مجلة الفنون المسرحية
«الشخصية الثائرة في المسرح الشعري المصري بين صلاح عبد الصبور ونجيب سرور (نماذج مختارة)»
ياسمين عباس - مسرحنا
تم مناقشة رسالة الماجستير بعنوان «الشخصية الثائرة في المسرح الشعري المصري بين صلاح عبد الصبور ونجيب سرور (نماذج مختارة)» مقدمة من الباحث سعيد حامد عبد السلام شحاته، وذلك بقسم اللغة العربية كلية الآداب جامعة القاهرة، وتضم لجنة المناقشة الدكتور تامر محمد فايز (مشرفًا)، والدكتور سامي سليمان أحمد (عضوًا)، والدكتور سيد علي إسماعيل (عضوًا ورئيسًا). والتي منحت الباحث من بعد حوارات نقاشية انتظمت وفق شروط ومعايير أكاديمية درجة الماجستير.
تتناول هذه الدراسة سمات الشخصية الثائرة في المسرح الشعري المصري، وأثر هذه الشخصية على تطور الفعل الدرامي داخل النص المسرحي، كما تسعى إلى التعرف على أثر المجتمع في البناء النفسي لهذه الشخصية من خلال تسليط الضوء على الحركة السياسية والاجتماعية التي ألمّت بمجتمع الشاعر أثناء كتابة مسرحياته محلّ الدراسة، ليتمكن الباحث من تقديم رؤية نقدية لبعض النماذج المختارة التي تتوافق مع خط سير البحث، في الفترة التاريخية من (1952م) حتى (1973م)، وقد تم اختيار هذه الفترة لأهمية التحولات الجذرية التي طرأت على المجتمع (محل الدراسة) في هذه الأثناء، كما تم اختيار الشاعرين؛ صلاح عبدالصبور، ونجيب سرور، لدراسة نماذج مختارة من مسرحهما، نظرًا لتفاعلهما مع أحداث مجتمعهما السياسية والاجتماعية، سواءً بشكل مباشر كما فعل نجيب سرور في مسرحه الشعري، أو من خلال الإسقاط التاريخي كما فعل صلاح عبدالصبور في مسرحه الشعري.
مشكلة الدراسة:
الدراما الشعرية مبعثها في هذه الأثناء –الفترة المحددة للدراسة- هو الثورة، ويظهر ذلك جليًّا في مسرح الشاعرين (صلاح عبدالصبور- نجيب سرور) وقد تعامل معظم النقاد مع كل شاعر على حدة لتسليط الضوء على الجوانب الفنية لمسرحه، لكن لم يتم طرح قضية الثورة وسمات الشخصية الثائرة بشكل تفصيلي في دراسة تعكس أثر هذه الشخصية في المسرح الشعري لهذه الحقبة.
فهذه المرحلة بما فيها من تحولات كانت مرحلة لها تأثيرها على المسرح المصري، حيث ألقت هذه التحولات بظلالها على شخصياته، لذا كانت لكل شخصية لغتها الخاصة التي أثرت بدورها على تلقي النص المسرحي كنص أدبي، وتلقيه كتمثيلية تؤدى من خلال ممثلين على خشبة المسرح، هذه اللغة غلب عليها طابع الحدة في بعض الأحايين، وهذا ما تم تسليط الضوء عليه في النماذج المختارة من مسرحيات الشاعرين (صلاح عبدالصبور ونجيب سرور)؛ إلى جانب التركيز أيضًا على سمات هذه الشخصيات سواء كانت شخصيات يحركها الوازع الديني كـ الحلاج، عند صلاح عبدالصبور، أو شخصيات يسيطر عليها الطابع الاجتماعي كـ ياسين وبهية عند نجيب سرور، أو أشخاص يحركها الطابع السياسي كـ شخصية سعيد والأستاذ في مسرحية (ليلى والمجنون) لصلاح عبدالصبور وشخصية أمين وحمدي وعطية في مسرح نجيب سرور.
تساؤلات الدراسة:
- ما المسرح الشعري الثوري، وما آليات كتابته؟
- كيف أثر الوعي المجتمعي على المسرح الشعري المصري في فترة الدراسة المحددة؟
- ماذا تعني الشخصية الثورية لهذا المسرح في المرحلة المستهدفة من الدراسة؟
- ما العلاقة بين المقاصد الواعية للأديب والدلالة الموضوعية لأعماله؟
- ما أهم السمات المميزة للتجارب المسرحية في هذه الفترة؟
- ما الهدف من استخدام القناع من قبل الكاتب المسرحي في مسرحيته الثورية؟
- هل تمكن الشاعر المسرحي من إيصال هدفه بواسطة الرمز؛ أم أنه كان بحاجة ملحّة للتخلي عن الرمزية من أجل تواصل أكثر مع المتلقي العادي؟
- ما المستهدف من الاتكاء على الرمز الديني في مسرح هذه الفترة؟
أهمية الدراسة:
تبحث هذه الدراسة النقاط التالية للوقوف على أهمية كل نقطة من هذه النقاط على حدة:
- المسرح الشعري وأثره في المجتمع وتأثره به.
- البحث حول الشخصية الثائرة وأهمية طرحها في مسرح هذه الفترة.
- التعرف على الخطاب السياسي بعد الثورة وأثناء الهزيمة وبعدها وانعكاسه على الكتابة المسرحية خاصة المسرح الشعري.
- تحليل القناع الديني والقناع السياسي والقناع الشعبي ومدلول كل قناع، والإسقاط على الفترة الزمنية التي كتب فيها، وهدف كل كاتب من هذا التقنّع.
أهداف الدراسة:
- التركيز على النقاط المضيئة التي طرأت على المسرح الشعري المصري بعد ثورة 1952، ومدى تطور الكتابة المسرحية وتأثرها بالثقافات المختلفة لهذه المرحلة..
- قراءة الوعي الفعلي الذي أثر على أحداث المسرح الشعري في هذه الأثناء، للوصول إلى الوعي الممكن الذي يبحث عنه الشاعر من خلال رؤيته المسرحية.
-عقد مقارنة على مستوى البنية الشكلية بين (صلاح عبدالصبور) و(نجيب سرور) للوصول إلى مسعى الدراسة وكشف ماهية الشخصية الثورية من خلال التعرف على نقاط الاختلاف والاتفاق في مسرحهما الشعري وأثر المجتمع فيه.
- الخلفيات الثقافية والسياسية والاجتماعية وأثرها على فلسفة الشاعر في أسلوب طرحه وتشكيل شخصياته الثائرة.
- أنواع القناع وكيفية طرح الأزمة المجتمعية التي يتناولها كل شاعر وإدارتها في مسرحه.
-عقد مقارنة بين اللغة المسرحية التي استخدمها الشاعران لرسم شخصية الثوري داخل الإطار المجتمعي الذي يحياه.
- محاولة قراءة مفهوم المسرح الشعري بشكل جديد؛ عبر ربطه بتلك الأحداث التي أنتجته وعبّر عنها.
حدود الدراسة:
- قامت الدراسة بإلقاء الضوء على بعض المسرحيات التي تتفق وموضوعها وفترتها الزمنية، لكل من:
* الشاعر صلاح عبد الصبور:
-مأساة الحلاج، صدرت عام 1966.
- مسافر ليل، صدرت عام 1968.
-ليلى والمجنون، صدرت عام 1970.
* الشاعر نجيب سرور:
- ياسين وبهية، صدرت عام 1964.
-آه يا ليل يا قمر، صدرت عام 1966.
-قولوا لعين الشمس، صدرت عام 1972.
وقد تم اختيار هذه النماذج لتوفر السمات المراد التركيز عليها في شخصية البطل الثائر بها، سواء كانت ثورة هذا البطل –محل الدراسة- دينية أم اجتماعية، فهذه المسرحيات يحركها الرفض الذي يشعل جذوة الثورة داخل نفس البطل الباحث عن الذات والمتطلع للعدالة والحرية والتخلص من قيود الظلم المجتمعي الذي يمارس عليه بشكل لا تحتمله نفس ثائرة.
الخاتمة
قام هذا البحث الذي جاء تحت عنوان (الشخصية الثائرة في المسرح الشعري المصري، بين صلاح عبدالصبور ونجيب سرور) بالتركيز على مفهوم الدراما، وأثر هذا المفهوم على الوجدان الجمعي داخل المجتمعات العربية، خاصة المجتمع المصري، وكيفية عزوف هذا الوجدان عنه في بداياته، ثم تفاعله معه بعد أن تم الترسيخ له من قبل الكتاب والمهتمين وتماسه مع الواقع المصري وأزماته، كما قام بإلقاء الضوء على العلاقة بين الثورية والمسرح الشعري، والثورة المستمرة لهذا اللون المسرحي على التقليدي والعادي، حتى على نفسه، فالمسرح الشعري مسرح ثوري، لا يتوقف عند شكل معين، ثابت، أو قالب واحد جامد، أو فكرة لا تقبل التغيير، فأفكاره متجددة كقالبه وطريقة تناوله وكيفية طرحه لأزمات مجتمعه.
ومن أهم نتائجه أنه قام بـ:
- التعريف بالشخصية، وأهميتها داخل بنية النص المسرحي، ودورها الفعال في تحريك الحدث، وتنامي الصراع، وعلاقتها بالواقع، ودوافعها، ودلاليتها، وعلاقتها بالأخلاق من وجهة النظر الأرسطية.
- إبراز الدور المسرحي في المجتمع المصري بعد الثورة، ومدى استجابة المجتمع لهذا الدور، وكيفية تأثير هذا المسرح –مسرح ما بعد الثورة- في فكر المجتمع، وتخليه عن رمزيته للوصول إلى الطبقات السحيقة التي دخلت هذا المسرح بالجلابيب.
- التعامل مع النص عند صلاح عبدالصبور بصفته بنية مولدة من رحم القهر والتسلط والكبت وكبح جماح الحرية وكسر الأقلام وسجن الآراء البناءة، وحرق كل ما هو جميل، مما يؤدي إلى احتراق كل جميل في نفس الشخصية الفاعلة في النص نتيجة ما يحدث في العالم المحيط، أو ما حدث في المجتمع الذي خرجت من عباءته بنية النص.
- التأكيد على أن السجن برزخ قاتل للحرية، وهو مصير كل صاحب ضمير حر من قبل السلطة الباطشة، وهذا ما حدث مع سعيد في مسرحية ليلى والمجنون، حيث يظهر في المنظر الأخير «سعيد/ الشعب وقد أصابه الذهول والانكسار والإحباط في السجن، يناجي القادم من بعده ويستحلفه بكل طبقات الشعب الكادح، وبكل حضاراته القديمة والحديثة ألا يبطئ، ويذكره أن يحمل سيفه، فالكلمات لم تعد قادرة على الفعل في هذا الزمن»( )، كما كان صلب الحلاج بعد تعذيبه والتنكيل به في مأساة الحلاج وتزييف وعي العامة وقتل السجين الثاني من أساليب الخلاص السلطوي، لا الخلاص الثوري، وهذا ما حدث في مسرحية مسافر ليل حين قتل المسافر/ الشعب بهذه الطريقة وحمله الراوي/ المثقف خوفًا من عامل التذاكر/ السلطة.
- التركيز على أن الشخصية الثائرة في ثلاثية نجيب سرور جاءت للتعبير عن طبقات الشعب المصري السحيقة، فقد عبر عنها في (ياسين وبهية) بالفلاح، وفي (آه يا ليل يا قمر) بالعامل، وفي (قولوا لعين الشمس) بالبنّاء والعسكري والفنان.
- كشف حجم المعاناة التي يعانيها أبطال نجيب سرور داخل هذا السياق المليء بالفساد، حيث اعتمد في ثلاثيته على سلبية المجتمع وفساده ليتخذ من الحشيش والخمر أدوات هروب تغيب العقل وينتظر الخلاص الذي يأتي على يد القناصة دائمًا.
- التأكيد على أن الشخصية الثائرة شخصية متمردة، يراها المجتمع أملاً في بعض الأحيان، وتراها السلطة ضجيجًا يجب التخلص منه، لذا تنتهي هذه الشخصية نهاية مأساوية في كل الظروف، وهذا ما أكد عليه مسرح صلاح عبدالصبور ومسرح نجيب سرور.
- إبراز أهمية اللغة في المسرح والتركيز على رمزيتها، فهي إحدى أدوات الشاعر أو الكاتب المهمة لصياغة أفكاره إلى كلمات وعبارات.
- التأكيد على دور اللغة الفعال في المسرح بشكل عام، والمسرح الشعري بشكل خاص.
- إبراز الفروق بين اللغة على لسان الشخصية الثائرة واللغة على لسان الشخصية العادية.
- تناول دور المؤلف في تشكيل الشخصية الثائرة، وحرصه على اختيار ألفاظها بعناية شديدة، فالشخصية الثائرة، شخصية لها موقفها من الحياة، ولغتها لغة خاصة، مبنية على ثقافة خاصة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق