ومع مرور الوقت ، تعلو الهمهمة ، حتى تصبح ضجيج وصخب ، وصوت إطلاق رصاص ، وصراخ من الرجال والنساء ، وحينئذ يكتشف عتريس ، إختفاء ساطوره ، إنه غير مغمود فى الأورمة ، فيذهل ويتلفت حوله ، ويظل يبحث حول مكان الأورمة ، أمامها وخلفها ، فلا يجد شىء ، ثم ينظر للباب المفتوح على مصراعيه )
عتريس ( فى دهشه )
ــ  أين ذهب ساطورى ، وما كل هذه الضجة وإطلاق النار ، والصراخ خارج المنزل 
( ينهض المعلم ( عتريس ) ، ويظل يدور حول الأورمة مذهولا ، باحثا عن الساطور ، فيزيد صوت صراخ الناس ، فيقترب من باب المنزل ، ويقف منتبها ، فيرى صبيه          ( عضمة ) يقف بعيدا ، فينادى عليه ، ويدخل إلى صحن المنزل ، منتظرا الولد ، فياتى ( عضمة ) مهرولا ، وقد إمتقع وجهه ، فيخاطبه متسائلا عن سبب الصراخ )
ما الذى حدث يا ولد ، فيم كل هذا الصراخ 
عضمة ( فى ذعر وهلع ، يصرخ من الفزع )
ــ  الفرنسيس يا معلمى ..  الفرنسيس يبطشون بالناس ، يطلقون النار ، ويقبضون على المارة ، ويضربون النساء ، وقد جن جنونهم 
عتريس ( مأخوذا ينظر إلى الأورمة الخالية )
ــ  قل لى .. هل دخل أحد ما المنزل ، لا أجد ساطورى ، ولماذا يبطش الفرنسيس بالناس ، هل قامت ثورة جديدة ضدهم 
عضمة ( يشير إلى الخارج هلعا )
ــ  إنهم يطلقون النار على المارة ، بلا رحمة ، يقال والله أعلم ، أن مجاهدا ما ، قتل شخصية كبيرة فى حملة بونابرته ، شيخ الحارة ( عبده الحلانجى ) والعوام ، يقولون أنه الجنرال كليبر ، قائد الحملة الذى تسلم القيادة ، بعد مغادرة نابليون ، إلى بلاد الفرنسيس
( يتلفت حوله هلعا )
ــ  إنهم يمسكون بالمارة ، وعلى الأخص الأزهريين ، بكل قسوة وتوحش ، الفرنسيس يجرون ، فى العطف والحارات كالمجانين ، حتى أنهم يبطشون بالنساء ، مطلقين النار ، على كل من يتعرض لهم  
عتريس ( يمسك بصبيه وقد نظر للأورمة )
ــ  الساطور .. الساطور ، هل رئيت ساطورى ، ولماذا يمسكون بالازهريين ، لعنهم الله 
عضمة ( يشير فى خوف للخارج )
ــ  الأقاويل يا معلمى تقول ، أن القاتل مجاهد أزهرى ، تربص ولبد للجنرال كليبر ، سود الله وجهه ، وإختبأ فى حديقة المنزل ، الذى يتخذه مقرا لقيادة الحملة ، ثم فى خروج كليبر ، مع أحد قادته ، يسيرون داخل حديقة المقر ، هاجمهم الأزهرى ، طعنا بسلاح أبيض ، ثم تمكن من الجنرال كليبر ، وأصاب القائد الآخر ، إصابات ليست كبيرة
عتريس ( فى هلع )
ــ  يا الله .. ولدى ( شيخ طه ) ، هل أمسكوا به ، مع الأزهريين ، هل أصابه مكروه
عضمة ( يشير للخارج فزعا )
ــ  كلا يا معلمى ، القاتل ليس مصريا ، يقولون أنه شاب شامى ، من سوريا ، إنهال طعنا على الجنرال كليبر ، لعنه الله وأماته ، ثم قفز من فوق سور المقر ، وإختبأ فى أحد المنازل المجاورة ، وكأنه لم يفعل شىء
عتريس ( يتنهد بعد أن إطمان على ولده )
ــ  ولدى ( شيخ طه ) إنه آمن ، حماه الله 
( يعود ليتلفت حوله )
لكن الساطور أين ذهب الساطور 
عضمه ( يحكى ما سمعه )
ــ  إن الفرنسيس ، يتهمون شيوخ الأزهر ، بتدبير المؤامرة ، الناس سعداء ، وخائفون فى نفس الوقت ، من بطش الفرنسيس ، يقولون أن الفرنسيس ، سيضربون المحروسة بالقنبل ، إن هاج عليهم العامة من جديد 
عتريس ( يمسك به )
ــ  القاتل ولد شامى ، أيكون ( سليمان الحلبى ) ، صديق وزميل ولدى ( شيخ طه ) ، كلا .. كلا غير ممكن ، لكن .. لكن أين ذهب الساطور ، هل سرقه الفاعل ، وقام بالفعلة ، لا .. لا غير ممكن ، ولماذا ساطورى أنا ، يختفى فى تلك اللحظات ، يالسوء حظى ، لا اريد مشاكل مع الفرنسيس   
عضمه ( يصرخ من الفزع )
ــ  يقال أنهم جهزوا خازوق كبير ، للإنتقام من القاتل ، بعد أن قبضوا عليه ، وإعترف فى التحقيقات ، تحت التعذيب أنه الفاعل ، وتعرف عليه القائد الآخر المصاب 
( يترك عضمه عتريس ، ويركض مغادرا المنزل )
لا تخرج من المنزل يا معلمى ، إنهم يطلقون النار بأسلوب عشوائى ، لا تقل لأحد أن لك إبنا أزهريا ، ساذهب لأعود بالسيدة ( عديلة ) ، زوجتك وخادماتها ، إنها فى السوق ، لقد رأيتها ، إدعو الله ألا يسوء الأمر ، ويضرب الفرنسيس المحروسة بالقنبل  
( يختفى ( عضمه ) من أمام المعلم ( عتريس ) ، ويركض مذعورا ، والأخير مذهول ، يضرب كفا بكف ، تمر نصف دقيقة ، والمعلم ( عتريس ) مشوشا لا يدرى ماذا يفعل ، وأصوات اطلاق النار ، وصراخ المارة رجال ونساء ، ترعب الجميع )
عتريس ( مرتعبا )
ــ  أين ذهب ساطورى ، صوت الصراخ وإطلاق النار ، يصم الآذان ، ما صلة حادث ، قتل الجنرال كليبر بساطورى ، وهل الولد القاتل الازهرى ، هو صديق وزميل ولدى          ( شيخ طه ) ، لا .. لا يمكن ، لكن .. لكن الساطور ، كان هنا إلى آخر وقت ، وإختفى فجاة ، كيف ياخذه ( سليمان الحلبى ) هذا ، إن كان الفاعل ، وأنا لم أغادر المكان ، إنه مجرد ساطور صدىء ، هل أخذه وشحذه القاتل ، يا الهى لا اريد مشاكل مع الفرنسيس ، يكفينى ما حدث ، مع الجندى ( لويس ) لعنه الله 
( يسمع عتريس ، صوت رجل ، من وسط أصوات الرجال والنساء ، بالقرب من المنزل ، يصرخ بألم شديد )
يا الهى .. يبدو أنهم ، وضعوا القاتل على الخازوق ، أكاد أميز صوت صرخاته ، إنه بالقرب من المنزل ، بعد عدة حارات ، إن صوته ، يشبه صوت ( سليمان الحلبى ) ، أيكون هو القاتل ، وقد قتل قائد الحملة بساطورى ، بعد ان إستولى عليه ، كلا .. كلا ، كل أصوات الصراخ متشابهة متشابهة
( يدور حول نفسه ، وصوت صرخات الضحية فوق الخازوق ، تمزق نفس المعلم ( عتريس ) ، وكل الأجواء المصرية )
أين ذهب الساطور ، من أخذه ، الوحيد الذى يستطيع قول ذلك لى ، هو ( سليمان الحلبى ) ، لكن أين هو الآن ، لعله فى الأزهر يصلى لله ، أو غادر إلى بلده حلب ، فى سوريا   
( يدور عتريس حول نفسه ، وهو يكاد يجن ، والصراخ فى كل مكان ، يأتى من حوله )
إذا كان ساطورى هو الفاعل ، إنه والله لشرف كبير لى ، لكن .. لكن اخشى من تنكيل الفرنسيس ، إن تبين لهم ، أن لى صلة بالمؤامرة ، سأنكر كل شىء ، ومعرفتى         بـ ( سليمان الحلبى ) ، أنا خشى على اموالى وتجارتى ، ومحلاتى وعائلتى ، وأطيانى من بطشهم ، لكن .. لكن إذا كان سلاحى ليس الفاعل ، إذن أين ذهب ساطورى ، مصدر قوتى ووطنيتى ، آه .. آه أين أنت يا وقارى ، أين أنت يا رجولتى
( يحاصر الصراخ عتريس ، من كل الأنحاء ، وهو يدور حول نفسه )
أنا والله جبان ورعديد ، إن الفاعل بطل قومى ، أقوى وأشجع وأكثر وطنية منى ، وأنا .. وأنا كالخونة ، غارق فى خوفى وجبنى ، أتعامل مع المحتل بكل نطاعة ، أنا رجل ضعيف ضعيف ، مكتوب عليه الذل والهوان   
( يظل عتريس يدور حول نفسه )
أين أنت يا ساطورى ، أين أنت يا ساطورى 
ستار            
            
   

تمت بحمد الله
القاهرة 
مصر 
2021

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق